في ظل تصاعد التحذيرات الدولية من وقوع كارثة إنسانية غير مسبوقة، تشهد غزة واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق، مع بلوغ الأوضاع حد المجاعة الشاملة، بحسب توصيفات صادرة عن منظمات تابعة للأمم المتحدة. 

فمع مرور الشهور واستمرار الحصار الكامل المفروض على القطاع برًّا وبحرًا وجوًّا، باتت الحياة اليومية لمليوني إنسان أشبه بصراع يومي من أجل البقاء، وسط نقص حاد في الغذاء والدواء، وانهيار شبه كامل للبنية التحتية الصحية والإنسانية.

وبينما تتوالى الصور والتقارير التي توثق معاناة الأطفال والنساء والشيوخ داخل القطاع المحاصر، تتزايد الأدلة على أن التجويع يستخدم كوسيلة ضغط ممنهجة، ما اعتبرته منظمات حقوقية انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

 وفي مواجهة هذا المشهد الكارثي، تبدو استجابة المجتمع الدولي عاجزة عن منع  الأزمة، التي تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.

أستاذ اقتصاد : غزة تُواجه مجاعة مُمنهجة تُدار كسلاح حرب وسط صمت دولي


قال الدكتور محمود عنبر، أستاذ الاقتصاد، إن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تجاوزت كل الخطوط الحمراء، مؤكدًا أن القطاع يواجه مجاعة حقيقية وفقًا لتعريفات المؤسسات الدولية، حيث دخل المرحلة الخامسة من سوء التغذية، وهي المرحلة المعروفة اصطلاحًا بـ"المجاعة المؤسسية".

وأضاف عنبر، في تصريحات صحفية خاصة لموقع صدى البلد، أن "الكارثة الحالية في غزة لا تشبه أي مجاعة سابقة في التاريخ من حيث الطبيعة والأهداف"، موضحًا أن "المجاعات التي عرفها العالم، من أيرلندا إلى البوسنة، كانت ناتجة عن أزمات داخلية أو ظروف طبيعية، لكنها لم تكن أبدًا أداة ممنهجة يستخدمها طرف معتدٍ ضد المدنيين لأغراض سياسية، كما يحدث الآن في غزة".

وأكد عنبر أن "ما يجري حاليًا هو تجويع متعمد وممنهج، حيث يُستخدم الحصار الجوي والبحري والبري كوسيلة مباشرة لمعاقبة سكان القطاع، في ظل صمت دولي وتراجع فعالية المؤسسات الأممية"، مضيفًا: "المناشدات التي تصدر عن الأمم المتحدة أو منظمة الصحة العالمية فقدت معناها وقيمتها تمامًا، ولم يعد لها أي تأثير فعلي على الأرض".

وتابع: "لا يمكن اليوم التعويل على أي ضغط دولي، فالعالم بأسره يتحمل المسؤولية عن تفاقم الأزمة في غزة، خاصة أن هذه الممارسات قد تُطبق يومًا ما على أي دولة أخرى تجد نفسها في مواجهة مشابهة مع قوة عسكرية مدعومة دوليًا".

وأشار إلى أن "الكيان الإسرائيلي خرق كل القواعد القانونية التي تقوم عليها الأمم المتحدة، ولم يعد يعترف بأي اتفاقات دولية، بل يتعامل بعنجهية مطلقة مستندًا إلى دعم غير محدود من الولايات المتحدة".

وفيما يتعلق بالحلول، طرح عنبر مسارين رئيسيين: الأول هو العقوبات الاقتصادية، متسائلًا: "لماذا لم تُفرض حتى الآن عقوبات اقتصادية من قبل الدول العربية والإسلامية، رغم أن 56 دولة على الأقل لها علاقات تجارية مع إسرائيل؟ بل إن بعضها يستمر في هذه العلاقات رغم المشاهد المروعة القادمة من غزة".

وشدد على أنه "حتى لو تطلّب الأمر خرق اتفاقيات قائمة، فإن الضغط الاقتصادي على الاحتلال هو خطوة ضرورية قد تُغيّر من موازين المعادلة".

دكتور محمود عنبر أستاذ الاقتصاد

أما المسار الثاني، فيتمثل في إدخال المساعدات الإنسانية بالقوة، ولكن في إطار جماعي ومنسّق، بحسب قوله.

وأضاف عنبر: "لا أتصور أن هناك ردة فعل دولية كبيرة ستواجه مثل هذا القرار إذا كان مدعومًا بتوافق عربي وإسلامي، بل إن الموقف الدولي قد يتغير جذريًا في هذه الحالة".

وتابع: "إسرائيل تمارس قدرًا كبيرًا من التبجح في التعامل مع العالم، بل وصل بها الأمر إلى الادعاء بأن صور المجاعة في غزة مأخوذة من اليمن! هذا استخفاف فجّ بالرأي العام العالمي".

واختتم عنبر تصريحاته بالتأكيد على أن "المعركة اليوم لم تعد فقط حول حدود أو صراع سياسي، بل حول قيمة الإنسان وحقه في الحياة، وإذا استمر التواطؤ الدولي على هذا النحو، فإن إدخال المساعدات بالقوة وفرض عقوبات حاسمة قد يكونان الخيارين الأخيرين لإنقاذ ما تبقى من سكان القطاع".

طباعة شارك مجاعة غزة حصار غزة الحرب فب فلسطين إسرائيل إنهيار البنية التحتية

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مجاعة غزة حصار غزة إسرائيل إنهيار البنية التحتية فی غزة

إقرأ أيضاً:

اعتماد ‘إعلان الجزائر’ في المؤتمر الدولي لتجريم الاستعمار وتعزيز العدالة بالقارة الإفريقية

تواصلت اليوم الاثنين، أشغال المؤتمر الدولي حول تجريم الاستعمار في إفريقيا تحت شعار “نحو تصحيح المظالم التاريخية من خلال تجريم الاستعمار”، لليوم الثاني على التوالي، بالمركز الدولي للمؤتمرات “عبد اللطيف رحال”، بالجزائر العاصمة.

وتوج المؤتمر الدولي باعتماد “إعلان الجزائر”، الذي من شأنه أن يشكل مرجعا قاريا لتسليط الضوء على جرائم الاستعمار والاعتراف بآثارها وإعداد استراتيجية إفريقية للعدالة وجبر الضرر، فيما سيعرض هذا الإعلان على قمة الاتحاد الإفريقي في فيفري 2026 للنظر فيه والمصادقة عليه.

وجاء في إعلان الجزائر

“نحن وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي المشارِكة، ورؤساء الوفود، وممثلو مفوضية الاتحاد الإفريقي، بمن فيهم البرلمان الإفريقي، وممثل منطقة “الكاريكوم”، والأكاديميون والخبراء والقانونيون والمؤرخون، المجتمعون في الجزائر يومي 30 نوفمبر و1 ديسمبر 2025، نؤكد أن مؤتمر الجزائر يشكّل خطوة سياسية بارزة في المسار الإفريقي العام للعدالة والاعتراف التاريخي وجبر الأضرار وسيادة الذاكرة في مواجهة الجرائم المتعددة الأبعاد للاستعمار، انسجاماً كاملاً مع موضوع الاتحاد الإفريقي لعام 2025.

ونستحضر جميع قرارات الاتحاد الإفريقي ذات الصلة، بما في ذلك القرار الذي جاء تحت عنوان “العدالة للأفارقة وللمنحدرين من أصل إفريقي من خلال جبر الضرر” وقرار تصنيف العبودية والترحيل والاستعمار كجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية ضد الشعوب الإفريقية وكذلك إعلان أديس أبابا حول الشراكة العابرة للقارات للعدالة الجبرية الصادر عن القمة الثانية الإفريقية-الكاريبية، وإعلان أبوجا لعام 1993، وإعلان وبرنامج عمل ديربان (2001)، وإعلان أكرا لشهر نوفمبر 2023 بشأن إقامة جبهة موحدة للعدالة وجبر الضرر للأفارقة
ونحيي تضحيات جميع الشعوب الإفريقية التي ناضلت باستمرار لاستعادة استقلال بلدانها وسيادتها، ولإعادة الاعتبار للحقيقة والعدالة.

ونعتبر أنه لا يمكن لأي جبر ضرر أن يمحو بالكامل حجم المعاناة، ولا أن يعيد المسارات الإنسانية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي قُطعت، إلا أن هذا المسار يندرج ضمن واجب العدالة والذاكرة والكرامة، وهو أمر غير قابل للانفصال عن السيادة الكاملة لشعوب القارة.

ونعيد التأكيد على التزامنا المشترك بمبادئ الوحدة الإفريقية والعدالة والمساواة والحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهي المبادئ التي انبثقت مباشرة من النضال ضد الهيمنة الاستعمارية واستعادة السيادة على الموارد الاقتصادية والثقافية والطبيعية للقارة، وعلى كرامة الإنسان الإفريقي

ونؤكد أن هذه المبادئ ما تزال تُوجِّه دفاع القارة عن سيادتها في مواجهة كل أشكال التدخل والضغط الخارجي، ونسجل بقلق بقاء عدد من الأقاليم عبر العالم تحت السيطرة الاستعمارية بما يخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي، ونؤكد دعمنا الثابت للشعوب التي تواصل نضالها من أجل الحرية وتقرير المصير، بما في ذلك الشعب الفلسطيني الذي يواجه يومياً فظائع الاحتلال نعتمد “إعلان الجزائر” كتعبير جماعي عن الإرادة الإفريقية لاستعادة الحقيقة التاريخية، وتعزيز العدالة، والمضي قدماً في مسار جبر الأضرار.

ونقرّ بأسف عميق بأن جميع الشعوب الإفريقية عانت، تحت الحكم الاستعماري، من انتهاك حقوقها الأساسية، ومحاولات محو ثقافاتها ولغاتها وهوياتها، ونهب تراثها المادي واللامادي، ونؤكد أن هذه التجربة المشتركة تشكّل رصيداً موحِّداً يجمع الأفارقة في سعيهم نحو الحقيقة والعدالة وجبر الضرر والقضاء على كل بقايا الاستعمار”.

مقالات مشابهة

  • اعتماد ‘إعلان الجزائر’ في المؤتمر الدولي لتجريم الاستعمار وتعزيز العدالة بالقارة الإفريقية
  • غرفة تجارة غزة: عدد الشاحنات التي تدخل القطاع يوميا لا يتجاوز 220
  • وزير العدل: قطاع العدالة حقّق مكاسب ملموسة في مسار التحول الرقمي
  • تقرير أممي: أوكرانيا تستخدم ألغاما مضادة للأفراد محرمة دوليا
  • إسرائيل تدرس توسيع العمليات البرية في غزة ولبنان وسط غياب خطط أمريكية لنزع سلاح حماس
  • صحف عالمية: إسرائيل تدعم لصوص غزة وشرطتها أداة سياسية لدى بن غفير
  • الأمم المتحدة: العدو الصهيوني يستخدم التعطيش سلاح للإبادة في غزة
  • مركز حقوقي: تقرير لجنة مناهضة التعذيب انحياز فاضح للعدو الإسرائيلي ويُسيء لمنظومة العدالة الدولية
  • المحكمة الجنائية الدولية.. من تحقيق العدالة إلى أداة لتنفيذ السياسيات الغربية
  • وسط ضغوط سياسية وقضائية.. جدل التجنيد يتجدد في إسرائيل