في خضم تسارع الأحداث في المشهد المصرفي والاقتصادي بالمناطق المحررة، يُثار السؤال حول الصمت الذي تبديه مليشيا الحوثي الإرهابية إزاء هذا المشهد، الذي يمكن اعتباره معركة اقتصادية كسبتها الشرعية على حساب المليشيا.

فالتعافي المتسارع الذي شهدته العملة المحلية في المناطق المحررة خلال الأيام الماضية، لم يكن في حقيقته إلا نتيجة اقتصادية لتأثير المتغيرات الهامة التي شهدها ويشهدها الملف اليمني خلال العامين الماضيين، في سياق المشهد الجديد للمنطقة ما بعد طوفان الأقصى، أكتوبر 2023م.

هذا المشهد تلخّص في مواجهة مباشرة وغير مباشرة بين الغرب والمشروع الإيراني وأدواته في المنطقة، وعلى رأسها مليشيا الحوثي، التي أوكلت لها طهران مهمة مهاجمة الملاحة الدولية بالبحر الأحمر وباب المندب، في خطوة دفعت الغرب والمجتمع الدولي بأسره إلى تغيير الموقف والنظرة إلى الملف اليمني.

تغيير جاء بعد إدراك متأخر بفداحة المواقف الدولية، وتحديدًا الغربية، السابقة من الحرب في اليمن، بخذلان وأحيانًا تواطؤ ضد جهود التحالف والشرعية للقضاء على المليشيا الحوثية، التي باتت اليوم، بنظر الغرب والعالم، أكبر تهديد للملاحة الدولية ويجب العمل على إنهاء ذلك.

لينعكس التغيير في الموقف الدولي واضحًا بتوقف مسار السلام في اليمن، بعد أن وصل إلى مرحلة متقدمة بإعلان المبعوث الأممي، أواخر عام 2023م، عمّا تُسمى بخارطة الطريق كأساس لمسار السلام، وتصاعد الأمر مع القرار الأمريكي بوضع جماعة الحوثي في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، مع تولي ترامب للرئاسة أواخر يناير من العام الماضي.

تبعات هذا القرار تجلّت واضحة في الأحداث التي تعيشها المناطق المحررة حاليًا، من التحسن المتسارع في قيمة العملة المحلية أمام العملات الصعبة، بعد سنوات من التدهور المستمر، وعجز الشرعية -ممثلة بالحكومة والبنك المركزي- عن وقف ذلك، قابله نجاح مليشيا الحوثية في تثبيت أسعار الصرف بمناطق سيطرتها.

وإلى جانب الفساد وسوء الإدارة، فإن السبب الرئيسي وراء هذا الفشل من جانب الشرعية، مقابل نجاح المليشيا في ملف العملة وأسعار الصرف، كان يعود إلى السيطرة المطلقة التي كانت تتمتع بها المليشيا على القطاع المصرفي، عبر سيطرتها على إدارات البنوك التجارية ووكلاء التحويلات الخارجية.

وهو ما يعني سيطرة المليشيا وتحكّمها بحركة وتدفق النقد الأجنبي إلى اليمن، الذي يعود غالبيته إلى تحويلات المغتربين والمانحين عبر هذه البنوك والوكلاء، ومع إنشائها للجنة "الاستيراد أو المدفوعات"، تمكّنت المليشيا من التحكّم بطرفي معادلة الصرف، وهما العرض والطلب على العملة الصعبة، ما سهّل لها فرض سعر محدد لأسعار الصرف في مناطق سيطرتها.

كسر هذه السيطرة من قبل الشرعية كان الدافع الأهم وراء القرارات التي أصدرها البنك المركزي في إبريل 2024م، ردًا على خطوة المليشيا بسك عملة معدنية لأول مرة منذ اندلاع الحرب عام 2015، حيث كان أهم القرارات نقل إدارات البنوك التجارية من صنعاء إلى عدن.

وهو ما أثار جنون المليشيا حينها، ودفعها إلى التهديد، لأول مرة، بقصف موانئ ومطارات ومصالح حيوية في السعودية في حال لم تقم بالضغط على الشرعية للتراجع عن هذه القرارات، وهو ما تم أواخر يوليو من العام الماضي، برعاية أممية.

إلا أن الأمر اختلف كليًا مع تغيير الموقف الدولي والتصنيف الأمريكي، الذي دفع البنوك التجارية إلى المسارعة في نقل مقراتها إلى عدن، والانضواء تحت سلطة البنك المركزي المعترف بها دوليًا، خوفًا من سيف العقوبات الأمريكية، بعد أن طالت اثنين من البنوك التي كانت على قائمة قرار البنك العام الماضي لنقل مقراتها إلى عدن.

انتقال البنوك مثّل النقطة الهامة في انتقال السيطرة على القطاع المصرفي من صنعاء إلى عدن، وانتقلت معها التجربة التي قامت بها المليشيا الحوثية في السيطرة على أسعار الصرف، بتشكيل لجنة المدفوعات برئاسة محافظ البنك منتصف الشهر الماضي، لتبدأ هنا أولى خطوات البنك في تولي زمام الأمور وفرض سلطته على القطاع المصرفي.

فعقب 3 أيام فقط من الكشف عن اللجنة، تدخلت قيادة البنك لأول مرة في سوق الصرف، بتحديد سقف محدد لأسعار الصرف بالمناطق المحررة، ونجحت في تثبيته نحو أسبوع، وتبدأ بعد ذلك سلسلة الانهيارات في أسعار الصرف، والتي لا تزال مستمرة حتى اللحظة.

هذه الخلفية لما يحدث اليوم تُثير معها تساؤلًا حول سبب صمت مليشيا الحوثي وهي تشاهد سقوط قبضتها على القطاع المصرفي في اليمن لصالح سلطة الشرعية في عدن، وكيف تقبل اليوم بما رفضته بالأمس وهددت بالحرب لمنع حدوثه؟ ولماذا تظهر اليوم في موقف مستسلم لما يحدث؟

بل إن عدة خطوات اتخذتها المليشيا خلال الفترة الماضية تُشير إلى أن الموقف لديها يتجاوز مستوى العجز والاستسلام إلى محاولة التقليل فقط من آثار ذلك قدر الإمكان، فالمليشيا تُدرك أن من يقف داعمًا خلف تمكين سيطرة الشرعية على القطاع المصرفي ليست السعودية أو دول التحالف، بل الغرب، وعلى رأسه أمريكا.

ومن هذه الخطوات، ما تفرضه المليشيا منذ أكثر من عامين على البنوك وشركات الصرافة بمناطق سيطرتها، من منع تسليم الحوالات للمواطنين بالعملة الصعبة وتسليمها بالريال. ومن أهم هذه الخطوات، ما أقدمت عليه مؤخرًا من قرارات صارمة بمنع استيراد عشرات السلع، وتقنين الكميات المستوردة من سلع أخرى، تحت ذريعة دعم الصناعة المحلية.

فحجم الاعتراض من قبل القطاع الخاص بمناطق سيطرتها على هذه الخطوة، بسبب صعوبة تطبيقها والتحذير من تبعاتها، وما قابلته المليشيا من تجاهل لذلك، يُشير إلى إدراك المليشيا بمخاوفها من انهيار أسعار الصرف بمناطقها مع المتغيرات الأخيرة، وأن أحد الحلول القاسية هو محاولة تقليل فاتورة الاستيراد، حتى وإن جاء بنتائج عكسية وكارثية.

كما أن من الخطوات التي قامت بها المليشيا مؤخرًا، كان مسارعتها إلى فتح الطرقات الرئيسية بين المحافظات اليمنية، التي ظلت لسنوات ترفض فتحها، في خطوة ترى المليشيا أنها قد تُخفف الحصار على مناطق سيطرتها جراء توقف نشاط موانئ الحديدة بسبب الضربات الإسرائيلية.

ومن ناحية أخرى، فإن تسهيل انتقال البضائع من مناطق سيطرتها، والتي تعتمد عليها المناطق المحررة كـالخضروات والفواكه والقات وغيرها، سيضمن لها موردًا هامًا لتدفق العملة الصعبة، تُوازن به الطلب الكبير على العملة الصعبة بمناطق سيطرتها، التي تتركز فيها الكثافة السكانية في اليمن.

هذه الخطوات، ومع صمت المليشيا الحوثية عن التعليق حول خسارتها الواضحة للمعركة في القطاع المصرفي، تكشف عن إدراك مبكر للمليشيا بالخسارة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، ما يمنح الشرعية هامش مناورة وأوراق ضغط في وجه المليشيا لانتزاع تنازلات سياسية أو اقتصادية مؤلمة، وخاصة في ملف تصدير النفط، المتوقف منذ أواخر 2022م جراء هجمات المليشيا.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: على القطاع المصرفی بمناطق سیطرتها ملیشیا الحوثیة ملیشیا الحوثی العملة الصعبة أسعار الصرف فی الیمن إلى عدن

إقرأ أيضاً:

اتحاد التمويل العقاري: القطاع يعد محورًا رئيسيًا لتحقيق التنمية الاقتصادية

قال محمد الكحكي ، رئيس الاتحاد المصري للتمويل العقاري ، التابع لهيئة الرقابة المالية ، إن قطاع التمويل العقاري في مصر محورًا رئيسيًا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث يلعب دورًا أساسيًا في تمكين الأفراد من امتلاك العقارات وتلبية احتياجات السوق المتزايدة.

الرقابة المالية: قفزة تاريخية في التمويل العقاري بمصر خلال 2025.. 47 مليار جنيه بنهاية يونيوبنمو 89% | 22 مليار جنيه تمويلات عقارية في 6 أشهرقفزة تاريخية في التمويل العقاري: 47.2 مليار جنيه بنهاية يونيو 2025


و أضاف خلال حواره مع الإعلامية منى العمدة ، مقدمة برنامج هنا الجمهورية الجديدة ، الذي يبث على قناة النهار ، مساء اليوم الخميس ، أن غياب الوعي لدى المواطنين بسبب التمويل العقاري ، حيث يعتقد البعض أن التمويل العقاري مخصص فقط للحاصلين على وحدات سكنية من صندوق التمويل العقاري ، بينما التمويل يكون لكل فئات المجتمع.

وأشار إلى أن غياب الوعي بالتمويل العقاري يعيق الاستفادة منه بسبب الجهل بمتطلباته، مثل الوثائق المطلوبة، والإجراءات اللازمة، وشروط الأهلية (مثل نسب الدخل إلى الأقساط)، والمخاطر المحتملة (كتقلبات أسعار الفائدة)، مما يؤدي إلى بطء في الحصول على التمويل وعدم تحقيق الاستفادة الكاملة من المبادرات الحكومية.

وشدد محمد الكحكي ، على أن ، التمويل العقاري يمثل دعامة رئيسية للاقتصاد المصري، مشدداً على أن التحديات الحالية يمكن تجاوزها بمزيد من التعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وتطبيق التكنولوجيا بشكل أوسع.

طباعة شارك التمويل العقاري العقارات مصر اخبار التوك شو العقار الوحدات السكنية

مقالات مشابهة

  • الحوثي: وقف هجماتنا ضد إسرائيل مرهون بالتزامها باتفاق غزة
  • المدن التي دمرتها الحروب حول العالم.. غزة في المقدمة
  • الشرطة بغزة ستبدأ الانتشار بالمناطق التي انسحب الاحتلال منها
  • داخلية غزة: سنبدأ الانتشار بالمناطق التي ينسحب منها الاحتلال
  • داخلية غزة: سنبدأ الانتشار بالمناطق التي انسحب منها الاحتلال
  • داخلية غزة ستبدأ الانتشار بالمناطق التي انسحب منها الاحتلال
  • عمرو الليثي: جميع الأفلام التي تناولت حرب أكتوبر لا تتضمن مشاهد من المعركة
  • المصرف المركزي يبحث مع البنوك آليات تعزيز تنافسية القطاع المالي
  • الموانئ والمطارات اليمنية.. نشاط وتوسع في المناطق المحررة وموت على يد الحوثي
  • اتحاد التمويل العقاري: القطاع يعد محورًا رئيسيًا لتحقيق التنمية الاقتصادية