لمَ يريد إيمانويل ماكرون أن تصبح أوروبا قوة فضائية عالمية؟
تاريخ النشر: 22nd, June 2025 GMT
أثناء معرض باريس الجوي بتاريخ 20 يونيو/حزيران 2025، شدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن أوروبا يجب أن تعود لتكون قوة فضائية عالمية مجددا، حسبما نقلت فرنس برس.
جاء ذلك بعد أن ضاعفت فرنسا حصتها في شركة "يوتل سات"، لتصبح أكبر مساهم فيها، وهو ما يعد جزءا من إستراتيجيتها لتعزيز الاستقلال الأوروبي في الفضاء.
وبشكل خاص، حذّر ماكرون من أن أوروبا قد تُهمَّش في سوق أقمار مدار الأرض المنخفض بسبب المنافسة الشديدة من شركات مثل سبيس إكس (التي يملكها الملياردير الأميركي إيلون ماسك) وشركة أمازون الفضائية (التي يملكها الملياردير الأميركي جيف بيزوس)، بالإضافة إلى جهود الصين المتنامية في هذا النطاق.
مدار الأرض المنخفض هو أحد أنواع المدارات التي تدور فيها الأقمار الصناعية حول الأرض، ويُعد الأقرب إلى سطح الكوكب، حيث يقع على ارتفاع يتراوح بين 160 إلى ألفي كيلومتر فوق سطح الأرض، ويدور القمر الصناعي الموجود في مدار من هذا النوع بسرعة كبيرة (90 دقيقة تقريبا للدورة الكاملة).
المسافة القريبة من الأرض تعطي الأقمار الصناعية فرصة لبناء اتصالات عالية السرعة، فالقرب من الأرض يعني زمن تأخير منخفض، وهذا مهم جدا في مكالمات الإنترنت والخدمات البنكية والمالية الفورية.
إلى جانب ذلك فإن هذه الأقمار تستخدم في مراقبة الطقس والمناخ والزراعة ورصد المحاصيل وتتبع الفيضانات والحرائق والكوارث الطبيعية.
إلى جانب ذلك، تُوفر هذه الأقمار الصناعية خدمات الإنترنت والاتصال للمناطق التي لا تصلها شبكات أرضية، مثل الصحاري والجبال والسفن في البحر، كما تستخدم من قِبل الجيوش والحكومات لرصد التحركات العسكرية أو إطلاق الصواريخ.
لكن يعيب هذا المدار أنه يغطي فقط منطقة صغيرة، لذا تحتاج شبكات من الأقمار لتغطية عالمية، وهو ما تقوم به شركات مثل سبيس إكس في أقمار ستارلينك الصناعية مثلا، فقد أطلقت إلى الآن نحو 12 ألف قمر صناعي، ويُتوقّع أن تصل الشبكة إلى 42 ألف قمر صناعي في المدى الطويل.
إعلانومن ثم فإن هذا المدار قد يواجه في نقطة ما مشكلة ازدحام، فوجود آلاف الأقمار في مدارات متقاربة يرفع من خطر التصادم، كما أن الأقمار التالفة تُشكل خطورة مستقبلية على الأقمار العاملة ورواد الفضاء.
وقام ماكرون، في كلمته سالفة الذكر، بوصف الفضاء بأنه "مقياس جديد للقوة"، يشمل الاتصالات والدفاع والاستجابة للطوارئ والاستقلال التكنولوجي.
والواقع أن الدفاع لا يقتصر على الحروب الأرضية، بل أصبح يشمل حماية الأصول العسكرية في الفضاء، مثل أقمار التجسس، التي تُستخدم لمراقبة تحركات الجيوش والدول، وأقمار الاتصالات العسكرية والتي تُمكّن القوات من التنسيق السريع والآمن في أي مكان في العالم، إلى جانب أنظمة الإنذار المبكر التي تكتشف إطلاق الصواريخ أو الهجمات المفاجئة.
يأتي ذلك في سياق تصاعد عسكرة الفضاء عاما بعد عام، حيث بدأت بعض الدول (ونجحت) في تطوير أسلحة مضادة للأقمار الصناعية يمكنها تدمير أو تعطيل أقمار دول أخرى، وأقمار صناعية هجومية تحمل قدرات تشويش أو هجوم إلكتروني أو تحمل ليزرا مدمرا.
وعلى سبيل المثال أنشأت الولايات المتحدة "قوة الفضاء كفرع مستقل من الجيش منذ عام 2019، وطورت الصين وروسيا برامج شبيهة، خلال الأعوام القليلة الماضية.
يأتي ما سبق في سياق ضرورة ملحة حالية للاستقلال التكنولوجي، لأن الفضاء أصبح بُنية تحتية أساسية للحياة اليومية، فنحن نعتمد يوميا على الأقمار الصناعية في الملاحة والاتصالات (الإنترنت، الهواتف، البث التلفزيوني)، ورصد الطقس والمناخ، والخدمات المالية والمصرفية.
وإذا كانت هذه الأنظمة تحت سيطرة دول أو شركات أجنبية، فإن أمن البلاد الرقمي والاقتصادي ليس بالكامل في يدها.
أضف لذلك أن الفضاء سوق اقتصادي هائل، ومن ثم فمن يتحكم في الأقمار الصناعية وشبكات المدار المنخفض، يتحكم في خدمات الإنترنت العالمي والمراقبة الزراعية والبيئية والأسواق المستقبلية مثل التعدين الفضائي والسياحة الفضائية، ومن ثم فإن الاستثمار في هذه النطاقات يضمن نصيبا عادلا من هذه الأسواق، بدل البقاء مستهلكا فقط.
ويتطلب بناء برامج فضائية مستقلة أن تعمل الدول الأوروبية على صناعة أقمارها بنفسها من دون الاعتماد على دول أخرى، وامتلاك صواريخ إطلاق خاصة بها (مثل أريان الفرنسية) بدلا من الاعتماد على شركات مثل سبيس إكس، وإدارة شبكات الاتصالات والملاحة الفضائية بشكل مستقل، وتطوير التقنيات الرقمية الخاصة بالفضاء (مثل الشرائح وأنظمة القيادة والذكاء الاصطناعي) داخل أوروبا.
وبشكل خاص بدأت أوروبا في استشعار الخطر من انفصال الولايات المتحدة الأميركية عنها شيئا فشيئا، ومن ثم باتت مطالبة بالانفاق على التصنيع والتطوير العسكري لسد الفجوة التي تتركها أميركا، ويأتي الاستقلال التكنولوجي في نفس أهمية التسليح بالنسبة للبعض.
تسارع عالميفي السنوات الأخيرة زاد عدد الإطلاقات الصاروخية الفضائية بشكل كبير مقارنة بالعقود السابقة، فمثلا في التسعينيات كان معدل الإطلاقات العالمية حوالي 40 إلى 60 إطلاقا سنويا، ولكن في عامي 2023 و2024 تجاوز عدد الإطلاقات 220 سنويا، معظمها بقيادة شركات خاصة.
وهناك عدة أسباب لذلك، يأتي على رأسها زيادة عدد الأقمار الصناعية الصغيرة، حيث تطورت التكنولوجيا الخاصة بالأقمار الصناعية، وهذا جعل من السهل والرخيص تصنيع أقمار صناعية صغيرة وخفيفة، وشاركت في ذلك جامعات وشركات خاصة، وحتى دول صغيرة باتت تطلق أقمارها الخاصة بمعدلات متسارعة لتخدم كل شيء، من الاتصالات للعمليات العسكرية.
إعلانوأضف لذلك نمو مشاريع الكوكبات الضخمة، حيث تنوي شركات مثل "كايبر" و"ستارلينك" و"غووانغ" إطلاق الآلاف من الأقمار لتوفير الإنترنت عالميا.
وتتطلب هذه المشاريع وحدها عشرات الإطلاقات سنويا، يأتي ذلك في سياق تطور واضح لتكنولوجيا تصنيع الصواريخ التي باتت أسهل وأرخص، خاصة مع توفر إمكانية عودة الصاروخ للأرض وإعادة استخدامه.
وعلاوة على ذلك فإننا في خضم سباق فضائي جديد، فدول مثل الصين والولايات المتحدة والهند وكوريا الجنوبية توسع برامجها الفضائية بشكل كبير، يأتي ذلك في سياق تطلعات ومخاوف من سباق التسلح فضائي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الأقمار الصناعیة فی سیاق ومن ثم التی ت
إقرأ أيضاً:
هل تصبح الـUSDT عملة اللبنانيين البديلة؟
في زاوية بقالة صغيرة في بيروت، تتدلى بطاقة خضراء كتب عليها بخط عريض "Tether Accepted Here". يمدُّ أحد الزبائن هاتفه إلى "الكاشير"، يمسح رمزًا سريعًا، ويغادر حاملاً كيس خبز وبعض المعلبات، كل ذلك من دون ليرة واحدة، ومن دون ورقة دولار. إنها لحظة عابرة تكشف تحوّلاً هادئًا في خضم"اقتصاد الكاش" الذي لا يزال يسيطر على لبنان بشكل واسع جدًا، لكن هذه السيطرة، التي أدخلت لبنان إلى اللائحة السوداء ماليا، لا تخفي أهمية العملات المستقرّة، التي دخلت رسميًا إلى عادات الشراء اليومية في لبنان.*وفق أحدث تقديرات شركات التحليل الرقمي، نما استخدام العملات المشفَّرة في لبنان 120 في المئة خلال عام واحد، وهو ثاني أعلى معدل في الشرق الأوسط بعد تركيا. ويتوقع تقرير AInvest أن يتخطى عدد المستخدمين المحليين 430 ألف شخص بحلول عام 2026، في سوق سيقترب دخله هذا العام من سبعة ملايين دولار. لا يتطلب الأمر جولة طويلة لاكتشاف المشهد الجديد. على "إنستغرام" تنتشر صفحات مقاهٍ وبقالات في بيروت والضواحي تعلن "We Accept USDT"، بينما يؤكد عدد من أصحاب المتاجر أن نحو 30 في المئة من العمليات اليومية تتمّ بعملات مستقرة. والامر لا يقتصر على الزبائن فقط، إذ يتم التعامل أيضا مع الموردين اليوم، بالدولار الرقمي، الذي ينهي العملية بسرعة، دون حاجة إلى صراف، أو البحث عن دولار.
لماذا الانجذاب إلى USDT؟
حسب خبير اقتصادي تواصل معه "لبنان24"، فقد أشار إلى أنّ هذه العملية الآخذة في التزايد منذ بداية هذا العام، خاصة خلال الحرب، انجذب إليها العدد الأكبر من المواطنين وذلك لعدة اسباب أهمها، سهولة التصفية، حيث يرسل التاجر ما جمعه إلى وسيط محلّي يحوّل الـUSDT إلى دولارات ورقية نقداً، بعمولة متواضعة، أو يشتري بها سلعة مستورَدة يدفع ثمنها بالعملات الرقمية. ذلك بالاضافة إلى سرعة العملية وتقليل الاحتكاك، إذ إنّ الدفع يتم بلا لمس أوراق ولا عدّ فكة نقدية؛ هذه ميزة يقيّمها أصحاب البقالات خلال أوقات الذروة. والعامل الأهم حسب الخبير الاقتصادي، هو ثقة الجيل الشاب، إذ إنّ شريحة واسعة من مستخدمي العملات المستقرة هي من العاملين في المهن الحرة، الذين يتقاضون أجورهم على منصّات عالمية بعملة USDT، يفضّلون إنفاق ما يملكونه مباشرة بدلاً من تحويله عبر قنوات مصرفية شحيحة أو مكلِفة.
مصرف لبنان يمنع المصارف التقليدية من التعامل بالعملات المشفّرة، لكن الحظر لا يشمل التبادل النقدي المباشر بين الأفراد أو الشركات الصغيرة. وهكذا نشأ اقتصاد "بين الرمادي والأخضر": تحويلات تجري غالباً عبر مجموعات "تيليغرام" و bot تبادل، ثم تترجَم في محلّ بقالة أو مقهى مستقل.
ليبقى النشاط تحت السيطرة، يطالب بعض الخبراء بإطار تنظيمي خفيف يُلزم المتاجر بتسجيل محفظتها لدى هيئة رسمية. فالإغلاق التام أو التضييق، سيعيد المستخدمين إلى الظلّ، بينما التنظيم الذكي يستطيع فرض ضريبة عادلة ومكافحة أي شبهة غسل أموال.
مشهد البقالة في بيروت ليس استثناءً، بل علامة على أن "البلوكشين" خرج من شاشات المتداولين ودخل سلّة الغذاء. المشتريات لا تقتصر على الوجبات الخفيفة؛ بعض مورّدي الجملة باتوا يقبلون USDT لفواتير الأجبان أو اللحوم المبرَّدة، مستفيدين من سرعة التسوية وخفض المخاطر المرتبطة بنقل النقد.
يبقى السؤال: هل يستمر الزخم؟ يبدو أن الجواب رهن مسارَيْن متوازيَيْن: قدرة السلطات على تقديم إطار يوازن بين الابتكار والحماية، واستعداد التجار الصغار على تبنّي أنظمة محاسبة تتعامل مع الأصول الرقمية بشفافية. إلى ذلك الحين، سيواصل سكان الأحياء استخدام هواتفهم للدفع مقابل الرغيف والعلبة المعدنية… في تجربة تُذكّر بأن النقود، مثل كل شيء آخر، باتت تتحرك بسرعة الضوء، وأحياناً بسرعة لمس شاشة واحدة.
المصدر: خاص لبنان24 مواضيع ذات صلة أدوية التخسيس... هل تصبح علاجا شاملا لأمراض العصر؟ Lebanon 24 أدوية التخسيس... هل تصبح علاجا شاملا لأمراض العصر؟