حلت بالأمس ذكرى نازلة 30 يونيو الثانية عشرة، وبعد يوم ستحل الذكرى الثانية عشرة لانقلاب 3 يوليو المشؤوم.. تلك النازلة التي وصفها الراحل الدكتور محمد الجوادي بـ"الهزيمة"، واعتبر -وهو المؤرخ- أنها ألحقت بمصر أضرارا تساوي في فداحتها ستة أضعاف هزيمة يونيو 1967، ناهيك عن أن وصف "الهزيمة" يعني بالضرورة، أنها وقعت على يد عدو خارجي!
يقول الدكتور الجوادي في تغريدته (2019):
"هزيمة 30 يونيو ستة أضعاف هزيمة 5 يونيو.
بعد اثني عشر عاما من "هزيمة" 30 يونيو، لم يعد هناك مجال للشك بأنها هزيمة نكراء، ألحقها بمصر الرباعي النَّكِد (الإمارات، السعودية، الكيان الصهيوني، أمريكا) بالتواطؤ مع قيادة الجيش المصري، ممثلة في وزير الدفاع المنوط به الحفاظ على سلامة الوطن أرضا وشعبا، من أي عدوان خارجي!
اثنا عشر عاما من الظلم والاضطهاد والقهر والإذلال والإفقار لكل مصري، راضٍ أو ساخط، معارض أو موالٍ! فما بالك بمن ينادون بإسقاط هذا النظام المستبد الفاسد المفسد الموالي لأعداء مصر وشانئيها جميعا، القريب منهم والبعيد؟
اثنا عشر عاما من التفريط، في كل شيء، بغير حساب.. نيل، غاز، سواحل، موانئ، مصانع، شركات، أصول ثمينة، آثار نادرة، أحياء تاريخية.. باختصار وفي جملة واحدة، تفريط في مصر، التاريخ والجغرافيا، الحاضر والمستقبل!
مقابل ماذا؟
مقابل سداد ديون ذلك الحلم المسعور بالساعة الأوميجا، والسيف المخضب بالدماء، والقفز على كرسي الحكم بأي ثمن، "إنتا رئيس، وأنا كمان هبقى رئيس".. هذا ما قاله الجنرال المنقلب للرئيس السادات في حلمه، حسب روايته للصحفي ياسر رزق، التي تم تسريبها.. مسخرة!
لله وللتاريخ
بكل تجرد وشفافية وصدق، أقول:
ما كان ليزعجني مطلقا، ولا يغضبني أبدا، أن تكون 30 يونيو ثورة حقيقية، غير مصطنعة ولا مزيفة!
فإذا ما تأكد لي أنها ثورة حقيقية، فإن ميزان الحق بداخلي سيجعلني أتفهم أن الشعب أحس بخطئه عندما اختار الدكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية، وقرر أن يسحب منه الثقة مبكرا، قبل نهاية مدته الدستورية.. فهذا الوطن مِلكُ الشعب، وليس مِلك السلطة.. والشعب قال كلمته بكل مسؤولية، وقرر أن ينقضها بكل مسؤولية أيضا، وهو حر.
ساعتها، كنت سأطلب من الرئيس مرسي التنحي نزولا على إرادة الشعب، والشروع في إجراءات تسليم السلطة إلى قيادة جديدة يختارها الشعب، كما اختاره في 2012. وإذا رفض الرئيس التنحي -وما كان ليرفض- فلن أتردد في وضع استقالتي على مكتبه، ومن ثم أعود إلى قريتي التي لا تبعد كثيرا عن قرية باقة الزهور التي حصدها منجل الإهمال، وفرمتها مجنزرة الإفقار والعوَز التي يقودها هذا المنقلب!
أنا هنا لا أتخلى عن الرئيس، وإنما أحترم إرادة الشعب الذي لا يريد الرئيس.. هكذا بكل تجرد وموضوعية.
أما أن يفتش محمد بن زايد في الغُرَز والحانات القذرة، وتحت الكباري، وفي الشوارع الجانبية المظلمة، وفي الخرابات المهجورة، عن مدمني المخدرات؛ ليشكل منهم تنظيما عصابيا اسمه "تمرد"، ويصنع منهم ثوارا على أول نظام منتخب في تاريخ مصر، منذ أن كان لها تاريخ، فهذا ما لا يمكن التعاطي معه، ولا السكوت عنه، ولا القبول به، بأي صورة من الصور.
لم يكتف ابن زايد بتنصيب هؤلاء اللصوص والسفهاء والمرضى النفسيين حكاما لمصر، بل شرع في الاستحواذ على مقدرات البلاد، حتى باتت مصر -فعليا- الإمارة الثامنة في دولة الإمارات المتحدة قسرا.
ولعله من المفيد أن يعرف الجيل الجديد، الذي كان عمره عشر سنوات يوم قام هذا الانقلاب المشؤوم، بعض الشعارات التي رفعتها عصابة "تمرد" التي لا تملك -بعد قراءتها- إلا أن تضرب كفا بكف من شدة الذهول! إنَّ أيّا من هذه الشعارات لم يتحقق، بل تضخمت المشكلة التي صدَّرَها أضعافا مضاعفة، وبات الحال على نحو من البؤس لم يتخيله أشد المصريين تشاؤما:
- علشان الأمن لسه مرجعش! (لقد أصبح خطف الأطفال في الشوارع طقسا يوميّا في حياة المصريين، وهُدِّمت البيوت على رؤوس أصحابها بلا رحمة ولا تعويض، وشاع تعاطي المخدرات بين الشباب في الشوارع، في عز الضُّهر).
- علشان الفقير ملوش [ليس له] مكان! (هل أصبح للفقير مكان في مصر، بعد الانقلاب المشؤوم؟ أم أنه بات خارج المكان والزمان، بل وخارج حياة الآدميين؟ تقول الإحصاءات الأممية إن 66 في المئة من المصريين باتوا تحت خط الفقر، نسبة لم تشهدها مصر حتى أيام الاحتلال البريطاني).
- علشان لسه بنشحت [نتسوَّل] من بره! (هل توقفت السلطة عن الشحاتة من بره؟ أم زادت وتيرة الشحاتة؟ وهل الرئيس مرسي شحت من أحد؟ أم أن مصر تحولت -في عهد الجنرال المِسَهْوِك- إلى أكبر متسول بين العرب؟).
- علشان حق الشهدا مجاش [لم يرجع]! (يا ترى حق الشهدا جِهْ؟ وللا عدد الشهدا زاد؟ بل زاد بصورة مُرعبة).
- علشان الاقتصاد انهار! (هل تعافى الاقتصاد؟ أم وصل إلى انهيار لم تشهد مصر له مثيلا؟ إلى حد عرض كل شيء في مصر للبيع.. كل شيء حرفيا).
هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، ولا يمكن أن نغادر هذه الدنيا ولم نفعل شيئا لتغييره، ولا نامت أعيينا إذا سلمنا به، وانشغلنا عن تحرير مصر وشعبها من هذا الاحتلال الظبياني الصهيوني..
حركة ميدان
في ظل هذا الوضع شديد القتامة، حالك السواد، وبعد خفوت الأصوات، أو انقطاعها إلا قليلا، وبعد اليأس الذي تمكن من كثير من النفوس، نهضت ثلة من الشباب الجسور المثقف المستنير، فأزاحوا الرماد عن تلك الجذوة التي خلفتها انتفاضة 25 يناير (2011)، فأضرموها من جديد.
"حركة ميدان"، تقود اليوم ثورة راشدة بلسان إسلامي مبين، وعقلية شابة منفتحة. إن هذه الحركة تحمل طموحات الذين لم تنكسر إرادتهم، ولم يستسلموا لواقع كل ما فيه يغذي اليأس والإحباط.
أبرز ما تتميز به "ميدان" هو أن جُلَّ مؤسسيها وقيادتها من جيل انتفاضة 25 يناير (2011)، شاركوا فيها، وعاشوا مراحل إجهاضها والانقلاب على القليل الذي تمكنت من إنجازه. شباب شغوف مبصر لا تخيفه أخطاء الماضي، ويقبض بإصرار على بوصلة الإيمان بقضيته.
أرى في "حركة ميدان" بعثا جديدا للثورة التي يجب أن تمضي إلى غايتها، بروح شابة، ومشروع سياسي ناضج متوازن، يسع الجميع، على أسس واضحة لا تقبل المساومة، ويفسح المجال أمام كل مصري شريف، يسعى -بجد وإخلاص- لانتشال مصر من هذه الهوة السحيقة التي تتردى فيها، منذ اثني عشر عاما.
تقول حركة "ميدان" في مقدمة وثيقتها الفكرية:
"في هذه الوثيقة، نؤكد أنَّ الإسلام هو سبيل الأمة الوحيد للتحرر والنهوض، وأننا جزء من حركة ثورية تسعى لتحرير الأمة من الظلم والاستبداد.
نُبين في الوثيقة أن الأمة الإسلامية لا تفنى، وأن عزتها مستمدة من دينها، وأن الثورة هي حق وواجب شرعي لمواجهة الظلم.
نشير إلى أن نظام الحكم في الإسلام يقوم على الشريعة، وأن الأمة هي صاحبة الحق في اختيار حكامها وعزلهم.
نشدد على رفضنا لمفهوم "الدولة الحديثة" الذي نراه أداة استعمارية لتفتيت الأمة والتحكم فيها، وعلى أن معركة القدس هي قضية الأمة المركزية.
أهدافنا الكلية تتلخص في نشر الوعي بمبادئ الإسلام التحريرية، ورد الحقوق ورفع المظالم، وتمكين الشعب ليحكم نفسه.
نوضح مسارات عملنا في المجالات السياسية والجماهيرية والإعلامية، ونؤكد على أهمية التخصص والشورى والانفتاح والتعاون بين قوى الأمة المخلصة.
كما نُفَصِّل موقفنا من مفاهيم مثل "الديمقراطية" و"تطبيق الشريعة" و"الوطنية"، ونبين سعينا للتعاون مع كل من يخدم خير الأمة.
حان الوقت لتفهموا عمق رسالتنا ومنهجنا وتشاركوا في جهود تحرير أمتنا على علم وفهم. لتحقيق هذا، ندعوكم لتحميل "الوثيقة الفكرية" وقراءتها بالكامل".
خالص الدعوات بأن يكلل الله مسعى هذه الطليعة المباركة بالنجاح، وأن يجري على أيديهم ما فيه خير البلاد والعباد.
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء 30 يونيو مصر ثورة الانقلاب 25 يناير مصر انقلاب ثورة 25 يناير 30 يونيو قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد مقالات سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عشر عاما
إقرأ أيضاً:
ذكري ٣٠ يونيو ١٩٨٩م
التغيير الذي حدث في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م علي يد القوات المسلحة واستقبله الشعب السوداني بارتياح وتفاعل معه في مسيرة طويلة جرت تحت جسرها مياه غزيرة ومتغيرات واحداث جسام .
٢-
اهم ما في الإنقاذ الوطني أنها الثورة التي واجهت خصومها وتصدت لأعدائها وظلت ثلاثين عاما محاطة بالمؤامرات والمكائد الداخلية والخارجية ومحاولات جر عجلة المسير إلي الوراء .
٣-
غابت الإنقاذ بزوال سلطتها وبقيت إنجازاتها فوق أرض الوطن شامخة أبية رغم محاولات التدمير الممنهج والتخريب المتعمد .جاءت الإنقاذ ثورة قومية شارك فيها ضباط القوات المسلحة من كل أنحاء السودان شماله وجنوبه وشرقه وغربه .
٤ – وتنادي لها كل الطيف السياسي والاجتماعي في مؤتمرات الحوار الوطني وكتابة دستور السودان والإستراتيجية القومية الشاملة وتم ضع الحلول الفكرية والإستراتيجية لقضايا السلطة والثروة والوحدة الوطنية ولكن اعداء السودان جعلوا من كل هذه الثوابت الوطنية.
٥- بيادق لحرب ضد القوات المسلحة موفرين الدعم للمليشيات والحركات المسلحة العميلة وما أشبه الليلة بالبارحة .
٦-
كان للإنقاذ سلبياتها وأخطائها وهو أمر مفهوم ومقدر أن تخرج احتجاجات شعبية ضد زيادة الأسعار أو المطالبة بتحسين الخدمات هذا أمر مفهوم ومقدر ٧ – ولكن اعداء السودان جهزوا غرف إعلامية في الخارج لتمرير المؤامرة علي الشعب تحت شعار تسقط بس الذي كان قفذة في الظلام وترتب عليه غياب الخطة التنفيذية حتي من حكومة الفترة الانتقالية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك .
٨- بعد اندلاع الحرب عن طريق اللجنة الرباعية والاتفاق الاطاري باستغلال مليشيا الدعم السريع التي طردت المواطنين من منازلهم في عاصمة البلاد التي بلغ عدد سكانها ١٦ مليون يعيشون في امان وسلام وطمأنينة ولكنهم خلال أيام معدودات فقدوا كل شي .
٩-
كانت الإنقاذ في الموعد لا بكوادرها ورموزها ولكن بمشروعاتها الصحية والخدمية في الولايات مستشفيات مرجعية في مروي والجكيكة كان يظنها الناس ترفا عندما شيدها رجال الإنقاذ ولكنها كانت جزءا من رؤية استراتيجية ‘ جامعات ولائية احتضنت جامعات عاصمية تم طردها من مقارها وتدميرها .خدمة مدنية في الولايات وجدت ضالتها في الكوادر الإدارية والمهنية النازحة من الخرطوم .عناصر أمنية وعسكرية شرطية قدمت خدماتها للمواطنين في مرافق لا تخطئها العين شيدتها الإنقاذ وسلمت بأعجوبة من عبث العابثين .
١٠ –
منذ سقوط حكومة الانقاذ والي يومنا هذا لم يشهد الشعب السوداني قصا لشريط لافتتاح مشروع تنموي أو خدمي في السودان لا علي يد الفترة الانتقالية الولي ولا الثانية .
١١ –
منذ سقوط الإنقاذ غاب الشعب وجلس في مقاعد المتفرجين وغابت اللجان الشعبية والمجتمعية والمجالس التشريعية المحلية والولائية والقومية ولولا صوت الإعلاميين الوطنيين لعم الصمت المكان ولولا المقاومة الشعبية المسلحة المساندة للقوات المسلحة الباسلة لكان الوطن في أيدي المرتزقة والعملاء وحق لمحكمة التاريخ أن تقضي بأنه كان هنا وطن اسمه السودان في ارض النيلين وحضارة ممتدة .
١٢ – لم يكن تصدي الشعب السوداني للمؤامرة الهدف منه عودة الكيزان أو الإسلاميين للسلطة من جديد كما يروج الجاهلون وأعداء الوطن ولكن كل هذه المدافعة من أجل عودة الوطن من غربته والحفاظ علي جيشه وتنميته واستقراره السياسي و نهضته الاقتصادية وسلامه الاجتماعي .
د.حسن محمد صالح
حمص
٣٠ يونيو ٢٠٢٥م