حين تولى أبو بكر اللصديق ـ رضي الله عنه ـ الخلافة صعد إلى المنبر فقال: ” أيُّها النَّاسُ، إني قد وُلِّيت عليكم، ولستُ بخَيرِكم، فإن أحسَنْتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقَوِّموني، الصِّدقُ أمانةٌ، والكَذِبُ خيانةٌ”. لقد أعلن الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ مبدأً أساسيّاً تقوم عليه خطَّته في قيادة الأمَّة وهو: أنَّ الصدقَ بين الحاكم والأمَّة، هو أساس التعامل، وهذا المبدأ السياسيُّ الحكيم له الأثرُ الهامُّ في قوَّة الأمَّة، حيث ترسيخ جسور الثِّقة بينها وبين حكمها، إنَّه خلقٌ سياسيٌّ منطلقٌ من دعوة الإسلام إلى الصدق، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119] ومن التَّحذير منه، قول رسول الله (ﷺ): «ثلاثة لا يكلِّمهم الله يوم القيامة ولا يزكِّيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: شيخٌ زانٍ، وملِكٌ كذَّاب، وعائِلٌ مستكبر» (مسلم، رقم: 172).

فهذه الكلمات: (الصِّدق أمانةٌ) اكتست بالمعاني، فكأن لها روحاً تروح بها، وتغدو بين الناس، تلهب الحماس، وتصنع الأمل، (والكذب خيانةٌ) وهكذا يأبى أبو بكرٍ إلا أن يمسَّ المعاني، فيسمِّي الأشياء بأسمائها، فالحاكم الكذَّاب هو ذلك الوكيل الخائن الذي يأكل خبز الأمَّة ثمَّ يخدعها، فما أتعس حاكماً يتعاطى الكذب، فيسميه بغير اسمه، لقد نعته الصِّدِّيق بالخيانة، وأنَّه عدو أمَّته الأوَّل، وهل بعد الخيانة من عداوة؟ حقّاً ما زال الصدِّيق يطلُّ على الدُّنيا من موقفه هذا، فيرفع أقواماً، ويسقط اخرين! وتظلُّ صناعة الرِّجال أرقى فنون الحكم إذ هم عدَّة الأمَّة، ورصيدها؛ الذي تدفع به عن نفسها ملمات الأيّام، ولا شكَّ: أن من تأمَّل كلمات أبي بكرٍ تلك أصدقه الخبر بأن الرَّجل كان رائداً في هذا الفنِّ الرفيع، لقد كان يسير على النَّهج النبويِّ الكريم (حمدي، ص 36-37).

إن شعوب العالم اليوم تحتاج إلى هذا المنهج الربَّاني في التَّعامل بين الحاكم والمحكوم، لكي تقاوم أساليب تزوير الانتخابات، وتلفيق التُّهم، واستخدام الإعلام وسيلة لترويج اتِّهامات باطلة لمن يعارضون الحكَّام، أو ينتقدونهم، ولا بدَّ من إشراف الأمَّة على التزام الحكَّام بالصِّدق والأمانة من خلال مؤسَّساتها التي تساعدها على تقويم، ومحاسبة الحكام إذا انحرفوا([1])، فتمنعهم من سرقة إرادتهم، وشرفها، وحرِّيتها، وأموالها (حمدي، ص 36-37).

المراجع:

ابن تيمية، السِّياسة الشَّرعية في إصلاح الرَّاعي والرَّعية. ابن كثير، أبو الفداء الحافظ الدمشقي، البداية والنِّهاية، دار الرَّيَّان، القاهرة، الطَّبعة الأولى 1408هـ 1988م. حمدي، مجدي، أبو بكرٍ رجل الدَّولة، دار طيبة الرِّياض، الطبعة الأولى 1415هـ.

([1])     أبو بكرٍ رجل الدَّولة، مجدي حمدي، ص (36، 37).

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: أبو بکر

إقرأ أيضاً:

شبان يفاجئون عامل إستراحتهم ويهدونه دباب لتخفيف معاناته بالتنقل.. فيديو

خاص 

عبر شبان عن تقديرهم لجهود عاملهم بطريقتهم الخاصة حيث قدموا له هدية.

وقاموا الشبان بمفاجأة عامل إستراحتهم وأهدوه دراجة نارية لتخفيف معاناته بالتنقل.

وارتسمت على وجه العامل الدهشة، ثم سأل عما إذا كانت الدراجة له فأكدوا له أنها له فبكى من الفرحة.

https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/08/es7YZt_PYEaGXBMa.mp4

مقالات مشابهة

  • شبان يفاجئون عامل إستراحتهم ويهدونه دباب لتخفيف معاناته بالتنقل.. فيديو
  • وفاة أرملة حمدي غيث.. والمهن التمثيلية تنعيها
  • زوجة حمدي الميرغني تخطف الأنظار في المالديف.. صور
  • تفاصيل التوتر بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم سابقا
  • عقيص: حصر السلاح بيد الجيش هو أساس الميثاقية
  • السفير الايراني في العراق: جرائم الكيان بغزة نموذجا صارخا للإبادة الجماعية
  • 12.2 % نمو صافي أرباح أدنوك للتوزيع في النصف الأول
  • 13.5 مليون محفظة أسهم
  • وضع حجر أساس مصنعين للسبائك المعدنية بوادي التكنولوجيا بالإسماعيلية
  • تعلن محكمة غرب الأمانة أن على المدعى عليه أبوبكر عبدالحفيظ جازم الحضور إلى المحكمة