رغم امتلاك الذكاء الاصطناعي لقدرات هائلة في معالجة البيانات، فإنه لا يزال عاجزًا عن مجاراة الأطفال في تعلّم اللغة.

والسبب؟ لأن الأطفال لا يكتسبون اللغة بمجرد الاستماع أو التلقّي، بل يتعلمونها من خلال الاستكشاف الحسي، والتفاعل الاجتماعي، والفضول الفطري.

 



 حواس متعددة وفضول لا يتوقف


تعلّم اللغة عند الطفل ليس مجرد حفظ كلمات، بل تجربة حيوية متعددة الحواس تشمل الرؤية، والسمع، واللمس، والحركة، والانفعالات.


هذا التعلّم "المتجسّد" يرتبط بنموهم العقلي والجسدي والعاطفي، ويمنحهم قدرة استثنائية على اكتساب اللغة بسرعة وبدقة.

 


92 ألف سنة لتعلم اللغة


بحسب تقديرات بحثية حديثة، لو تعلّم الإنسان بنفس بطء أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، لاحتاج إلى أكثر من 92 ألف سنة ليكتسب نفس مستوى اللغة!.

أما الأطفال، فيتقنون أساسيات اللغة خلال سنواتهم الأولى لأنهم يعيشون اللغة يوميًا، ويتفاعلون معها بالإشارة، والزحف، واللمس، والتفاعل الاجتماعي.

 



إطار علمي لفهم التفوّق الطفولي


في محاولة لفهم هذا التفوق اللافت، طرحت البروفيسورة كارولاين رولاند من معهد ماكس بلانك لعلم النفس اللغوي، بالتعاون مع مركز LuCiD البريطاني، إطارًا علميًا جديدًا نُشر في مجلة Trends in Cognitive Sciences.


الإطار يجمع أدلة من علوم الأعصاب، واللغويات، وعلم النفس، ويؤكد أن السر لا يكمن في كمية البيانات، بل في طريقة التعلم النشطة والتفاعلية التي يخوضها الطفل.


الطفل يتعلّم... والآلة تراقب

أخبار ذات صلة جوجل "Doppl".. تجربة الملابس افتراضياً قبل شرائها صدمة على الهواء.. مذيعة وهمية تخدع الجمهور 180 يوماً دون أن يكتشفها أحد!


بينما تتعلّم أنظمة الذكاء الاصطناعي من بيانات جامدة ومفصولة عن السياق، يتعلّم الأطفال من واقع حي مليء بالحواس والتفاعلات.
هم لا ينتظرون وصول المعلومات، بل يخلقون لحظات التعلم بأنفسهم عبر الحركة، والاستكشاف، والتفاعل اليومي.

وتعلق رولاند: "أنظمة الذكاء الاصطناعي تُعالج البيانات.. أما الأطفال فيعيشونها".



 

ماذا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتعلم من الأطفال؟


نتائج هذا البحث لا تُعيد فقط تشكيل فهمنا لنمو الأطفال، بل تقدم رؤية جديدة لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي.

وتختم رولاند بدعوة صريحة: "إذا أردنا أن تتعلم الآلات اللغة كما يفعل البشر، فعلينا أن نعيد تصميمها من الصفر.. لتعيش التجربة كما يفعل الأطفال".


آفاق جديدة في فهم اكتساب اللغة


رغم التقدّم الهائل في تقنيات الذكاء الاصطناعي، لا يزال الطفل يتفوّق على الآلة في سباق تعلّم اللغة.
فالتعلّم عند البشر ليس مجرد معالجة بيانات، بل تجربة حيّة، مليئة بالحواس والمشاعر والتفاعلات.

ومع كل خطوة يخطوها الطفل نحو فهم اللغة، يذكّرنا بأنّ الذكاء ليس فقط في السرعة، بل في المعنى والعيش والانغماس في التجربة.

فربما، قبل أن نُعلّم الآلة أن تتكلم، علينا أولًا أن نفهم كيف يتكلم الطفل.

 

إسلام العبادي(أبوظبي)

 

 

 

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي اللغة الأطفال أنظمة الذکاء الاصطناعی م اللغة

إقرأ أيضاً:

هل تنجو الديمقراطية من شرور الذكاء الاصطناعي؟

كان من المفترض أن تعمل التكنولوجيا الرقمية على توزيع السلطة ونشرها على نطاق واسع. كان الحالمون في زمن الإنترنت المبكر يأملون أن يتسنى للثورة التي كانوا يطلقون لها العنان تمكين الأفراد من تحرير أنفسهم من الجهل والفقر والاستبداد. ولفترة من الزمن، على الأقل، فعلت ذلك حقا. ولكن اليوم، تتنبأ الخوارزميات المتزايدة الذكاء بكل خياراتنا وتشكلها، مما يتيح أشكالا فَـعّالة غير مسبوقة من المراقبة والتحكم المركزيين دون إخضاعها لأي مساءلة.

هذا يعني أن ثورة الذكاء الاصطناعي القادمة قد تجعل الأنظمة السياسية المنغلقة أكثر استقرارا من الأنظمة المفتوحة. في عصر يتسم بالتغيير السريع، قد تُـثـبِـت الشفافية، والتعددية، والضوابط والتوازنات، وغير ذلك من السمات الديمقراطية الرئيسية كونها تَـبِـعات ومعوقات. هل يصبح الانفتاح الذي منح الديمقراطيات ميزتها لفترة طويلة السبب وراء تراجعها؟ قبل عقدين من الزمن، رسمتُ "منحنى على هيئة الحرف J" لتوضيح العلاقة بين انفتاح أي بلد واستقراره. كانت حجتي باختصار أنه في حين تتمتع الأنظمة الناضجة بالاستقرار بسبب انفتاحها، وتستقر الأنظمة الأوتوقراطية الراسخة لأنها منغلقة، فإن البلدان العالقة في الوسط الفوضوي (الواقعة عند أسفل المنحنى "J") أكثر عرضة للانهيار تحت الضغوط.

لكن هذه العلاقة ليست ثابتة؛ فهي تتشكل بفعل التكنولوجيا. في ذلك الوقت، كان العالم يمتطي موجة من إبطال المركزية. كانت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) والإنترنت تربط الناس في كل مكان، وتسلحهم بمعلومات أكثر من تلك التي كان بوسعهم الوصول إليها في أي وقت مضى، وتقلب الموازين لمصلحة المواطنين والأنظمة السياسية المفتوحة. ومن سقوط سور برلين والاتحاد السوفييتي إلى الثورات الملونة في أوروبا الشرقية، بدا التحرر العالمي عنيدا لا يلين. منذ ذلك الحين، انقلب هذا التقدم في الاتجاه المعاكس. فقد أفسحت ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات اللامركزية المجال لثورة بيانات مركزية مبنية على تأثيرات الشبكة، والمراقبة الرقمية، والوكز الخوارزمي. وبدلا من نشر السلطة، عملت هذه التكنولوجيا على تَـرَكُّـز السلطة، ومنحت أولئك الذين يتحكمون في أكبر مجموعات البيانات ــ سواء كانوا من الحكومات أو شركات التكنولوجيا الكبرى ــ القدرة على تشكيل رؤية وأفعال ومعتقدات مليارات من البشر. مع تحوّل المواطنين من وكلاء رئيسيين إلى أدوات للتصفية التكنولوجية وجمع البيانات، اكتسبت الأنظمة المنغلقة الأرض. وانـتُـزِعَـت المكاسب التي حققتها الثورات الملونة. في المجر وتركيا جرى تكميم الصحافة الحرة وتسييس السلطة القضائية. وعمل الحزب الشيوعي الصيني، على تعزيز سلطته وعكس مسار عقدين من الانفتاح الاقتصادي. والأمر الأكثر دراماتيكية أن الولايات المتحدة تحولت من كونها الـمُـصَـدِّر الرئيسي للديمقراطية في العالم ــ وإن كان ذلك على نحو غير متسق ويتسم بالنفاق ــ إلى الـمُـصَـدِّر الرئيسي للأدوات التي تقوضها. سوف يؤدي انتشار قدرات الذكاء الاصطناعي إلى دفع عجلة هذه الاتجاهات. وقريبا، سوف "تَـعـرِفُـنا" النماذج المدرّبة على بياناتنا الخاصة على نحو أفضل مما نعرف أنفسنا، وتبرمجنا بسرعة أكبر مما نستطيع نحن برمجتها، وتنقل مزيدا من السلطة إلى القِـلة التي تتحكم في البيانات والخوارزميات. هنا، ينحرف المنحنى على هيئة حرف "J" ويصبح أشبه بحرف "U" ضحل. ومع انتشار الذكاء الاصطناعي، ستصبح كل من المجتمعات المنغلقة بإحكام والمجتمعات الشديدة الانفتاح أكثر هشاشة نسبيا مما كانت عليه. ولكن بمرور الوقت، ومع تحسن التكنولوجيا وتوطيد السيطرة على النماذج الأكثر تقدما، يصبح بوسع الذكاء الاصطناعي ترسيخ الأنظمة الاستبدادية وإضعاف الديمقراطيات، وهذا كفيل بقلب شكل المنحنى مرة أخرى ليصبح على هيئة حرف J مقلوب يحابي سَـفحُـه المستقر الآن الأنظمة المنغلقة. في هذا العالم، سيكون بمقدور الحزب الشيوعي الصيني تحويل مخزونه الهائل من البيانات، وسيطرة الدولة على الاقتصاد، وأجهزة المراقبة القائمة، إلى أداة أشد قوة. وسوف تنجرف الولايات المتحدة نحو نظام نَـهَّـاب يعمل من أعلى إلى أسفل، حيث يفرض نادٍ صغير من عمالقة التكنولوجيا قدرا متناميا من النفوذ على الحياة العامة سعيا إلى تحقيق مصالح خاصة. وسوف يصبح كل من النظامين مركزيا ــ ومهيمنا ــ على حساب المواطنين. وسوف تنحو دول أخرى ذات المنحى، بينما تواجه أوروبا واليابان انعدام الأهمية الجيوسياسية (أو ما هو أسوأ من ذلك، انعدام الاستقرار الداخلي) مع تخلفها في السباق نحو سيادة الذكاء الاصطناعي.

الواقع أن السيناريوهات البائسة كتلك الموضحة هنا من الممكن تجنبها، ولكن فقط إذا انتهت الحال بنماذج الذكاء الاصطناعي اللامركزية المفتوحة المصدر في نهاية المطاف إلى القمة. في تايوان، يعمل مهندسون ونشطاء في تايوان على حشد المصادر الجماعية لتمويل نموذج مفتوح المصدر مبني على منصة DeepSeek، على أمل إبقاء الذكاء الاصطناعي المتقدم في أيدي مدنيين وليس بين أيدي الشركات أو الدولة. (من عجيب المفارقة هنا أن حتى منصة DeepSeek جرى تطويرها في الصين). قد يؤدي نجاح هؤلاء المطورين التايوانيين إلى استعادة بعض من اللامركزية التي وعدت بها الإنترنت الـمُـبَـكِّرة ذات يوم (وإن كان من الممكن أيضا أن يخفض الحاجز الذي يحول دون تمكين قوى خبيثة من نشر قدرات ضارة). ولكن في الوقت الراهن، يكمن الزخم في نماذج منغلقة تعمل على تركيز السلطة. يقدم لنا التاريخ على الأقل بصيصا من الأمل. كانت كل ثورة تكنولوجية سابقة ــ من المطبعة والسكك الحديدية إلى وسائط الإعلام المرئية والمسموعة ــ تتسبب في زعزعة استقرار السياسة ثم الدفع قسرا بمعايير ومؤسسات جديدة أعادت في النهاية التوازن بين الانفتاح والاستقرار. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كانت الديمقراطيات قادرة على التكيف مرة أخرى، وفي الوقت المناسب، قبل أن يشطبها الذكاء الاصطناعي من النص.

إيان بريمير مؤسس ورئيس مجموعة أوراسيا وشركة GZERO Media، وعضو في اللجنة التنفيذية للهيئة الاستشارية رفيعة المستوى للأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي.

خدمة بروجيكت سنديكيت

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأورام «خطر»
  • د. محمد بشاري يكتب: الإفتاء في زمن الذكاء الاصطناعي
  • استغلوا الأطـ.فال في التسول بالعجوزة والدقي.. عصابة تواجه الحبس 5 سنوات
  • قصور الثقافة تحتفل بوفاء النيل مع الأطفال بنادي الري ومكتبة السلام
  • هل تنجو الديمقراطية من شرور الذكاء الاصطناعي؟
  • اختفي واكتشفوا أنه غرق من الكاميرات .. استمرار البحث عن طفل داخل ترعة في المنوفية
  • ما هي أبرز أسباب تأخر النطق عند الأطفال؟
  • القومي للطفولة والأمومة يزور الأقصر لدعم وتنفيذ برامج مناهضة زواج الأطفال
  • «النقل» تطلع على تجربة مركز المعلومات المالية في توظيف الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يدعو لإبادة البشر عبر رسائل سرية