صحيفة التغيير السودانية:
2025-06-22@13:08:38 GMT

أسئلة في بريد د. كامل إدريس

تاريخ النشر: 22nd, June 2025 GMT

أسئلة في بريد د. كامل إدريس

أسئلة في بريد د. كامل إدريس

عمر الدقير

???? الملاحظة الأبرز في الخطاب الذي ألقاه، أول أمس، الدكتور كامل إدريس – رئيس الوزراء المُعيّن – هي تجاهله للحقيقة الأكثر حضوراً والأشدِّ قسوةً وإيلاماً في السودان: الحرب المشتعلة منذ أكثر من عامين، والتي تسببت في كارثة إنسانية تُصنَّف بأنها الأسوأ في العالم.

تغييب الإشارة للكارثة الإنسانية يعني خذلاناً لضحاياها من اللائذين بمعسكرات النزوح والواقفين في طوابير التكايا والحاملين ذاكرة الوجع والحزن جراء مصائب الموت والانتهاكات والتشريد والتدمير، أما تجاهل الحديث عن الحرب واستراتيجية التعامل معها، فإنه ينسف واقعية الوعود التي حواها الخطاب .

. إذ كيف يمكن أن تُرسَم سياسات لجلب الرفاه والاستقرار، والبلاد تغرق في أتون حرب مدمرة لم يُطرَح لها حل، ولم تُذكَر بكلمة في “خطاب الأمل”؟!

هل يطمح الدكتور إدريس أن يبادر المجتمع الدولي أو الإقليمي بتقديم مساعدات لإعادة الإعمار، بينما الحرب لا تزال مستعرة ولا تلوح لها نهاية؟! وهل يمكنه استقطاب الاستثمار الخارجي – كما وعد – في هكذا ظروف؟ وهل يَتوقّع أن تُفرِج مؤسسات التمويل الدولية عن المساعدات المجمدة منذ انقلاب ٢٥ أكتوبر، والمخصصة لدعم قطاعات الخدمات الأساسية والبنية التحتية – ناهيك عن الدخول في مفاوضات لإبرام اتفاقيات تمويل جديدة – في ظل غياب رؤية واضحة لإنهاء الحرب واستعادة الاستقرار؟!

???? بدا خطاب رئيس الوزراء المُعيّن وكأنه كُتِب ليُناسِب دولةً أخرى أو لحظةً قادمة، لا السودان في هذه اللحظة التاريخية الرّاعِفة .. فالخطاب يقدم تصوراً لحكومة تكنوقراط تعمل في ظروف دولة مستقرة، تمتلك مؤسسات فاعلة، وبيئة آمنة، وتحظى فيها الحكومة بشرعية غير مُختلَف عليها وسيطرة كاملة على أراضيها مع حرية حركتها فيها.

استخدم الخطاب مفردات علمية: حديث عن الشفافية، الكفاءة، الرؤية، الرسالة، الخطط القابلة للقياس ومؤشرات الأداء. لكن كل ذلك يفترض وجود دولة متماسكة بسلطة موحدة، وهو ما لا ينطبق على السودان في لحظته الراهنة. فالحكومة التي يتحدث باسمها رئيس الوزراء لا تسيطر على كامل أراضي البلاد – بسبب الحرب التي تجاهلها في خطابه – ما يعني عدم قدرتها على بسط سلطتها وتنفيذ سياساتها في عموم ولايات البلاد، وبالتالي عدم قدرتها على تحقيق “العيش الرغيد لكل سوداني”، حسب الوعد المركزي في الخطاب .. وحتى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الموعودة، فإن أعداداً كبيرة من المواطنين يكابدون شظف العيش ويعتمدون على التكايا ويعانون من تدهور الخدمات الأساسية، بينما يبدو الحديث عن “العيش الرغيد” ترفاً لا يمتُّ إلى واقعهم بصلة؛ إذ أن أولويتهم المُلِحّة هي تأمين الحد الضروري من الاحتياجات التي تُقيم أوَدَهم وتحفظ كرامتهم.

???? من جانبٍ آخر، وصف الدكتور كامل إدريس حكومته المزمعة بأنها تجمع بين “الحُسنيَيْن”: فهي من جهة حكومة تكنوقراط تعتمد على الكفاءة والخبرة؛ ومن جهة أخرى خالية من الحزبيين .. صحيح أن هناك دعوات واسعة، تستند إلى بعض المبررات، تطالب بأن تكون الحكومة في ظروفٍ بعينها من غير الحزبيين. لكن تصوير الانتماء الحزبي كسيئة – عبر التصريح بأن استبعاد الحزبيين يُمثِّل إحدى “الحُسنيَيْن” – هو وصم غير عادل للممارسة السياسية المُنظّمة، وتعدِّي عل مبدأ التعددية السياسية. فالحزبية ليست سُبّة ولا منقصة، وهي أحد ركائز البنية الديمقراطية التي تُنظِّم المشاركة في الشأن العام.

ثم إن هذا الطرح يصطدم بواقع معلوم: فالحكومة الموعودة، وفق التوقعات والتسريبات، ستضم شخصيات تنتمي إلى الحركات المسلحة والقوى الأخرى المُوقِّعة على اتفاق جوبا للسلام، وهي النهاية أطراف ذات انتماءات سياسية حزبية. فهل شرط عدم الانتماء الحزبي – الذي أعلنه إدريس – يُفسَّر حسب الطلب؟ أم أنه لم ينجح في إقناع أطراف اتفاق جوبا به؟ .. هذا التناقض يوحي بأن هذا الشرط لا يُطرَح كمبدأ عام، بل يُوظّف كأداة انتقائية.

???? في نهاية خطابه تَحدّث الدكتور كامل إدريس عن الحاجة إلى “رجال دولة” قادرين على النهوض بالبلاد، وأغلب الظن أنه يقصد من يمتلكون الكفاءة والخبرة والأمانة من الرجال والنساء على حدٍّ سواء .. ومع ذلك، فإن اللغة تظل حاملة للمعنى وكان الأوفق أن تشمل النساء صراحةً، خاصة في بلدٍ لعبنّ فيه أدواراً مشهودة في النضال من أجل التغيير، ولا يزال يُنتظَر منهنّ الكثير.

???? من اللافت أن الدكتور كامل إدريس كان قد تحدث في خطابه الأول – عقب أداء القسم – عن أهمية الحوار السوداني “الذي لا يستثني أحداً” كوسيلة لحل الأزمة الوطنية، غير أن هذا التوجه غاب تماماً عن خطابه الأخير – مثلما غابت الإشارة إلى الحرب – ولم يرد أي ذكر للحوار، ولا لأي مسار سياسي جامع يُفضي إلى حل تفاوضي يعالج جذور الأزمة.

هذا الغياب يطرح تساؤلاً مشروعاً: هل تَراجَع رئيس الوزراء المُعيّن عن طرحه السابق، أم أن صلاحيات حكومته قد جرى تقليصها ومُنعِت من الاقتراب من ملف الحرب والتعاطي مع مسار الحل السياسي؟ وإذا كان الأمر كذلك – لا سيما في ظل تعديلات الوثيقة الدستورية التي جعلت إدارة السياسة الخارجية والبنك المركزي والأجهزة الأمنية تحت مسؤولية مجلس السيادة – فما الذي تبقّى لـ”حكومة الأمل” كي تفعله؟! أم هي مجرد واجهة إدارية محدودة الصلاحيات؟!

???? نقطة الضعف – القاصِمة لظهر “الأمل” – في خطاب الدكتور كامل إدريس لا تكمن في وفرة الوعود أو سقف الطموحات، وإنما في الهروب من الحديث عن الحرب وعدم طرح أية رؤية للتعامل معها؛ ما يهدم الأساس الذي تقوم عليه تلك الوعود، ولا يُبقي للأمل منفذاً .. فالأمل لا يصنعه التغافل عن واقع الحرب وأسبابها وتداعياتها، بل الاعتراف بهذا الواقع ومواجهته باستراتيجية واعية.

???? أخيراً: لسنا في مقام السخرية أو إطلاق الأحكام السلبية تجاه أشخاص أو نوايا، بل نبحث – مثل كثيرين غيرنا – عن طريق يخرج بلادنا من أزمتها المستفحلة .. لا نزعم أننا الأشد حرصاً على المصلحة العامة، وإنما ننظر بتقدير إلى مساهمات الآخرين ونؤمن بأن رؤية الخلاص ينتجها عقل وطني جماعي.

ما يهمنا – اليوم وكل يوم – هو أن تتجه البوصلة نحو ما ينفع الناس، وأن تُبذَل الجهود من الجميع في سبيل إيقاف الحرب، والتوافق على عقد اجتماعي يصون وحدة بلادنا ويحشد طاقات شعبها للبناء الوطني على أسس جديدة تضمن تحقيق شروط الحياة الكريمة للجميع بلا تمييز.

* رئيس حزب المؤتمر السوداني

21 يونيو 2025

الوسومالحرب السودان الكارثة الإنسانية حزب المؤتمر السوداني حكومة تكنوقراط د. كامل إدريس رئيس الوزراء عمر الدقير

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرب السودان الكارثة الإنسانية حزب المؤتمر السوداني حكومة تكنوقراط د كامل إدريس رئيس الوزراء عمر الدقير الدکتور کامل إدریس رئیس الوزراء التی ت

إقرأ أيضاً:

22 وزارة: كامل إدريس يفصل هيكل حكومة الأمل المدنية ويحدد المهام

قال رئيس الوزراء، د. كامل إدريس في خطاب للشعب ان حكومة الأمل المرتقبة تتكون من 22 وزارة، مفصلا مهامها كما يلي: (دون أولوية في الترتيب).وزارتي الدفاع والداخلية تهتمان يالأمن القومي، وزارة الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية، وتمثل حجر الزاوية للنهضة القادمة، وزارة التحول الرقمي والاتصالات، تركز على مواكبة عصر الذكاء الاصطناعي واللحاق بركبه.وزارة المالية، لتخلق سياسة مالية وإدارية حصيفة مبنية على فهم اقتصادي منطقي، تعظم الموارد وترشد الإنفاق وتزيل كل التشوهات الاقتصادية، وزارة الزراعة والري، العمود الفقري للاقتصاد مع السعي لنجعله الميزة التفضيلية الكبرى للبلاد.وزارة الثروة الحيوانية والسمكية، مورد استراتيجي يشكل ميزة تنافسية كبرى، وزارة المعادن، تهتم بإحداث الطفرة الإقتصادية الكبرى في البلاد، وزارة الطاقة، للتركيز على الطاقة المتجددة والبديلة والمستدامة مثل الطاقة الشمسية والطاقة النووية للأغراض السلمية.وزارتي التعليم والتربية الوطنية، التعليم العالي والبحث العلمي، وهما عماد نهضة الشعوب، تعملان على استقطاب أفضل الممارسات التعليمية والبحثية، والاهتمام بالتربية الوطنية.وزارة الصحة، تهتم ببناء نظام صحي متكامل يتيح العناية الطبية لكل المواطنين بكل سهولة ويسر، وزارة البيئة والاستدامة، تضع الاستراتيجيات والسياسات الوطنية الهادفة إلى حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيز التنمية المستدامة.وزارة الحكم الاتحادي والتنمية الريفية، لتحقيق التنمية المتوازنة أساس الاستقرار. وزارة الشباب والرياضة، لتعظيم دور الشباب وإتاحة الفرصة لهم لقيادة المجتمع. وزارة الخارجية والتعاون الدولي، تعمل على إيصال صوت السودان للعالم كما ينبغي، مع التركيز على دبلوماسية السلام والشراكات المنتجة.وزارة الصناعة والتجارة، تركز على التصنيع المتكامل ذي القيمة المضافة وتعظم الصادرات لتحقيق فائض ضخم في الميزان التجاري.وزارة البنى التحتية والنقل، للنهوض بالاقتصاد، لاسيما إعمار مادمرته الحرب، برؤية حديثة وغير تقليدية.وزارة الثقافة والإعلام والسياحة، العمل على مواكبة نظيراتها في العالم.وزارة العدل، للعمل على ترسيخ دولة القانون من خلال إيجاد نظام عدلي نزيه وفعَّال. وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، تهتم بدُور العبادة وترسيخ قيمة الوسطية في الدين والتديُّن ومحاربة التطرُّف وبناء جسور التسامح.وزارة شؤون مجلس الوزراء، لتنسيق الأداء الحكومي وتذليل الصعوبات وقياس ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية القومية والتنسيق المحكم بين فروع الدولة الثلاثة، (السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية).وأعلن رئيس الوزراء ان الهيكل سيضم وحدات إدارية منها هيئة النزاهة والشفافية، ذات السلطات القانونية الواسعة، والمعنية بمحاربة الفساد، إضافة الى المجلس القومي للتخطيط الإقتصادي والإستراتيجي، لبناء العمل على التخطيط السليم، الجهاز القومي للإستثمار، ذو الدور الطليعي في استقطاب الإستثمارات الأجنبية والمحليّة.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • كامل إدريس يؤكد تمسكه باتفاق جوبا والعناية بمعاش الناس
  • قراءة في خطاب الدكتور كامل إدريس الأخير
  • مكتب كامل إدريس ينفي فتح منصات للتقديم للمناصب الدستورية
  • بعد تخريب مطار الخرطوم.. كامل إدريس يبحث سبل تطوير المطارات السودانية
  • يا د. كامل إدريس: ليست هذه مهمتك، وما هكذا تُبنى حكومات الإنقاذ الوطني
  • كامل إدريس يقف على مجمل الأوضاع بمطارات السودان
  • رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس يكشف التحديات الماثلة أمام “حكومة الأمل” ويتحدث عن المحاصصة والمحسوبية ويعلن عن الغاء ودمج مجالس ومفوضيات تستنزف المال العام ويعلن 5 مشكلات كبرى
  • 22 وزارة: كامل إدريس يفصل هيكل حكومة الأمل المدنية ويحدد المهام
  • كامل إدريس: نداءً لكل الكفاءات الوطنية أن يرفدو بسيرهم الذاتية عبر وسائل التواصل