حرب فارسية-عبرية… لماذا بلغة عربية؟
تاريخ النشر: 22nd, June 2025 GMT
يتصارع الإيراني مع الإسرائيلي، هذا بالفارسية وذاك بالعبرية، لكن لغتهما إلى العرب ويتحدثون بالعربية؛ يظهر ناطق الجيش الإسرائيلي ملخّصًا للحرب بلهجة عربية فصحى مفهومة، ويعقبه المرشد الإيراني برسالة بالعربية. يتساءل مشاهد: ما علاقتنا؟ وآخر يهمس: «فخار يكسّر بعضه»، وثالث يدعو: «اللهم سدد رميهما»، فما سر استهدافهم لنا بلغتنا العربية في حرب ليست حربنا؟.
إنَّ استخدام اللغة العربية في سياق الصراع الاسرائيلي - الإيراني عند الرغبة في فهمه فإن علينا تقمص عقلية «الفاعل السياسي الإعلامي» ــ لا كمجرد طرف في صراع، بل كطرف يُدير رواية ويُشكل إدراكًا عامًا، خاصة في منطقة مثل الشرق الأوسط، حيث المعركة تدور بقدر ما هي على الأرض، فهي كذلك داخل عقول وقلوب الشعوب.
ولنتأمل المشهد الحالي فإن تحليله يعود لأبعاد منها البُعد الاتصالي السياسي من خلال السيطرة على السرديات، وكذلك اللغة كأداة تعبئة وتجنيد رمزي، فيما يعتبر الجمهور العربي أحد العناصر التي يراها كلا الطرفين عنصر حاسم في ميزان الشرعية الإقليمية.
إنَّ السيطرة على «السردية» في الفضاء العربي تظهر حين يستخدم الإيراني أو الإسرائيلي اللغة العربية في خضم صراعهما، فهما لا «يخاطبان» بعضهما البعض، بل يحاول كل طرف كسب أو تحييد الشعوب العربية، والتأثير في «السردية العربية العامة» حول الصراع. فالناظر إلى الصراع يجد إيران تحاول أن تلبس عباءة «المقاومة الإسلامية» وتتحدث باسم «المظلومين» وتربط صراعها مع إسرائيل بأنه صراع العرب جميعًا، أما إسرائيل في المقابل تحاول أن تُظهر أن العرب أقرب لها من إيران، وأنها الطرف المعتدل مقارنة بـ«التطرف الإيراني».. إذن، الحرب هنا ليست على الأرض فقط، بل على رواية من هو الضحية ومن هو العدو، وتلك رواية لا تُصنع في طهران أو تل أبيب، بل تُصنع في الشارع العربي وفي داخل العواصم والمدن والبيوت والحوارات العربية.
ولا تنفك السيطرة السردية عن اللغة العربية باعتبارها كرمز وليس فقط كوسيلة فاستخدام اللغة العربية لا يعني مجرد الترجمة، بل هو ترميز سياسي ثقافي؛ لذا عندما تتحدث بلغة قوم، فأنت تقول: «أنا معني بكم، أنا أفهم ثقافتكم، أنا داخل دائرتكم الرمزية، فأنا لست بغريب عنكم»؛ فمثلا إيران تستخدم مفردات عربية منها : «القدس»، «الدم»، «الأمة الإسلامية»، «العدو الصهيوني»، فيما تستخدم إسرائيل مصطلحات مضادة مثل : «السلام»، «التطبيع»، «الاعتدال»، «الإرهاب الإيراني»؛ لذا فكل كلمة مقصودة بعناية. إنها ليست فقط رسائل سياسية، بل محاولات لإعادة تشكيل الانتماء الجمعي للعرب.
وتكتمل عناصر استخدام اللغة العربية في هذا الصراع من خلال محاولة السيطرة على الجمهور العربي والناطق بالعربية فهناك مئات الملايين من العرب يشاهدون ويتفاعلون عبر السوشيال ميديا، ولذا فأي طرف يستطيع أن يحرك الرأي العام العربي لصالحه، سيكون قد كسب وزنًا استراتيجيًا. إن إيران تعرف أن الهيمنة الثقافية على خطاب «المقاومة» يتطلب تجنيد العرب معنويًا، وفي تل أبيب يدرك الاسرائيليون أن حياد أو قبول العرب مهم لحصار النفوذ الإيراني، وبالتالي، فاللغة العربية ليست مجرد أداة، بل هي ساحة حرب بحد ذاتها.
وبعد استعراض العناصر يبرز سؤال: «لماذا العرب؟».. أليست الحرب فارسية - عبرية؟ إنه من منظور الاتصال السياسي فإن كل صراع بين قوتين إقليميتين (كإسرائيل وإيران) يتمدد ليشمل «الوسط المحايد» أو «الكتلة الرمادية»، وهي في هذه الحالة الشعوب العربية التي لم تحسم ولاءها. ومن منظور الشرعية الرمزية فإن العرب هم الأساس للمركزية الإسلامية والتاريخية في المنطقة (القدس، مكة، العروبة…)، ومن يكسبهم يكتسب غطاءً معنويًا.
بقي القول، إنه في هذا المشهد، يتضح أن الصراع الإسرائيلي الإيراني لم يعد مجرد مواجهة عسكرية، بل معركة متقدمة على جبهة الاتصال النفسي والسيطرة على السرديات؛ لذلك فالعرب، وإن لم يكونوا طرفًا مباشرًا، باتوا يشكلون «الساحة الثالثة» التي يسعى كل طرف لاختراقها لغويًا ورمزيًا، وكذلك فاستخدام اللغة العربية ليست مجاملة، بل أداة استراتيجية تهدف إلى كسر الحياد، وتجنيد العقول والمواقف، ومع تزايد تعدد الروايات في الفضاء العربي، يصبح توجيه الرأي العام تحديًا بالغ الأهمية، وهكذا تتحول اللغة إلى سلاح ناعم، لا يقل فاعلية عن الصواريخ والطائرات.
ومن هنا نفهم لماذا يخاطب الطرفان العرب، فبينما إيران تقول: «نحن حماة القدس، لا أنتم»، ترد إسرائيل وتوجه رسالتها للعرب: «أنتم معنا، لا ضدنا».
قد يعجبك أيضاًNo stories found.المصدر: صحيفة عاجل
كلمات دلالية: اللغة العربیة السیطرة على العربیة فی
إقرأ أيضاً:
صحيفة عبرية: أزمات متصاعدة تضرب مطارات الكيان تحت حصار صنعاء
يمانيون |
كشفت صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية التابعة للعدو الصهيوني، عن أزمة حادة تضرب قطاع الطيران في كيان الاحتلال بفعل تدهور الأوضاع الأمنية وتوسّع دائرة الاستهدافات من اليمن وإيران، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار تذاكر الطيران، وانكماش حاد في حركة الملاحة الجوية.
ووفق التقرير، سجّلت أسعار التذاكر زيادة تصل إلى 120% منذ بدء العدوان على غزة في أكتوبر 2023، في ظل تصاعد الضربات من اليمن واستمرار حصار صنعاء لمطارات الاحتلال. وبلغت الزيادات ذروتها في الرحلات المتجهة إلى وجهات أوروبية مثل روما وبرلين وأمستردام.
وفي السياق ذاته، أكدت صحيفة “ذا ماركر” العبرية، أن أسعار التذاكر ما تزال مرتفعة للغاية، مرجحةً استمرار الأزمة طالما بقي الحصار الجوي مفروضًا من صنعاء، وسط غياب مؤشرات على قرب انتهاء الحرب.
وتعاني مطارات الاحتلال من نقص حاد في العرض الجوي بنسبة تتراوح بين 60 إلى 70%، بحسب الصحيفة، نتيجة انسحاب عدد من شركات الطيران الكبرى، التي ألغت رحلاتها إلى الأراضي المحتلة منذ تصاعد تهديدات صنعاء.
ويأتي ذلك بعد أن أعلنت القوات المسلحة اليمنية فرض حصار جوي شامل على المطارات الإسرائيلية، محذّرةً شركات الطيران الدولية من استمرار رحلاتها إلى تلك الوجهات، في إطار الرد على تصعيد العدو في غزة، وتضامنًا مع الشعب الفلسطيني.
الشلل المتزايد في حركة الطيران يضع كيان الاحتلال أمام تحدٍّ غير مسبوق، وسط تخوّف متصاعد من أن يتحول الحصار الجوي إلى استراتيجية طويلة الأمد تُكبّد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة وتُعمّق عزلته الإقليمية والدولية.