«فيلم القشّة» .. يوم مليء بالأحداث في حياة امرأة عاملة
تاريخ النشر: 15th, June 2025 GMT
ينجذب جمهور عريض من مشاهدي الأفلام السينمائية إلى نوع فـيلمي يرتبط ارتباطا عميقا بالواقع ويزداد ذلك الاهتمام مع كون قصة أي فـيلم تستند إلى أحداث واقعية وهذا الجانب يعزز من ثقة المشاهد بأن ما سوف يشاهده هو قريب من حياته ويومياته ويمكن أن يقع فـي أي زمن ومن جهة أخرى ينظر إلى فريق الفـيلم انهم قد اجتهدوا فـي الاقتراب من الواقع وتقديم قصة حيوية وذات جدوى وهو ما يميزها عن غيرها من القصص المتخيلة والافتراضية البعيدة عن الواقع.
هذا المدخل سوف يقربنا أكثر من هذا الفـيلم للمخرج تيلر بيري، وهو مخرج معروف ومتعدد المواهب، ويقدم لنا فـيلمه الجديد فـي إطار اجتماعي وإنساني يركز فـيه على الشخصية المحاطة بتحديات شديدة الوطأة والتأثير من خلال نموذج المرأة العزباء وهي شريحة واسعة من النساء العاملات فـي العديد من المجتمعات ومنها المجتمع الأمريكي وحيث يتجسد ما هو أقرب من حالة الصراع من أجل البقاء والكفاح اليومي المستمر والمضني مع متطلبات الحياة.
ينطبق ذلك على جانيا -تقوم بالدور الممثلة تاراجي هينسون، تلك المرأة العزباء المكافحة التي ترعى طفلة صغيرة تعاني من مشكلات صحية فضلا عن المعاناة فـي داخل المدرسة وكثرة المتطلبات وتعرض الأم إلى انتقادات بسبب ما تخبره بها إدارة المدرسة من تقصيرها فـي تغذية الطفلة ونظافتها.
ولسوف ينحصر جانب من المعاناة من خلال يوم واحد يكون عاصفا بالتحديات والمشكلات، عندما تتجه جانيا فـي جو ماطر متوسلة مديرها فـي العمل للذهاب إلى المدرسة التي استدعتها بخصوص طفلتها فلا يسمح لها إلا بزمن مقداره نصف ساعة ولكن وبسبب المنغصات التي عانتها وهي فـي طريقها ذهابا وإيابا يؤدي ذلك إلى تأخرها ومن ثم طردها من العمل وها هي تحاول أخذ مستحقاتها من مديرها لغرض تسديد رسوم مدرسة ابنتها وأدويتها، لكن لسوء الحظ تجد نفسها وهي فـي مكتب المدير فـي وسط عملية سطو مسلح من عصابة لأخذ المال ولكنها تنجح فـي الدفاع عن مديرها وقتل أحد اللصوص، بينما تتهم بأنها هي من دبرت ذلك الهجوم.
ينجح المخرج فـي رسم مسارات سردية محكمة بزج الشخصية فـي وسط دوامة من الاتهامات التي سوف تتفاقم عندما تصطدم سيارتها بسيارة ضابط فـي الشرطة الذي يهددها بأنه سوف يقضي عليها، وبهذا تحكم الحلقة حول جانيا ولا يبقى أمامها إلا أن تحصل على مستحقاتها من المصرف القريب وهناك تتفاقم مشكلتها خلال سحابة ذلك اليوم العصيب إذ تضطر إلى إشهار مسدس وطلب صرف الشيك بمستحقاتها مما يدخل البنك فـي حالة إنذار وتدخل قوات ضخمة من الشرطة لغرض إنقاذ الموظفـين والمراجعين الذين سوف يعدون رهائن.
لا شك أن الجانب الواقعي والإنساني ميز أغلب النصف الثاني من المساحة الزمنية من الفـيلم وهو الذي منح الأحداث تعاطفا كبيرا واهتماما ملحوظا، وإلا فإنه الفـيلم لا يتعدى فـي قصته عن كونه دراما واقعية معتادة يمكن أن تمر بها أية امرأة عاملة لكن فـي هذا الفـيلم تم حشد العديد من الأدوات والعناصر التعبيرية والدرامية وتأسيس مزيد من الحبكات الثانوية لغرض تصعيد الأحداث.
وفـي هذا الصدد تقول الناقدة السينمائية هانا كيران فـي موقع سكرين رانت:
«إن ميزة هذا الفـيلم أن الحبكة فـيه تركز على الشخصيات وبما فـيها الشخصيات التي تبدو حقيقية؛ حيث تُجسّد أفكارا حول ما يفعله الناس عندما يُدفعون إلى أقصى حدود طاقاتهم واحتمالهم. وحيث يُحدد المخرج بيري بعضا من أهمّ مسارات الفـيلم بالقول: «إنك لا تعرف كم هو صعب أن تكون فقيرا» وحيث تُجسّد قصة الفـيلم جانبا من هذه الفكرة؛ حيث يحاول بيري أن يبقى طوال الفـيلم وهو قريب من الواقع من خلال التركيز على مواقف وضغوط الحياة الواقعية على امرأة وحيد شبه منسية».
أما الناقد ريداكو فـيل فـي موقع ماكس سين فـيقول: «يمكننا تحديد أهم ما يميز هذا الفـيلم هو ذلك النوع من الانتقال السلس بين اليأس والغضب والضعف والتصوير الواقعي لأم عزباء وهي تعيش تحت ضغط شديد فضلا عن عنصر التشويق فـي معالجة قضايا مثل عدم المساواة العرقية والاقتصادية والجنسانية وحيث ينتقد الفـيلم الأنظمة المؤسسية التي تُهمّش أشخاصا مثل الشخصية الرئيسة فـي هذا الفـيلم، وتدفعهم إلى اتخاذ قرارات متطرفة وخطيرة».
هذه الخلاصات المهمة تدفعنا إلى تلمس تلك المقتربات التي جعلت تلك الدراما الفـيلمية تتأجج وتتصاعد، حتى تصبح فـي حد ذاتها ميدانا لتطاحن قوى عدة وخاصة المؤسسات التي تستنفد طاقات العاملين فـيها دون أن تعطيهم شيئا كثيرا يساعدهم لتسيير أمورهم الحياتية.
ومن هنا وإمعانا فـي الواقعية والتأثير فـي المشاهد عاطفـيا يطرح الفـيلم معضلة الفقر بوصفها ظاهرة تؤدي إلى انسحاق الإنسان الفقير والمحتاج تحت وطأة عجلة الرأسمالية التي لا ترحم والمسألة المكملة التي يطرحها جانبا هو أن لا أحد بإمكانه أن يصغي لمعاناة تلك الشخصية ولهذا فإنها تطرد من مسكنها البسيط بلا رحمة بسبب تأخرها عن سداد الإيجار، ومن جهة أخرى يتم انتزاع ابنتها منها بدعوى عجزها عن رعايتها بشكل جيد.
واقعيا تدور قصة الفـيلم حول فئة من الناس المهمشين والمنسيين الذين لا تسمع صرخاتهم ولا أحد يكترث لمعاناتهم، ولا يُنظر لوجودهم أصلا فضلا عن تفشي ظواهر التنمر والعنصرية التي تفتك بالمجتمع، وهو ما سوف يتضح عندما يتصاعد الصراع وتصبح مشكلة جانيا هي شبح ذلك الضابط المتعجرف الذي ظل يهددها.
على أن السؤال الذي يحول تلك الدراما إلى تراجيديا قاسية يتمثل فـي الآتي وهو، ماذا يحدث عندما تصطدم امرأة فقيرة وبلا حول ولا قوة بكل هذا التراكم، وتصطدم بالقشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير، ومن بعدها يشتعل برميل البارود؟
إنها إشكالية الكائن المسالم الذي يتم عرضه من خلال شخصية من عمق هذه الحياة وهي تواجه مصيرها مع قوى المجتمع التي لا ترحم ولهذا ليس مستغربا أنها فـي المشاهد الأخيرة تتحول إلى عدو خطير للسلم الأهلي عندما يتم النقل المباشر عبر الشاشات لوقائع تحرير البنك منها على أساس أنها تحمل معها قنبلة وما هي إلا لعبة ابنتها التي جمعتها فـي المدرسة والمكونة من بضع قطع بلاستيكية، وأما المسدس فلم يكن إلا أداتها لصرف الشيك الذي بيدها ولهذا تزيح جانبا الأموال الطائلة التي أعطتها لها تلك الموظفة المرعوبة.
فـي مقابل ذلك وفـي إطار التوازن بين الشخصيات الأشد غطرسة وعلى الرغم من أن فريق الفـيلم فـي غالبيته هم من ذوي الأصول الإفريقية، هنالك شخصية المحققة ريموند - تقوم بالدور الممثلة تيانا تيلور، والتي تتمكن من اختراق الطوق الصارم من رجال الأمن والشرطة وإيجاد نوع من الحوار الإنساني مع الضحية التي نكتشف أنها فقدت طفلتها وأن لا وعيها يدفعها إلى النسيان بشتى السبل.
سيناريو وإخراج: تيالور بيري
تمثيل: تاراجي هينسون، شيري شيفرد، تيانا تيلور، روكموند دونبار
مدير التصوير: جايستين مورو
موسيقى: تارا تيلور
مونتاج: نك كوكر
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا الفـیلم من خلال
إقرأ أيضاً:
عن البطاقة الصحية... نقولا: تقدمت بها عندما كنت نائباً
قال النائب السابق الدكتور نبيل نقولا في بيان:"وصلني ان احد النواب تكلم عن البطاقة الصحية والضمان الإجتماعي، وقد هالني الموضوع خصوصا إهمال النواب منذ اعوام لما كنت قد تقدمت به عندما كنت نائبا، ولم يؤخذ به في ذلك الوقت، واليوم استفاقوا فجأة دون ذكر من قام به في ذلك الوقت ويحاولون تعويم أنفسهم".
ولفت إلى ان "هذه البطاقة الّتي تشبه بطاقات الإعتماد المصرفية، تحتوي على المعطيات الطبية لحاملِها، والمخزَّنة في الرقيقة المعالجة (puce)، وتحمل رقم ضمان المريض وصورته الشمسية، ويستعملها المريض للدفع مباشرةً للطبيب أو المستشفى أو الصيدلية، حصّة الضمان الاجتماعي. وبيّن الفيديو أنّ السجلّ الطبي يتضمّن تاريخ المريض الصحي كاملًا، الفحوص المخبرية والإشعاعية، الأمراض، الحساسية، الأدوية والعمليات، وعندما يَصِل الطبيب المُعالِج، البطاقة الصحية بحاسوبه، يظهر أمامه سجلّ المريض الطبي".
واشار الى ان "مميّزات البطاقة الإلكترونية، هي: سرعة التشخيص والعلاج، تجنّب الأخطاء الطبية، تخفيض التكاليف، وقف الهدر والتخفيف عن كاهل المواطن"، لافتا الى ان "المواطن بإمكانه الدفع عن طريق البطاقة، حصة الضمان الاجتماعي للمستشفى، للصيدلية، لطبيب الأسنان (وذلك بعد إدراج طب الأسنان ضمن تقديمات الضمان الإجتماعي)، للطبيب المختص، للمختبر والأعمال الطبية".
وختم:" ان البطاقة الصحية الإلكترونية تسهّل إجراءات الفرد، فلا يهدر وقتًا قبل الحصول على رعايته. وبفضل البطاقة الإلكترونية، وبالاقتران مع نظام télétransmission، يرسم المهنيّون الصحيّون الّذين يستشيرهم الفرد، صحائف الرعاية الإلكتروينة، ويرسلونها إلى الضمان الاجتماعي مباشرةً من حواسيبهم"، كاشفا أنّ "الضمان الاجتماعي يقوم مباشرة بدفع حصّته خلال البطاقة، في حين يدفع المواطن الحصة المتوجّبة عليه".
مواضيع ذات صلة عون ناقش وعبدالله البطاقة الصحية واستقبل خضر Lebanon 24 عون ناقش وعبدالله البطاقة الصحية واستقبل خضر