فجأة لم يعد ترامب يشتـري ما يبيعـه بيبي!
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
في الثاني عشر من مايو أطلق سراح الجندي إيدان ألكسندر حامل الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية من أسره لدى حماس في غزة بعد مفاوضات حيَّدت إسرائيل، وتمَّت مباشرة بين الولايات المتحدة وحماس. بدت الصور التي صاحبت الإفراج عنه شبيهة بعملية أمريكية محضة تصادف أن جرت في إسرائيل. فمفاوض الرهائن الأمريكي آدم بوهلر ـ الذي أجرى المحادثات مع حماس في مارس ـ هو الذي رافق والدة ألكسندر في الرحلة من بيتها في أمريكا إلى إسرائيل، والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف هو الذي أعطاها الهاتف المحمول لتتكلم معه في لحظة إطلاق سراحه.
وليست هذه بإدارة ترامب التي كان نتنياهو ينتظرها على أحر من الجمر؛ فتقريبا في كل قضية استراتيجية أو جيوسياسية ذات شأن بالنسبة لإسرائيل ـ من السعي إلى اتفاق نووي جديد مع إيران إلى وقف إطلاق النار مع الحوثيين، ومن معانقة النظام الحاكم الجديد في سوريا إلى التفاوض المباشر مع حماس لإطلاق سراح الرهينة ـ لم يكن الرئيس ترامب يكتفي بتجاوز إسرائيل، بل كان يتحرك في اتجاه مخالف تماما للذي كان يمكن لنتنياهو أن يختاره. أخذت الولايات المتحدة تحيد إسرائيل المرة تلو المرة. وبذلك تمكن الرئيس ترامب وفريقه من فضح سياسة التدمير التي تتبعها إسرائيل، وإخفاقات قائدها الذي لم يحقق من نجاح إلا البقاء في السلطة من خلال سعيه إلى إدامة الحرب.
لا يعني ذلك أن بين ترامب ونتنياهو أزمة قائمة، أو أن إسرائيل خسرت الولايات المتحدة بوصفها حليفها الأقوى، أو حتى أن ترامب سوف يرغم إسرائيل على إيقاف الحرب في غزة. فواقع الحال هو أن الولايات المتحدة فيما يتعلق بغزة قد تركت ائتلاف نتنياهو وشأنه. وحينما جلس رئيس الوزراء الإسرائيلي مع الرئيس ترامب في المكتب البيضاوي في فبراير الماضي بعد فرض وقف إطلاق النار في غزة على نتنياهو تلقى هو وائتلافه اليميني المتطرف هبة تتمثل في فكرة ترامب الخاصة بالريفيرا الغزاوية التي أضفت الشرعية على التهجير الجماعي للفلسطينيين من أهل غزة. ومنذ ذلك الحين قدم الرئيس ترامب المزيد من الدعم والأسلحة لإسرائيل، فكان من بينها قنابل الألفي رطل التي كان الرئيس بايدن قد حظرها، وتردد أنه طرح فكرة نقل مليون فلسطيني إلى ليبيا.
لكن الرئيس ترامب يتكلم عن «إنهاء هذه الحرب القاسية» في حين يعد نتنياهو الآن وعدا صريحا بـ«السيطرة على جميع أجزاء غزة» و«بالنصر الكامل». ومنذ أن خرقت إسرائيل وقف إطلاق النار في مارس تعرض أكثر من ثلاثة آلاف من أهل غزة للقتل، وكان أغلبهم من المدنيين. وعمدت سياسة إسرائيل إلى تجويع البقية الباقية من مليوني نسمة من أهل غزة، وذلك ما اعترف به ترامب وهو يغادر منطقة الخليج العربي في السادس عشر من مايو، وإن لم يمنع وقوعه. ولم تقترب إسرائيل بحال من النصر؛ ففي الثامن عشر من مايو- بعد أكثر من شهرين من تجميد جميع مساعدات غزة بزعم أن حماس تستفيد منها - وافق نتنياهو مكرها على دخول فوري للحد الأدنى من المساعدات بعد تحذير الولايات المتحدة والجيش الإسرائيلي من أن القطاع على شفا مجاعة شاملة. والآن أصدرت بريطانيا وفرنسا وكندا بيانا تنذر فيه بعمل عقابي، يتضمن عقوبات على إسرائيل إذا لم توقف هجومها العسكري المتجدد، وتسمح على الفور بدخول مزيد من المساعدات.
يزداد موقف رئيس الوزراء نتنياهو حرجا. فليس بوسعه أن يستمر في توجيه اللوم لإدارة بايدن في عجزه عن إلحاق الهزيمة بحماس لتضييقها عليه في غزة. ولا بوسعه أن يستمر في توجيه اللوم إلى وزير دفاعه، أو رئيس أركان الجيش، أو قيادات فريق التفاوض ـ فقد غيرهم جميعا في الآونة الأخيرة ـ أو حتى إلى قائد حماس البارز محمد السنوار الذي تردد أن إسرائيل استهدفته في الثالث عشر من مايو.
هناك أزمة لدى جنود الاحتياط الذين يواجهون مزيجا من الإجهاد، وغياب الدافع لعملية لا يؤمنون بأنها سوف تحقق أهدافها، فضلا عن مطالبة شركاء الائتلاف المتطرفين الذين يطالبون بقانون يعفي ناخبيهم من الخدمة العسكرية. كما أن غالبية الشعب الإسرائيلي، وعددا كبيرا من قيادات مؤسسة الأمن السابقين يفضلون صفقة رهائن تنهي الحرب. وقد مضوا مباشرة إلى الضغط على الرئيس ترامب راجين أن يلوي ذراع نتنياهو مثلما فعل في تحرير الرهينة ألكسندر.
يبدو أن البيت الأبيض بات أخيرا يرى نتنياهو - على حقيقته - قائدا إسرائيليا ضعيفا ليس لديه شيء يذكر ليقدمه للرئيس ترامب الذي يبدو أشد اهتماما بالتجارة، والاقتصاد، وجائزة نوبل للسلام منه بتمويل حرب لا نهاية لها.
وذلك تحول وأي تحول؛ فبعد فوز الرئيس ترامب بالانتخابات رأى نتنياهو حليفا له يدخل البيت الأبيض. وقد كان هذا في نهاية المطاف هو الرئيس الذي اعترف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في ولايته الأولى. وهو نفسه الرئيس الذي وفر منذ عودته إلى السلطة الحماية لنتنياهو من مذكرة التوقيف الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية بفرض عقوبات على المحكمة، وحملة عدوانية لقمع حرية التعبير، وتفكيك العمل السياسي الموالي لفلسطين في الولايات المتحدة.
وهو الآن الرئيس الذي ترك نتنياهو بادي العزلة ذليلا عاجزا أكثر من ذي قبل.
قبل أشهر قليلة بدا أن إسرائيل تحرز مكتسبات تاريخية في معركة عقود على السيادة في الشرق الأوسط؛ فقد سحقت حزب الله في لبنان، وأضعفت إيران، وأسهمت في خلع نظام الأسد الحاكم في سوريا. وها هي اليوم تبدو قد فقدت قوتها. لم يبق لها غير جيش هائل القدرات ماهر في المراقبة والتدمير، وقائد بارع في فن البقاء السياسي من خلال سحق المعارضة، ومن خلال التلاعب بالسرديات. ولا يجمع بين أعضاء ائتلاف نتنياهو من الاستيطانيين اليمينيين المتطرفين، أو اليهود من غلاة المتشددين إلا أنه لم يبق لهم من وجهة أخرى يولونها. وبرغم أنه لا يزال كثير من الشك محيطا بمسألة ما إذا كان الرئيس ترامب سوف يرغم نتنياهو في نهاية المطاف على إنهاء حرب غزة؛ فإن قدرة إسرائيل على توجيه الحوار وصياغة شروط الديناميات الإقليمية قد تقلصت إلى حد كبير بهذه الحملة التي تسير في طريق مسدود.
لقد بات ما يبيعه نتنياهو ـ أي الانتصار الكامل على حماس دونما ضمان برجوع بقية الرهائن ـ سلعة بائرة تفتقر إلى من يشترونها؛ فبات في هذه الأيام حبيس شَرَك. لكنه أيضا معروف بالبراعة في الحفاظ على الذات؛ فترى كيف سيخرج نفسه هذه المرة؟ وكم من نفس سوف تدفع ثمن ذلك بإزهاق أرواحها؟هذا هو السؤال.
ميراف زونسزين مشاركة في صفحة الرأي بجريدة نيويورك تايمز، وهي أيضا محللة إسرائيلية بارزة في المجموعة الدولية للأزمات.
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الرئیس ترامب فی غزة
إقرأ أيضاً:
ترامب يطلق خطة نهضة نووية لتعزيز إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الجمعة، سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تهدف إلى تعزيز قطاع الطاقة النووية المدني في البلاد، في خطوة وصفها البيت الأبيض بأنها تمثل بداية "نهضة نووية" لمواجهة الطفرة المتزايدة في الطلب على الكهرباء، خصوصاً من مراكز البيانات وأنظمة الذكاء الاصطناعي.
ووجه ترامب اللجنة التنظيمية النووية المستقلة إلى تقليص القيود التنظيمية وتسريع إصدار التراخيص لبناء مفاعلات ومحطات جديدة، بما يختصر العملية من سنوات طويلة إلى فترة لا تتجاوز 18 شهراً.
وشملت المبادرة الرئاسية توقيع أربعة أوامر تنفيذية، أكد مستشارو ترامب أنها تستهدف زيادة إنتاج الطاقة النووية المدنية الأمريكية بمعدل أربعة أضعاف خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة.
وشدد ترامب خلال مؤتمر صحفي في المكتب البيضاوي على أهمية الطاقة النووية، قائلاً: "الآن هو وقت الطاقة النووية"، بينما اعتبر وزير الداخلية دوغ بورغوم أن أحد التحديات الاستراتيجية يتمثل في "إنتاج ما يكفي من الكهرباء للفوز في مبارزة الذكاء الاصطناعي مع الصين".
وتتضمن الإجراءات المعلنة أيضاً إصلاحات شاملة للجنة التنظيمية النووية، من بينها مراجعة مستويات التوظيف داخلها، والعمل على تسريع عمليات التصريح بالمشروعات النووية الجديدة، فضلاً عن توجيه وزارتي الطاقة والدفاع للتعاون في بناء محطات نووية على أراضٍ اتحادية.
نقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول كبير في البيت الأبيض أن الإدارة تهدف إلى اختبار وتشغيل مفاعلات نووية جديدة بحلول يناير 2029، مشيراً إلى أن الحكومة تسعى كذلك إلى إحياء عمليات استخراج وتخصيب اليورانيوم محلياً لتأمين سلسلة الإمداد النووي.
وفي ذات السياق، قالت وكالة "رويترز" إن التوجه الجديد يشمل أيضاً تسريع بناء مفاعلات صغيرة، والتي يُنظر إليها كمصدر مرن وآمن للطاقة في ظل الطلب المتنامي.
تأتي هذه الخطوات بعد إعلان ترامب، في وقت سابق من هذا العام، حالة طوارئ وطنية في قطاع الطاقة، معللاً قراره بأن الولايات المتحدة تعاني من نقص في إمدادات الكهرباء لتلبية الاحتياجات المتزايدة، خاصة من قبل مراكز البيانات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي والبنية التكنولوجية الحديثة.
ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال تتصدر العالم كأكبر قوة نووية مدنية، إذ تضم 94 مفاعلاً عاملاً بمتوسط عمر يبلغ 42 عاماً، فإن وتيرة بناء المفاعلات الجديدة ظلت بطيئة، إذ قد يستغرق إصدار التراخيص الجديدة أكثر من عقد بسبب إجراءات السلامة المشددة، وهو ما تحاول الإدارة الحالية تغييره ضمن رؤيتها لتوسيع قدرات الطاقة بشكل سريع وآمن.