د. سعيد الدرمكي

في 20 مايو من كل عام، يُحتفى باليوم العالمي للموارد البشرية، وهي مناسبة دولية تُسلط الضوء على الأدوار الحيوية التي تضطلع بها إدارات الموارد البشرية في دعم استدامة المؤسسات وتعزيز ثقافتها المؤسسية.

وقد جاء شعار عام 2025 "تمكين الذكاء الاصطناعي.. قيادة التغيير معًا"، ليُعبِّر عن الحاجة إلى إيجاد توازن مسؤول بين التقدم التكنولوجي والقيم الإنسانية في بيئة العمل.

هذا اليوم لا يمثل مُجرد لحظة احتفالية؛ بل يُجسّد إدراكًا عالميًا متزايدًا لأهمية الموارد البشرية باعتبارها ركيزة استراتيجية في تطوير الأعمال. فقد أصبحت إدارات الموارد البشرية تلعب دورًا فاعلًا في تصميم السياسات، وتحسين تجربة الموظف، وقيادة التحولات التنظيمية نحو الأفضل.

يحمل شعار هذا العام رسالة واضحة مفادها: "التقنية يجب أن تخدم الإنسان، لا أن تحل محله". وفي ظل التوسع المتسارع لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التوظيف، والتقييم، وتحليل البيانات، بات من الضروري الحفاظ على البُعد الإنساني في اتخاذ القرار، وضمان الشفافية والعدالة في العمليات المرتبطة بالأفراد. وتقع على عاتق إدارات الموارد البشرية مسؤولية تحقيق توازن واعٍ بين التحول الرقمي ومتطلبات الواقع المهني، بحيث تُوظف التكنولوجيا كأداة داعمة للإنسان لا بديلاً عنه، وتعزز من جودة بيئة العمل دون الإخلال بالقيم المؤسسية.

وقد شهدت فعاليات هذا العام مشاركة واسعة من مختلف دول العالم. وفي سلطنة عُمان، كان الحضور المؤسسي لافتًا في فعاليات اليوم العالمي للموارد البشرية 2025، حيث نظّمت وزارة الطاقة والمعادن منتدىً متخصصًا لقطاع الطاقة، تحت شعار "الموارد البشرية الاستراتيجية في قطاع الطاقة"، بمشاركة قيادات تنفيذية ومهنيين. ويهدف المنتدى إلى بناء منظومة موارد بشرية متكاملة تتماشى مع رؤية "عُمان 2040"، من خلال مناقشة أربعة محاور رئيسية: تعزيز المرونة القيادية، توسيع فرص التوظيف للعمانيين، التطوير المهني، وتحسين بيئة العمل من حيث الصحة النفسية والرفاهية.

أما على المستوى الخليجي والدولي، فقد شهدت دول الخليج تنظيم فعاليات متنوعة بمناسبة اليوم العالمي للموارد البشرية، ركّزت على التحول الرقمي وتجربة الموظف. ففي السعودية، أُقيم منتدى التهيئة الرقمية للقوى العاملة، والذي ناقش سبل تمكين الكوادر الوطنية من المهارات الرقمية لمواكبة التحول في سوق العمل. وفي الإمارات، أُطلقت مبادرة بعنوان "مستقبل الإنسان في ظل الذكاء الاصطناعي"، بهدف تمكين مسؤولي الموارد البشرية من أدوات التحليل والتنبؤ الذكي في إدارة المواهب. وفي البحرين، نُظّمت ندوة حول دور الذكاء الاصطناعي في العدالة التنظيمية، ركّزت على استخدام التقنيات الحديثة لضمان الشفافية والمساواة داخل بيئات العمل. كما شهدت قطر فعاليات توعوية ومهنية هدفت إلى إبراز تجارب التحول الرقمي الناجحة في إدارة الموارد البشرية وتعزيز ثقافة الابتكار المؤسسي.

وعلى الصعيد الدولي، أطلق المعهد المعتمد للأفراد والتنمية (CIPD)، بالتعاون مع الرابطة الأوروبية لإدارة الأفراد (EAPM)، منتدى بعنوان "قيادة التغيير في عالم رقمي". كما دشّن فرع المعهد في الشرق الأوسط جوائز التميز في الموارد البشرية. من جهتها، شاركت جمعية إدارة الموارد البشرية الأمريكية (SHRM) عبر منصاتها الإقليمية في حملات توعوية ومحتوى ركّز على إبراز قصص النجاح، وتعزيز ثقافة التعلم المستمر، واستشراف مستقبل العمل.

ومن أبرز الدروس المستفادة هذا العام: تمكين الكوادر البشرية بالمهارات الرقمية والتحليلية، وتعزيز الشراكة بين الموارد البشرية والإدارة العليا، إلى جانب مواصلة الاهتمام بجوانب الصحة النفسية والرفاهية كعنصرين أساسيين في الحفاظ على الأداء العالي. كما أكدت التجارب الناجحة أهمية تطوير آليات اتخاذ القرار بما يراعي الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية.

ولا ينبغي أن يقف تأثير هذا اليوم عند حدوده الزمنية، بل يجب ترجمته إلى خطة عمل سنوية تُسهم في ترسيخ ثقافة التحسين المستمر داخل المؤسسات. من خلال بناء برامج تدريبية، وإطلاق مبادرات تنموية تعزز من تجربة الموظف، وتوفير قنوات تواصل داخلي فعالة، يمكن للمؤسسات أن تجعل من هذا اليوم محطة انطلاق لتغيير أعمق وأكثر استدامة.

لقد أثبت اليوم العالمي للموارد البشرية 2025 أن المستقبل يتطلب نماذج عمل مرنة، وقيادات واعية قادرة على توجيه التغيير. وما دامت الموارد البشرية تحافظ على دورها كمحرّك للعدالة والتطوير، فستبقى في طليعة من يقودون التحول الحقيقي في المؤسسات.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

دعم حكومي لتحفيز توظيف السعوديين في سوق العمل

في مشهد يعكس تحولاً نشطاً لسوق العمل السعودية، وتزايد فعالية برامج التمكين الحكومية، أعلن صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف» مساهمته في توظيف أكثر من 143 ألف مواطن ومواطنة خلال الربع الأول من العام الجاري، بنسبة نمو بلغت 93 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وهو ما يعكس تسارع وتيرة التوطين، وتكامل الجهود بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص في ظل «رؤية 2030».

هذا النمو المرتفع في التوظيف يأتي بوصف أنه جزء من حزمة برامج دعم متنوعة يقدمها «هدف» في مجالات التدريب، والتمكين، والإرشاد المهني، والتي استفاد منها أكثر من 1.18 مليون شخص خلال الربع الأول فقط، بنسبة نمو بلغت 4 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. كما تجاوز عدد المنشآت المستفيدة من هذه البرامج 98 ألف منشأة في مختلف مناطق المملكة وقطاعاتها، بنمو 37 في المائة، 93 في المائة منها كانت منشآت صغيرة، ومتوسطة، ومتناهية الصغر.

الاستدامة الاقتصادية

أخبار قد تهمك السعودية تُنجز 900 إصلاح لتعزيز بيئة الاستثمار وجاذبيتها 22 مايو 2025 - 1:23 مساءً مساعد رئيس مجلس الشورى تنوه بدور رؤية 2030 في تمكين المرأة والشباب خلال قمة “فورتشن” الدولية 21 مايو 2025 - 10:31 مساءً

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أوضح المختص في الموارد البشرية، علي آل عيد، أن استمرار صندوق تنمية الموارد البشرية في دفع الإيجابية داخل سوق العمل يرسّخ الشراكة الفاعلة بينه وبين القطاعات المختلفة في المملكة، ويعكس أثرها على تمكين الكوادر الوطنية. وأكد أن ارتفاع نسبة النمو في دعم التوظيف يعكس تسارعاً ملموساً في وتيرة التمكين الوطني، خاصة مع تركيز البرامج المطروحة على تلبية الاحتياجات الآنية، وتطلعات سوق العمل المستقبلية.

وأشار آل عيد إلى أن وصول الدعم إلى القاعدة العريضة من السوق، التي تتمثل في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، يُعدّ مؤشراً قوياً على استهداف الفئات الأكثر احتياجاً في الاقتصاد الوطني، مضيفاً أن السوق السعودية تشهد تحولات سريعة نحو الاستثمار في الكفاءات الوطنية، وتعزيز ريادة الأعمال، وتوسيع التوظيف في القطاعات الواعدة.

ولفت إلى أن الاستثمار في رأس المال البشري يظل الخيار الأذكى لتحقيق الاستدامة الاقتصادية، وهو ما نشهده اليوم باعتباره أحد ثمار «رؤية 2030»، وخطط التوطين، وجهود وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

الجهود الحكومية

من جانبه، أكد المستشار في الموارد البشرية، بدر العنزي، لـ«الشرق الأوسط» أن الجهود الحكومية في مجال التوطين والتدريب، منذ إطلاق «رؤية 2030»، جعلت من صندوق تنمية الموارد البشرية واحداً من الأذرع الأساسية لتمكين الشباب السعودي، خصوصاً في القطاع الخاص. وأضاف أن البرامج التي ينفذها الصندوق أسهمت في رفع معدلات الأمان المهني، وتأهيل العنصر الوطني في مجالات تخصصية وتقنية، تتصدرها الصناعات القادمة، مثل صناعة السيارات، والخدمات اللوجستية، والتقنية، والتطبيقات الإلكترونية.

وأوضح العنزي أن هذه البرامج كانت عاملاً محورياً في دعم قرارات التوطين الصادرة من وزارة الموارد البشرية، وساهمت في رفع مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل لتصل إلى 36 في المائة بعد أن كانت 17 في المائة في عام 2017، بالإضافة إلى توظيف 437 ألف مواطن ومواطنة في القطاع الخاص خلال عام 2024 وحده، ليبلغ عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص حتى نهاية العام ذاته نحو 2.4 مليون شخص.

وبيّن العنزي أن 43.8 في المائة من النساء السعوديات العاملات يشغلن مناصب إدارية متوسطة وعليا، ما يعكس تقدماً واضحاً في مسارات التمكين المهني للمرأة، ويؤكد أن المبادرات تسير ضمن خطتها الموضوعة لتحقيق مستهدفات «رؤية 2030»، مضيفاً أن ما تحقق حتى الآن يبرهن على أن بيئة العمل أصبحت أكثر جذباً للكوادر الوطنية من الجنسين.

يُذكر أن إجمالي المبالغ المصروفة من صندوق تنمية الموارد البشرية على برامج الدعم خلال الربع الأول من عام 2025 بلغ 1.83 مليار ريال، وهو ما يؤكد حجم الاستثمار الذي توجهه الدولة نحو بناء رأسمال بشري مؤهل، وممكَّن، وقادر على قيادة التحول الاقتصادي والاجتماعي في المملكة.

مقالات مشابهة

  • تحويل الأندية إلى مؤسسات صغيرة ومتوسطة
  • وزارة الموارد البشرية توضح أبرز خدمات تطبيقاتها الرقمية في موسم الحج 1446
  • وزير الري يشارك في فعاليات مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه
  • دعم حكومي لتحفيز توظيف السعوديين في سوق العمل
  • فعاليات متنوعة في اليوم الثامن لمعرض بيروت العربي الدولي للكتاب
  • الموارد البشرية: الضمان الاجتماعي يحول الفرد والأسرة لأشخاص منتجين .. فيديو
  • رئيس رعاية بورسعيد: الموارد البشرية تمثل العمود الفقري للمنظومة الصحية
  • “الموارد البشرية” تعزز الضمان الاجتماعي ببرامج شاملة لتحسين جودة حياة المستفيدين
  • الموارد البشرية تعلن عن مبادرة لتحسين وتطوير الخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة