بين القصف المباشر وإغلاق مضيق هرمز.. ما هي سيناريوهات الرد الإيراني على الاحتلال الإسرائيلي؟
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
مع تصاعد وتيرة القصف المتبادل بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، يتزايد الحديث حول قدرة طهران على مواصلة هذه المواجهة، وحدود خياراتها في ظل احتمال تصعيد إسرائيلي أكبر أو تدخل مباشر من قبل الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء، أنه لا يسعى إلى مجرد وقف إطلاق نار بين الجانبين، بل إلى "نهاية حقيقية" للنزاع، نافياً في الوقت ذاته وجود نية لعقد محادثات سلام مع طهران بعد اندلاع المواجهات.
وقال ترامب للصحفيين، على متن الطائرة الرئاسية أثناء عودته من قمة مجموعة السبع في كندا إلى واشنطن، إن ما يريده هو "رضوخ كامل" من إيران، من دون أن يحدد ما إذا كان المقصود بذلك هو البرنامج النووي أو ملفات أخرى.
Reporter: "Tulsi Gabbard [Director of National Intelligence] testified in March that the intelligence community said that Iran wasn’t building a nuclear weapon."
Trump: "I don’t care what she said. I think they were very close to having one."
Trump has been exposed. pic.twitter.com/QRGbD90whA — Seyed Mohammad Marandi (@s_m_marandi) June 17, 2025
كما حذر طهران من التعرض للقوات أو المصالح الأمريكية، مهدداً برد "قوي وشديد" في حال حدوث ذلك، ومعلناً عزمه التواجد في غرفة الأزمات بالبيت الأبيض لمتابعة التطورات عن كثب.
وفي الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة الماضي٬ نفذ الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة النطاق أطلقت عليها اسم "الأسد الصاعد"، استهدفت خلالها مواقع عسكرية ونووية إيرانية، وقادة بارزين في الحرس الثوري، إضافة إلى منشآت لتخزين الصواريخ الباليستية.
وجاء الهجوم بينما كانت طهران تستعد للجولة السادسة من المفاوضات النووية غير المباشرة مع واشنطن، مما تسبب في ارتباك كبير داخل منظومتها السياسية والعسكرية.
التخلي عن "الصبر الاستراتيجي"
وفي أول رد فعل اتخذت القيادة في طهران قرار "الانتقام"، معلنة التخلي عن سياسة "الصبر الاستراتيجي"، لتنطلق موجة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة باتجاه العمق في الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ ذلك الحين، لا تزال المواجهة مستمرة، وتوسّعت لتطال البنية التحتية الاقتصادية للطرفين، بما في ذلك مصافي النفط ومراكز الطاقة، في ظل تهديدات الاحتلال الإسرائيلي الصريحة بـ"حرق طهران" واستمرار التصعيد لأسابيع قادمة.
ولم يكن الرد العسكري في الحسابات الإيرانية ترفاً سياسياً، بل ضرورة وجودية لتفادي انهيار داخلي.
فالنظام الإيراني كان أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الرد الفوري بمستوى يتناسب مع حجم الضربة الإسرائيلية، أو مواجهة انفجار داخلي نتيجة الغضب الشعبي الذي يتراكم في ظل العقوبات والأزمة الاقتصادية وفقدان الثقة بسياسات الدولة. لذا، اعتُبر الرد "معركة بقاء"، لا مجرد رد فعل على هجوم عسكري.
معادلة الردع: تثبيت الموقع لا الانتقام
كما يدرك صانع القرار في طهران أن أي تراجع أو تهاون في الرد سيُفسر كضعف استراتيجي، ويقوض نفوذ إيران الممتد عبر ساحات إقليمية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن.
كما أن تجاهل الضربات كان سيمنح الاحتلال الإسرائيلي تفوقاً معنوياً في معادلة الردع، وهو ما حاولت طهران تفاديه عبر هجمات مدروسة تهدف إلى إعادة توازن الهيبة والقدرة.
وتزامن ذلك مع غياب موقف عربي رسمي فاعل تجاه التصعيد، حيث وجدت طهران في هذا الصراع فرصة لإعادة تصدير نفسها كقوة طليعية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
فالمشهد الإقليمي المتحول، والانكفاء العربي عن الانخراط في المواجهة حتى دبلوماسياً، سمح لإيران بأن تتقدم للعب دور المتصدي، خصوصاً في أعقاب ما جرى في غزة من جرائم وحصار، وما أثاره ذلك من تعاطف شعبي واسع في العالم العربي تجاه أي طرف يرفع شعار المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.
صراع الشرعية والهوية الإقليمية
ولا يرتبط الرد الإيراني فقط بالحسابات العسكرية، بل بمنظومة أعمق من الأهداف٬ فالنظام الإيراني يخوض معركة لتثبيت شرعيته أمام الداخل، ولحماية مشروعه الإقليمي في وجه محاولات التحجيم والعزل.
وفي ظل تآكل شعبيته الداخلية وتراجع قدراته الاقتصادية، ترى طهران في هذه المواجهة فرصة لتأكيد قدرتها على فرض المعادلات، لا مجرد التفاعل معها.
القواعد الأمريكية في "مرمى النيران"
في تهديد صريح أعلن وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده٬ أن بلاده ستستهدف كافة القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط في حال اندلاع حرب مفروضة، مشيراً إلى نجاح اختبار صاروخ إيراني جديد عالي القدرة التدميرية.
وقال نصير زاده، في تصريحات أدلى بها للصحفيين عقب اجتماع الحكومة الإيرانية، إن "أيدينا على الزناد، وإذا فُرض علينا الصراع، فإن جميع القواعد الأمريكية ستكون هدفاً مباشراً".
وأضاف أن إيران اختبرت مؤخراً صاروخاً متطوراً مزوداً برأس حربي يزن طنين، في خطوة وصفها بأنها "رسالة ردع واضحة".
وأكد الوزير أن طهران لن تقبل أي إملاءات تتعلق بأمنها القومي أو قدراتها الدفاعية، مشدداً على أن "ملف الأمن الإيراني غير قابل للتفاوض، وأي محاولة لفرض القيود ستُقابل برد حاسم".
وتابع قائلاً: "إذا اندلع صراع، فإن الخسائر البشرية للطرف الآخر ستكون أكبر بكثير من خسائرنا، وستكون ضرباتنا شاملة ومن دون اعتبارات". وأوضح أن إيران تمتلك بنك أهداف محدداً مسبقاً، سيُستخدم فور وقوع المواجهة.
وختم نصير زاده بتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة قائلاً: "على واشنطن أن تدرك أن الخيار الوحيد المتاح أمامها هو مغادرة المنطقة، فبقاء القوات الأمريكية يشكل تهديداً للاستقرار، وردنا سيكون حازماً إذا تطلب الأمر".
إغلاق مضيق هرمز يعيد شبح التصعيد النفطي
في تصعيد آخر٬ لوح القيادي في الحرس الثوري الإيراني والنائب البرلماني إسماعيل كوثري، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، بإمكانية لجوء طهران إلى إغلاق مضيق هرمز، أحد أهم الشرايين الحيوية لتصدير النفط عالمياً.
وقال كوثري، السبت الماضي، إن "إغلاق مضيق هرمز قيد الدراسة من قبل السلطات الإيرانية"، مشدداً على أن "القرار سيُتخذ بحزم"، وفقاً لما نقلته وكالة "فارس" الإيرانية شبه الرسمية.
وأكد كوثري أن إيران تملك "أيدٍ مفتوحة لمعاقبة العدو"، مشيراً إلى أن الرد العسكري ليس سوى أحد أوجه الرد الإيراني المحتمل في ظل التصعيد الراهن. وتأتي هذه التصريحات بالتوازي مع دعوات متصاعدة من داخل النخبة السياسية المحافظة في طهران لاتخاذ هذه الخطوة رداً على التهديدات العسكرية والضغوط الغربية، ولما قد تُحدثه من اضطراب اقتصادي عالمي، لا سيما في أسواق الطاقة.
ويُعد مضيق هرمز من أكثر الممرات المائية أهمية في العالم، وقد سبق أن استخدمته طهران ورقة ضغط في مناسبات سابقة. لكن التلويح الحالي يكتسب بُعداً أكثر خطورة نظراً لتزامنه مع مواجهة عسكرية مفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي وتوترات متزايدة مع الولايات المتحدة.
وبحسب تقرير لوكالة "رويترز"، فإن المضيق يربط بين الخليج العربي شمالاً وخليج عُمان وبحر العرب جنوباً، ويمتد عرضه إلى نحو 33 كيلومتراً في أضيق نقطة، بينما لا يتجاوز عرض ممري العبور فيه ثلاثة كيلومترات فقط في كل اتجاه.
ويمر عبر مضيق هرمز ما يقرب من خمس الاستهلاك العالمي من النفط، أي نحو 20 مليون برميل يومياً من الخام والمكثفات والوقود، مما يجعله شرياناً اقتصادياً بالغ الحساسية.
وتَعتمد دول كبرى مصدرة للنفط، مثل السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق، بشكل رئيس على المضيق لتصدير إنتاجها، خاصة إلى الأسواق الآسيوية.
وفي محاولة لتقليص الاعتماد على المضيق، تعمل كل من الإمارات والسعودية على تطوير خطوط أنابيب بديلة.
ووفقاً لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في حزيران/يونيو 2024، فإن نحو 2.6 مليون برميل يومياً من الطاقة غير المستغلة في خطوط الأنابيب لدى البلدين قد تُستخدم كبديل طارئ لتجاوز المضيق، في حال أُغلق فعلياً.
ومع تزايد احتمالات التصعيد، يبقى التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز مؤشراً خطيراً قد يشعل أزمة نفط عالمية، ويضع المنطقة على شفا مواجهة بحرية غير مسبوقة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية إيران الإسرائيلي ترامب القواعد الأمريكية هرمز إيران إسرائيل القواعد الأمريكية هرمز ترامب المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی مضیق هرمز
إقرأ أيضاً:
تحولات الصراع الإيراني الإسرائيلي وأسئلة الشرعية وبناء الدولة في عدد جديد من لباب
صدر عن مركز الجزيرة للدراسات عدد أغسطس/آب 2025 من مجلة "لباب للدراسات الإستراتيجية"، حافلا بجملة من القضايا الجيوسياسية والفكرية المتشابكة، أبرزها تداعيات المواجهة العسكرية الأخيرة بين إيران وإسرائيل، وتنامي أدوار الاستخبارات، وأسئلة الشرعية السياسية وإعادة بناء الدولة في العالم العربي.
ويجمع العدد بين التحليل الميداني والتحقيق المفاهيمي، ساعيا إلى قراءة التحولات الإقليمية من زوايا أمنية واقتصادية وثقافية، واستشراف مآلاتها في ظل المتغيرات الدولية المتسارعة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف نفهم إستراتيجية روسيا في البحر الأسود؟list 2 of 2بعد حرب الـ12 يوما مع إيران.. بماذا أوصت مراكز الأبحاث الإسرائيلية نتنياهو؟end of listيسلّط العدد الضوء على تصاعد الدور الاستخباراتي في النزاعات الحديثة، من خلال محور بحثي يتناول طبيعة الأجهزة الاستخباراتية واختلالاتها المؤسسية والنفسية، إلى جانب رصد تجربة المدرسة البريطانية في ترسيخ الشفافية والمساءلة داخل العمل الأمني. وتتناول إحدى الدراسات ما سمّته "باثولوجيا الاستخبارات"، في تشريحها للعلل البنيوية المؤثرة في كفاءة القرار الأمني.
وفي امتداد لهذا التناول، يطرح العدد قضية فكرية حول مسألة الشرعية السياسية بوصفها ركيزة للاستقرار، من خلال دراسة محورية تربط بين الشرعية والثقافة السياسية، وتبرز أثر غياب التوافق بين الدولة والمجتمع في تفاقم الأزمات.
كما تقدم المجلة قراءة في أشكال التعبير غير المؤسسية للشرعية، من خلال حالة "الألتراس" في المغرب، باعتبارها ظاهرة جماهيرية تعيد صياغة الولاء والانتماء خارج القنوات الرسمية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تتناول إحدى الدراسات دور القطاع الخاص في ترسيخ النزاهة كأحد أسس الشرعية الحديثة، مقترحة شراكة إستراتيجية ثلاثية تجمع بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، بهدف تقليص الفساد وتعزيز الثقة العامة.
أما في البعد الجيوسياسي، فتتناول المجلة السياسة الخارجية الصينية في آسيا، من خلال دراسة تركّز على "الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني"، بوصفه نموذجا للقوة الذكية التي تمزج بين أدوات التنمية والتأثير الإستراتيجي، مع مساءلة حدود هذه القوة في بيئات إقليمية تتوجّس من التمدد الجيوسياسي.
إعلانوفي زاوية "قراءة في كتاب"، تقدم المجلة مراجعة تحليلية لكتاب نكبة غزة 2023- 2024، الذي يتناول -بعيون يابانية- العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، من منظور ما بعد كولونيالي، ويعيد الاعتبار للسردية الفلسطينية بوصفها شكلا من أشكال المقاومة الرمزية في مواجهة الهيمنة.
ويختتم العدد بدراسة تحليلية ترصد المواجهة العسكرية الأخيرة بين إيران وإسرائيل، التي امتدت لـ12 يوما، مسلطة الضوء على تحولات الردع وتوازنات القوى، واستخدام أدوات غير تقليدية، من السيبرانية إلى الاستخبارات الدقيقة، بما يعكس تحولا في منطق الحرب في الشرق الأوسط.
وبهذا التنوع المعرفي والمنهجي، يربط العدد بين مساءلة السلطة وتشريح الخلل في مؤسساتها الأمنية، وتحليل التحولات الجيوسياسية، وإعادة التفكير في مفاهيم الاستقرار والشرعية.
وفي خاتمته، يطرح العدد أسئلة جوهرية على طاولة الفكر السياسي:
هل يمكن إعادة بناء شرعية سياسية متجذّرة ثقافيا ومرنة سياسيا في السياقات العربية؟ وهل تملك المجتمعات الأدوات الفكرية والمؤسسية لتحويل النقد المعرفي إلى إصلاح فعلي؟يمكنكم الاطلاع على العدد وتحميله من خلال الضغط على هذا الرابط.