صحيفة التغيير السودانية:
2025-08-08@23:21:02 GMT

أسئلة في بريد د. كامل إدريس

تاريخ النشر: 22nd, June 2025 GMT

أسئلة في بريد د. كامل إدريس

أسئلة في بريد د. كامل إدريس

عمر الدقير

???? الملاحظة الأبرز في الخطاب الذي ألقاه، أول أمس، الدكتور كامل إدريس – رئيس الوزراء المُعيّن – هي تجاهله للحقيقة الأكثر حضوراً والأشدِّ قسوةً وإيلاماً في السودان: الحرب المشتعلة منذ أكثر من عامين، والتي تسببت في كارثة إنسانية تُصنَّف بأنها الأسوأ في العالم.

تغييب الإشارة للكارثة الإنسانية يعني خذلاناً لضحاياها من اللائذين بمعسكرات النزوح والواقفين في طوابير التكايا والحاملين ذاكرة الوجع والحزن جراء مصائب الموت والانتهاكات والتشريد والتدمير، أما تجاهل الحديث عن الحرب واستراتيجية التعامل معها، فإنه ينسف واقعية الوعود التي حواها الخطاب .

. إذ كيف يمكن أن تُرسَم سياسات لجلب الرفاه والاستقرار، والبلاد تغرق في أتون حرب مدمرة لم يُطرَح لها حل، ولم تُذكَر بكلمة في “خطاب الأمل”؟!

هل يطمح الدكتور إدريس أن يبادر المجتمع الدولي أو الإقليمي بتقديم مساعدات لإعادة الإعمار، بينما الحرب لا تزال مستعرة ولا تلوح لها نهاية؟! وهل يمكنه استقطاب الاستثمار الخارجي – كما وعد – في هكذا ظروف؟ وهل يَتوقّع أن تُفرِج مؤسسات التمويل الدولية عن المساعدات المجمدة منذ انقلاب ٢٥ أكتوبر، والمخصصة لدعم قطاعات الخدمات الأساسية والبنية التحتية – ناهيك عن الدخول في مفاوضات لإبرام اتفاقيات تمويل جديدة – في ظل غياب رؤية واضحة لإنهاء الحرب واستعادة الاستقرار؟!

???? بدا خطاب رئيس الوزراء المُعيّن وكأنه كُتِب ليُناسِب دولةً أخرى أو لحظةً قادمة، لا السودان في هذه اللحظة التاريخية الرّاعِفة .. فالخطاب يقدم تصوراً لحكومة تكنوقراط تعمل في ظروف دولة مستقرة، تمتلك مؤسسات فاعلة، وبيئة آمنة، وتحظى فيها الحكومة بشرعية غير مُختلَف عليها وسيطرة كاملة على أراضيها مع حرية حركتها فيها.

استخدم الخطاب مفردات علمية: حديث عن الشفافية، الكفاءة، الرؤية، الرسالة، الخطط القابلة للقياس ومؤشرات الأداء. لكن كل ذلك يفترض وجود دولة متماسكة بسلطة موحدة، وهو ما لا ينطبق على السودان في لحظته الراهنة. فالحكومة التي يتحدث باسمها رئيس الوزراء لا تسيطر على كامل أراضي البلاد – بسبب الحرب التي تجاهلها في خطابه – ما يعني عدم قدرتها على بسط سلطتها وتنفيذ سياساتها في عموم ولايات البلاد، وبالتالي عدم قدرتها على تحقيق “العيش الرغيد لكل سوداني”، حسب الوعد المركزي في الخطاب .. وحتى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الموعودة، فإن أعداداً كبيرة من المواطنين يكابدون شظف العيش ويعتمدون على التكايا ويعانون من تدهور الخدمات الأساسية، بينما يبدو الحديث عن “العيش الرغيد” ترفاً لا يمتُّ إلى واقعهم بصلة؛ إذ أن أولويتهم المُلِحّة هي تأمين الحد الضروري من الاحتياجات التي تُقيم أوَدَهم وتحفظ كرامتهم.

???? من جانبٍ آخر، وصف الدكتور كامل إدريس حكومته المزمعة بأنها تجمع بين “الحُسنيَيْن”: فهي من جهة حكومة تكنوقراط تعتمد على الكفاءة والخبرة؛ ومن جهة أخرى خالية من الحزبيين .. صحيح أن هناك دعوات واسعة، تستند إلى بعض المبررات، تطالب بأن تكون الحكومة في ظروفٍ بعينها من غير الحزبيين. لكن تصوير الانتماء الحزبي كسيئة – عبر التصريح بأن استبعاد الحزبيين يُمثِّل إحدى “الحُسنيَيْن” – هو وصم غير عادل للممارسة السياسية المُنظّمة، وتعدِّي عل مبدأ التعددية السياسية. فالحزبية ليست سُبّة ولا منقصة، وهي أحد ركائز البنية الديمقراطية التي تُنظِّم المشاركة في الشأن العام.

ثم إن هذا الطرح يصطدم بواقع معلوم: فالحكومة الموعودة، وفق التوقعات والتسريبات، ستضم شخصيات تنتمي إلى الحركات المسلحة والقوى الأخرى المُوقِّعة على اتفاق جوبا للسلام، وهي النهاية أطراف ذات انتماءات سياسية حزبية. فهل شرط عدم الانتماء الحزبي – الذي أعلنه إدريس – يُفسَّر حسب الطلب؟ أم أنه لم ينجح في إقناع أطراف اتفاق جوبا به؟ .. هذا التناقض يوحي بأن هذا الشرط لا يُطرَح كمبدأ عام، بل يُوظّف كأداة انتقائية.

???? في نهاية خطابه تَحدّث الدكتور كامل إدريس عن الحاجة إلى “رجال دولة” قادرين على النهوض بالبلاد، وأغلب الظن أنه يقصد من يمتلكون الكفاءة والخبرة والأمانة من الرجال والنساء على حدٍّ سواء .. ومع ذلك، فإن اللغة تظل حاملة للمعنى وكان الأوفق أن تشمل النساء صراحةً، خاصة في بلدٍ لعبنّ فيه أدواراً مشهودة في النضال من أجل التغيير، ولا يزال يُنتظَر منهنّ الكثير.

???? من اللافت أن الدكتور كامل إدريس كان قد تحدث في خطابه الأول – عقب أداء القسم – عن أهمية الحوار السوداني “الذي لا يستثني أحداً” كوسيلة لحل الأزمة الوطنية، غير أن هذا التوجه غاب تماماً عن خطابه الأخير – مثلما غابت الإشارة إلى الحرب – ولم يرد أي ذكر للحوار، ولا لأي مسار سياسي جامع يُفضي إلى حل تفاوضي يعالج جذور الأزمة.

هذا الغياب يطرح تساؤلاً مشروعاً: هل تَراجَع رئيس الوزراء المُعيّن عن طرحه السابق، أم أن صلاحيات حكومته قد جرى تقليصها ومُنعِت من الاقتراب من ملف الحرب والتعاطي مع مسار الحل السياسي؟ وإذا كان الأمر كذلك – لا سيما في ظل تعديلات الوثيقة الدستورية التي جعلت إدارة السياسة الخارجية والبنك المركزي والأجهزة الأمنية تحت مسؤولية مجلس السيادة – فما الذي تبقّى لـ”حكومة الأمل” كي تفعله؟! أم هي مجرد واجهة إدارية محدودة الصلاحيات؟!

???? نقطة الضعف – القاصِمة لظهر “الأمل” – في خطاب الدكتور كامل إدريس لا تكمن في وفرة الوعود أو سقف الطموحات، وإنما في الهروب من الحديث عن الحرب وعدم طرح أية رؤية للتعامل معها؛ ما يهدم الأساس الذي تقوم عليه تلك الوعود، ولا يُبقي للأمل منفذاً .. فالأمل لا يصنعه التغافل عن واقع الحرب وأسبابها وتداعياتها، بل الاعتراف بهذا الواقع ومواجهته باستراتيجية واعية.

???? أخيراً: لسنا في مقام السخرية أو إطلاق الأحكام السلبية تجاه أشخاص أو نوايا، بل نبحث – مثل كثيرين غيرنا – عن طريق يخرج بلادنا من أزمتها المستفحلة .. لا نزعم أننا الأشد حرصاً على المصلحة العامة، وإنما ننظر بتقدير إلى مساهمات الآخرين ونؤمن بأن رؤية الخلاص ينتجها عقل وطني جماعي.

ما يهمنا – اليوم وكل يوم – هو أن تتجه البوصلة نحو ما ينفع الناس، وأن تُبذَل الجهود من الجميع في سبيل إيقاف الحرب، والتوافق على عقد اجتماعي يصون وحدة بلادنا ويحشد طاقات شعبها للبناء الوطني على أسس جديدة تضمن تحقيق شروط الحياة الكريمة للجميع بلا تمييز.

* رئيس حزب المؤتمر السوداني

21 يونيو 2025

الوسومالحرب السودان الكارثة الإنسانية حزب المؤتمر السوداني حكومة تكنوقراط د. كامل إدريس رئيس الوزراء عمر الدقير

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرب السودان الكارثة الإنسانية حزب المؤتمر السوداني حكومة تكنوقراط د كامل إدريس رئيس الوزراء عمر الدقير الدکتور کامل إدریس رئیس الوزراء التی ت

إقرأ أيضاً:

كامل إدريس: الحكومة السودانية ستعود للخرطوم قبل نهاية أكتوبر

أعلن رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس انتقاله من بورتسودان وعودة حكومته إلى الخرطوم بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل، واشتكى من تقاطعات وتغلغل ما وصفه "بالطابور الخامس" في أجهزة الدولة.

وقال إدريس خلال لقائه مجموعة من الصحفيين السودانيين بمقر إقامة السفير السوداني بالقاهرة، استمر حتى الساعات الأول من فجر اليوم الجمعة، إن مطار الخرطوم سيستأنف نشاطه خلال شهرين، حيث تُجرى حاليا أعمال إعادة التأهيل والترميم لاستقبال الرحلات الجوية.

وأعلن رئيس الوزراء عن عودة الحكومة بشكل نهائي إلى العاصمة الخرطوم قبل نهاية أكتوبر المقبل، وأشار إلى الدمار الكبير الذي لحق بمؤسسات الدولة بوسط الخرطوم التي توجد بها غالبية الوزارات ومؤسسات الدولة، موضحا أن الوزارات لن تعود إليها، وستتم إعادة تخطيطها وكذلك شارع النيل بأحدث الخطط والأنظمة العالمية المتطورة، وفق تعبيره.

واشتكى إدريس من كثرة ما قال إنها "تقاطعات وتغلغل الطابور الخامس داخل أجهزة الدولة"، واصفا المعاكسات والتعقيدات والضغوطات بأنها كبيرة جدا، وأشار إلى أن هذه التحديات لن تعيق جهود الحكومة في تحقيق استقرار الأوضاع وتطبيع الحياة وتوفير الخدمات.

وعن تأخر استكمال تشكيل حكومته رغم تكليفه في منتصف مايو/أيار الماضي، أوضح رئيس الوزراء أنه لم يتأخر بسبب حرصه على اختيار وزراء من الكفاءات الوطنية المستقلة، وأجرى معهم مقابلات شخصية، وأن أي وزير سيتم مراجعة عمله بعد 3 شهور، وكل وزير تقل نسبة أدائه عن 80% سيتم تغييره.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) خلال استقباله إدريس في القاهرة أمس الخميس (الفرنسية)ملفات ساخنة

وعن شغور منصب وزير الخارجية حتى الآن، أوضح رئيس الوزراء أن المعلومات المتداولة حول توليه وزارة الخارجية لفترة مؤقتة غير صحيحة، وقال إن انشغاله اليومي بحل القضايا الداخلية يجعل هذا الأمر مستحيلا، لأن الوزارة تتطلب التفرغ الكامل، لافتا إلى أن وزير الدولة للخارجية عمر صديق يرافقه في زيارته الحالية إلى مصر، مما يعكس توزيع المهام داخل الحكومة.

إعلان

وكشف إدريس أنه سيغير وزيرا -لم يسمه- لتخلفه عن أداء اليمين الدستورية، ونفى المعلومات الرائجة في مواقع التواصل الاجتماعي بأنه يحمل جنسية دولة معادية للسودان، وقال "حتى لا نظلمه فإنه لا يحمل جنسية تلك الدولة، لكن لتقديرات سيتم تسمية وزير آخر في موقعه".

وأكد أن خروج المجموعات المسلحة من الخرطوم تم بسلاسة وبالتنسيق مع حركات اتفاق سلام جوبا، نافيا وجود أي خلافات مع هذه الحركات، وأشار إلى أن وزراء الحركات يعملون بتنسيق تام مع الحكومة، وأنهم عالجوا القضية مع الحركات المسلحة بخطة الحكمة وليس الفتنة.

وأقر رئيس الوزراء بأن وتيرة عودة المواطنين النازحين أو اللاجئين بدول الجوار أسرع من تحسن الخدمات، وتعهد بحل المشكلات المتعلقة بالمياه والكهرباء والأمن التي يعمل عليها ليلا ونهارا، وتتصدر أولوياته، فيما تأتي بقية الملفات لاحقا، ووعد بتغيير الأوضاع في الخرطوم خلال أسابيع.

وعن تعثر الموسم الزراعي مما يهدد بفشله، أعلن رئيس الوزراء عن زيارة مرتقبة لولاية الجزيرة الأسبوع المقبل، مشيرا إلى نجاح الموسم الصيفي بنسبة 80%، وبدء الترتيبات للموسم الشتوي.

وتحدث إدريس عن خطة قومية لإعادة إعمار الولايات الأخرى، مؤكدا أن الوضع فيها أفضل نسبيا من الخرطوم، وأشاد بتحسن الأوضاع في أم درمان، قائلا "الآن أم درمان أفضل من باريس، في الجانب الأمني"، مضيفا أن الوضع هناك أكثر استقرارا.

إدريس يؤدي القسم أمام رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان (يسارا) بعد تعيينه رئيسا لمجلس الوزراء (مجلس السيادة الانتقالي)

وعن علاقته بالقوى السياسية، ذكر أنه أجرى مشاورات مع بعضهم من أجل إنشاء مجلس شورى أو مجلس تشريعي خلال المرحلة المقبلة، لكنه لا يمارس السياسة وإنما يكرس وقته لمعالجة ملفات ساخنة مرتبطة بالمواطنين، وفرض هيبة الدولة وتشغيل مؤسساتها.

كما نفى رئيس الوزراء علمه بوجود أي مفاوضات حاليا مع دولة الإمارات لاحتواء التوتر بين البلدين على أي مستوى.

زيارة القاهرة

وعن نتائج زيارته إلى مصر قال إدريس إنه أجرى محادثات مثمرة وناجحة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وأشاد بالتسهيلات التي قدمتها الحكومة المصرية للسودانيين في مجالات التعليم والصحة وعبر المعابر الحدودية، إلى جانب معالجة متأخرات ديون الكهرباء "الربط الكهربائي"، مما يعكس عمق العلاقات بين البلدين.

وكشف أن الحكومة المصرية وعدت بإطلاق سراح جميع الموقوفين من السودانيين في السجون المصرية على ذمة قضايا الهجرة، وسيتم ترحيلهم إلى السودان وتسهيل عودتهم إلى مناطقهم بالتنسيق مع السفارة السودانية.

ووصل رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس إلى القاهرة، أمس الخميس، في أول زيارة خارجية رسمية له منذ تولى منصبه.

وفي 31 مايو/أيار الماضي، أدى إدريس اليمين الدستورية أمام رئيس "مجلس السيادة" عبد الفتاح البرهان، رئيسا جديدا لمجلس الوزراء، عقب إصدار البرهان في 19 من الشهر ذاته مرسوما دستوريا بتعيينه.

وإدريس (71 عاما) مسؤول سابق بالأمم المتحدة وشغل عدة مناصب دبلوماسية، كما خاض انتخابات الرئاسة عام 2010 أمام الرئيس السابق عمر البشير.

إعلان

وتأتي هذه الزيارة وسط استمرار المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وأسفرت الحرب عن مقتل عشرات آلاف الأشخاص وأكثر من 13 مليون نازح ولاجئ، وأغرقت البلاد البالغ عدد سكانها 50 مليون نسمة في أزمة إنسانية حادة، حسب الأمم المتحدة التي تشير إلى انتشار المجاعة تدريجيا.

مقالات مشابهة

  • بعدما قال كامل إدريس إنه سيعين وزيراً آخر مكانه.. المنصوري: لا أملك جواز سفر إماراتي
  • كامل إدريس: الحكومة السودانية ستعود للخرطوم قبل نهاية أكتوبر
  • زيارة كامل إدريس للقاهرة.. التوقيت والأهمية والنتائج المترتبة
  • رسائل أمل ومشاريع إعادة إعمار.. مشاهدات من لقاء رئيس مجلس الوزراء د.كامل إدريس
  • كامل إدريس يحسم الجدل حول تعيين وزير الثروة الحيوانية الذي يملك جنسية اماراتية
  • هل سيعود المصباح أبوزيد علي متن طائرة كامل إدريس ؟!
  • بالفيديو.. كامل إدريس يشكر الشعب المصري نيابة عن الشعب السوداني
  • السيسي يستقبل كامل إدريس.. والملفات المصيرية المشتركة تشعل وتيرة اللقاء
  • رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس يصل مطار القاهرة الدولي
  • كامل إدريس إلى مصر في آول زيارة رسمية إلى خارج البلاد