رام الله- يقدر رجل الأعمال الفلسطيني محمد حلايقة، من منطقة الخليل (جنوبي الضفة الغربية)، تعاملاته مع أحد المصارف المحلية على مدى 20 عاما، بعشرات ملايين الشواكل الإسرائيلية (الدولار يساوي 3.5 شواكل)، لكن منذ أيام فوجئ برفض البنك الذي يتعامل معه الإيداعات النقدية بالعملة ذاتها بحجة تكدس العملة في البنك.

يقول حلايقة للجزيرة نت إن على شركته، المختصة باستيراد المناديل الورقية، التزامات شهرية كبيرة بعملتي الشيكل والدولار، ولتغطية تلك الالتزامات عليه الإيداع إما بالدولار أو الدينار الأردني، ومن ثم بيعها للبنك وشراء الشيكل إلكترونيا.

يكشف رجل الأعمال عن فارق كبير عند شراء العملة من شركات الصرافة مقارنة مع البنوك، مما يكبد المواطنين والتجار على حد سواء خسائر كبيرة، يكون المستهلك ضحيتها النهائية.

أكثر من 6 مليارات ونصف المليار شيكل تتكدس في خزائن البنوك العاملة بفلسطين (الجزيرة) مثال واقعي

كمثال، يقول حلايقة إن التاجر الذي لديه التزام بـ100 ألف شيكل مثلا، عليه أن يشتري ما يعادلها بالدولار من شركات الصرافة، وتساوي تقريبا 27.4 ألف دولار بسعر 3.65 شواكل للدولار. ومن ثم يودعها في البنك، ثم عليه أن يقوم بتحويل الدولار مجددا إلى الشيكل لكن بسعر البنك وهو أقل مما اشتراه، ويساوي 3.5 شيكل لكل دولار، أي أنه سيحصل على نحو 96 ألف شيكل.

في هذه الحالة -يوضح حلايقة- أنه يخسر مرتين، الأولى عندما اشترى الدولار من الخارج، والثانية عندما باعه للبنك.

وكمثال آخر قال إنه كان يودع عملة الشيكل ويشتري الدولار من البنك بالسعر الرسمي، لتحويله للخارج كأثمان بضائع مستوردة، لكنه اليوم مضطر لشراء الدولار من خارج البنوك وبسعر أعلى لإيداعه وتحويله.

يعتبر التاجر الفلسطيني قرار البنوك عدم استقبال الشيكل "ضربة قاضية للتجار الذين يشكلون نحو 70% من المجتمع، والبنية التحتية الاقتصادية".

إعلان

ويتساءل: "أنا مستورد ولدي 32 حاوية في البحر، وعليّ التزامات شهرية بـ 432 ألف دولار، والعملة المتداولة في السوق هي الشيكل، ولك أن تتخيل حجم الخسارة في تبديل العملة".

ويلفت إلى أن التجار سيضطرون لرفع الأسعار لتعويض هذه الخسائر وهذا سيكون على حساب المواطن، محملا البنوك مسؤولية الأزمة الراهنة، ودعا سلطة النقد للتدخل.

ولحل أزمة تكدس الشيكل يقترح على البنوك ضع مزيد من الأموال في السوق بتسهيل تمويل عدد من رجال الأعمال بالمبالغ المكدسة.

سلطة أوسلو تدخل الضفة في دوامة من الأزمات المالية والمعيشية منذ بدء الحرب من أجل إشغال المجتمع في لقمة عيشه.

بعد أزمة المحروقات المستمرة للآن وأزمة الرواتب المنقوصة، افتعال أزمة الشيكل – عدم قبول البنوك لايداعات بالشيكل رغم أن كل المعاملات التجارية والحكومية بالشيكل.

ولتزيد…

— yaseenizeddeen (@yaseenizeddeen) June 21, 2025

أزمة تتجدد

وكل بضع سنوات تطفو مشكلة تكدس الشيكل في المصارف العاملة بالضفة الغربية، لتشكل مع عوامل أخرى مزيدا من الضغط على الاقتصاد والمواطن الفلسطيني المنهك والمحاصر، وسط مساع رسمية للبحث حلول.

ووفق معطيات سلطة النقد الفلسطينية، وهي بمثابة البنك المركزي، تتلخص المشكلة في عدم قدرة المصارف على شحن فائض عملة الشيكل إلى البنوك الإسرائيلية مما يؤدي إلى تراكمها في خزائن البنوك ويحد من تنفيذ المعاملات التجارية اليومية مع الجانب الإسرائيلي.

ومع أن سلطة النقد الفلسطينية أصدرت تعليماتها للبنوك بضرورة استقبال عملة الشيكل ضمن محددات معينة، وحددت سقف الإيداع بـ5 آلاف شيكل للأفراد، يشتكي مواطنون من عدم التزامها.

ووفق المدير العام لجمعية البنوك الفلسطينية، بشار ياسين فإن لتراكم الشيكل بعدا سياسيا، حيث تحجم إسرائيل ممثلة بوزارة المالية والبنك المركزي الإسرائيليين عن استقبال فائض الشيكل للربع الثاني على التوالي هذا العام.

وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن إسرائيل ومنذ 6 أشهر لم تستقبل أي شيكل من البنوك العاملة بالضفة خلافا للاتفاقيات المبرمة معها، التي تنص على استقبال نحو 4.5 مليارات شيكل بشكل ربعي (كل 3 أشهر)، بحكم أنها صاحبة العملة ومصدرها.

وتابع "ندخل الآن في الربع الثالث، والمشكلة تزداد وتتفاقم".

وأشار إلى تحرك رسمي فلسطيني على أعلى المستويات في أوروبا وأميركا والمجتمع الدولي للمطالبة بالضغط على إسرائيل وحل المشكلة، مرجحا أن تثمر تلك الاتصالات عن حل قريب للمشكلة.

سلطة النقد الفلسطينية أصدرت تعليماتها للبنوك باستقبال إيداعات الأفراد حتى 5 آلاف شيكل (موقع سلطة النقد) ما الحل؟

بدوره يقول الخبير الاقتصادي مؤيد عفانة، للجزيرة نت إنه لا يمكن النظر إلى تكدس الشيكل بمعزل عن احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة، وهي عائدات ضرائب فلسطينية، ومساعيها لفك العلاقة مع البنوك الفلسطينية، كوسائل ضغط وابتزاز للسلطة الفلسطينية.

يوضح عفانة أن تكدس الشيكل سيلقي بظلاله على الاقتصاد الفلسطيني عموما، مرجحا تنامي سوق العملة السوداء وتراجعا في قيمة الشيكل محليا قريبا.

ويرى أن حل المشكلة هو التحول الرقمي وضبط دخول الشيكل إلى السوق "لكن الأمر يحتاج إلى وقت".

إعلان

وبتقدير عفانة فإن "لدى البنوك ما يقارب 6.5 مليارات شيكل عملة خاملة في الخزائن".

وأشار إلى أن بروتوكول باريس الاقتصادي بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل لعام 1994، حدد السقف بـ12 مليار شيكل يتوجب على البنوك الإسرائيلية استقبالها من نظيرتها الفلسطينية على شكل دفعات ربعية.

ويضيف أنه بموجب دراسة لصندوق الدولي النقد الدولي مع البنك المركزي الإسرائيلي وسلطة النقد الفلسطينية تم عام 2019 رفع السقف إلى 18 مليار شيكل، لكن الموجود فعليا أكثر من ضعف هذا المبلغ، وأرجع ذلك إلى تنامى الاقتصاد الفلسطيني والحركة التجارية مؤكدا الحاجة لرفع السقف.

سلطة النقد: اتخذنا إجراءات لمعالجة أزمة تراكم الشيكل من بينها:

– الاتفاق مع اتحاد الغرف التجارية الصناعية الزراعية وممثلي القطاع الخاص على تعزيز الشمول المالي.

– نشر نقاط البيع وخدمات الدفع الإلكتروني في المحلات والشركات كافة.

– الحد من التعامل النقدي لما لذلك من دور في تخفيف… pic.twitter.com/uYZsTfKXvS

— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) June 22, 2025

مساع حكومية

ومنذ أسابيع عادت لتتفاعل قضية تكدس الشيكل على المستوى الرسمي، وعقدت عدة لقاءات مع القطاع الخاص والغرف التجارية للبحث عن حلول للمشكلة، جرى خلاها التركيز على التحول الرقمي والدفع الإلكتروني.

وبالتوازي تواصل الحكومة اتصالاتها مع مختلف الجهات الدولية للضغط على إسرائيل باتجاه معالجة المشكلة.

كما أعلنت سلطة النقد الفلسطيني -في بيان- أنها على تواصل مع البنك المركزي الإسرائيلي ومع كافة الجهات والمؤسسات المحلية والدولية وتبين مخاطر وتداعيات عدم السماح للمصارف الفلسطينية بشحن النقد المتوفر.

كما أعلنت أمس الأحد، أنها أجرت سلسلة لقاءات مع الحكومة وممثلي القطاع الخاص أسفرت عن اتفاق بنشر خدمات الدفع الإلكتروني ونقاط البيع في كافة المحلات والشركات، لتقليل التعامل النقدي، بما يسهم في الحد من تكدس الشيكل وتقليل مخاطر السرقة والتزوير.

كما أصدرت تعليماتها للمصارف بضرورة التعاون مع القطاعات الاقتصادية المسؤولة عن توفير السلع الأساسية في السوق المحلية، إضافة إلى تسهيل عمليات تمويل التجارة الخارجية، وضرورة التعامل بإيجابية مع الإيداعات النقدية للأفراد.

العملات المتداولة في السوق الفلسطينية، و دور البنوك المراسلة في إتمام المعاملات التجارية pic.twitter.com/HoZJjcWAak

— PMA (@PMAuthority) June 21, 2025

3 عملات

هناك عملات رئيسية مسموح بتداولها قانوناً في فلسطين، هي الشيكل والدولار والدينار واليورو، لكن الشيكل يستحوذ على النسبة الكبرى من العملات المتداولة كونه عملة التعامل اليومي وتستخدم في عمليات شراء وبيع السلع والخدمات، وفق نص اتفاقية باريس الاقتصادية التي وُقّعت عام 1994.

وبموجب العلاقة المراسلة بين المصارف الفلسطينية والإسرائيلية، يتم شحن الشيكل لتسديد أثمان السلع والخدمات الواردة والصادرة من وإلى الجانب الإسرائيلي.

وتقدر سلطة النقد نسبة الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل بحوالي 85% من إجمالي الصادرات الفلسطينية، في حين تبلغ نسبة الواردات المباشرة من السوق الإسرائيلية حوالي 55% من إجمالي الواردات، التي من ضمنها السلع والخدمات الأساسية من كهرباء ومياه ونفط ومواد غذائية. وكلها تتم بالشيكل بعمليات مصرفية متوسطها السنوي بين شيكات وحوالات حوالي 50 مليار شيكل (14.42 مليار دولار) سنوياً.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات سلطة النقد الفلسطینیة سلطة النقد الفلسطینی البنک المرکزی الدولار من ملیار شیکل فی السوق

إقرأ أيضاً:

100 مليون شيكل للبناء والتجديد.. ميزانية «الملاجئ» ترهق الخزانة الإسرائيلية بسبب الضربات الإيرانية

 تعتزم وزارة الدفاع الإسرائيلية، إنشاء ألف ملجأ عام إضافي في جميع أنحاء إسرائيل، وتجديد 500 ملجأ قديم، بتكلفة تبلغ 100 مليون شيكل (الدولار يساوى 3.50 شيكل).

وبحسب ما كشفته صحيفة «جيروزاليم بوست»، الإسرائيلية _السبت_ فإن «الخطوة جاءت بعد موافقة الحكومة مؤخرًا على المشروع، وإقرار تدابير دفاع مدني جديدة في أعقاب أيام من إطلاق الصواريخ الإيرانية المكثفة».

وسلطت وسائل الإعلام العبرية، الضوء بعد الهجمات، على النقص في الحماية المناسبة للسكان المدنيين في إسرائيل، حيث أفادت تقارير بأن «نحو ربع السكان لا يمكنهم الوصول إلى أي ملجأ وأن العديد من الملاجئ المتاحة غير خاضعة لصيانة مناسبة».

ووفقًا لجمعية البنائين، فإن أكثر من نصف المنازل في إسرائيل (بنسبة57%) لا تحتوي على غرفة أمان حتى عام 2024، وعلى الرغم من أن المنازل التي بُنيت بعد عام 1993 يُشترط أن تحتوي على غرف أمان، إلا أن العديد من الأحياء القديمة في إسرائيل تفتقر إلى هذا النوع من الحماية.

وتشكل الملاجئ شريان حياة للإسرائيليين من الهجمات الصاروخية الإيرانية، وتم بناء شبكة ملاجئ منذ عقود في إسرائيل، وحوالي 65% من السكان لديهم إمكانية الوصول إلى ملاجئ شخصية أو عامة، خاصة في المباني الحديثة، لكن 30% من السكان ليس لديهم ملاجىء.

وتم إنشاء ملاجئ إضافية مؤخرًا في الشمال، حتى في محطات الحافلات، للحماية من أي تصعيد محتمل من جهات متعددة، ووالملجأ عادة ما يتكون من جدران خرسانية مسلحة وباب حديدي ثقيل ومحكم الإغلاق يفتح للخارج ومجهز المعيشة، ومع استمرار التصعيد مع إيران برزت أهمية هذه الملاجئ للكثيرين في إسرائيل، إذ توفر لهم الأمان والغذاء والشعور بالأمن في ظل حالة عدم اليقين.

قد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • المصدرين: ربط التصدير بإدخال الحصيلة عبر البنوك خطوة تحمي الاقتصاد
  • الحالة المرورية.. تكدس حركة السيارات على أغلب شوارع وميادين القاهرة والجيزة
  • سلطة النقد تصدر تعليمات جديدة بشأن الإيداعات النقدية
  • مدونون: الشيكل في الضفة من وسيلة تبادل إلى أداة خنق اقتصادي
  • المراجعة الخامسة لصندوق النقد.. توجيهات رئاسية بشأن الاقتصاد المصري
  • سلطة النقد تتّخذ إجراءات عملية لمعالجة أزمة تراكم الشيكل في المصارف
  • بميزانية 100 مليون شيكل.. إسرائيل تعلن خطة لبناء وتحديث الملاجئ لحماية المدنيين
  • "100 مليون شيكل" للترميم والبناء.. "الملاجئ " تُرهق ميزانية إسرائيل وسط توترات الشرق الاوسط
  • 100 مليون شيكل للبناء والتجديد.. ميزانية «الملاجئ» ترهق الخزانة الإسرائيلية بسبب الضربات الإيرانية