أهالي مخيمات طولكرم يبثّون أحزانهم بعد طردهم من منازلهم
تاريخ النشر: 30th, May 2025 GMT
طولكرم- "حولوا قضية المخيم واللاجئين إلى طرد طعام، وإيجار منزل، واحتياجات. مطلبنا الوحيد هو العودة الى منازلنا، لأنها أمننا وأماننا"، تقول الفلسطينية عبير الدسوقي من مخيم طولكرم أثناء انتظارها على مدخله للوصول إلى منزلها الذي يخطره جيش الاحتلال الإسرائيلي بالهدم.
وتتابع بحرقة كبيرة ويأس "انتظرت ساعتين ونصف ساعة ولم يسمح لي جنود الاحتلال بالدخول، ومنعوا آخرين لديهم تنسيق من الوصول إلى منازلهم، كنا نحاول أخذ بعض الأغراض لكن لم نتمكن".
وعبير الدسوقي واحدة من عشرات النازحين الذين تلقوا إخطارات بهدم منازلهم داخل مخيم طولكرم شمال الضفة الغربية، وتجمعوا عند مداخله بعد ورود معلومات تفيد بسماح جنود الاحتلال لهم بالدخول وجمع مقتنياتهم منه.
تنكيل وإطلاق نارإلى جانب الدسوقي كانت إحدى سيدات المخيم تواسي الموجودين، وتقول "نحن نريد أرض المخيم، لا البيوت والحجارة، لا نسعى لأخذ ثلاجة أو طقم كنب، لأن من ابتاعها سابقا يشتري غيرها، نحن نريد أرض المخيم كي نعمره ونسكنه من جديد".
لكن على الأرض، أعاق جنود الاحتلال دخول الأهالي، ومنعوا بعضهم الوصول لبيوتهم، في حين لم يتمكن من دخل إلى عمق المخيم من جمع ما يحتاجه لضيق الوقت وصعوبة التنقل في شوارعه وأحيائه المدمرة، وأعلن جنود الاحتلال انتهاء المهلة قبل الوقت المحدد، وأخرجوا الأهالي بالتهديد والصراخ وإطلاق الرصاص عشوائيا.
إعلانوعند مدخل المخيم انتشر الجنود، ودققوا في هويات المواطنين واستجوبوا عددا منهم، وأطلقوا الرصاص الحي مباشرة على طواقم الهلال الأحمر الذين تواجدوا بتنسيق مسبق لمساعدة الأهالي.
وقالت مديرة جمعية الهلال الأحمر في طولكرم، منال الحافي، إن جيش الاحتلال استهدف طواقمهم بإطلاق النار مباشرة على المركبة الإدارية للجمعية وسائقها أثناء توجههم لمساعدة سكان المخيم، كما اعتدوا على منسق المتطوعين أثناء قيامه بعمله هناك.
هدم النسيج الاجتماعيويرى أهالي مخيم طولكرم أن قرارات الهدم تطول الجميع، لأنها تشمل بالدرجة الأولى هدم النسيج الاجتماعي في المخيم، في حين يعتقد بعضهم أن أعداد المنازل المعلن هدمها تختلف عما تسعى إسرائيل لهدمه فعليا داخل المخيم.
يقول رامي أبو سرية، وهو أب لـ4 من الأبناء نزحوا منذ بداية العملية العسكرية في المخيم عن منزلهم، واستأجروا منزلا في حي يقع بمنطقة متوسطة بين مخيمي طولكرم ونور شمس "أمل العودة للمخيم صعب جدا، إسرائيل تسعى لجعل المخيمات منطقة منكوبة، وحتى إن انسحبت منها يصعب العودة إليها لأنها لن تكون آمنه ولا يمكن التكهن بما سيتركه الجيش تحت أنقاض المباني المهدمة والشوارع المدمرة".
ويؤكد أبو سرية للجزيرة نت أن إسرائيل ستحول المخيم الى منطقة عسكرية مغلقة بوضع بوابات حديدية على مداخله كما فعلت بمخيم جنين، ولم يتمكن من وصول منزله منذ نزوحه عنه، واليوم أيضا، لم يحصل على تنسيق للدخول مع بقية الأهالي.
وكحال جيرانه وأقاربه تشمل قرارات الهدم منزل أبو سرية، ويقول إن محل الحلاقة الخاص به داخل المخيم الذي كان مصدر دخله الوحيد هو وأولاده هدمه الاحتلال بوقت سابق.
ويضيف "120 يوما لم يدخل أحد المخيم، الوضع ليس سهلا وإعادة الإعمار شبه مستحيلة، وإسرائيل تحاول تغيير مسمياتنا أولا من لاجئ إلى نازح ثم تسعى الآن لتحولها لمواطنين داخل المدن التي هجرنا إليها، وتغيير المسمى ليس بالشيء البسيط ويترتب عليه الكثير، فوصف اللاجئ عنوان وله دور في هذه القضية".
وقبل نحو 4 أشهر وسعَّت إسرائيل عمليتها العسكرية "السور الحديدي" في مخيمات شمال الضفة الغربية، لتصل إلى مخيمي نور شمس وطولكرم في مدينة طولكرم، وأجبرت سكانها على النزوح، فيما دمرت منازل المواطنين وممتلكاتهم، وتستمر في شق الطرق وتغيير معالمها.
إعلانوحسب محافظة طولكرم، فقد أجبر الاحتلال 25 ألف مواطن على النزوح من المخيمين والأحياء المحيطة بهما، وهو ما يعني تهجير 4200 عائلة، في حين استشهد خلال العملية 13 مواطنا، وتم تدمير 200 منزل بشكل كلي وقرابة 2537 منزلا بشكل جزئي في المخيمين.
وكانت قوات الاحتلال قد أخطرت في الأيام الأخيرة بهدم 58 بناية من مخيم طولكرم، و48 بناية في مخيم نور شمس، مما يعني نية الاحتلال هدم 106 بنايات تشمل 400 منزل خلال العملية المستمرة.
وأعلن جيش الاحتلال تحديد 4 مداخل ومخارج فقط لأصحاب المنازل المهددة بالهدم، وتشمل حارات البلاونة، والمدارس، ومربعة حنون، والمقاطعة، وأمهلهم 3 ساعات فقط، تبدأ التاسعة والربع صباحا وتنتهي الساعة 12:15 ظهرا.
من جهته، يقول فيصل سلامة نائب محافظ طولكرم إن كل بناية أخطرت بالهدم تضم على أقل تقدير 3 منازل وفي كل واحدة منها يسكن 3 إلى 4 عائلات، مما يعني أن الهدم يطول منازل 200 عائلة من المخيم.
ويؤكد للجزيرة نت أن عدد النازحين من مخيم طولكرم وأطرافه وصل إلى 15 ألفا، وأن جيش الاحتلال أعطى مهلة قصيرة جدا، لم تمكن الناس من نقل مقتنياتها خاصة مع انتشار الجنود داخل المخيم، وتدمير الجرافات العسكرية الشوارع وهو ما أعاق دخول الشاحنات والمركبات الفلسطينية لنقل أمتعة الأهالي.
ويضيف سلامة "الناس دخلت لتأخذ صورا تذكارية مع بيوتها، ولتلقي نظرة الوداع الأخيرة عليها".
وحسب المحافظة فإن أوضاع النازحين صعبة للغاية، فالبطالة متفشية بينهم، وبعد مرور120 يوما على العملية العسكرية الإسرائيلية اضطرت عائلات كثيرة منهم لاستئجار شقق سكنية على حسابها الشخصي، مما يعني أعباءً اقتصادية أخرى، منها توفير الإيجار والماء والكهرباء وغيرها من خدمات أساسية.
إعلانويتابع سلامة "الوضع من سيئ إلى أسوأ عند النازحين، والمواطنون متمسكون بأمل العودة للمخيم فور انسحاب الاحتلال، وما يحدث يوميا من هدم المنازل ترك حزنا ووجعا كبيرا بين الناس، لأنه ليس سهلا أن يهدم منزل الأجداد الذي بني قبل 70 عاما أمامك في دقائق".
والأصعب -حسب سلامة- أنه لن يكون ممكنا إعادة بناء كثير من المنازل المهدمة حال انسحاب الاحتلال، لأن إسرائيل عملت على شق شوارع وطرق ووسعّت الحارات في أماكن هدم البيوت.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات جنود الاحتلال جیش الاحتلال مخیم طولکرم
إقرأ أيضاً:
إطباق تجسّسي.. هكذا تستبيح إسرائيل الجنوب اللبناني
بيروت- كنت أعمل داخل مقبرة البلدة رفقة صديقي، حين قال لي "اسمع جيّدا، يبدو أن هناك عشا للدبابير داخل هذه الخيمة التي تعلو أحد الأضرحة القريبة منّا"، وعندما التفت رأيت طائرة درون مسيّرة تربض فوق الخيمة وتراقبنا.
يروي هذه القصة، محمد صالح ابن بلدة راميا الحدودية قضاء بنت جبيل في الجنوب اللبناني، متحدثا للجزيرة نت عن معاناته ومعاناة جميع أبناء القرى الحدودية مع المسيّرات الإسرائيلية التي لا تفارق الأجواء، حيث تتتبع كل تفاصيل حياتهم، وعلى مدار الساعة.
ويقول صالح إن المسيّرات ترصد أي حركة داخل البلدة، وتحلق فوق علو قريب من المواطنين لا يتجاوز المترين، حيث تستطلع وجوههم وما يقومون به من عمل، وتعود إلى الموقع الإسرائيلي حيث انطلقت، وبعد ساعة تعيد الكرّة، وتستمر على ذلك حتى انتهاء العمل والخروج من البلدة.
تجسس وانتهاكويبدي صالح انزعاجا كبيرا حيال هذه الأساليب الإسرائيلية مع أبناء قرى الشريط الحدودي، ويقول "تشعر وأنت في بلدتك بأنك مراقب بالكامل وطوال الوقت، والأخطر أنك مكشوف بكل تفاصيل حياتك، وهذا مقلق جدا".
ويضيف "تخيّل أثناء الغداء دخلنا إلى غرفة صغيرة، وبدأت المُسيَّرة تحوم فوقنا بحثا عنا، ووقفت مباشرة تراقبنا حتى خرجنا لتشاهدنا، وبعد تعرفها علينا غادرت الأجواء".
إعلانوالمعاناة ذاتها مع المسيّرات الإسرائيلية يعيشها إبراهيم عيسى من بلدة ميس الجبل قضاء مرجعيون. ويقول للجزيرة نت إن مسيّرة تتبّعته بمجرد أن بدل سيارته التي كان يستقلها أثناء خروجه من بيته إلى مزرعته بحافلة صغيرة، حيث ظلت تُحلّق فوق رأسه حتى نزوله وانكشافه أمامها، ثم غادرت الموقع.
ويضيف "منذ أسابيع ذهبت إلى المزرعة، وتركت هاتفي داخلها خشية ضياعه، وخرجت إلى البريّة لأتفقد الأبقار، وما هي إلا دقائق حتى تتبعتني درون إسرائيلية، وبقيت تلاحقني حتى وصلت المرعى وبعدها عادت أدراجها".
وباتت استباحة المسيّرات الإسرائيلية للقرى الحدودية اللبنانية مقلقة جدا، حسب عيسى، إلا أن الأهالي صاروا يتعايشون معها. لكنه وغيره لا يخفون إنزعاجهم من مراقبتها الحثيثة لهم.
ويقول "تخيّل أن تكون مرصودا بكل تحركاتك، وعلى مدار الساعة، هذا غير مريح، وفي هذه الأيام ومع ارتفاع درجات الحرارة، وعندما تحاول فتح باب أو نافذة، فإنك تفكّر كثيرا قبل أن تفعل، لأن المسيّرة قد تأتي وتصورك في منزلك دون أن تشعر".
أما المواطن عيسى هزيمة -صاحب مقهى في ساحة ميس الجبل- فيقول إن المسيّرة تقتحم المقهى يوميا، وتصوّر كل شيء داخله وتغادر، ثم تعود مجددا لتتأكد من وجوه الروّاد.
ويؤكد هزيمة للجزيرة نت أن الطائرة تتبّعه ومعظم سكان البلدة كل يوم، ولا تفارق الأجواء أبدا، وتصورهم وترصد تحركاتهم. ويقول "هذا يقلقنا جميعا، ويُجنّب الأهالي العودة إلى البلدة، خاصة وأن المسيّرات تحلق فوق علو منخفض منهم، ويشعرون وكأنها تلاحقهم داخل منازلهم".
يقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني والمختص في الاتصالات محمد عطوي إن لهذه المسيّرات قدرة عالية على التتبّع والرصد والتصوير. ويؤكد للجزيرة نت أن المسيّرات الإسرائيلية مزودة بأجهزة استشعار وكاميرات دقيقة ذات حساسية عالية، تُمكنها من تصوير أدق التفاصيل على الأرض بدقة ووضوح، حيث تنقل هذه المعلومات مباشرة إلى غرف العمليات داخل الكيان الإسرائيلي.
وهناك -يواصل عطوي- يقوم الإسرائيليون بمقارنة الصور مع المعلومات المتوفرة لديهم على أجهزة الحاسوب من صور سابقة لمواقع وأشخاص وأبنية ومواقع عسكرية، وبناء عليه يأخذون القرار المناسب.
ويشير عطوي إلى أن المسيّرات ليست وحدها من يخرق خصوصية اللبنانيين، فالأقمار الصناعيّة أيضا تملك قدرة هائلة على الرصد بدقّة، ثم تعود لتُرسل ما التقطته إلى غرف عمليّات الموساد والقيادة الإسرائيلية.
إعلانويضيف أن هناك أجهزة على شكل كاميرات وأدوات تنصّت ثابتة، تُوجّه على قطاع معيّن، خاصة في الأودية أو ممرّات محدّدة، وهي دقيقة وتُستخدم لنقل الصور، ويتم إخفاؤها غالبا تحت الصخور، وتموّه بحسب طبيعة الأرض، لتجنّب اكتشافها بسهولة، و"هذه المعلومات تُرسل إلى العدو الإسرائيلي، وأستطيع القول إن كل الإنترنت والاتصالات في الجنوب مراقب إسرائيليا".
شكل من العدوانوأمام هذا الإطباق الاستخباراتي على لبنان وهذا الخرق لخصوصيّة المواطنين، يؤكد عضو لجنة الدفاع والداخلية والبلديات النيابية النائب محمد خواجة للجزيرة نت أن ما تقوم به إسرائيل يعد عدوانا مستمرا بحق لبنان، لافتا إلى أن الاحتلال لم يلتزم بوقف إطلاق النار ولو لساعة واحدة، بينما لبنان، حكومة وشعبا وجيشا ومقاومة، التزم بالكامل بكل بنود الاتفاق.
ويستنكر خواجة تغطية وتبرير الولايات المتحدة الأميركية للانتهاكات الإسرائيلية، وفي مقدمتها السيطرة الجوية التي تُستخدم للقتل والاغتيال والقصف والتدمير في الجنوب ومناطق أخرى من لبنان، عوضا عن عدم قيامها بإلزام الاحتلال بتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار.
ويضيف خواجة "على أميركا وفرنسا كجهتين راعيتين الاتفاق لوقف إطلاق النار، وأن تتحمّلا مسؤوليتهما عوضا عن ممارسة الضغوط على لبنان، بينما الحقيقة أن الضغط يجب أن يُمارس على إسرائيل".