تشهد الضفة الغربية والقدس المحتلة تصعيدًا إسرائيليًا غير مسبوق، تزايد بشكل ملحوظ عقب انتهاء الحرب مع إيران، حيث كثّفت إسرائيل عمليات القمع والاعتقال والاقتحام والتوسع الاستيطاني، وسط تزايد الهجمات الإرهابية التي ينفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين، في مشهد يصفه مراقبون بأنه محاولة متسارعة لحسم الصراع وفرض أمر واقع على الأرض قبل أي تحرك سياسي دولي.

وخلال الأيام الماضية، فرضت القوات الإسرائيلية إغلاقًا شاملاً على الضفة الغربية، وأغلقت مداخل عشرات القرى والمدن باستخدام بوابات حديدية وحواجز إسمنتية، مع تصعيد واسع في مدينة القدس، شمل إغلاق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والبلدة القديمة، وتشديد الحواجز والاقتحامات الليلية واعتقال الفلسطينيين.

وفي تصعيد خطير، قُتل ثلاثة فلسطينيين وجُرح سبعة آخرون برصاص مستوطنين إسرائيليين خلال هجوم على بلدة كفر مالك شرق رام الله، وهو ما دفع وزارة الخارجية الأردنية لإدانة ما وصفته بـ”اعتداءات المستوطنين الإرهابية”، محمّلة إسرائيل كامل المسؤولية بصفتها “قوة احتلال”.

من التصعيد إلى مشروع الضم

يصف المحلل السياسي الفلسطيني نعمان توفيق العابد هذا التصعيد بأنه تنفيذ مباشر لسياسات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، التي تعهدت منذ ما بعد 7 أكتوبر، ومع تصاعد الصراع الإقليمي، بتوسيع الاستيطان وتهويد الضفة الغربية.

وقال العابد لـ”سبوتنيك” إن ما يجري هو تغول استيطاني ممنهج، مدعوم من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي سلّح المستوطنين بشكل علني، في دعوة صريحة لمهاجمة القرى الفلسطينية. وأوضح أن الحكومة تسعى إلى ربط المستوطنات جغرافيًا لتقسيم الضفة إلى 8 تجمعات معزولة، ما يقوّض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مترابطة.

وأضاف أن إسرائيل تسابق الزمن قبل أي حراك دبلوماسي محتمل، من خلال فرض أمر واقع على الأرض عبر سن قوانين تمنح المستوطنين حق شراء الأراضي في الضفة، وهو ما يوازي إعلانًا تدريجيًا للضم، خاصة بعد دعوات من مسؤولين إسرائيليين لضم ما يصل إلى 65% من الضفة الغربية.

إرهاب منظم برعاية الجيش

من جهته، اعتبر المحلل فادي أبو بكر أن ما تشهده الضفة هو “إرهاب منظم” تمارسه جماعات المستوطنين بدعم من الجيش الإسرائيلي، في إطار استراتيجية حكومية تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين.

وأكد لـ”سبوتنيك” أن الهجمات الأخيرة، التي شملت قتل مدنيين وحرق منازل وتخريب أراضٍ زراعية، ليست أحداثًا فردية، بل سياسة ممنهجة تهدف إلى الضم الفعلي للضفة الغربية.

وأشار إلى أن التصعيد الجاري يعكس توظيفًا منهجيًا لأدوات العنف والترهيب والتجويع كوسائل للضغط على الفلسطينيين، بالتزامن مع استمرار المجازر في غزة، في ظل غياب أفق سياسي وتراجع فعالية القانون الدولي.

شرعية دولية غائبة

الضفة الغربية، الممتدة بطول 100 كلم وعرض 50 كلم، تخضع للاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، وتعدّها الأمم المتحدة والأغلبية الساحقة من دول العالم “أرضًا محتلة”، بينما تعتبر المستوطنات الإسرائيلية المقامة عليها غير شرعية. وأكدت محكمة العدل الدولية في يوليو 2024 أن الوجود الإسرائيلي في الضفة غير قانوني بموجب القانون الدولي.

ومع تزايد وتيرة التهجير والاستيطان، تتزايد التحذيرات من أن الصمت الدولي أمام السياسات الإسرائيلية قد يُفضي إلى انهيار كامل لفرص حل الدولتين، ويكرّس نظام فصل عنصري دائم في الأراضي المحتلة، في لحظة فارقة من تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

هزيمة إسرائيل في معركة الرأي العام العالمي.. حرب غزة وإيران تُسقط صورتها دوليًا

في تحول وصف بـ”التاريخي”، تشير استطلاعات رأي دولية وبيانات ذكاء اصطناعي إلى تراجع غير مسبوق في الدعم الدولي لإسرائيل، على خلفية تصاعد العنف في غزة وحربها الخاطفة الأخيرة ضد إيران.

ووفقًا لموقع “إسرائيل هيوم”، فإن عملية تحليل واسعة للمزاج العام على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت أن إسرائيل تلقت هزيمة على “الجبهة الإعلامية”، مع تسجيل مستويات دعم متدنية لم تشهدها منذ عقود.

وفي أحدث استطلاع أجرته مؤسسة “YouGov”، تراجع التأييد لإسرائيل في أوروبا الغربية إلى 13% فقط، مقارنة بـ21% سابقًا، فيما أبدى 63% نظرة سلبية تجاه الدولة العبرية، رغم أن هذه النسبة كانت أعلى سابقًا (71%)، أما في دول مثل أستراليا والسويد وإسبانيا وهولندا، فقد وصلت نسبة النظرة السلبية إلى 90%، وهي مستويات توصف بـ”القياسية”.

الاستطلاع أظهر أيضًا تراجع الثقة في رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أعرب 30% فقط من المستطلعين في 24 دولة عن ثقتهم به. في المقابل، ارتفعت الأصوات المنتقدة لسياساته، خصوصًا مع تزايد أعداد القتلى المدنيين وتدمير البنى التحتية في غزة.

وفي الولايات المتحدة، التي لطالما كانت داعمًا رئيسيًا لإسرائيل، انخفض التأييد الشعبي لها إلى 50% فقط، وهو أدنى مستوى منذ بدء رصد هذه البيانات عام 1978، وسجل الدعم بين الديمقراطيين تراجعًا غير مسبوق إلى 41%، مع بروز توجهات محايدة أو متعاطفة مع الفلسطينيين لدى القواعد الليبرالية والشباب.

تقارير متخصصة أشارت إلى أن تكتيكات التجويع والدمار المدني في غزة كانت بمثابة “القشة التي قصمت ظهر” صورة إسرائيل عالميًا، وداخل إسرائيل، بدأت شخصيات بارزة، مثل وزير الدفاع الأسبق موشيه يعلون، تنتقد علنًا السياسات الحكومية وتتحدث عن “جرائم حرب” محتملة، وهو ما كان يُعد من المحرمات سابقًا.

ردود الفعل السياسية لم تتأخر، إذ أعلنت دول مثل إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا والنرويج اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، وسط حديث عن خطوات مماثلة من فرنسا وبلجيكا، هذه الموجة الدبلوماسية تعكس تآكل الثقة الأوروبية في التزام إسرائيل بالحلول السلمية.

حرب إيران… وارتداد التأثير

في سياق متصل، جاءت الضربات الإسرائيلية على طهران وأصفهان خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا، بنتائج عكسية. ورغم فاعليتها العسكرية، فإن سقوط ضحايا مدنيين دعم موقف القيادة الإيرانية حتى في أوساط معارضيها، وأسهم في تغذية الخطاب المتشدد داخل البلاد، بحسب مراقبين.

إعلام غربي يتغير… ومواقع تحذر من الكارثة

منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، حذرت مواقع مثل “أبرزاتس” من أن إسرائيل تخسر حرب السخط العالمي، وجاء في إحدى مقالاته: “الرأي العام العالمي ليس في صف إسرائيل، حتى رغم فظاعة هجوم حماس… التغطية الإخبارية المتحيزة والدعم الرسمي لم يعودا كافيين لتغيير الواقع الشعبي”.

وفي خلاصة الموقف كتب الموقع: “لم يُعرف بعد حجم الكارثة التي قد تنفجر في الشرق الأوسط، لكن المؤكد أن إسرائيل بحاجة إلى تغيير جذري… هزيمتها في حرب المعلومات توضح ذلك بما لا يدع مجالًا للشك”.

الجيش الإسرائيلي يستدعي قوات الاحتياط بتحديث خطته القتالية

أعلن الجيش الإسرائيلي أن رئيس أركانه، إيال زامير، قرر إجراء استدعاء محدث لقوات الاحتياط عقب تقييم شامل للوضع العملياتي خلال اجتماع عقد مساء الخميس.

وذكر بيان للجيش أن المناقشة تناولت تعديل الخطة الزمنية القتالية للقوات النظامية والاحتياطية بما يتناسب مع الاحتياجات العملياتية في مختلف ساحات القتال، مع مراعاة العبء الذي يتحمله أفراد الخدمة بعد نحو 20 شهراً من القتال المستمر.

وأشار الجيش إلى أنه أرسل إشعارات استدعاء معدلة عبر نظام الاستدعاء الآلي، مع الالتزام بإجراء تقييمات مستمرة لدراسة تدابير التخفيف الممكنة لتخفيف الأعباء على الجنود وعائلاتهم، رغم ضرورة الإجراءات العملياتية.

وأكد البيان تقدير الجيش العميق لتضحيات جنود الاحتياط وعائلاتهم، معلناً عن خطة دعم شاملة خلال فترة انتشار القوات في أشهر الصيف، تتضمن مخيمات صيفية مدعومة، خدمات رعاية أطفال، وفعاليات ترفيهية للعائلات، بالإضافة إلى إطار الدعم المستمر منذ بداية الحرب.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: إسرائيل الاعتقالات في الضفة الغربية التصعيد في الضفة الغربية الضفة الغربية ضم اجزاء من الضفة الغربية الضفة الغربیة أن إسرائیل فی غزة

إقرأ أيضاً:

«الصحة العالمية» تحذِّر من تفاقم الأزمة الصحية في الضفة الغربية

جنيف (الاتحاد)

أخبار ذات صلة المتحدث باسم «التربية الفلسطينية» لـ«الاتحاد»: أزمة وجودية غير مسبوقة تواجه القطاع التعليمي البرلمان العربي: سنواصل جهود دعم القضية الفلسطينية

أكد الدكتور ريك بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والدكتور لوكا بيغوزي، منسق فريق الطوارئ للمنظمة، أن الأزمة الصحية في الضفة الغربية تتفاقم بسبب انعدام الأمن والحواجز.
وقال المتحدثان باسم منظمة الصحة العالمية في إحاطة إعلامية، أمس، أن عمليات الإغلاق الجديدة، بما في ذلك السواتر الترابية وبوابات الطرق، تغلق مداخل بعض القرى، بينما تعيق عمليات التفتيش المتكررة والمحدودة الساعات وصول المرضى وسيارات الإسعاف إلى الرعاية الصحية.
وأضاف المتحدثان أن المنظمة وثقت 844 اعتداء على الرعاية الصحية في الضفة الغربية منذ أكتوبر 2023 وحتى منتصف يونيو 2025، حيث أسفرت عن 31 حالة وفاة و168 إصابة، وطالت الاعتداءات 65 مرفقاً صحياً، و24 عيادة متنقلة، و567 سيارة إسعاف، ولفتا إلى أن 65% من الاعتداءات وقعت في مدن طولكرم وجنين ونابلس.
وبالنسبة لقطاع غزة، قال الدكتور بيبركورن إن منظمة الصحة العالمية سلمت يوم 25 يونيو الحالي أول شحنة طبية لها إلى غزة منذ 2 مارس الماضي، حيث تضمنت 9 شاحنات محملة بالإمدادات الطبية الأساسية، و2000 وحدة دم، و1500 وحدة بلازما.

مقالات مشابهة

  • العدو الصهيوني يقتحم عدداً من القرى في الضفة الغربية
  • «الصحة العالمية» تحذِّر من تفاقم الأزمة الصحية في الضفة الغربية
  • الجيش الإيراني يعلن حصيلة قتلاه خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل
  • بين رماد فوردو ووهج التصعيد.. لحظة مفصلية بمسار نووي إيران
  • الاتحاد الأوروبي يدعو إسرائيل لوقف عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية
  • الرئاسة الفلسطينية: محاولات لجر الضفة الغربية إلى مواجهة شاملة
  • الجيش الأردني: تصدينا لـ156 طائرة مسيرة و132 صاروخا خلال التصعيد الإيراني الإسرائيلي
  • مقتل فتى فلسطيني في الضفة الغربية خلال عملية للجيش الإسرائيلي في اليامون
  • أمل وحزب الله جنوبًا: تحذير من التصعيد الإسرائيلي ودعوة الحكومة للتحرك الدولي