المشروع الإيراني يهتز أمام حل الدولتين.. والحوثي يصرخ دفاعًا عن الفوضى
تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT
في ظل حراك دبلوماسي واسع تقوده المملكة العربية السعودية لإحياء مسار حل الدولتين كمدخل واقعي ومستدام للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، شنّ زعيم جماعة الحوثي المدعومة من إيران، عبد الملك الحوثي، هجومًا لافتًا ضد الرياض، في خطوة يرى مراقبون أنها تعبّر عن قلق متصاعد في طهران من إمكانية إنهاء احتكارها السياسي والإعلامي للقضية الفلسطينية.
الهجوم الحوثي جاء بعد أيام فقط من تحركات سعودية نشطة على المستوى الدولي، أعادت خلالها الرياض التأكيد على التزامها الثابت بدعم الحقوق الفلسطينية المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولة مستقلة على حدود 1967، عاصمتها القدس الشرقية، في إطار جهود جادة لتحريك الجمود الذي يخيّم على ملف السلام منذ سنوات.
تصريحات عبد الملك الحوثي الأخيرة، حملت لغة تصعيدية ضد السعودية، لا يمكن فصلها عن موقف إيران، التي تعتبر جماعته واحدة من أبرز أذرعها العسكرية في المنطقة. حيث تخشى طهران فعليًا من تحقق مشروع الدولة الفلسطينية، لما يحمله من تهديد مباشر لخطاب "المقاومة" الذي اعتمدت عليه لعقود في شرعنة تدخلاتها الإقليمية.
ورقة نفوذ إقليمية
ويعود هذا النهج الإيراني إلى ما قبل الثورة الخمينية، إذ استخدم شاه إيران القضية الفلسطينية كورقة نفوذ إقليمي، لا كقضية إنسانية أو قومية. وقد عبّر في مذكراته عن استراتيجيته بوضوح، قائلاً: "اشغلوهم ببعض". هذه الرؤية واصلتها الجمهورية الإسلامية بأساليب أكثر تعقيدًا، من خلال تسليح الجماعات الموالية لها، وتوظيف القضية الفلسطينية في خطابها السياسي لتبرير التوسع، والتغطية على تدخلاتها في اليمن وسوريا ولبنان.
وبحسب خبراء ومراقبون، فإن نجاح الجهود السعودية في إحياء مسار حل الدولتين، بدعم إقليمي ودولي، يعني تلقائيًا سقوط آخر أوراق طهران في المنطقة. فقيام دولة فلسطينية مستقلة يُنهي ذريعة "الممانعة" التي ترفعها الجماعات المسلحة الموالية لإيران، وعلى رأسها الحوثيون، ويقوّض البنية الفكرية والإعلامية التي بُنيت عليها تلك الأذرع خلال العقود الماضية.
وعلّق الكاتب والمحلل السياسي نبيل الصوفي على التصعيد الحوثي ضد المملكة، معتبرًا أنه انعكاس مباشر لفقدان طهران زمام المبادرة الإقليمية، لا سيما في ظل التحركات السعودية المكثفة لإحياء خيار الدولتين.
وقال الصوفي في منشور على صفحته في منصة "إكس": "قدمت السعودية مقاربة مختلفة عن منهج طهران تجاه القضية الفلسطينية، فهاجمها آخر أذرع الحرس الثوري في اليمن. طهران الخميني استخدمت القضية بذات الرؤية التي أسسها شاه إيران، الذي كان يرى أن استغلال العرب يُظهر قوة وأهمية إيران بالنسبة لمستقبل إسرائيل. استخدم في مذكراته مفهوم: اشغلوهم ببعض".
وأضاف: "المملكة العربية السعودية تقود هذه الأيام حراكًا دوليًا لإقرار حل الدولتين كمدخل للسلام بين إسرائيل وفلسطين. فخرج عبد الملك الحوثي يزعق.. فطهران ستخسر آخر أوراقها إن قامت دولة فلسطينية أصلًا."
ورأى الصوفي أن الخطاب الحوثي في هذا التوقيت يكشف عن "فوبيا فقدان النفوذ" التي بدأت تضرب أدوات إيران في المنطقة، مؤكدًا أن نجاح السعودية في مسعاها سيعني انهيار المشروع الإيراني القائم على الاستثمار في الانقسامات والصراعات.
تحول استراتيجي
ويأتي هجوم الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن، بعد أيام من استضافة المملكة العربية السعودية، بالتعاون مع فرنسا، مؤتمراً دولياً رفيع المستوى في باريس، خُصّص لمناقشة سبل إعادة إحياء حل الدولتين كخيار واقعي لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وقد شاركت في المؤتمر أكثر من 50 دولة ومنظمة، من بينها الأمم المتحدة، في خطوة تعكس زخمًا دبلوماسيًا تقوده الرياض لإعادة وضع القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام الدولي.
ورغم حضور الأمم المتحدة ودعم دولي واسع، قاطعت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل المؤتمر، وهو ما اعتبره مراقبون إشارة إلى تعقيدات المشهد السياسي في ظل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة، وفي المقابل، فإن الحراك السعودي يُعد تحولًا جوهريًا في المقاربة الإقليمية لحل الصراع، ما يُفسر حالة الذعر التي ظهرت في خطاب عبد الملك الحوثي، بحسب مراقبين.
هذا التحرك، وفق ما قاله الكاتب والمحلل اليمني نبيل الصوفي، يكشف عن مقاربة سعودية جديدة تختلف جذرياً عن نهج طهران، التي استخدمت فلسطين مجرد ورقة نفوذ عبر وكلائها، وليس كقضية تحرر حقيقية. وبحسب الصوفي أن "طهران ستخسر آخر أوراقها إن قامت دولة فلسطينية فعلًا"، وهو ما يفسّر الصراخ الحوثي في صنعاء، رفضًا لأي مبادرة تقود إلى سلام حقيقي يُنهي مبررات مشاريع الفوضى التي ترعاها إيران.
وفي ظل هذه التطورات، يرى مراقبون أن تحركات السعودية تعكس تحولًا استراتيجيًا في نهج التعاطي مع القضية الفلسطينية، من شعارات استهلاكية، إلى أدوات سياسية واقعية، تهدف إلى تحقيق سلام دائم، يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه، ويغلق الباب أمام المتاجرة السياسية بالقضية، سواء من جانب إسرائيل أو من قِبل طهران وأذرعها في المنطقة.
ارتباك إيراني
وذهب الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني جهاد حرب، إلى أن الهجوم الحوثي لا ينفصل عن ارتباك إيراني واسع من هذا التحول السعودي، مضيفًا أن نجاح السعودية في إرساء دولة فلسطينية معترف بها يعني ببساطة سقوط الخطاب السياسي الذي ترتكز عليه طهران وأذرعها المسلحة في المنطقة، ومنها جماعة الحوثي، التي تجد نفسها محرومة من ذريعة "المقاومة" في حال تبلور حل عادل للقضية الفلسطينية.
وأكد حرب في تعليق نشره على منصاته الرسمية أن البيان الختامي للمؤتمر الذي ترأسته السعودية وفرنسا – وقاطعته إسرائيل والولايات المتحدة – جسّد بوضوح المقاربة السعودية الجديدة في التعاطي مع القضية الفلسطينية، من خلال محورين أساسيين: أولهما أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضرورة لحماية خيار حل الدولتين، ويجب أن يُترجم إلى خطوات عملية ضمن جدول زمني. وثانيهما أن التطبيع لا يمكن أن يسبق إقامة الدولة الفلسطينية، في رسالة واضحة مضادة للنهج الذي حاولت طهران وأذرعها الترويج له.
وأوضح جهاد حرب أن الدور السعودي الحالي مرشّح للتصاعد، شريطة توسيع المبادرة على ثلاثة مسارات داخل الساحة الفلسطينية: تحقيق وحدة وطنية فلسطينية حقيقية، تمكين السلطة الفلسطينية ماليًا ومؤسساتيًا، ورعاية جهود إصلاح داخلية تؤسس لشرعية سياسية جديدة من خلال الانتخابات، بما يمنح المشروع السياسي غطاءً شعبيًا وقانونيًا في الداخل.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة عبد الملک الحوثی دولة فلسطینیة حل الدولتین فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
اشتية وجرادات: الأردن درع القضية الفلسطينية والوصاية على المقدسات خط أحمر
صراحة نيوز – نظم المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية يوم الخميس ورشة عمل فكرية بمقره في تونس وعبر الانترنت Google Meeting تحت عنوان “المشهد السياسي الفلسطيني في ظل الإبادة بغزة والحراك الدولي والاعترافات بدولة فلسطين“.
وكان ضيف شرف الورشة دولة رئيس وزراء دولة فلسطين السابق الدكتور محمد اشتية وقد شاركه بمداخلة الدكتور عدنان ليمام أستاذ الجيوبوليتيك من تونس والدكتور رياض الصيداوي مدير معهد جينيف للعلوم السياسية والدكتور منذر جرادات المختص في الإعلام والفكر السياسي من الأردن.
قد شارك في ورشة العمل مجموعة كبيرة من الأساتذة والخبراء من تونس وفلسطين ومصر والأردن والجزائر والعراق والسودان وسوريا…
وجاء في كلمة الدكتور منذر جرادات تحدث عن المسؤولية التاريخية والإنسانية التي تحملها الأردن تجاه القضية الفلسطينية وأن الاستقرار والإعتراف بدولة فلسطين يضمن الاستقرار للمنطقة والعالم وينصف نضالات الشعب الفلسطيني المحتل مشيرا ان الوصاية الهاشمية هي من حافظت على عروبة القدس .
كما أكد أن المملكة الأردنية الهاشمية لم تتخلى يوما عن القضية الفلسطينية والفلسطينيين فالروابط ليست بين دولتين جارتين بل هي روابط أعمق وأكبر، هي روابط دم ومصير واحد.
وقد جاءفي كلمة الدكتور منذر جرادات ما يلي:
دولة الرئيس الدكتور محمد اشتيه أصحاب المعالي والسعادة، الدكتورة بدرة قعلول رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والامنية والعسكرية السيدات والسادة
إن الحديث عن دور الأردن في دعم القضية الفلسطينية هو حديث عن التزام تاريخي وواجب قومي ورسالة إنسانية حملها الهاشميون والاردن ولم يتخلوا عنها في أي ظرف من ظروف المنطقة.
منذ بدايات الدولة الأردنية كانت فلسطين حاضرة في قلب السياسة الأردنية ووجدان الشعب الأردني وسالت دماء الشهداء على أسوار القدس و ثرى فلسطين .
وفتح الأردن قلبه واحضانه قبل حدوده لاستقبال الإخوة الفلسطينيين في شراكة مصير تعكس وحدة التاريخ والجغرافيا.
واليوم يواصل الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين أداء هذا الدور مؤكدًا أن القدس خط أحمر حيث وقف الاردن صلبا شامخا امام صفقة القرن وكان له الدور في تثبيت شقيقه الفلسطينيى والدفاع عن شرعية السلطية الفلسطينية واستمرارية الدولة الفلسطينية وأن لا سلام عادل ولا استقرار حقيقي دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
أيها الحضور الكريم
إن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف ليست مجرد ولاية رمزية بل ممارسة عملية أثبتت قدرتها على حماية الهوية العربية للمدينة المقدسة وصون المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة وسائر المقدسات.
فقد دعم الأردن مشاريع الترميم والإعمار وواجه محاولات التهويد ورفع صوت القدس عاليًا في المحافل الدولية وبفضل هذه الوصاية بقيت القدس اولى القبلتين وثالث الحرمين جزءًا أصيلًا من وعي العالم وصمام أمان يحمي القضية الفلسطينية من التهميش.
لكن دعم الأردن لم يقتصر على السياسة والرمزية بل امتد إلى تعزيز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه فالأردن يدرك أن معركة الفلسطينيين هي أولًا معركة صمود يومي :
صمود في التعليم، في البقاء على الأرض، في حماية الهوية والذاكرة.
ومن هنا جاء الدعم الأردني للقطاع الصحي والتعليمي وتقديم المساعدات الإنسانية وإسناد أهلنا في القدس والضفة وغزة بما يرسخ بقاءهم ويمنع محاولات اقتلاعهم.
إن أثر هذا الدور الأردني يتجلى في ثلاثة مستويات رئيسية:
حماية الحق التاريخي من خلال الوصاية الهاشمية.
إبقاء القضية الفلسطينية حيّة في الضمير الدولي عبر التحرك الدبلوماسي المستمر.
تعزيز قدرة الفلسطينيين على الصمود في وجه الاحتلال عبر دعم واقعي ومستدام.
السيدات والسادة
الأردن لم يتعامل مع فلسطين بوصفها قضية خارجية بل باعتبارها قضيته المركزية وثابت من ثوابت الدولة الاردنية وقضية الأمة جمعاء وقضية كل إنسان يؤمن بالعدالة وهذا الموقف ليس خيارًا عابرًا بل هو التزام متجذر في الوعي الأردني قيادةً وشعبًا.
ختامًا إن دعم الأردن للصمود الفلسطيني هو تأكيد أن هذه القضية لن تسقط بالتقادم ولن يغيبها الاحتلال مهما طال الزمن.
بل ستظل القدس تنبض بالعروبة والإسلام والمسيحية وسيبقى الأردن وفيًا لأمانة الوصاية وملتزمًا بالحق الفلسطيني حتى ينال الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.