صدى البلد:
2025-05-28@20:55:46 GMT

هند عصام تكتب: الملك لير

تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT

نتحدث هذا الأسبوع عن أسطورة لا هي مصرية فرعونية ولا هي يونانية كما أعتدنا وأعتاد القارئ إنما هي قصة شهيرة لملك شهير و كانت مادة دسمة أذهلت عقول الكتاب والأدباء وأشهرهم الكاتب المسرحي ويليام شكسبير عندما قرر عمل  مسرحية تراجيدية عن الملك لير تتكون من خمسة فصول، كتبت في 1605 ونشرت في 1608. قدمت على المسرح لأول مرة سنة 1606.

تدور احداث القصة في بريطانيا القديمة، حيث يقرر الملك المسن لير التخلي عن ملكه وتقسيم مملكته على بناته الثلاث، كورديليا، ريغان، وغونريل
و كان الملك  لير، وهو أحد ملوك بريطانيا فيما مضى، و كان للملك ثلاث بنات هنّ (جونوريل وهي البنت الكبرى)، و(ريجان وهي البنت الوسطى)، و(كورديليا وهي البنت الصغرى)، وجميعهن متزوجات ما عدا البنت الصغرى كورديليا.

وبدأت قصة الملك لير عندما قرر الملك في يومٍ من الأيام  أن يتنازل عن العرش لبناته نظرًا لتقدّمه في العمر، وعدم قدرته على تحمّل مسؤوليات الحُكم والشعب.
وجاء لقاء الملك لير ببناته لاطلاعن على قراره و استدعى الملك جميع بناته، وطلب أن تعبر كل واحدة منهن عن مدى حبها له، وعلى قدر ما سيخبرهن به تعبيرًا عن الحب والولاء له،وعلى ذلك الأمر  سيُعطي لواحدة منهن عرش المملكة، وبدء الملك لير بالبنت الكبرى جونوريل التي كانت على قدر كبير من الدّهاء والذكاء والمَكر، وكانت تُجيد تنميق الكلمات والعبارات الجميلة. فأخبرت الملك بأنه تحبه لدرجة كبيرة وأنه أغلى ما تملك، بل وأنه هو النظر لعينيها والنبض لقلبها، وأنها لا تستطيع وصفه حتى بالكلمات، وكذلك فعلت أختها الوسطى، وأما الأخت الصغرى كورديليا فقد كانت تحب الملك حبًّا كبيرًا، ولكنها لا تستطيع التعبير عمّا بداخلها ولا تُحسن انتقاء الألفاظ.

فطلب منها الملك أن تعود مرّة أخرى وتنتقي كلمات تتناسب مع مقام الملك وتعود إليه من جديد. لكنها لم تستطع أن تقول أكثر مما قالته له في المرّة الأولى. وكان  أثر هذا اللقاء على علاقة الملك ببناته هي أن الملك  لم يعطِ  لابنته الصغرى شيئًا، وقسّم مُلكه مناصفة بين ابنتيه الكُبرى والوسطى، وشمل ذلك تنازله عن سلطاته كملك للبلاد، على أن يبقى لقب ملك البلاد له، وأن يقيم طوال حياته لمدّة شهر بالتناوب بين قصري ابنتيه الكُبرى والوسطى مع عدد من فرسانه.
أما  مصير ابنة الملك الصغري كورديليا، فقد شَعَرَ الناس في محيط القصر بالحزن الشديد على الأميرة كورديليا؛ لأنهم كانوا يعلمون مدى حبها وتعلّقها بوالدها، ومن أبرز هؤلاء النبيل أيرل الذي كان شديد الإخلاص للملك، فتكلم معه فيما يخص ابنته الصغرى، فغضب الملك غضبًا شديدًا ونفاه من المملكة.
وفي هذه الفترة كانت كورديليا على وشك الزواج من الدّوق برجاندي، لكنه عندما علم بحرمان الملك لها من المُلك تراجع عن الزواج وتركها وحيدة، وكان ملك فرنسا معجبًا بالأميرة كورديليا، ولكن لم يثنه فعل والدها الملك لير عن التقدّم لها وخطبتها، فتزوّجها وبعد فترة وجيزة، وأصبحت كورديليا ملكة لفرنسا. 
وبعد مرور فترة زمنيّة على استلام بنات الملك المملكة، بدأ يشعر الملك لير بخيبة أمل تتسرب إلى أعماقه، فقد تبيّن له أن ابنته الكُبرى لا تحب إقامته معها هو وفرسانه، بل صرّحت له أيضا بهذا الأمر، وطلبت من الجنود والخدم عدم الاكتراث لوالدها وتجاهل أوامره وطلباته .

وعند ذلك  غضب الملك غضبًا شديدًا نتيجة لاستمرار سوء معاملة ابنته الكبرى، ثم ذهب قاصدًا قصر ابنته الوسطى، وفي هذه الأثناء بقي إيرل في بريطانيا متخفيًا بلباس أحد الخدم المُقرّبين من الملك والذي يسمى كايوس، فطلب الملك من كايوس أن يذهب لابنته الوسطى ويطلب منها أن تجهّز مكانًا لاستقباله حَدَث عراك بين كايوس وأحد الجنود الذين أهانوا الملك عندما كان في قصر ابنته الكبرى.

وعندما سمعت ابنة الملك الوسطى بأمر الشجار، اعتقلت كايوس في السجن وعذَّبته، وحين وصل الملك قصر ابنته الوسطى، وجد الحرس يعذّبون خادمه كايوس عند بوابة القصر على آلة التعذيب، فغضب غضبًا شديدًا، وطلب مقابلة ابنته الوسطى ولكنها رفضت بحجة أنها مشغولة هي وزوجها، وأنهما يشعران بالتعب، ولا يستطيعان مقابلة أحد، فشعر الملك بخيبة أمل كبيرة. وطلب من جنوده التوجّه إلى مكان لكي يرتاح ويعيش فيه ويجد الأمان، وأنه لا يريد العيش مع ابنتيه الجاحدين لأفضاله فتوّجه إلى قلعة دوفر بناءً على طلب كايوس الذي أفرج عنه لاحقًا وبعد الإفراج عن كايوس توجّه إلى فرنسا حيث تسكن ابنة الملك الصغرى كورديليا ملكة فرنسا وأخبرها بما فعلته أختيها الكبرى والوسطى بأبيها بإنكارهما لأفضاله. وعندما سمعت الملكة كورديليا بالخبر ذهبت على الفور للقاء والدها، فاحتضنته وأخبرته بمدى حبها له وصدقها الشديد معه وأن حبها له نابعٌ من القلب من دون أن يكون لها أي مصالح ماديّة أو شخصيّة معه، فأدرك الملك الخطأ الفادح الذي ارتكبه عندما حرم كورديليا من المُلك وتفضيله لابنتيه الوسطى والكُبرى اللتين تجيدان تنميق الكلام فقط. ما مصير بنات الملك لير في هذه الفترة كانت ابنتا الملك الكبرى والوسطى قد وقعتا في حب رجلٍ واحدٍ يُدعى أدموند، وبعد فترة توفي زوج الابنة الوسطى، فقررت الزواج من أدموند، وأدى هذا الأمر إلى نشوب خلافات ومشاكل بينها وبين أختها الكُبرى، فدسّت أختها الكُبرى لها السّم وماتت على الفور. وعندما علم زوج البنت الكبرى بفعلتها، أمر بإعدامها على الفور، وبعد ذلك نشبت معركة كبيرة بين مملكة فرنسا التي تعتلي عرشها الابنة الصغرى كورديليا ومملكة بريطانيا، فسجنت لفترة طويلة، ثم أُعدمت، وعندما سمع والدها بخبر إعدامها مات حزنًا على ابنته التي أحبته بصدق وإخلاص، وأما زوج ابنة الملك الكُبرى فقد أصبح ملكًا على مملكة بريطانيا.
وفي نهاية الأمر كيف يمكن لنا أن نستفيد من قصة الملك لير 
وهي  أنّ صدق الحب والمشاعر الجميلة أهم من الكلام المعسول، والمشاعر الإنسانيّة الصادقة هي أجمل وأهم ما يمتلكه الإنسان تجاه الآخرين، فمعظمنا نتقن فن الكلام لكن الأفعال وحدها تبرهن أين مكانك ، والأفعال هي  وحدها 
من تؤكد على صدق المحبة أما الكلام فالجميع فلاسفة.

طباعة شارك ويليام شكسبير الملك لير بريطانيا

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ويليام شكسبير الملك لير بريطانيا ابنة الملک الملک لیر الک برى شدید ا

إقرأ أيضاً:

شيخة الجابري تكتب: التنشئة والذكاء الاصطناعي

نعيش زمناً تتقاطع فيه الكثير من المغريات والتحديات، الفرص والصعوبات، الاتصال والانفصال، التشارك والتعارك، مصطلحات متعددة بعضها يغريك بالدخول في تفاصيله، وبعضها يضعك أمام خيارات لا قِبل لك إلا أن تجاريها أو تقتنص منها ما يناسب ثقافتك وهويتك وتنشئتك وتربيتك الأسرية والقيميّة، في ظل ما يصلنا من جديد في التقنية والذكاء الاصطناعي والابتكارات، إن جاز التعبير «المؤذي» بعضها، والذاهب بنا نحو تعقيدات نحتاج زمناً لاستيعابها والتعامل معها.
لقد أصبح للتكنولوجيا بمختلف تصنيفاتها وخدماتها، تأثير عميق على العلاقات والتفاعل بين الأفراد، ووفقاً لما نراه من تغيرات، يبدو أن الذكاء الاصطناعي ستكون لهُ اليد الطولى في المستقبل، وسوف يكون أحد الأدوات التي تعيد تشكيل أنماط التنشئة الاجتماعية، حيث أصبح الأفراد يعتمدون على التطبيقات الرقمية والخوارزميات في التواصل والتفاعل اليومي بينهم، ما يؤثر في العلاقات الاجتماعية، ويرفع من درجة خطورة الاعتماد عليه.
اليوم أصبحت تلك العلاقات افتراضية كما يقولون، لكنها واقعاً تقترب إلى أن تكون هي الواقعية ونحن الذين نعيش في الزمن الافتراضي كما يحلو للشباب وصفه، ففي الوقت الذي تزداد فيه وتيرة التواصل عبر القنوات والوسائط الجديدة بين الجيل الشاب، يسير الجيل الذي لم يواكب هذه المتغيرات، بعد نحو عزلة اختيارية ينأى فيها بنفسه عن الحرج أمام ما يعاصر من تحولات جذرية في بنية التنشئة والتواصل الإنساني الواقعي.
لقد تغيرت مفاهيم العلاقات الاجتماعية مع انتشار الوسائل الرقمية، وصار التواصل الشخصي مع الآخر مرهوناً بالوقت، والفرصة السانحة، وربما الرغبة الحقيقية لدى من يسعى للتواصل، كما أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يسير بنا نحو متغيرات سوف تضع الأسر أمام تحديات تربوية حقيقية، فالأبناء الذين يملكون الهواتف والأجهزة اللوحية، يجهل الوالدان الكيفية التي يتعاملون بها مع تلك الأجهزة، من يحاورون، ماذا يبتاعون، ماذا يستخدمون من أدوات قد تشكل خطراً عليهم وعلى مستقبلهم.
هناك صعوبات عديدة ستواجه الأسر وهم يتعاملون مع أبنائهم، ذلك أنهم لم يعودوا وحدهم الذين يقومون بهذه العملية، فهناك شركاء افتراضيون يدسون أنوفهم في كل ذلك، ما عاد للأجداد ذاك الدور التربوي القيمي والأخلاقي الذين يساهمون به في التنشئة، فقد أضمحل هذا الدور لدى بعض الأسر، ولذا صار من المهم أن تضع الأسر أمامها هذه التحديات وتأخذها على محمل الجد، فهناك من يستطيع اختراق عقول الأبناء وأخذهم إلى طرق وعرة يتعرضون فيها إلى الاستغلال والتلاعب والتحايل الإلكتروني الذي لم يتم توعيتهم باتجاهه التوعية الصحيحة بَعد.

أخبار ذات صلة بدء تقييم الأعمال القصصية لـ«جائزة غانم غباش» شيخة الجابري تكتب: الإمارات تصنعُ الدهشة

مقالات مشابهة

  • مونيكا وليم تكتب: غزة .. نحو صفقة شاملة أم وقف مؤقت؟
  • بتهمة اغتصاب وتعذيب ابنته .. القبض على متعاطٍ للمخدرات في الرمادي
  • كيف تكتب عن فلسطين؟ دليل ساخر للسلوك الإعلامي المريح
  • مقتل شخص على يد زوح ابنته خلال جلسة صلح بقليوب
  • وفد وزارة الرياضة يختتم مشاركته في منتدى شباب مجلس التعاون وآسيا الوسطى بطاجيكستان
  • لاستعطاف الدائنين.. الإعدام لـ فلاح تخلص من ابنته الرضيعة بمصرف مائي في أسيوط
  • غزة: جميع مخابز المنطقة الوسطى توقفت عن العمل
  • الناشطة لينا الطراونة تكتب في عيد الاستقلال
  • شيخة الجابري تكتب: التنشئة والذكاء الاصطناعي