زوايا لا تطالها الكاميرات
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
ريم الحامدية
reem@alroya.info
في عمق الصمت؛ حيث لا يجرؤ ضوء الكاميرا على الاقتراب، تسكُن أنقى اللحظات… تلك التي تتراقص فيها قلوبنا بعفوية لا تعرف الزيف. هناك، في زوايا الروح الهادئة، تزهر أزهار الحنان بلا شهود، وتُغزل خيوط التعاطف بين الأرواح كوشاح دافئ يحميها من برد هذا العالم المتسارع.
ليست كل لحظة تُلتقط؛ فهناك مشاهد لا تعرف طريقها إلى الصور.
هناك حب لا يُعلَن، وعطف لا يُقال، وسعادة لا تُصوَّر. هناك أرواح تنبض بالامتنان لأن العالم، رغم كل شيء، لا يزال يحتفظ بمساحات دافئة لا تصلها العدسات. زوايا لا نرتبها لكنها ترتبنا، لا نضيف عليها مؤثرات لأن أثرها فينا أبدي. تنبض بالتفاصيل الصغيرة التي لا تُؤرشف في السحابة، لكنها تحفظنا من الانطفاء.
نحن لا نعيش لنُوثق؛ بل لنشعر. وأصدق الصور هي تلك التي لم تُلتقط. ففي القلب ألبوم لا يراه أحد، يحمل صورًا لا تظهر على الشاشات لكنها تُعرض كلما أغمضنا أعيننا: صورة لك وأنت تضحك من أعماقك، صورة لابتسامة أمك وهي تُخفي تعبها، صورة لأب يربت على كتفك دون أن يقول شيئًا… لكنه قال كل شيء.
كم مرة تمنيت لو كانت الكاميرا مفتوحة لتحتفظ بتلك اللحظة؟ ثم أدركت لاحقًا أن جمالها كان في كونها غير مصوّرة وغير مكررة. ما يُصوَّر قد يُنسى، وما يُشعَر به لا يُنسى أبدًا. ليست كل لحظة عظيمة تُعلن عن نفسها، أحيانًا تمرّ اللحظات الحقيقية بهدوء عجيب؛ صمت بينك وبين من تحب، لا يحمل كلمات لكنه يحمل ارتياحًا لا يُوصف. الحنان حين يُعطى بصمت، والتعاطف حين يُقال في نظرة… لا تُوثقها التكنولوجيا؛ بل تحفظها الذاكرة التي تشعر أكثر مما ترى.
لا توجد صورة لتلك اللحظات، لا توثيق، لكنها كانت الأجمل بلا شك. كانت الحقيقية التي نعيش من أجلها حتى دون أن ننتبه. كل لحظة لم تُصوَّر بقيت أنقى، وكل لحظة لم تُنشر ظلت أعمق. لكل من ظن أن الحب يُقال… الحب يُشعَر. يُشعَر في الزوايا الصغيرة، حين لا أحد يرانا لكننا نكون تمامًا كما نحن.
الكاميرات تلتقط الواجهة، لكن الحياة الحقيقية تحدث خلف اللقطة، حين تُطفأ الأضواء ويبدأ المشهد الأعمق. هل تتذكر أول مرة شعرت فيها أنك محبوب؟ لم تكن صورة مزينة، ولا جلسة مصوّرة بعناية، بل كانت في نظرة صادقة، في صوتٍ مرتبك، في دعاء لم تسمعه لكنه أنقذك.
في الزوايا التي لا تطالها الكاميرات، تنمو اللحظات كما تنمو النجوم في السماء. وحين تسقط الكاميرات، يبقى القلب شاهدًا على دمعة لم تُرَ، وضحكة لم تُسجَّل، وهمسة لم تُنشر، لكنها غيّرت فينا شيئًا لا يُنسى. هناك، في زوايا الظل، بعيدًا عن أضواء الفلاش، تعيش الحقيقة الحرّة… أننا لا نحتاج عدسة لنُحب، ولا فلاشًا لنشفق، ولا توثيقًا لنضحك ونبكي ونرأف.
نعم، هناك أرشيف لا يسكن في الهاتف، بل يسكن في الروح… حيث يُحفظ كل ما كان صادقًا.
وإذا كان للصور أرشيف، فإن للمشاعر ذاكرة. وفي هذه الذاكرة، يحتفظ القلب بألبومه الخاص، يعرضه في لحظات السكون، حين نحتاج أن نتذكر أننا كنّا بخير، حتى دون أن نُوثِّق.
لا تنسَ أن تترك مكانًا في قلبك للحظات التي لم تُصوَّر… فبعض اللحظات لا تحتاج إلى شاهد، يكفي أنها كانت صادقة.
ربما نحن لا نعيش للكاميرا؛ بل نعيش لنتذكر أننا بشر، وأن أجمل ما عشناه كان في الزوايا التي لم تصلها العدسة… لكنها وصلت القلب، فلنترك شيئًا للحياة أن تعيشه دون شهود، للحب أن يقال دون صورة وللمشاعر أن تنضج في الظل بعيدًا عن فلاشات التوثيق، لذا لاتقلق إن لم توثق كل شيء فالحياة الحقيقية لا تعلق على الحائط؛ بل تعيش فيك.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
في ذكرى رحيل الشيخ الشعراوي.. كواليس اللحظات الأخيرة في حياة إمام الدعاة
الشيخ متولي الشعراوي.. تحل اليوم ذكري رحيل الشيخ الشعراوي، الذي توفي في مثل هذا اليوم يوم 17 يونيو 1998، الذي كان يعد واحد من أبرز رموز الدعوة الإسلامية.
ويوفر «الأسبوع»، لزوارها ومتابعيها كل ما يخص تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة الشيخ الشعراوي، وذلك من خلال خدمة شاملة يقدمها الموقع على مدار اليوم من خلال السطور التالية:
تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة الشيخ الشعراويحكى الشيخ عبد الرحيم الشعراوي في لقاء تليفزيوني عن قصة وفاة الشيخ محمد متولي الشعراوي وقال: «والدي كان يكره المستشفيات والذهاب إليها، إلا أنه قبل وفاته بحوالي 18 يوما رفض الطعام والشراب والدواء، وحتى الرد على الهاتف المحمول، وانفصل تماما عن العالم الخارجي، واكتفى فقط بالتواجد بين أحفاده».
وروى أنه امتنع عن تناول الطعام أو المياه أو الدواء بصورة طبيعية، والابتعاد عن الرد على التليفونات، قائلًا: «كنا بنقعد حواليه ننكت ونضحك، وهو ولا على باله، وكأنه حاسس أن موته قرب».
الشيخ الشعراويوقال إنه ذات يوم وجد ابنته مسرعة إليه، تحكي له ما حدث بينها وبين جدها الشيخ الشعراوي، عندما سألها عن الطفلة الصغيرة التي تحملها بين يديها، فقالت له إنها ابنتها «ندى»، فطلب منها أن تضعها على «حجره»، ثم تذهب لوالدها وتخبره أن يجهز السيارة، وقبل أن تسير أمامه، سألها عن تاريخ اليوم، لتجيبه الأحد ليردد الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء: «وبعدين قال آه لأ قوليله يجهز العربية بسرعة، ولسه هتمشي قالها النهارده إيه في الشهر، قالتله 14، قال 14، 15، 16 لأ خليه يلحق بسرعة بقى».
ذهب «عبد الرحيم» إلى والده وعندما رآه، انهالت الدموع من عينيه، ليطلب منه الشيخ الشعراوي أن يتمالك نفسه، لأنه شخص قوي وقادر على تحمل المسؤولية من بعده، وسيساعده الله تعالى في خطواته القادمة، وطلب منه أن يجلس بجواره: «قالي تعالى اقعد جمبي يا عبد الرحيم، وطبطب عليا وقالي أنا عارف إنك انت اللي هتتحمل، وبقولك عشان متتفاجئش».
وعن لحظة احتضار الشيخ الشعراوي فكان يلتف حوله الأحباب، وفجأة نظر إلى السماء ليردد، «أهلا سيدي أحمد، أهلا سيدي إبراهيم أهلا سيدة زينب، والله أنا جايلكم، أنا استاهل كل ده، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله»، ليخرج السر الإلهي وتفيض روحه الطاهرة إلى بارئها.
- ولد الشيخ محمد الشعراوي في 15 أبريل عام 1911م بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وحفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره في عام 1922م.
- التحق بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري، وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية سنة 1923م، ودخل المعهد الثانوي الأزهري.
- حظى بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسًا لاتحاد الطلاب، ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق.
- انشغل بالحركة الوطنية والحركة الأزهرية، فكان يتوجه وزملاؤه إلى ساحات الأزهر وأروقته، ويلقى بالخطب مما عرضه للاعتقال أكثر من مرة، وكان وقتها رئيسًا لاتحاد الطلاب سنة 1934م.
- التحق الشعراوي بكلية اللغة العربية عام 1937م، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943م.
- انتقل الشعراوى للعمل في السعودية عام 1950 أستاذا للشريعة في جامعة أم القرى، وعُيّن الشعراوي في القاهرة مديرا لمكتب شيخ الأزهر الشريف الشيخ حسن مأمون.
- في نوفمبر 1976م أسند ممدوح سالم رئيس الوزراء للشيخ الشعراوي وزارة الأوقاف وشئون الأزهر حتى أكتوبر عام 1978م.
- توفي إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي، في 17 يونيو عام 1998 عن عمر ناهز 87 عاما، وترك إرثا من الحلقات التليفزيونية من خواطره حول آيات القرآن الكريم، وعدد من المؤلفات المهمة.
اقرأ أيضاًذكرى ميلاد الشيخ الشعراوي.. أبرز محطات في رحلة إمام الدعاة حتى تصدره المشهد الديني
حصن نفسك من السحر.. اقرأ دعاء الشيخ الشعراوي
«الناس بتشوف التليفزيون أكتر ما بتروح الجامع».. قصة عودة سهير البابلي لـ الفن بفتوى الشيخ الشعراوي