في ظل تحولات متسارعة يشهدها النظام الدولي، وتزايد حدة التنافس بين القوى الكبرى على النفوذ والموارد، استضافت جامعة بوغازيجي التركية يومي 16 و17 يونيو/حزيران الجاري مؤتمرا دوليا رفيع المستوى بعنوان "التنافس بين القوى العظمى والشرق الأوسط.. إعادة رسم طرق التجارة والشبكات".

جاء المؤتمر بتنظيم مشترك مع مركز الجزيرة للدراسات، وبمشاركة مؤسسات أكاديمية من الصين وتركيا وأوروبا، وبحضور نخبة من الباحثين والخبراء.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل تُجَرّ أميركا للحرب الإسرائيلية على إيران؟list 2 of 2كيف ترى مراكز الأبحاث الإسرائيلية إيران؟ وبماذا تُوصي نتنياهو؟end of list

وناقش المؤتمر الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية لمشاريع الربط والبنى التحتية العالمية، وفي مقدمتها مبادرة الحزام والطريق الصينية، والممر الاقتصادي الهندي- الشرق أوسطي- الأوروبي، ومشروع طريق التنمية بين العراق وتركيا، فضلا عن المبادرة الأوروبية للبنية التحتية، مع تركيز خاص على موقع الشرق الأوسط ضمن هذه المبادرات باعتباره منطقة تقاطع إستراتيجي في إعادة تشكيل شبكات التجارة والتحالفات الدولية.

طبيعة الصراع الدولي

وفي كلمته الافتتاحية، قدّم مدير مركز الجزيرة للدراسات الدكتور محمد المختار الخليل قراءة إستراتيجية معمقة لطبيعة التنافس الراهن، مؤكدا أن القوى العظمى لا تتصارع اليوم على "إعادة رسم الخرائط" فحسب، بل تسعى إلى بناء شبكات مصالح متجددة ومسارات بديلة لطرق التجارة ترسم بها خريطة النفوذ المستقبلي. واعتبر أن النظام العالمي الجديد لا يمكن أن يولد دون تفكيك ما تبقى من القديم، وأن ما يجري في قطاع غزة وإيران ليس إلا تمظهرا حيا لهذا التحول.

ورأى الخليل أن التنافس القائم في المنطقة يجسد مواجهة بين 3 كتل: قوى صاعدة، وقوى متراجعة، وقوى نزاعة للاستقلال، وأن هذا المؤتمر يسعى إلى صياغة فهم جماعي لهذه التحولات بما يُمكّن الباحثين وصنّاع القرار من استشراف سيناريوهات الخروج من الأزمات المتكررة في الشرق الأوسط.

من جانبه، شدد وو شويمينغ نائب رئيس أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية على الأهمية الإستراتيجية للشرق الأوسط ضمن مبادرة الحزام والطريق، واعتبر أن الصين تسعى إلى بناء علاقات قائمة على التفاهم والتكامل في مجالات الطاقة المتجددة والاتصالات والتبادل الثقافي، وليس على الهيمنة أو الاستقطاب. كما أكد التزام بكين بتعزيز التعاون الدولي ودعم الاستقرار في المنطقة بعيدا عن الإستراتيجيات القائمة على الفوضى أو التفتيت.

إعلان هشاشة النظام الدولي

من تركيا، اعتبر مدير دراسات السياسة الخارجية في مؤسسة "سيتا" مراد يشلطاش أن الحرب على إيران ليست مجرد تطور عابر، بل هي حدث مفصلي يعكس إعادة تشكيل العلاقات الدولية وتحولات ميزان القوى.

كما نبّه إلى فشل النظام الدولي ومؤسساته الأممية في التعامل مع أزمات الشرق الأوسط بسبب غياب المرجعيات القيمية الموحدة والتناقضات البنيوية في المنظمات الدولية.

وفي كلمته، رأى سلجوق أيدين نائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة بوغازيجي، أن الأحداث الجارية في أكثر من مكان، من الحرب على غزة إلى التصعيد في أوكرانيا، مرورا بالتوتر المتصاعد بين القوى الغربية، تكشف عن هشاشة عميقة في البنية الاقتصادية والاجتماعية للنظام الدولي، وتؤشر على خلل متزايد في قدرته على الاستجابة للأزمات المتراكمة.

واعتبر أن سلاسل التوريد والممرات التجارية لم تعد مجرد مسارات لوجستية، بل تحولت إلى أدوات للتنافس الجيوسياسي والاستقطاب الإستراتيجي، داعيا إلى مراجعة شاملة للمفاهيم السائدة حول الأمن الاقتصادي العالمي في ظل تزايد تداخل الاقتصاد بالتوازنات العسكرية والسياسية.

أبرز مداولات اليوم الأول:

تفكك النظام الدولي، وصراع المصالح، وتحولات التكنولوجيا

ناقشت جلسات اليوم الأول من المؤتمر مظاهر تفكك النظام الدولي الراهن؛ حيث شددت المداخلات على أن الأحداث الجارية، ولا سيما في غزة، كشفت عن هشاشة عميقة في البنية الاقتصادية والاجتماعية العالمية، في ظل تنامي التوترات وتزايد الاعتماد على سلاسل الإمداد والممرات الدولية كمجالات للتنافس الجيوسياسي.

ورصد في هذا السياق تصاعد حاد في التنافسية الإستراتيجية بين القوى الغربية وفي الشرق الأوسط. ولم تغب الإشارة إلى ضعف النظام القانوني الدولي في ضوء غياب المساءلة الفعلية عن الانتهاكات العسكرية، ولا سيما في السياق الفلسطيني.

توقفت النقاشات كذلك عند التحولات في الدور التركي الإقليمي؛ حيث رفضت التصورات التي تربط بين الحضور التركي في بعض الملفات و"الحنين العثماني"، في مقابل التأكيد على دور أنقرة الوسيط والتوازني القائم على الثقة في النفس والسعي نحو التهدئة.

أما في المجال التكنولوجي، فقد طرحت مقاربات تؤكد أن الصراع العالمي بات يتمحور حول الهيمنة الرقمية والتفوق التكنولوجي، لا حول التوسع العسكري فقط، مع تحذيرات من أن الولايات المتحدة تسعى لتطويق صعود قوى أخرى كالصين وتركيا من خلال التحكم في المجال الرقمي والتحالفات الأمنية.

شكلت مداولات اليوم الأول إطارا تحليليا لرؤية القوى الإقليمية والدولية لمستقبل النظام العالمي في ظل عالم تتزايد فيه مؤشرات التمزق أكثر من ملامح الاستقرار.

أبرز مداولات اليوم الثاني

الشرق الأوسط.. مختبر التعددية القطبية

شكل اليوم الثاني من المؤتمر مناسبة لتوسيع النقاش حول موقع الشرق الأوسط داخل نظام عالمي آخذ في التشظي وإعادة التشكل؛ حيث لم يعد العالم محكوما بثنائية الحرب الباردة، ولا باستقرار القطب الأوحد، بل بات ساحة لتفاعلات بين قوى صاعدة وأخرى متراجعة، وتحالفات مرنة تتبدل بحسب المصالح والظروف.

وفي هذا السياق، ناقشت الجلسات بإسهاب إمكانيات أن تتبنى دول المنطقة مبادرات تكاملية خاصة بها بعيدا عن الارتهان للمشاريع العابرة من الخارج، وطرحت تساؤلات عميقة حول ما إذا كان الشرق الأوسط قادرا، في ظل واقعه السياسي المعقد، على صوغ أجندة تكامل إقليمي مستقل.

إعلان

تناولت المداخلات دور المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة الدول التركية، باعتبارها منصات محتملة لتفعيل هذا الدور، إلا أن غالبية المشاركين أقروا بأن غياب الرؤية الموحدة والانقسامات السياسية والصراعات الداخلية لا تزال تشكل عائقا حقيقيا أمام بناء مسارات تجارية واقتصادية مشتركة تنطلق من داخل المنطقة نفسها وتستجيب لأولويات شعوبها.

كما استعرضت الجلسات التحديات السياسية واللوجستية التي تواجه هذه المبادرات، بما فيها نقص البنية التحتية العابرة للحدود، والشكوك بين الدول المتجاورة، وتداخل الأجندات الأمنية مع المشاريع الاقتصادية، مما يجعل فكرة "تكامل إقليمي مستقل" هدفا صعب المنال، وإن لم يكن مستحيلا.

وسلط المؤتمر الضوء بشكل خاص على استبعاد تركيا من مبادرة الممر الاقتصادي الهندي- الشرق أوسطي- الأوروبي، معتبرا ذلك مؤشرا على الاصطفافات الجيوسياسية الجديدة التي تعيد تشكيل شبكة النفوذ والمصالح في المنطقة.

مخرجات بحثية

اختتم المؤتمر أعماله بإعلان مجموعة من المخرجات البحثية التي تسعى إلى ترجمة النقاشات النظرية إلى أدوات معرفية وسياساتية قابلة للتوظيف. وشملت هذه المخرجات إعداد كتاب جماعي محرر يوثق أبرز أوراق المؤتمر ومداولاته، بالتعاون مع مركز الجزيرة للدراسات ودار نشر دولية، إلى جانب إصدار موجزات سياسات تستند إلى التحليلات والقراءات التي طرحت خلال الجلسات.

كما تم التأكيد على التوجه نحو تنظيم فعاليات بحثية لاحقة، تشمل مؤتمرات متخصصة وورشا ولقاءات تشاورية، بهدف تعميق النقاش في القضايا التي تناولها المؤتمر، وتوسيع نطاقها ضمن دوائر البحث وصنع السياسات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الجزیرة للدراسات النظام الدولی الشرق الأوسط بین القوى

إقرأ أيضاً:

بمشاركة 500 عالم وخطيب.. انطلاق مؤتمر أمناء الأقصى الدولي الثالث بإسطنبول

بدأت اليوم السبت في إسطنبول فعاليات مؤتمر أمناء الأقصى الدولي الثالث للخطباء والدعاة بمشاركة نحو 500 خطيب وإمام وعالم من كافة أنحاء العالم الإسلامي.

ويُعقَد المؤتمر الثالث تحت شعار "من منابر الأمة إلى المسجد الأقصى.. عهد ورباط"، ويختتم أعماله غدا الأحد.

وشدد رئيس مؤسسة أمناء الأقصى للدعاة وخريجي الشريعة عصام البشير، في كلمة له خلال افتتاح المؤتمر، على أهمية المسجد الأقصى ورمزيته في وجدان المسلمين، وقال إن المسجد الأقصى حق خالص للمسلمين جميعا.

ووصف البشير المسجد الأقصى بأنه الميزان الدقيق الذي تُقاس به هوية الأمة ومستوى وعيها، محذرا من خطورة المخططات التي تهدد مدينة القدس المحتلة، ومؤكدا أن الخطر تجاوز الاعتداء على الحجر، ليستهدف الهوية الإسلامية وتزييف الوعي والسعي لإفراغ المدينة من أهلها المرابطين من خلال محاولات ممنهجة.

روحان في جسد واحد

وربط البشير بين الجُرحين الفلسطينيين المتمثلين بغزة والقدس قائلا إنهما روحان في جسد واحد.

وأشاد بصمود أهل غزة، واصفا ثباتهم بأنه "أعظم شهادة حية على سريان روح الإسلام في جسد الأمة".

وبدوره، ألقى عميد جامع الجزائر الشيخ محمد المأمون القاسمي الحسني كلمة أكد خلالها على أن المؤسسات العلمية والدينية الجزائرية، وعلى رأسها جامع الجزائر، رسّخت دعمها للقضية وجعلت القدس جزءا أصيلا من رسالتها العلمية والدعوية.

وقال إن الجزائر بتاريخها النضالي، وضعت القدس في صميم رؤيتها الدبلوماسية، والقضية ليست ملفا سياسيا قابلا للمساومة.

انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الثالث لمؤسسة أمناء الأقصى في إسطنبول بمشاركة رسمية وعلمائية واسعة تحت شعار: «من منابر الأمة إلى المسجد الأقصى… عهد ورباط»

انطلقت في مدينة إسطنبول اليوم (2025.12.13) فعاليات المؤتمر الدولي الثالث الذي تنظمه مؤسسة أمناء الأقصى للدعاة وخريجي الشريعة،… pic.twitter.com/7GyoKUhQB8

— هيئة علماء فلسطين (@palscholars48) December 13, 2025

إعلان

أما محمد غورماز، رئيس معهد التفكر الإسلامي في تركيا، فاستحضر دروسا من التاريخ لإسقاطها على واقع المسلمين اليوم.

وسرد غورماز محنة المسلمين في غرناطة قبيل سقوطها واستنجادهم بالمسلمين لنُصرتهم، مشددا على ضرورة دعم أهل غزة والشعب الفلسطيني من أجل القدس والحواضر الإسلامية.

فعاليات

وستُعقد في اليوم الأول من المؤتمر ندوتان، الأولى بعنوان" القدس وفلسطين: الواقع ومستقبل الصراع"، وتنقسم لعدة محاور هي: المسجد الأقصى في عين العاصفة وغزة اليوم ومستقبل الاتفاق والضفة درع القدس وتعزيز مركزية فلسطين في وجدان الأمة.

أما الندوة الثانية فستُعقد تحت عنوان الخطاب الدعوي والقضية الفلسطينية، وتنقسم لعدة محاور هي: نقض خطاب التطبيع الإفتائي والوعظي وموقع القضية في منهجية البناء المعرفي والتربوي، وانعكاس الطوفان في دوائر المجتمع الغربي وسبل الاستثمار.

مقالات مشابهة

  • بمشاركة 500 عالم وخطيب.. انطلاق مؤتمر أمناء الأقصى الدولي الثالث بإسطنبول
  • الجزيرة للدراسات ينظم مؤتمر أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة لنقل القارة من الهامش للمركزية
  • بمشاركة 111 خبيرًا.. انطلاق مؤتمر العيون الدولي بالرياض
  • مؤتمر التمويل التنموي يختتم أعماله بأكثر من 35 جلسة حوارية تجسد رسالته لقيادة التحول التنموي
  • اتفاقية حظر التجارب النووية والشرق الأوسط
  • عودة: مؤتمر الفاتيكان أوربانيا صون الحياة وتعزيز الصحة والحوار الدولي
  • 160 باحثًا من 16 دولة في مؤتمر جامعة نزوى للدراسات العليا
  • مؤتمر ولاية صور الدولي يختتم أعماله
  • روسيا تعرض منتجاتها الغذائية في مصر
  • مؤتمر بيتكوين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يختتم أعماله بأبوظبي