البلاستيك يتغلغل في كل طبقات المحيطات وأعماقها
تاريخ النشر: 20th, June 2025 GMT
كشف مسح محيطي استمر عشر سنوات، وشمل 1885 نقطة بحرية، عن وجود طبقة من البلاستيك تنتشر عبر جميع طبقات المحيط الأطلسي الشمالي والأحواض المجاورة، ما يشير إلى مدى تغلغل التلوث البلاستيكي.
وتشير النتائج التي نشرت في مجلة "نيتشر" إلى أن التلوث البلاستيكي يتغلغل في أعماق أكبر بكثير مما أشارت إليه الدراسات السابقة.
ووصف علماء البحار بجامعة نورث إيسترن، الذين أعدوا الدراسة ما يُعرف بـ"ضباب دخاني خفيف" مكوّن من شظايا وألياف صناعية دقيقة، أرقّ بكثير من شعرة الإنسان. تتحرك هذه الجسيمات مع التيارات، وتختلط عموديا، ثم تستقر ببطء في قاع البحر.
وركزت الدراسات السابقة على بقع النفايات السطحية، حيث تتجمع المواد البلاستيكية بسبب التيارات الدوارة. إلا أن المسح الجديد يظهر أن ديناميكيات هذه التيارات لا تقتصر على السطح فقط، بل تمتد إلى الأعماق.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، آرون ستابينز، وعالم البحار في جامعة نورث إيسترن: "هناك تراكمات على السطح، لكن نفس العمليات تؤدي إلى تراكمات تحت الدوامات، في نوع من العدسات العمودية".
واعتمدت الدراسة على دمج بيانات من شبكات العوالق، والترشيح المباشر، ومصايد الرواسب، جُمعت خلال الفترة من 2014 إلى 2024. وتمت معظم عمليات الرصد في ممرات الشحن البحرية المزدحمة، وعلى الهوامش الساحلية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وهي مناطق معروفة بسوء إدارة النفايات.
وقال ستابينز: "إن البلاستيك موجود في كل مكان تقريبا. ونجده في القارة القطبية الجنوبية، وجبال هيمالايا، وحتى في أعماق المحيط".
أخطر من التلوث
في حين أن البوليمرات الطافية مثل "البولي إيثيلين" و"البولي بروبيلين" تبقى على السطح، فمن المفترض أن تغرق المواد البلاستيكية الأكثر كثافة بسرعة نحو القاع، مثل "البولي إيثيلين تيريفثالات" (PET) المستخدم في زجاجات المياه، لكن الدراسة وجدت هذا النوع من البلاستيك في أعماق متعددة.
ويشير ستابينز إلى أنه عندما تصبح الجسيمات متناهية الصغر، فإن كثافتها تصبح أقل أهمية من مقاومة حركته، أي أن التآكل والتعرض للأشعة فوق البنفسجية والهجوم الميكروبي يؤدي إلى تفتيت الجزيئات إلى قطع يقل حجمها عن 100 ميكرون، مما يسمح للتيارات المضطربة بإبقائها عالقة في المياه فترات طويلة.
وكشفت الدراسة أيضا، أن تركيز الجسيمات البلاستيكية الدقيقة بلغ ذروته عند أحجام تقل عن 20 ميكرونا، وهي جسيمات تتصرف تقريبا مثل الغبار المعدني في الهواء وتشتت الضوء، وتمتص الملوثات، وتُستهلَك بسهولة.
وتشكّل العوالق الصغيرة قاعدة السلسلة الغذائية في المحيطات، وتُغذّي كل شيء من اليرقات السمكية إلى الحيتان. وتُظهر الدراسات أن القشريات والكريليات (تشبه الروبيان لا يتجاوز حجمها سنتيمترين)، تبتلع الجسيمات البلاستيكية ظنا منها أنها طحالب مغذية.
وفي هذا السياق يقول ستابينز: "ربما تتغذى الكائنات البحرية على هذه الجسيمات، ومعها المواد السامة التي تلتصق بها، ما يؤدي إلى تراكمها في أنسجة الأسماك التي يستهلكها البشر لاحقا".
وتفيد الدراسة -التي نقلها موقع المستقبل الأخضر- أن جزيئات البلاستيك تعمل كطوافات تحمل الملوثات العضوية والمعادن الثقيلة والميكروبات الضارة، ما يزيد من خطر انتقالها عبر السلسلة الغذائية.
ولا يؤدي البلاستيك إلى التلوث فقط، بل قد يؤثر أيضا على قدرة المحيط على امتصاص الكربون. فالمحيطات تمتص نحو ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية الناتجة عن النشاط البشري، وقد يُقلل البلاستيك من قدرة المحيط على امتصاص ثاني أكسيد الكربون.
وفي حين أن توثيق النفايات السطحية سهل نسبيا عبر الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة، فإن رصد الجسيمات الدقيقة في الأعماق يتطلب معدات متطورة وبروتوكولات دقيقة.
ويدعو فريق الدراسة إلى جهد دولي لتوحيد طرق أخذ العينات وتحليل الجسيمات، مما يساعد على رسم خريطة عالمية دقيقة للتلوث البلاستيكي.
ورغم المبادرات الدولية للحد من إنتاج البلاستيك وتحسين إدارة النفايات، فإن التريليونات من الجسيمات البلاستيكية المنتشرة حاليًا ستستمر في الدوران والغرق والتفتت عقودا قادمة، حتى لو توقف التصريف العالمي اليوم.
وتشير بعض الدراسات إلى كتلة يتراوح حجمها بين 470 ألف طن من البلاستيك و540 ألف طن ينتهي بها المطاف في المحيطات كل عام، بينما لا يتم تدوير سوى 9% من الإنتاج العالمي من البلاستيك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تلوث من البلاستیک
إقرأ أيضاً:
محمد مجيد: الاقتصاد الدائري لم يعد رفاهية بل ضرورة لإطلاق طاقات صناعة البلاستيك ورفع القدرة التنافسية للصادرات المصرية
- مصر حققت نموًا في صادرات الـPET المعاد تدويره بنسبة 66% خلال ثلاث سنوات
أكد محمد مجيد، المدير التنفيذي للمجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة، أن مفهوم الاقتصاد الدائري أصبح اليوم أحد أهم المحاور التي تشغل الصناعة العالمية، ولم يعد مجرد توجه ثانوي أو فكرة بيئية، بل تحول إلى ركيزة اقتصادية قادرة على خلق فرص استثمارية هائلة وزيادة القيمة المضافة للمنتجات، وعلى رأسها صناعة البلاستيك.
وقال مجيد خلال مشاركته في ندوة " نحو اقتصاد دائري في سلاسل القيمة للبلاستيك " والتي عقدت اليوم علي هامش الدورة السادسة " باك بروسيس " إن العالم يشهد تغيرًا مستمرًا في متطلبات الأسواق الدولية، ما يفرض على الصناعة المصرية مواكبة هذا التطور واعتبار الاقتصاد الدائري نموذجًا أساسيًا للإنتاج.
وأوضح أن النموذج التقليدي المعتمد على “الإنتاج ثم الاستهلاك ثم التخلص” لم يعد مناسبًا، حيث يهدر موارد اقتصادية ضخمة ويزيد من التحديات البيئية.
وأشار إلى أن الاقتصاد الدائري يعتمد على خمس مراحل رئيسية تشمل:
التصميم – الإنتاج – الاستهلاك – إعادة التدوير – إعادة التصنيع، وخلق منتج جديد موضحًا أن مرحلة التصميم تمثل 80% من حجم النفايات الناتجة في النماذج التقليدية، ما يعني أن تطوير المنتج من البداية هو العامل الأكثر تأثيرًا في نجاح الصناعة واستدامتها.
وأضاف مجيد أن ما يتم التخلص منه كنفايات اليوم هو في الواقع “ثروة اقتصادية” يمكن أن تصبح خامات صناعية استراتيجية، معتبرًا ذلك أساسًا لتغيير الفكر الصناعي والتحول إلى نموذج أكثر كفاءة وقدرة على توليد فرص عمل واستثمارات جديدة.
وفي استعراضه لتجارب دولية ناجحة، أوضح أن هولندا رفعت صادراتها من البلاستيك المعاد تدويره إلى مليار يورو بمعدل نمو 42%، بينما حققت ألمانيا صادرات بلغت 1.9 مليار يورو، وتقدمت شركات عالمية مثل BASF و DSM في استخدام تقنيات إعادة التدوير الكيميائي لإعادة البلاستيك إلى مواده الأولية. كما أشار إلى أن اليابان حققت نتائج بارزة في الاعتماد على تكنولوجيات متقدمة لإعادة تدوير البلاستيك لمنتجات عالية القيمة مثل ألياف الكربون.
أما عربيًا، فقد رفعت الإمارات صادراتها من البلاستيك المعاد تدويره بنسبة 22% خلال سنوات قليلة، بينما تمتلك مصر – بحسب مجيد – فرصة ذهبية لقيادة هذا القطاع نظرًا لامتلاكها قاعدة صناعية ضخمة وخبرات فنية ومخزونًا كبيرًا من المواد القابلة لإعادة التدوير.
وكشف أن مصر حققت نموًا لافتًا في صادرات الـPET المعاد تدويره حيث ارتفعت من 165مليون دولار (2019)الي 275 مليون دولار(2022) بنسبة نمو تصل الي 66% ، مؤكدًإن هناك الكثير من الشركات المخليه التي اصبحت موردا رئيسيا لاسواق أوروبا وتدخل بالفعل في سلاسل توريد محليه ودوليه
وقال أن حجم الفرص المتاحة لا يزال أكبر بكثير إذا تم تبني سياسات واضحة وتشجيع الاستثمار في تقنيات إعادة التدوير وتصنيع المنتجات ذات القيمة المضافة العالية.
دعا مجيد إلى تبني رؤية وطنية واضحة لدعم الاقتصاد الدائري في قطاع البلاستيك، مؤكدًا أن إعادة تدوير 30% فقط من المخلفات البلاستيكية في مصر كفيل بتغيير خريطة الصناعة ورفع الصادرات بصورة ملموسة.
تابع أن التحول الأخضر أو الاقتصاد الأخضر هو اتجاه عالمي حالي ويعدهدفاً استراتيجياً تضعه الدولة على مختلف الأصعدة
. وشدد مجيد على ضرورة التوافق مع هذا الاتجاه العالمي ، مشيراً إلى أن الفكرة لا تقتصر على متطلبات الاتحاد الأوروبي، بل هي توجه عالمي شامل .
وأوضح مجيد أن هذا التحول يبدأ من التشريع والمواصفة، التي تحدد للمصنع كيفية وضع التصميم اللازم لمنتج قابل لإعادة التدوير، أياً كانت نوعية هذا المنتج
وتابع أن العمل ضمن هذا المفهوم يهدف إلى تقليل الاستهلاك، لا سيما تقليل استهلاك الطاقة والبصمة المائية
وأشار إلى أن البصمة المائية تشمل أنواعاً مختلفة مثل الزرقاء والبيضاء والرمادية
ولفت المدير التنفيذي للمجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة إلى أن فكرة الاقتصاد الدائري يفضل تسميتها "سلسلة القيمة المضافة، موضحاً أنها لا تبدأ من عملية الإنتاج بل تبدأ من المورد الذي يورد للمنتج
وأكد أن هذا المنهج يضمن تحقيق المسؤولية المجتمعية للمنتج واستمراريته .
واختتم مجيد تصريحاته بالإشارة إلى أن العديد من الدول تبنت إجراءات صارمة في هذا المجال، مستشهداً بحالات مثل كينيا والهند اللتين منعتا استخدام شكائر وأكياس البلاستيك . كما نوه إلى أن الدول التي لا تمتلك تصنيعاً متقدماً يتم مطالبتها بشكل غير مباشر بتطبيق هذه المتطلبات عند ورودها من تكتلات مثل الاتحاد الأوروبي