الصِّدق أساسُ التَّعامل بين الحاكم والمحكوم.. أبوبكر الصديق نموذجاً
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
حين تولى أبو بكر اللصديق ـ رضي الله عنه ـ الخلافة صعد إلى المنبر فقال: ” أيُّها النَّاسُ، إني قد وُلِّيت عليكم، ولستُ بخَيرِكم، فإن أحسَنْتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقَوِّموني، الصِّدقُ أمانةٌ، والكَذِبُ خيانةٌ”. لقد أعلن الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ مبدأً أساسيّاً تقوم عليه خطَّته في قيادة الأمَّة وهو: أنَّ الصدقَ بين الحاكم والأمَّة، هو أساس التعامل، وهذا المبدأ السياسيُّ الحكيم له الأثرُ الهامُّ في قوَّة الأمَّة، حيث ترسيخ جسور الثِّقة بينها وبين حكمها، إنَّه خلقٌ سياسيٌّ منطلقٌ من دعوة الإسلام إلى الصدق، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119] ومن التَّحذير منه، قول رسول الله (ﷺ): «ثلاثة لا يكلِّمهم الله يوم القيامة ولا يزكِّيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: شيخٌ زانٍ، وملِكٌ كذَّاب، وعائِلٌ مستكبر» (مسلم، رقم: 172).
فهذه الكلمات: (الصِّدق أمانةٌ) اكتست بالمعاني، فكأن لها روحاً تروح بها، وتغدو بين الناس، تلهب الحماس، وتصنع الأمل، (والكذب خيانةٌ) وهكذا يأبى أبو بكرٍ إلا أن يمسَّ المعاني، فيسمِّي الأشياء بأسمائها، فالحاكم الكذَّاب هو ذلك الوكيل الخائن الذي يأكل خبز الأمَّة ثمَّ يخدعها، فما أتعس حاكماً يتعاطى الكذب، فيسميه بغير اسمه، لقد نعته الصِّدِّيق بالخيانة، وأنَّه عدو أمَّته الأوَّل، وهل بعد الخيانة من عداوة؟ حقّاً ما زال الصدِّيق يطلُّ على الدُّنيا من موقفه هذا، فيرفع أقواماً، ويسقط اخرين! وتظلُّ صناعة الرِّجال أرقى فنون الحكم إذ هم عدَّة الأمَّة، ورصيدها؛ الذي تدفع به عن نفسها ملمات الأيّام، ولا شكَّ: أن من تأمَّل كلمات أبي بكرٍ تلك أصدقه الخبر بأن الرَّجل كان رائداً في هذا الفنِّ الرفيع، لقد كان يسير على النَّهج النبويِّ الكريم (حمدي، ص 36-37).
إن شعوب العالم اليوم تحتاج إلى هذا المنهج الربَّاني في التَّعامل بين الحاكم والمحكوم، لكي تقاوم أساليب تزوير الانتخابات، وتلفيق التُّهم، واستخدام الإعلام وسيلة لترويج اتِّهامات باطلة لمن يعارضون الحكَّام، أو ينتقدونهم، ولا بدَّ من إشراف الأمَّة على التزام الحكَّام بالصِّدق والأمانة من خلال مؤسَّساتها التي تساعدها على تقويم، ومحاسبة الحكام إذا انحرفوا([1])، فتمنعهم من سرقة إرادتهم، وشرفها، وحرِّيتها، وأموالها (حمدي، ص 36-37).
المراجع:
ابن تيمية، السِّياسة الشَّرعية في إصلاح الرَّاعي والرَّعية. ابن كثير، أبو الفداء الحافظ الدمشقي، البداية والنِّهاية، دار الرَّيَّان، القاهرة، الطَّبعة الأولى 1408هـ 1988م. حمدي، مجدي، أبو بكرٍ رجل الدَّولة، دار طيبة الرِّياض، الطبعة الأولى 1415هـ.([1]) أبو بكرٍ رجل الدَّولة، مجدي حمدي، ص (36، 37).
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: أبو بکر
إقرأ أيضاً:
الإفتاء تحسم الجدل حول هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟
ورد سؤال لدار الإفتاء، جاء مضمونه: «كيف يتم تقسيم ذهب الأم المتوفَّاة؟ وهل يجوز للبنات إعطاء مقابله مالًا لشقيقهم الذكر؟ وما حكم اعتقاد البعض أن الذهب من حق البنات فقط؟».
الإفتاء تحسم الجدل حول هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟وجاء رد دار الإفتاء على النحو الآتي:
وقالت دار الإفتاء: ذَهَبُ الأم المتوفَّاة ملكٌ لها وتركةٌ عنها تقسم بعد وفاتها على جميع ورثتها الشرعيين كلٌّ حسب نصيبه الشرعي، لأن التركة هي كلُّ ما تركه الميت من الأموال خاليًا عن تَعَلُّقِ حَقِّ الغَير بعينٍ من الأموال، كما جاء في "رد المحتار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (7/ 350 ط. دار الفكر) نقلًا عن «شروح السراجية»، وعرَّفها الإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي في «مواهب الجليل» (6/ 406، ط. دار الفكر) بأنها: «تُرَاثه، وهو الميراث، وضبطه بعضهم بأنه حقٌّ قابِلٌ للتجزِّي ثَبَت لمستحقٍّ بعد موتِ مَن كان له، لوجود قرابة بينهما أو ما في معناها»، وعرَّفها الإمام أبو البقاء الدَّمِيرِي الشافعي في «النجم الوهاج» (6/ 111، ط. دار المنهاج) بأنها: «ما يخلفه الميت»، وعرَّفها الإمام أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في «شرح منتهى الإرادات» (2/ 499، ط. عالم الكتب) بأنها: «الحق الْمُخَلَّف عن الميت».
وأضافت: وإذا كان الذهب الذي تركته الأم ملكًا لها فهو إذَن تركة عنها وليس ملكًا للبنات وحدهن إلا إذا كانت الأم قد أوصت لبناتها بهذا الذهب كله أو بعضه، فإنه حينئذٍ يكون وصيةً.
وتابعت: والوصية تنعقد شرعًا إما باللفظ أو بالكتابة، لكن لا تسمع دعوى الوصية عند الإنكار بعد وفاة الموصي، إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو مكتوبة جميعها بخط المتوفَّى، وعليها إمضاؤه، طبقًا للمادة الثانية من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946م.
واستطردت: وإن لم تكن الوصية مكتوبة على النحو السابق بأن كانت شفهية أو نحو ذلك، فإذا أقر الورثة جميعًا بصحة نسبتها للموصي فهي صحيحة نافذة في حقهم، وإن أقر بصحتها بعضُهم دون الآخرين فهي صحيحة نافذة في حق من أقرها فقط، وتنفذ في حدود نصيب من أقر بها.
وقالت: وفي كل حال فإن الوصية تنفذ في حدود ثلث التركة، فإذا زادت عن الثلث فهذه الزيادة تحتاج إلى إجازة الورثة، فإن أجازها جميعُ الورثة نفذت في حقهم جميعًا، وإن أجازها بعض الورثة ورفضها البعض الآخر نفذت الزيادة في حق من أجازها فقط، ثم تقسم باقي التركة بين جميع الورثة كلٌّ حسب نصيبه.
وهو ما نصَّ عليه القانون المذكور في المادة (37- الفقرة الأولى) منه: [تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره، وتنفذ مِن غير إجازة الورثة، وتصح بما زاد على الثلث، ولا تنفذ الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصى وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزونه] اهـ.
واختتمت: وبخصوص أخذ البنات ذهب الأم المتوفَّاة وإعطاء مقابله مالًا لشقيقهم الذكر، وظنِّ البعض أن الذهب من حق البنات فقط، فإنه قد تقرر أن ذهب الأم المتوفَّاة يُعدُّ جزءًا من تركتها، فيقسم بين الورثة جميعًا قسمة الميراث كلٌّ حسب نصيبه الشرعى، ولا سبيل لانفراد بنات المرأة المتوفَّاة به دون أبنائها الذكور، إلا إذا تم التراضي بينهم على ذلك، سواء بالتنازل عنه لهن أو بدفع قيمة ما زاد عن حقهن في الميراث في هذا الذهب.
ما يظنه البعض من أن الذهب من حق البنات فقط ظن غير صحيح، ولا يترتب عليه أى أثر شرعيّ.
اقرأ أيضاًدار الإفتاء تحذر من «البشعة»: ممارسة محرمة شرعًا وتعرّض الإنسان للأذى
الحكم الشرعي في من أمسك بالمصحف «ناسيا» وقرأ القرآن وهو على غير طهارة
الإفتاء تحتفل بمرور 130 عامًا على مسيرة الفتوى الرشيدة والعطاء المؤسسي