عربي21:
2025-06-07@01:08:57 GMT

العيد في غزة وانتظار الموت

تاريخ النشر: 5th, June 2025 GMT

يحل عيد الأضحى المبارك يوم الجمعة الموافق السادس من شهر حزيران/ يونيو، بينما يعيش المسلمون، ولا سيما سكان قطاع غزة، أسوأ الظروف المعيشية منذ بدء العدوان المستمر في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

في ظل هذا الواقع المأساوي الذي يشمل القتل والتهجير والمجاعة، يستقبل أهالي القطاع العيد.. في ظل المجازر المستمرة والإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين.



يحل عيد الأضحى المبارك هذا العام، ليكون العيد الرابع الذي يمر على الغزيين في ظل العدوان المستمر، الذي خلف أكثر من 179 ألف قتيل وجريح فلسطيني، أغلبهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى ما يزيد على 11 ألف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين، وما يزيد الوضع سوءا؛ المجاعة التي أودت بحياة الكثيرين، بمن فيهم أطفال ونساء.

غابت بهجة العيد عن غزة الجريحة، المنهك أهلها والمحاصرة من عدوٍّ بغيض محتل لا يعرف إلاّ القتل والخراب والفساد، ومن قريب يرى الظلم ويسمع ولا يحرّك ساكنا
فخلافا للأعياد الثلاثة السابقة، يأتي هذا العيد وسط مجاعة غير مسبوقة، نتيجة لإغلاق الاحتلال المعابر أمام الإمدادات منذ 2 آذار/ مارس الماضي.

تستذكر العائلات أن العيد فقَدَ بهجته بعد أن سلبت الحربُ أرواح أحبائهم، وتركتهم يعيشون في خوف دائم من أصوات الانفجارات الناجمة عن قصف الاحتلال العنيف لكل شيء في قطاع غزة. وقد قضى فقدان المسكن الآمن والملابس الجديدة النظيفة على فرحة العيد، إذ يعيشون في ظروف إنسانية قاسية داخل خيام مهترئة تعج بالحشرات والقوارض، مما يزيد من معاناتهم، ويؤكدون أن الحرب سرقت فرحتهم، ولم يبقَ ما يحتفلون به، فالكثير ممن كانوا يجتمعون في هذه الأعياد والمناسبات قد استشهدوا، ولم يبقَ سوى ذكريات تزيد الجراح ألما، خاصة في أيام العيد التي تمر على الفلسطينيين في قطاع غزة كالملح على الجرح.

غابت بهجة العيد عن غزة الجريحة، المنهك أهلها والمحاصرة من عدوٍّ بغيض محتل لا يعرف إلاّ القتل والخراب والفساد، ومن قريب يرى الظلم ويسمع ولا يحرّك ساكنا.

انطفأت الألوان الزاهية والأضواء البراقة وضجيج الناس، وتلك الخطوات المتسارعة التي تملأ الأرصفة والشوارع والحارات، وحلّت محلها أصوات القصف والصراخ والفقد والدمار، لا ملابس جديدة إلّا الأكفان إن وجدت، ولا بحث عن أماكن للتنزه سوى النزوح المتكرر إلى أماكن أخرى.

القلوب ممتلئة بالحزن والوجع، والحياة شاحبة في العيون، والحناجر تغص بالألم. ترتجف الأصوات رهبة وتفيض الدموع أسى، وتكاد الصدور تختنق من ضيق الأنفاس، تتوقف عجلة الحياة للحظات من هول المصاب الجلل الذي يعجز عن استيعابه إنسان. على الرغم من الألم والمآسي المستمرة، يطل عيد الأضحى على غزة وسط الإبادة والقصف والجوع؛ لا فرحة، لا زينة، ولا أصداء لضحكات الأطفال التي كانت تملأ الأرجاء، أكثر من ثمانية عشر شهرا من الحرب المتواصلة حوّلت العيد إلى يوم آخر من أيام المعاناة، لا بيوت تستقبل الزوار، ولا أسواق تعج بالمتبضعين، لم يعد العيد مناسبة للفرح، بل تحول إلى جرح مفتوح يذكّر أهلها بمن فقدوهم، ومع كل قصف ومع كل شهيد، يزداد الألم، لكن يبقى الأمل معقودا على انتهاء الحرب، ليعود العيد محملا بالفرح الحقيقي، لا بوجع الفقد والنزوحولا ساحات تفيض ببهجة الصغار. أصبح العيد في غزة ذكرى حزينة، والأطفال الذين كانوا ينتظرونه بملابس جديدة وألعاب ملونة، يمضونه اليوم في أكفان وبين الأنقاض أو في مخيمات النزوح، بحثا عن حياة سُلبت منهم بفعل الحرب والمذابح اليومية.

يتذكر سكان غزة كيف كانت ثلاجاتهم تمتلئ بلحوم الأضاحي، سواء أُهديت إليهم من الأقارب والجيران، أو بعد ذبح أضاحيهم، أما الآن، فهم يتوقون إلى تذوق أي نوع من اللحوم التي اختفت من الأسواق منذ أشهر، بعد أن كانت تدخل بكميات محدودة للغاية بسبب إجراءات الحصار "الإسرائيلي".

في شوارع غزة التي كانت تتزين بالفوانيس في كل عيد، لا يرى المرء اليوم سوى الدمار والخراب، الأسواق التي كانت تعج بالحياة تحولت إلى أطلال، والمتاجر إما مدمرة أو خاوية بفعل الحصار.

في بيوت غزة، حيث كان العيد يُستقبل بالكعك ورائحة القهوة، أصبح تأمين لقمة العيش معركة يومية، ونقص الغذاء والماء جعل أبسط مظاهر العيد ترفا بعيد المنال. لم يعد العيد مناسبة للفرح، بل تحول إلى جرح مفتوح يذكّر أهلها بمن فقدوهم، ومع كل قصف ومع كل شهيد، يزداد الألم، لكن يبقى الأمل معقودا على انتهاء الحرب، ليعود العيد محملا بالفرح الحقيقي، لا بوجع الفقد والنزوح. فبدلا من استقبال العيد بالبهجة، يمضي سكان غزة أيامهم في البحث عن جثث أحبائهم، وانتشال الرفات من تحت الأنقاض، ودفن الشهداء الذين يسقطون يوميا، والأحياء ينتظرون الموت عوضا عن العيد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة العيد غزة العيد ابادة مدونات مدونات مدونات قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة صحافة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ومع کل

إقرأ أيضاً:

حسام أبو صفية: كرامتنا المتوارية خلف قضبان عجزنا

في زمن صار فيه الألم الفلسطيني مجرد رقمٍ في نشرات الأخبار، يخرج من بين الرماد وجهٌ يُذكّرنا أن لكل رقم اسما، ولكل اسم قصة، ولكل قصة جرحا لا يُشفى. الدكتور حسام أبو صفية ليس فقط طبيب أطفال فلسطينيّا، بل أحد وجوه الكرامة تحت سطوة الاحتلال، ومرايا ناصعة تختصر ما نعيشه كشعبٍ من قهرٍ وعذابٍ وصبرٍ وإرادة.

اعتُقل حسام، لا لأنه حمل سلاحا، بل لأنه رفض أن يُغلق سماعته، وتمسّك بضمير الطبيب حين انكسرت المعايير، وواجه الموت بالحياة. هو اليوم خلف القضبان، لكن قصته تتجاوز أسوار السجن، لأنها تصفع وجوهنا جميعا: أين نحن من هذه الكرامة المتوارية خلف عجزنا الجماعي؟

طبيب في زمن المجازر
في هذا المشهد الجهنمي يُعتقل حسام أبو صفية، لا كاستثناء، بل كجزء من سياسةٍ ممنهجة تستهدف كل من يحمي الحياة في غزة. اعتقال الأطباء ليس تفصيلا، بل عنوانا فاضحا لهذه الإبادة الممنهجة: اقتل، ودمّر، ثم اسجن من يُسعف ويُداوي!
حسام أبو صفية لم يكن غريبا عن ساحات الألم. في قلب غزة، التي تُباد الآن على يد شُذّاذ الآفاق، حيث لا تُفرّق الصواريخ بين طفلٍ ومريضٍ وممرضة، كان حسام واقفا كجدارٍ من طين الأرض وإرادة الصابرين. لم يحمل بندقية، بل حمل طفلا نازفا، لم يشتمّ البارود، بل تنشّق أنفاس الأطفال المختنقين من القصف، وفتح صدره للوجع كي لا يستسلم.

من اختار الطب في غزة يعلم جيدا أنه اختار خط النار، وحسام اختار أن يكون حارسا للحياة في مستشفى كمال عدوان وفي كل مركزٍ طبي تحاصره النكبة اليومية. لكن الاحتلال لا يحتمل من يرفض منطق الموت، ولا يرحم من يُصرّ على الإنسانية، فاعتقله دون تهمة سوى أنه رفض أن يكون شاهد زور على المجازر.

حرب إبادة.. وصمتٌ شريك في الجريمة

اليوم، تُشنّ على غزة حرب إبادة بلا أقنعة، تُقصف المستشفيات، تُحاصر سيارات الإسعاف، وتُدفن العائلات تحت بيوتها. الصمتُ العالمي مخجل، والنفاق السياسي سافر. تُباد مدينة بأكملها أمام عدسات الإعلام، بينما القوى الكبرى لا ترى سوى "حق الدفاع عن النفس" لمن يحمل راجمات الموت، وتغمض أعينها عن حق الضحية في التنفّس.

في هذا المشهد الجهنمي يُعتقل حسام أبو صفية، لا كاستثناء، بل كجزء من سياسةٍ ممنهجة تستهدف كل من يحمي الحياة في غزة. اعتقال الأطباء ليس تفصيلا، بل عنوانا فاضحا لهذه الإبادة الممنهجة: اقتل، ودمّر، ثم اسجن من يُسعف ويُداوي!

قضية حسام: ضميرنا على المحك

قضية حسام ليست فردية، إنها اختبار أخلاقي لنا جميعا. حين يُسجن الطبيب، يُسجن الضمير، حين يُقيد من أنقذ مئات الأطفال من الموت، تُقيد إنسانيتنا.
هو ليس فقط المعتقل، بل هو انعكاس لعجزنا، ولكمّ الصمت الذي يغمر العالم العربي والإسلامي، وربما لأن صوته لا يعلو بالصراخ بل بالموقف، لم يحرّك بعد ما يكفي من الغضب أو الوفاء.

لكن السؤال الصعب: هل فقدنا قدرتنا على الغضب؟ هل اعتدنا هذا الكمّ من الإذلال حتى صار القيد مشهدا معتادا؟ حسام يذكّرنا أن لا، لم يُخلق الفلسطيني ليعتاد الأسر، بل وُجد ليكسره.

صرخة من خلف الجدران
حرية حسام ليست منّة من أحد، بل حقّ واجب الدفاع عنه، هي علامة على أننا لم نفقد إنسانيتنا بالكامل. في زمنٍ تتشظّى فيه الحقيقة وتُصاغ الروايات على مقاس القتلة، نحتاج إلى التمسك بالأصوات التي تُذكّرنا من نحن
رغم الجدران والأسلاك والبرد، نعلم أن حسام لم ينكسر، نعلم أنه ما زال يحمل الوطن في صدره، كما كان يحمل الأطفال في ممرات المستشفيات. نعلم أن قيده ليس إلا مؤقتا، لأن من اعتاد الوقوف في وجه الموت لن تنكسر روحه على يد سجان جبان.

لكننا نحن من يحتاج إلى الصحوة، نحن من يحتاج إلى حسام، لا فقط كطبيبٍ حر، بل كرمزٍ حيّ. يجب أن تتحوّل قضيته إلى قضية رأي عام، يجب أن تُرفع صورته إلى جانب صور الشهداء، لأن من يُصرّ على الحياة في زمن الموت، هو شهيد مؤجل، ومقاتل من نوعٍ آخر.

الحرية لحسام.. فهل نحن أحرار بما يكفي؟

إن حرية حسام ليست منّة من أحد، بل حقّ واجب الدفاع عنه، هي علامة على أننا لم نفقد إنسانيتنا بالكامل. في زمنٍ تتشظّى فيه الحقيقة وتُصاغ الروايات على مقاس القتلة، نحتاج إلى التمسك بالأصوات التي تُذكّرنا من نحن.

إذا أردنا أن نُعيد لفلسطين وجهها الحقيقي، فعلينا أن نحرّر حسام، ونُحرر كل من بقي يقاتل بسماعة، أو قلم، أو كاميرا، أو قلبٍ نابض بالحق.

حسام أبو صفية هو نحن، إذا تذكرنا أنفسنا، وهو كرامتنا، إن شئنا أن نستردها.

مقالات مشابهة

  • حسام أبو صفية: كرامتنا المتوارية خلف قضبان عجزنا
  • تحذير إسرائيلي: مشاهد الجوع غير الأخلاقية في غزة أفقدتنا الشرعية الدولية التي نحتاجها
  • من الأرشيف .. أرجوحة العيد
  • اللهطة.. إتلاف كميات كبيرة من اللحوم الفاسدة كانت موجهة للبيع في أيام العيد
  • فيلم “بوحة”.. أيقونة العيد التي لا تغيب عن الشاشة رغم مرور 20 عامًا
  • فيديو.. صلاة العيد بين أنقاض المساجد المدمرة في غزة
  • إسرائيل تكشف طبيعة الأهداف التي تهاجمها في لبنان
  • كيف يستقبل أهالي قطاع غزة العيد الرابع تحت الإبادة المتواصلة؟
  • من الليالي التي لا تتفوت.. أمين الفتوى يوضح فضل قيام ليلة العيد