هل سمح ترامب بضرب إيران؟ ولماذا الآن؟
تاريخ النشر: 13th, June 2025 GMT
خاضت إدارة الرئيس الأميركي ترامب حتّى الآن حوالي خمس جولات تفاوضيّة مع إيران حول ملف الأخيرة النووي لتنتهي هذه الجولات بهجوم إسرائيلي في العمق الإيراني سبقه إجلاء لبعض الرعايا الأميركيين في المنطقة. أحدثت الثورة الإسلامية الإيرانية علامةً فارقةً في العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة الأميركية ودولة إيران، إذ كانت الولايات المتحدة تعُدّ نظام شاه إيران السابق حليفاً استراتيجياً مهماً لها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في استقرار منطقة الشرق الأوسط.
كان شاه إيران يلعب دور الشرطي الأميركي بجدارةٍ حينئذ، حتى قيام الثورة الإيرانية وما تلاها من تعقيدات في المشهد الأميركي الإيراني. ازدادت رغبة إيران في التوسع توسعًا كبيرًا في إنتاج الطاقة النووية السلمية خلال العقدين الأخيرين، مما يجعلها مؤهلةً لإنتاج السلاح النووي متى ما توفرت الإرادة السياسية لإنتاجه.
لذلك، كان الملف النووي الإيراني أحد القضايا الرئيسية التي تشغل اهتمامات السياسة الخارجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
ولكن، لماذا سمح الرئيس الأميركي ترامب لإسرائيل بمهاجمة إيران في الوقت الحالي، رغم جولات التفاوض الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران؟
توجّهات ترامب الخارجية والملف النووي الإيرانيتمثّلت رغبة الرئيس الأميركي ترامب السياسية، عند دخوله البيت الأبيض في بداية ولايته الثانية، في التوصّل إلى اتفاق سياسي مع إيران يمنع حصول الأخيرة على السلاح النووي دون اللجوء إلى استخدام خيار القوة العسكرية الأميركية لتحقيق ذلك.
ألغى الرئيس الأميركي ترامب الاتفاق النووي الأخير مع إيران، الذي وقّعته إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، واصفًا ذلك الاتفاق حينها بأنه "اتفاق سيئ للغاية" سمح لدولة إيران بالحصول على مليارات الدولارات الأميركية، وخفّف عنها كثيرًا من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها آنذاك.
لذلك، عمل الرئيس ترامب، عند دخوله البيت الأبيض – إبان فترة رئاسته الأولى – على إلغاء هذا الاتفاق النووي من قبل الولايات المتحدة الأميركية، فارضًا في الوقت نفسه عقوبات اقتصادية قوية ضد إيران.
والجدير بالإشارة هنا أن الرئيس الحالي جو بايدن لم يستطع إبرام اتفاق نووي آخر مع دولة إيران، وبالتالي ظلّت العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران متوترة حتى وقتنا الحالي.
جاء الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض رئيسًا منتخبًا للمرة الثانية مطلع هذا العام، حاملًا معه "العصا والجزرة" كنهج سياسي خارجي حيال إيران، مؤكدًا مرة أخرى رغبة إدارته في إبرام اتفاق يمنع إيران من الحصول على الأسلحة النووية، مقابل رفع العقوبات الأخيرة التي تستهدف صناعة النفط في إيران وتصديره، وكذلك التعاملات التجارية والمالية مع البنوك الإيرانية.
اعتقد الرئيس ترامب أن هذه "الجزرة" الأميركية قد تعود بالفائدة الاقتصادية الكبرى على بعض الشركات الأميركية، في حال حدوث انفراج سياسي واقتصادي كبير بين إيران والولايات المتحدة، وهو أمر يبدو احتمال حدوثه ضعيفًا الآن في ظل الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ضد الأهداف الإيرانية.
إعلانحاول ترامب إبرام اتفاق مع إيران مستخدمًا أسلوبًا يرفع فيه سقف مطالبه التفاوضية، مثل رغبته في إيقاف تخصيب اليورانيوم إيقافًا كاملاً، الأمر الذي لم توافق عليه إيران، حيث تطالب دوماً بحقها السيادي في تخصيب اليورانيوم بدرجات أقل، للاستفادة منه في الاستخدامات المدنية وفقًا لمواصفات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
كما حاول ترامب التفاوض على الموافقة التدريجية على رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، عوضًا عن رفعها كليًا مرة واحدة كما تطالب الأخيرة.
ولقد كانت هذه المسألة – بالإضافة إلى مطالب إيران بالحفاظ على حقها في تخصيب اليورانيوم للاستخدامات السلمية – العائق الآخر أمام التوصل إلى اتفاق نووي جديد.
بلا شك، حاول الوسطاء الخليجيون، وعلى رأسهم سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية، السعي الحثيث لتقريب وجهات النظر الأميركية والإيرانية، لحل مشكلة الملف النووي الإيراني سلميًا، وتجنّب المنطقة المزيد من الحروب والتوترات العسكرية.
ظلّ ترامب يلوّح باستمرار بالعصا الإسرائيلية ضد إيران كخيار استراتيجي آخر في حال فشل الوصول إلى اتفاق نووي، وإصرار إيران على الاستمرار في عملية تخصيب اليورانيوم بدرجات عالية.
لقد كانت إسرائيل والولايات المتحدة في سباق مع الزمن لإيقاف البرنامج النووي الإيراني إيقافًا كاملاً، خاصة مع تواتر التقارير الدولية التي أشارت إلى زيادة إيران درجات تخصيب اليورانيوم زيادةً كبيرةً تجعلها قريبة جدًّا من إنتاج السلاح النووي.
يأمل الرئيس ترامب ألا يتسع نطاق الحرب بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، وأن يكون الرد الإيراني محدودًا، مثلما كان الأمر عليه عند اغتيال القائد الفلسطيني إسماعيل هنية في طهران.
وربّما يأمل الرئيس ترامب عودة إيران لاحقًا إلى طاولة المفاوضات بعد إزالة الخطر الأكبر في برنامجها النووي.
ولكن ربّما لا يدرك ترامب خطورة تبادل الهجمات الإسرائيلية والإيرانية على منطقة الشرق الأوسط والسلام العالمي، وربّما تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرةً لخوض الحرب مرة أخرى في منطقة الشرق الأوسط إذا خرجت الأمور عن السيطرة كليًّا.
موقف إسرائيلتحاول إسرائيل، من خلال هجماتها الأخيرة ضد إيران، أن تبدو قويةً تهيمن على المنطقة، وهي تحارب في عدة جهات في غزة واليمن وإيران. إلا أن إسرائيل تبدو أيضًا أكثر ضعفًا هذه المرة مما كانت عليه قبل أكثر من عشرة أعوام، حينما كان الرئيس السابق باراك أوباما يفاوض إيران حول ملفها النووي.
راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قدراته السياسية في إقناع ترامب بمهاجمة إيران وتدمير منشآتها النووية، إلا أن الرئيس ترامب يريد أن تقوم إسرائيل بنفسها بذلك الهجوم، مؤكدًا أن هذا هجوم إسرائيلي أحادي، وليس بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية.
تستطيع إسرائيل تحقيق بعض الأهداف الاستراتيجية خلال هذه الهجمات، لما تمتلكه من معلومات استخباراتية، مما جعلها قادرةً على استهداف بعض القادة العسكريين الإيرانيين، ولكن على المدى البعيد لن تستطيع إسرائيل الدخول في حرب طويلة ضد إيران، وهي تحارب أيضًا في غزة، وتستقبل الصواريخ الحوثية، وتعاني من عزلة دولية كبيرة.
ومهما قدّم الرئيس الأميركي ترامب من دعم عسكري لإسرائيل، فإن مغبة إطالة أمد الحرب بين إسرائيل وإيران ستُكلّف الولايات المتحدة الأميركية كثيرًا من الخسائر، كما ستمنح روسيا والصين فرصة سانحة لتقوية نفوذهما في منطقة الشرق الأوسط.
يعتقد نتنياهو أن استمرار آلة الحرب الإسرائيلية هو الضمان الوحيد لبقائه في سدة الحكم، ولتوحيد الأحزاب الإسرائيلية خلف جيشها وهو يخوض هذه الحروب.
ولكن، لقد زادت النيران اشتعالًا حول إسرائيل، وأصبحت أكثر عرضةً للاستهداف في عمقها الأمني مقارنةً بالحروب التي خاضتها في الماضي.
تقوم الاستراتيجية الإيرانية فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل على الاستفادة من الدروس السياسية لثلاث دول تعاملت مع الولايات المتحدة الأميركية، وهي: كوريا الشمالية، والعراق، وليبيا.
فالحالة العراقية تكشف أن تقديم التنازلات الكبيرة، كتنازلات الرئيس السابق صدام حسين – وسماحه للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش حتى قصوره الرئاسية – لم تشفع له عند إدارة جورج بوش الابن في تجنّب الحرب على بلاده.
أما النموذج الليبي، فقد جاء بعد حرب العراق، حينما قدّم الرئيس الليبي معمر القذافي تنازلًا كاملًا عن برنامجه النووي، ووافق على تقديم مليارات من الدولارات كتعويضات مالية لضحايا نظامه من المواطنين الغربيين وغيرهم.
أدت هذه التنازلات الكبيرة إلى رفع الحظر الاقتصادي المفروض على ليبيا، وقبول التعامل معها في المجتمع الدولي الغربي، قبل الإطاحة بالنظام بعد انفجار ثورة الربيع العربي في ليبيا.
أما النموذج الكوري، فيظل هو الأقرب بالنسبة لإيران، حيث تبنّت كوريا الشمالية تعنّتًا كبيرًا حتى تمكّنت من امتلاك القنبلة النووية، ومن ثمّ أصبح من الصعوبة السيطرة عليها أو شنّ حرب دولية ضدها.
ولكن الظروف الإقليمية المحيطة بإيران تختلف عن تلك التي تحيط بكوريا.
جاءت هذه المفاوضات أيضًا في إطار إقليمي خسرت فيه إيران الكثير من هيمنتها، مثل خسارة حليفها الأسد في سوريا، وضعف حليفها حزب الله في لبنان.
ولكن سيبقى خيار الاستمرار في تخصيب اليورانيوم خيارًا استراتيجيًا إيرانيًا – بما في ذلك القدرة على إنتاج القنبلة النووية على المدى البعيد – لن تستطيع التنازل عنه بسهولة، كما توقّعت إدارة الرئيس الأميركي ترامب.
لذلك، لن تردع الهجمات الإسرائيلية الأخيرة دولة إيران عن الاستمرار في برنامجها النووي، لأنه يُعدّ الضامن الأول لأمنها، كما هو حال دولة كوريا الشمالية.
إعلانستقوم إيران بهجوم سريع ضد إسرائيل، والاستعداد لحرب طويلة المدى، في حالة استمرار الهجمات الإسرائيلية، حيث تبدو إيران أكثر استعدادًا وخبرةً في الحروب طويلة الأمد من إسرائيل.
يستطيع الرئيس الأميركي ترامب أن يمنح الضوء الأخضر لإسرائيل لمهاجمة إيران، لكنه ليس بمقدوره إطلاقًا أن يمنح الضوء الأحمر لإيقاف الحرب بينهما.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج الولایات المتحدة الأمیرکیة الرئیس الأمیرکی ترامب الهجمات الإسرائیلیة منطقة الشرق الأوسط تخصیب الیورانیوم النووی الإیرانی الرئیس ترامب ضد إیران مع إیران
إقرأ أيضاً:
إيران تستنكر العقوبات الأميركية الجديدة على أسطول شمخاني وتعتبرها جريمة ضد الإنسانية
أعلنت إيران رفضها الشديد للعقوبات الأميركية الجديدة التي طالت أسطول الشحن الذي يديره نجل علي شمخاني، ووصفت هذه العقوبات بأنها "خبيثة" وجريمة ضد الإنسانية. اعلان
نددت إيران، اليوم الخميس 31 تموز/يوليو، بحزمة العقوبات الأميركية الجديدة التي استهدفت أسطول شحن يُشرف عليه محمد حسين شمخاني، نجل علي شمخاني، المستشار الكبير للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، ووصفتها بأنها "خبيثة" و"جريمة ضد الإنسانية".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي في بيان إنّ "العقوبات الأميركية الجديدة ضد تجارة النفط الإيرانية عمل خبيث يهدف إلى تقويض النمو الاقتصادي ورفاه الإيرانيين"، مضيفًا أنها "دليل واضح على عداء صناع القرار الأميركي تجاه الإيرانيين".
عقوبات أميركية تطال نجل شمخاني وشبكة شحنوكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت، الأربعاء، قيودًا على أكثر من 115 فردًا وكيانًا تجاريًا وسفينة، اتهمتهم بتسهيل بيع منتجات نفطية إيرانية وروسية، في إطار ما وصفته بأنه "أكبر مجموعة من العقوبات المفروضة على إيران منذ عام 2018".
وأكدت الوزارة أن محمد حسين شمخاني يدير شبكة شحن تضم أكثر من 50 ناقلة وسفينة حاويات تنقل النفط الإيراني والروسي، وتدر أرباحًا بعشرات مليارات الدولارات، مشيرة إلى أن "إمبراطورية الشحن التابعة لعائلة شمخاني تسلط الضوء على كيفية استغلال نخب النظام الإيراني مناصبهم لزيادة ثرواتهم وتمويل ممارسات النظام الخطرة"، بحسب ما ورد في بيان وزير الخزانة سكوت بيسنت.
Related وزارة الخزانة الأمريكية: واشنطن تصدر عقوبات جديدة تستهدف حزب اللهاستهدفت "أسطول شمخاني".. عقوبات أميركية على إيران هي الأوسع منذ عام 2018وزارة الخزانة الأمريكية: عقوبات على عدد من الأفراد المرتبطين بحزب الله في لبنانوجاءت هذه الخطوة بعد أسابيع من إعلان مشابه في مطلع تموز/يوليو، حين كشفت واشنطن عن عقوبات استهدفت شبكة تهريب نفط إيراني متورطة بدعم الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله". وسبق ذلك أيضًا تحذيرات أوروبية، إذ أبلغ وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، نظيرهم الإيراني عباس عراقجي، نيتهم إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة إذا لم تُحقق مفاوضات الملف النووي أي تقدم بحلول نهاية الصيف.
وأبرزت وزارة الخزانة دور رجل الأعمال العراقي-البريطاني سليم أحمد سعيد كأحد أبرز الشخصيات المستهدفة، مشيرة إلى أنه كان يدير شبكة معقدة تستخدم شركات مسجلة في الإمارات العربية المتحدة والعراق والمملكة المتحدة لتسويق النفط الإيراني في الأسواق الدولية.
كما استهدفت العقوبات عددًا من السفن المرتبطة بما يُعرف بـ"أسطول الظل" الإيراني، الذي وصفته وزارة الخزانة بأنه شبكة بحرية سرية تُستخدم لنقل ملايين البراميل من النفط الإيراني إلى مشترين في آسيا عبر مسارات بحرية معقدة ومتحوّلة. وترفع هذه السفن أعلامًا دولية متنوعة، من بينها الكاميرون، جزر القمر، بنما، وبولو، وتُدار عبر شركات مسجلة في سيشل، جزر مارشال، وجزر فيرجن البريطانية. وتم تحديد شركة وساطة مقرها سنغافورة كجهة تنسيقية رئيسية لحركة هذه السفن.
وتعتبر الولايات المتحدة أن هذه الشبكات، التي تستفيد من ممرات بحرية وشركات مسجلة في دول متعددة، تشكل أدوات تمويل أساسية للأنشطة الإيرانية الإقليمية، بما في ذلك دعم مجموعات مصنفة إرهابية. وفي المقابل، ترى طهران أن هذه العقوبات تأتي ضمن حملة ممنهجة لخنق اقتصادها، وتعتبرها عدوانًا اقتصاديًا موجّهًا ضد شعبها.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة