سيناريوهات نتنياهو في مواجهة أزمة تجنيد الحريديم
تاريخ النشر: 5th, June 2025 GMT
تتزايد الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واحدة من أخطر أزماته السياسية مع تجدد أزمة تجنيد الحريديم، وإصرار الأحزاب الدينية المشاركة في الائتلاف الحاكم على الدفع نحو حل الكنيست وإسقاط الحكومة، احتجاجا على عدم إقرار قانون يعفي اليهود المتدينين من الخدمة العسكرية.
واندلعت الأزمة مع تصاعد الخلاف بشأن قانون التجنيد بعد سعي رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست يولي إدلشتاين من حزب الليكود لفرض عقوبات على طلاب المدارس الدينية المتخلفين عن الخدمة تشمل إلغاء الامتيازات الضريبية ودعم السكن، وحتى سحب رخص القيادة.
وترى الأحزاب الحريدية في قانون التجنيد تهديدا مباشرا لهويتها الدينية ونمط حياتها، وقد عبّرت قياداتها عن رفض قاطع لأي صيغة تشمل إلزام أبناء التيار الحريدي بالخدمة العسكرية.
خيارات نتنياهووسلّط تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أعدته المراسلة موران أزولاي الضوء على سيناريوهات تدرسها دائرة نتنياهو الضيقة لتفادي انهيار الائتلاف، وتشمل ما يلي:
السيناريو الأول: إذا صوّت الحريديم لصالح حل الكنيست فقد يقوم نتنياهو بإقالة يولي إدلشتاين كإشارة تهدئة للتيار الحريدي، مقابل التزامهم بعدم الدفع فعليا بحل الكنيست قبل نهاية الدورة الصيفية.
إعلانالسيناريو الثاني: يتم تمرير قانون حل الكنيست بالقراءة التمهيدية، لكن دون أن يتم التقدم به فعليا، مما يمنح نتنياهو وقتا إضافيا للتفاوض والضغط على الحريديم الذين يدركون بدورهم أنهم بحاجة إلى مزيد من الوقت للاستعداد للانتخابات.
السيناريو الثالث: تحت وطأة الضغط الحريدي المتزايد وصبرهم الذي بدأ ينفد قد يتجهون إلى حل الكنيست فعلا بالتعاون مع المعارضة، مما يعني التوجه إلى انتخابات مبكرة قبل نهاية يوليو/تموز المقبل.
السيناريو الرابع: يبادر نتنياهو نفسه إلى الإعلان عن حل الحكومة بالتنسيق مع شركائه في الائتلاف، وبذلك يحتفظ بالتحكم في توقيت الانتخابات والسردية السياسية أمام الرأي العام.
ويبدو أن التوصل إلى تسوية بين الحكومة والأحزاب الحريدية بشأن قانون التجنيد أصبح بعيد المنال، وفقا لما أكدته مصادر بارزة في التيار الحريدي لوسائل إعلام إسرائيلية، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "منفصل عن الواقع" ولا يدرك "حجم الفجوة وعمق الأزمة".
وفي مؤشر واضح على تصعيد الأزمة، أصدر الزعيم الروحي لحركة "شاس" الحاخام إسحاق يوسف توجيهاته إلى زعيم الحزب أرييه درعي بنقل رسالة حاسمة إلى رئيس الوزراء نتنياهو مفادها أنه "إذا استمرت العقوبات فلن تكون هناك حكومة".
ومع تصاعد التقديرات باحتمال التوجه إلى انتخابات مبكرة يتفق معظم الساسة في إسرائيل على أن إجراءها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل سيكون كارثيا، لارتباطه بذكرى "طوفان الأقصى" الذي يعد أكبر فشل أمني في تاريخ إسرائيل، فضلا عن تزامنه مع أجواء حداد وطني لا تناسب الحملات الانتخابية.
لذا، تميل معظم الأحزاب إلى تأجيل الانتخابات، لكن تصاعد الخلاف بين "الليكود" والحريديم يجعل ذلك شبه مستحيل.
إعلانوفي خضم هذا المشهد المعقد يناور نتنياهو بين الحريديم وحزبه والمعارضة لمحاولة إنقاذ الائتلاف ونزع فتيل أزمة قانون التجنيد، لكن التحدي الأبرز يأتي من الداخل، حيث يصر إدلشتاين على المضي في مشروع يفرض التجنيد على الجميع دون استثناء.
وهكذا، يقف نتنياهو أمام خيارين: إنقاذ الائتلاف مؤقتا أو خسارة الحريديم وسقوط الحكومة، في حين الكنيست يقترب من الحل والانتخابات تلوح في الأفق.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج قانون التجنید حل الکنیست
إقرأ أيضاً:
تجنيد الحريديم في إسرائيل.. التوراة أولى من البندقية
منذ إعلان قيام إسرائيل عام 1948 وهي تشهد أزمة متواصلة في موضوع تجنيد أبناء طائفة اليهود الحريديم ، التي توصف بأنها طائفة "متشددة". فزعماؤها وأبناؤها يرفضون الالتحاق بصفوف الجيش الإسرائيلي بحجة أنهم يجب أن يكرسوا حياتهم لدراسة التوراة، ويعتبرون أن ذلك أهم من الخدمة العسكرية.
وقد عادت قضية تجنيد الحريديم إلى الواجهة بقوة بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى ، التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقد وصلت حدة الجدل في هذه القضية إلى الحد الذي ظهر فيه في المجتمع الإسرائيلي من يعتبر ذلك "مسألة حياة أو موت"، خاصة في ظل الأعداد الكبيرة من القتلى في صفوف جنود الاحتياط أثناء العدوان على غزة ولبنان ، إذ طالبت أحزاب علمانية رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن يفرض التجنيد على الحريديم، وقالت إن ذلك يعد من باب "المسؤولية الوطنية والمشاركة في تحمل أعباء الحرب".
ورفضت المحكمة العليا الإسرائيلية أكثر من مرة تشريعات ترمي إلى إعفاء الحريديم رسميا من الخدمة العسكرية، وعللت ذلك بأنه ينطوي على نوع من التمييز في المعاملة بين الإسرائيليين، كما اعتبر معارضو نتنياهو أن "تماطله" في فرض هذه الخدمة هو "رشوية" سياسية لهذه الطائفة.
وبحسب معطيات مراقب الدولة الإسرائيلي، فإن 10% فقط من المرشحين للخدمة العسكرية في صفوف الحريديم يتجندون للجيش، إذ يصل عددهم إلى 1200 مجند، في حين تقول معطيات المعهد الإسرائيلي للديمقراطية إن 1.7% فقط من الحريديم من الشريحة العمرية بين 20 سنة و24 سنة تجندوا للجيش، وهو شيء يشعر الكثير من العلمانيين الإسرائيليين بأنه يفاقم الانقسامات الاجتماعية.
إعلان
بداية الأزمة
بدأت أزمة إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية في الأيام الأولى لإعلان قيام إسرائيل عام 1948، وذلك بعد مفاوضات بين رئيس أركان عصابة الهاغاناه المسلحة إسرائيل جليلي، وزعماء المدارس الدينية اليهودية، إذ أمر جليلي وقتها ألويته العسكرية بعدم تجنيد طلاب هذه المدارس.
والأمر نفسه حصل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون الذي وافق على قرار مماثل في أكتوبر/تشرين الأول 1948، وأعفى نحو 400 طالب من الحريديم من الخدمة العسكرية "ليتسنى لهم التفرغ للدراسة الدينية".
وفي يوم 9 يناير/كانون الثاني 1951، قصر بن غوريون قرار الإعفاء من الخدمة العسكرية على الطلبة "المنخرطين فعليا في دراسة التوراة"، وكان يهدف من وراء ذلك إلى تهدئة التوتر الذي كان من الممكن أن يتصاعد بين إسرائيل والجماعات الدينية اليهودية، لا سيما بعد رفض قطاعات واسعة منها الالتحاق بالجيش.
كما سعى بذلك إلى أن يجلب الأنظار إلى إسرائيل ويحولها إلى "مركز لليهودية الأرثوذكسية"، وكذا لإبقاء "المعرفة والتقاليد اليهودية" حية في إسرائيل.
في عام 1954 قرر وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها بنحاس لافون تجنيد طلبة المدارس الدينية بعد إتمام دراستهم، لكن قراره لاقى معارضة واسعة واحتجاجات في صفوف الحريديم، ما دفع رئيس الوزراء وقتها موشيه شاريت إلى إلغاء القرار.
بعد ذلك بأربع سنوات، اتفقت وزارة الدفاع الإسرائيلية مع رؤساء المدارس الدينية، على تأجيل الخدمة العسكرية لطلبتها مؤقتا.
لجان عسكرية وحكومية
بعد حرب 1967، تجدد النقاش حول قضية تجنيد الحريديم، ولكن بزخم أكبر، ما دفع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى تشكيل لجان عدة حول القضية.
لجنة ديانتأسست في مارس/آذار 1968، برئاسة وزير الدفاع موشيه ديان، وأوصت بعدم إجراء تغييرات واسعة النطاق في ما يتعلق بخدمة الحريديم في الجيش، بحيث ينحصر عدد المتجندين منهم بـ800 طالب فقط كل سنة.
إعلانوفي عام 1970 تقدمت المجموعات اليهودية بالتماس للمحكمة الإسرائيلية العليا تطلب الحكم بعدم تجنيد 5 آلاف طالب من المدارس الدينية، وقررت المحكمة عدم البت في الموضوع، وتركت القرار للسلطات السياسية.
ومع صعود حزب الليكود للحكم في انتخابات 1977، كان حزب "أغودات يسرائيل" شريكا له في الحكومة التي ترأسها مناحيم بيغن ، وأجبره على إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية.
لجنة كاهنعام 1986 شكلت لجنة برئاسة عضو الكنيست الحاخام مناحيم كاهن حول القضة، وأوصت بإعفاء طلبة المدارس الدينية المعترف بها من الخدمة العسكرية.
كما أوصت باعتماد إدارة تمنح شهادة تأهيل أكاديمي لطلبة المدارس الدينية من عمر 18 حتى 24، ويتم اختيار أفضل 200 طالب منهم لإعفائهم من الخدمة العسكرية، والباقي يتجندون للجيش مدة عام؛ غير أن توصيات اللجنة لم تطبق.
لجنة حاييم إسرائيلي
عام 1992 أسس رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها إسحق رابين لجنة برئاسة حاييم إسرائيلي للبت في إلحاق الحريديم بالجيش.
وفي المناقشات التي أجرتها اللجنة، أوضح قادة الجيش الإسرائيلي أنهم ليسوا بحاجة إلى طلبة المدارس الدينية، وأن تجنيدهم يشكل عبئا عليهم.
وعام 1995 أوصت اللجنة بتشديد معايير الاعتراف بالمعاهد الدينية التوراتية لأغراض الإعفاء من الخدمة العسكرية، وتشديد الرقابة على من يسعون إلى الإعفاء وعلى المعاهد الدينية التي يدرسون فيها.
وقد نفذت أغلب توصيات اللجنة، وفي أعقاب اغتيال رابين، توقف العمل بقراراتها حتى عام 1998، حين شكلت السلطات فريقا تنفيذيا للتنسيق مع المدراس الدينية لإعادة العمل بتلك التوصيات؛ لكن ذلك فشل بسبب معارضة رؤساء المعاهد الدينية.
لجنة طالعام 1999 شكل وزير الدفاع إيهود باراك لجنة برئاسة القاضي تسيفي طال، لصياغة مقترح حول الخدمة العسكرية للحريديم، وذلك بعد قرار للمحكمة العليا الإسرائيلية يقضي بأنه ليس من صلاحية وزير الدفاع إعفاؤهم من الخدمة دون مسوغات قانونية.
إعلانفي أبريل/ نيسان 2000 قدمت اللجنة قانون "طال"، وبعدها بعامين أقره الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) وحدد مدة العمل به في خمس سنوات مع إمكانية تمديدها فترة ثانية.
ووضع قانون "طال" شروطا أمام الطلبة الحريديم غير المجندين، وفي يوليو/تموز 2005 أعلنت الرئاسة الإسرائيلية فشل ذلك القانون في تجنيد طلبة المدارس الدينية.
وبعدها بأربعة أعوام أبلغ الجيش الإسرائيلي الكنيست بارتفاع أعدد المستفيدين من تأجيل الالتحاق بالخدمة العسكرية وفق قانون "طال"، وهو ما يعني فشله.
وعلى ضوء ذلك، أقرت المحكمة العليا في فبراير/ شباط 2012 بعدم دستورية قانون "طال"، وقررت إيقاف العمل به.
لجنة بليسنر
أنشأتها الحكومة الإسرائيلية في مايو/أيار 2012، برئاسة عضو الكنيست يوحنان بليسنر، بهدف صياغة بديل لقانون "طال".
وقاطعت الأحزاب الحريدية اللجنة، وبعد نحو شهر ونصف من تشكيلها، أعلن رئيس الوزراء حلها بعد استقالة معظم أعضائها.
لجنة بيريشكل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مارس/آذار 2013 لجنة وزارية برئاسة يعقوب بيري لبحث قضية تجنيد الحريديم.
خرجت اللجنة بعدة توصيات أبرزها: وضع خطة بموجبها يعفى 1800 من الحريديم من التجنيد كل عام، وفرض عقوبات مالية على المعاهد الدينية التي لا تحقق أهداف الخطة، ومكافأة المعاهد التي تحقق نسب تجنيد عالية بين طلبتها، فضلا عن اتخاذ إجراءات جنائية بحق الرافضين.
وفي يوليو/تموز 2013، قدمت الحكومة مشروعي قانونين إلى الكنيست، ينص الأول على ضرورة المساواة في تحمل عبء الخدمة العسكرية، والثاني ينص على تنظيم وضع الحريديم ودمجهم في الجيش.
لجنة شاكيدبعد إقرار قانون لجنة بيري في الكنيست بالقراءة الأولى، شُكلت لجنة خاصة لإعداد مشروع القانون للقراءة الثانية والثالثة، برئاسة عضو الكنيست أياليت شاكيد.
احتدمت الخلافات بين كتلة "يش عتيد" وكتلة "البيت اليهودي" في الكنيست، حول مسألة فرض عقوبات اقتصادية أو جنائية على المتهربين من التجنيد.
إعلان
وفي فبراير/شباط 2014، وبعد تدخل نتنياهو، وافقت لجنة شاكيد على بند العقوبات الجنائية لكل من يحاول التهرب من الخدمة العسكرية، ما دفع الحريديم لتنظيم مظاهرات ضخمة في تل أبيب ضد القانون.
أجرت لجنة "ِشاكيد" تعديلات على القانون، وأقرت أنه في حال رفض الحريديم توفير 5200 مجند عام 2017، فإنه ستتم معاملتهم معاملة الرافضين للخدمة العسكرية، مما يعني فرض عقوبات مالية وجنائية عليهم، وفي حال وفروا هذا العدد ستعفي الحكومة الباقين من الخدمة العسكرية.
وفي يوم 12 مارس/آذار من العام نفسه، صادق الكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة على تعديل القانون، ولاحقا صادقت عليه الحكومة.
عام 2015، ألغيت تعديلات لجنة شاكيد، وأقر قانون آخر يتيح إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، غير أن المحكمة العليا ألغته واعتبرته يمس بـ"مبدأ المساواة"، وهو ما أغضب الأحزاب الدينية اليهودية.
في مارس/آذار من العام نفسه أجريت تعديلات على قانون تجنيد الحريديم، بحيث ألغيت العقوبات الجنائية على طلبة المدارس الدينية الرافضين للخدمة العسكرية، وذلك حتى عام 2023.
بعدها بثلاثة أعوام (عام 2018)، توصلت حكومة نتنياهو إلى تسوية مع الأحزاب الحريدية بتأجيل سن القانون حتى اكتمال النقاش حوله، وذلك بعد تهديدها بالانسحاب من الحكومة.
لجنة ليبرمانأنشأ وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان في فبراير/شباط 2018، لجنة وزاريه لسن قانون تجنيد الحريديم، وتضمن القانون زيادة عدد المجندين المتدينين تدريجيا بمنحهم امتيازات، وفرض غرامات مالية على المتخلفين، وإلغاء العقوبات الجنائية السابقة.
وفي يوليو/تموز 2022، وافقت المحكمة على تأجيل إضافي لإلغاء القانون حتى يوليو/تموز 2023، وقد سبق للمحكمة أن أجلت إلغاء القانون مرتين.
في ديسمبر/كانون الأول 2022، تعهد نتنياهو بإقرار قانون لتجنيد الحريديم، وقررت حكومته يوم 25 يونيو/حزيران 2023 تقديم القانون بحلول 2024، والامتناع عن تجنيد خريجي المعاهد الدينية حتى إقراره.
إعلان
حرب طوفان الأقصى
قبل اندلاع حرب طوفان الأقصى ، وتحديدا في يونيو/حزيران 2023 ألزمت المحكمة العليا الحكومة بتجنيد الجميع، بمن فيهم الحريديم، ولكن الأخيرة حاولت تمرير قانون يسمح باستثناءات في تجنيد متدينين، وهو ما أثار سخطا في أوساط الأحزاب المعارضة التي أطلقت على القانون اسم "قانون التهرب".
مع اندلاع العدوان الإسرائيلي إثر عملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة فجر يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، طالبت المحكمة العليا مرة أخرى الحكومة بتشريع قانون التجنيد، لا سيما في ظل استدعاء 300 ألف من جنود الاحتياط.
زاد غضب الشارع الإسرائيلي بسبب عدم مشاركة الحريديم في الخدمة العسكرية، لغياب قانون يفرض تجنيدهم، وأشارت استطلاعات الرأي إلى وجود تأييد شعبي واسع للغاية لإلغاء إعفاء الحريديم من التجنيد.
وكشفت معطيات الجيش عن صعوبات كبيرة في تجنيد الحريديم، إذ جند 177 فردا فقط من أصل 10 آلاف أمر تجنيد صادرة بين يوليو/تموز 2024 ومارس/آذار 2025، أي بنسبة 1.77% فقط.
يوم 26 فبراير/شباط 2024 أصدرت المحكمة العليا أمرا مؤقتا يلزم الحكومة بتوضيح سبب عدم تجنيد طلاب المدارس الدينية بحلول 31 مارس/آذار في غياب تشريع ينظم الإعفاء.
منحت المحكمة العليا مسؤولي الحكومة مهلة حتى 30 أبريل/نيسان 2024 لتقديم حجج إضافية، لكنها وفي حكم مؤقت قضت أيضا بإلزام الحكومة بوقف تمويل المدارس الدينية التي لا يلتحق طلبتها بالجيش، اعتبارا من الأول من أبريل/نيسان، وقد أثار القرار معارضة الحكومة والأحزاب الدينية، وسط اتهامات للمحكمة العليا باتخاذ القرار لدوافع سياسية رغبة في الإطاحة بحكومة نتنياهو.
يوم 11 يونيو/حزيران 2024، صوت الكنيست الإسرائيلي لصالح مشروع قانون التجنيد الذي يسعى نتنياهو لتمريره لإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، وقد صوت لصالحه 63 نائبا بينما عارضه 57، وقد أحيل مشروع القانون إلى لجنة الخارجية والأمن لمزيد من المداولات والبحث والتصويت بالقراءتين الثانية والثالثة، حتى يصبح قانونا نافذا.
إعلانبعدها بـ14 يوما قضت المحكمة العليا بفرض تجنيد اليهود الحريديم في الجيش على الحكومة، ومنع تقديم المساعدات المالية للمؤسسات الدينية التي يرفض طلابها الخدمة العسكرية، وهو قرار أحدث صدمة في ائتلاف نتنياهو المعارض لتجنيد الحريديم.
وذكرت المحكمة في قرارها أنه "في ذروة الحرب الصعبة التي تعيشها إسرائيل، أصبح عبء عدم المساواة حادا أكثر من أي وقت مضى".
في 28 مارس/آذار 2025، بعثت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية غالي بهراف ميارا رسالة إلى المحكمة العليا الإسرائيلية داعية إياها إلى ضرورة البدء في تجنيد المتدينين الحريديم من بداية أبريل/نيسان.
كما طالبت بحرمان الحريديم الذين يتهربون من التجنيد من المزايا الاقتصادية، ودعت وزير الدفاع إلى إرسال أوامر التجنيد إلى جميع الحريديم الذين هم في سن الخدمة العسكرية.
يوم 6 مايو/أيار 2025، أصدر رئيس الأركان إيال زامير تعليمات جديدة لتوسيع إصدار أوامر التجنيد لليهود المتدينين، وبموازاة ذلك بدأت قوات الشرطة باتخاذ إجراءات ضد الهاربين الذين تلقوا أوامر التجنيد.
وشنت الأحزاب الدينية هجوما شرسا على الجيش، وهدد مسؤول من الحريديم بالانسحاب من الائتلاف الحكومي ومن ثم الإطاحة به.
أسباب الرفض
رفض جزء كبير من الحريديم التجنيد في الجيش له تاريخ طويل، وهو لا ينبع فقط من رفضهم الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، فهناك مجموعة من الأسباب التي جعلتهم يعارضون بشدة الالتحاق بالخدمة العسكرية.
يبرر الحاخام الأكبر يتسحاق يوسف عدم التحاق الحريديم بالخدمة العسكرية، بالقول "دون التوراة، دون المدارس الدينية للرجال المتزوجين، لن يكون هناك شيء، لن يكون هناك نجاح للجيش. الجيش ينجح فقط بفضل أولئك الذين يدرسون التوراة، التوراة هي ما يحمينا".
ويعتقد الحريديم أن الخدمة في الجيش تتعارض مع قيمهم الدينية، وأن الملتزمين لن يستطيعوا الحفاظ على تدينهم أثناء الخدمة، وأنها تبعدهم عن تعاليم التوراة.
إعلانكما يخشى الحريديم الاختلاط بين الرجال والنساء أثناء الخدمة في الجيش، ويرون أن هذه الخدمة أيضا ستمنعهم من الحفاظ على القيم العائلية والالتزام الصارم في الملبس والكلام والأفعال. ويرون أنهم في الجيش سيكونون مكرهين على حلق اللحية وإهمال الصلاة.
ويعتقد الحريديم كذلك أن دولة إسرائيل "دولة كافرة"، وأنها "تدخلت في العملية الخلاصية بالمفهوم الديني"، ويتعاملون معها ببرغماتية لتحقيق مصالحهم فقط، ويرون أنها ليست "بداية الخلاص"، بل إنها "استمرار مباشر للنفي التوراتي".
ويعتبر الحريديم التجنيد خطرا اجتماعيا، فالجيش بمنظورهم هو المؤسسة المهمة التي يلتقي فيها الأفراد من جميع فئات المجتمع، مما قد يؤدي إلى تغلغل ثقافة دخيلة على مجتمع الحريديم وتغييره من الداخل.
وحدات خاصة
وعلى الرغم من الأسباب السابقة، إلا أن دراسة للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية، صدرت عام 2021، وجدت أن ربع شباب الحريديم يرغبون بالتجنيد في الجيش، مدفعين بثلاثة دوافع هي: رغبتهم في المساهمة بحماية دولتهم، ورغبتهم في اكتساب مهنة، وإدراكهم أن الخدمة العسكرية تمثل واجبا مدنيا.
لكن الدراسة تشير إلى أن هؤلاء المتدينين لم يتمكنوا من تحقيق رغبتهم، لعدة أسباب تتمثل في خوفهم من النبذ الاجتماعي في طائفة الحريديم، وخشيتهم من عدم القدرة على التكيف مع بيئة الجيش، ومن ردة فعل حاخامات الحريديم الذين يرفضون الخدمة العسكرية بشكل مطلق.
ولتبديد هذه المخاوف شكل الجيش الإسرائيلي وحدات خاصة تضمن للحريديم شروطا للحفاظ على خصوصيتهم الدينية؛ إلا أن ذلك لم يثنيهم عن مواقفهم الرافضة للالتحاق بالجيش.
ومنها وحدة " نيتسح يهودا"، وهي أول كتيبة قتالية خاصة بالحريديم، تأسست عام 1999 على يد يهودا دوفدفاني بدعم من مجموعة من الحاخامات، بهدف دمج شباب هذه الطائفة في الجيش وفي المجتمع الإسرائيلي، دون المساس بتقاليدهم الدينية.
إعلانوتضم "نيتسح يهودا" حوالي ألف جندي، وتتبع "لواء كفير"، الذي هو جزء من الفرقة 99، أو ما يُعرف باسم "فرقة مشاة النار"، إضافة إلى وحدة "حيتس" المخصصة للحريديم في كتيبة المظليين من سن 18 إلى 21 سنة.
وتضمن لهم تلك الوحدة بشكل كامل نمط الحياة الحريدية، ويرافقهم حاخامات أيام السبت، وتمتد الخدمة فيها عامين وثمانية أشهر.
وهناك أيضا وحدة "تومر"، التي تأسست عام 2014 في لواء غفعاتي ، وتضمن الحفاظ على نمط حياة الحريديم، وهي مخصصة للرجال فقط، وتمتد الخدمة فيها عامين إضافة إلى عام ثالث لإكمال الدراسة.
كما تأسست وحدة "شاحر بلو" عام 2017 لاستيعاب الحريديم في سلاح الجو والبحر والدفاع المدني والاستخبارات العسكرية وقسم التكنولوجيا والقوى البشرية والمؤسسة الدينية العسكرية.
وتشكل هذه الوحدة نحو ربع المجندين الحريديم في الجيش، وتتراوح مدة الخدمة الإلزامية فيها بين 16 و24 شهرا، وذلك حسب سن التجنيد والمنصب.