في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيرات العالمية، لم تعد معركة الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية رفاهية فكرية، بل أصبحت ضرورة وطنية لحماية وعي الأجيال القادمة من الذوبان وسط موجات التغريب، ومن هذا المنطلق، جاء الطرح من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومعه الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، ووزير التعليم الدكتور محمد عبد اللطيف، حول إمكانية إعادة إحياء فكرة «الكتاتيب»،
هذه الدعوة الواعية لا تستهدف استنساخ الشكل التقليدي للكتاتيب، بل تنطلق من قراءة دقيقة لواقع النشء المصري، الذي لم يعد تحت تأثير الأسرة أو المدرسة فقط، بل أصبح ابنًا لعالم رقمي مفتوح تسيطر عليه «الحالة الرقمية»، من خلال شاشة هاتف محمول لا تتعدى سنتيمترات، لكنها تتحكم في تشكيل وعيه وقيمه.
لقد كانت الكتاتيب في مصر، خصوصًا قبل الستينيات، نموذجًا تربويًا وأخلاقيًا أصيلًا، في بيئة ثقافية نقية لم تتلوث بعد بالتطرف أو التشوهات المستوردة. وكان المعلّم رمزًا للوقار والمعرفة، يُغرس في الأطفال القيم والتسامح والانتماء قبل أن يُعلّمهم الحروف. أما اليوم، فإن الدعوة لإحياء هذه التجربة لا تخلو من التحديات، إذ أن البيئة الثقافية الحالية تشهد اختراقات عديدة، وقد تتحول الكتاتيب - إن لم تُضبط برؤية عصرية - إلى منصات لبث فكر منغلق، حتى وإن كانت تحت مظلة وزارة التعليم، لأن التطرف أصبح مناخًا، لا مجرد أفراد.
من هنا، تبدو رؤية القيادة السياسية في محلّها، حين تطرح فكرة تطوير «كتاتيب لكن بشكل رقمي»، تُقدّم عبر تطبيقات ذكية موجهة للأطفال من سن الحضانة وحتى الإعدادية، تُدمج فيها القيم، والمعرفة، والترفيه، داخل فضاء رقمي آمن وجذاب، يُعبر عن الهوية المصرية المتنوعة دينيًا وثقافيًا، بلغة يفهمها هذا الجيل ويقبل عليها.
لكن تنفيذ هذا المشروع الطموح لا يمكن أن يتحقق بدون إعداد بيئة تعليمية متكاملة، تبدأ من تصميم مدارس بمعايير عصرية، وتكوين معلمين مؤهلين علميًا وتقنيًا قادرين على قيادة هذا التحول الرقمي التعليمي. وهو ما يتطلب استراتيجية طويلة المدى، تقوم على بناء جيل من المعلمين يتقنون أدوات الذكاء الاصطناعي، ويتحررون من نمط الإدارة التقليدية التي أثبتت فشلها لعقود طويلة وأسهمت في تدهور مخرجات التعليم.
إن نجاح فكرة «الكتاتيب الرقمية» يستلزم أيضًا تحولًا في العقل الإداري والتربوي، لأن استمرار النهج القديم يعني تكرار الفشل، بينما تتطلب المعركة الجديدة فكرًا مرنًا، وإدارة تتعامل مع النشء بلغة العصر، وتُدرك أن المواجهة الحقيقية مع التطرف والانفصال الثقافي لا تتم بالأدوات التقليدية، بل بالتقنية الذكية، والمحتوى الجاذب، والقيم المُدمجة بسلاسة داخل تطبيقات الحياة اليومية للأطفال.
في النهاية، معركة الهوية تبدأ من الحضانة، وتُحسم حين ننجح في تقديم نموذج تعليمي رقمي يُشبِه أبناءنا، ويستوعبهم، ويحتضن فضولهم، ويرسّخ فيهم القيم المصرية الأصيلة، بلغة المستقبل، لا بأدوات الماضي.
اقرأ أيضاًتقارير: توتنهام أبرز المهتمين بضم ساني من بايرن ميونخ
جمعوها من تجارة المخدرات.. القبض على 7 متهمين بغسل 80 مليون جنيه
السجن 10 سنوات لنجار قتل شابًا وسرق هاتفه بالإسكندرية
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مصطفى مدبولي عبد الفتاح السيسي الذكاء الاصطناعي الكتاتيب التغيرات العالمية
إقرأ أيضاً:
أكثر من 1.8 مليون أردني يختارون “سند” للهوية الرقمية.. نحو مستقبل رقمي جديد!
صراحة نيوز- قال وزير الدولة لتطوير القطاع العام، خير أبو صعيليك، الثلاثاء، إن أكثر من 1.8 مليون مواطن أردني فعّلوا هويتهم الرقمية عبر تطبيق “سند” الحكومي حتى نهاية الربع الثاني من هذا العام.
وأضاف خلال لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام تحت عنوان “تحديث القطاع العام.. عزم مستمر” أن وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة مستمرة في توسيع تفعيل الهوية الرقمية، مع خطط لرقمنة 80% من الخدمات الحكومية بحلول نهاية العام الجاري.
كما تناول اللقاء عدة محاور مهمة، منها تقييم البرنامج التنفيذي الأول وتصميم البرنامج التنفيذي الثاني ضمن خريطة تحديث القطاع العام، إلى جانب المحاور السبعة لتحسين جودة الخدمات الحكومية، وتمكين قدرات العاملين في القطاع، وترسيخ ثقافة مؤسسية قائمة على الكفاءة والشفافية والمساءلة. كما أكد اللقاء على أهمية إعادة تشكيل منظومة الإدارة العامة وتطوير نظام القيادات الحكومية لضمان تحقيق هذه الأهداف.