خلافاً لمرّات كثيرة سابقة، خلّفت خيبات أمل متكرّرة بشأن تصريحات متفائلة حول قرب التوصّل إلى اتفاق بشأن الحرب الإبادية على غزّة، يبدو أن دونالد ترامب جاد في هذه المرّة بممارسة ضغط فعّال على الحكومة الإسرائيلية للقبول بصفقة.
يبني ترامب تحرّكه السياسي نحو وقف الحرب بطريقة أو بأخرى على أنه نجح في تحييد إيران وبرنامجها النووي، بعد أن نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في الفصل بين محاور المقاومة في المنطقة، بما يمكنه من الحصول على صفقة مع المقاومة الفلسطينية تتسم في جوهرها، بشكل أو بآخر من أشكال الاستسلام.
داعية السلام، والمهووس بالصفقات، يعتقد أن تحقيق السلام الذي ينتظره، يقوم على مبدأ وأساس استخدام القوة لإرغام أي طرف عدا دولة الاحتلال على الاستسلام والقبول بالاشتراطات الأمريكية والإسرائيلية.
لم يحصل ترامب على الإذعان من قبل إيران كما كان يدعو، ولذلك فإنه يواصل تهديداته بالعودة إلى القتال للإجهاز على النظام الإيراني، وكل ما يملك من إمكانيات قتالية، وبقايا المشروع النووي.
إذا كانت أمريكا، هي من أدار الحروب في المنطقة وموّلها بكل أنواع وأشكال الدعم، فإنه لن يترك لنتنياهو المجال، لكي يقرر مصير المنطقة.
ترامب فقد الثقة على ما يبدو بقدرة دولة الاحتلال على خدمة الأهداف والمصالح الأمريكية وحتى الإسرائيلية، بينما هو يستعجل الحصاد نحو إعادة ترتيب المنطقة وفق ما تقتضيه المصالح الأمريكية، وضمان أمن الدولة العبرية. تجربة الحروب الإجرامية الجارية منذ «طوفان الأقصى»، أكدت بما لا يدع للاجتهاد أن دولة الاحتلال ما كانت لتصمد كل هذا الوقت من دون الدعم الأمريكي الذي لم يتوقّف.
حرب الـ 12 يوماً مع إيران أكدت لدى الإدارة الأمريكية وغيرها، أن الردع الإسرائيلي بكل ما يملك لم ينجح في تجنب وصول الصواريخ الإيرانية، رغم مشاركة أمريكا، ودول أخرى مارست دوراً عملياً كبيراً في اعتراض الصواريخ الإيرانية.
وربما بات ترامب يدرك، منذ وقت ليس قصيراً، أن نتنياهو يخوض حروباً عدوانية، بدوافع شخصية وسياسية تستنزف الجيش والاقتصاد الإسرائيلي من دون أهداف واضحة، سوى القتل الجماعي والتدمير، الذي يقوّض مكانة دولة الاحتلال ومن يقف إلى جانبها، ويهدم كل منظوماتها الأخلاقية.
ترامب يسعى لإيجاد مخارج لإنزال نتنياهو عن الشجرة عَبر تضخيم دوره كبطل تاريخي، وإقناعه بوهم انتصار لم يتحقق، ومكافأته بإزالة التهديد القضائي عنه.
يقترح ترامب مخرجاً لنتنياهو، عَبر تسوية تضمن إنهاء ملفّاته القضائية، فضلاً عن وعود مبهمة، قد تستهدف إعادته للحياة السياسية مع بدائل لحلفائه الحاليين في الحكومة.
الفكرة ليست جديدة، فقد كان الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ قد أشار لها في تصريح قبل عدة أشهر، ما يعني أنه جاهز للتعاطي مع هذه التسوية، وإصدار عفوٍ عن نتنياهو.
التدخّل الأمريكي السافر في المنظومة الداخلية للقضاء الإسرائيلي لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام على الأطراف السياسية الفاعلة في دولة الاحتلال، باعتبار أن ذلك يقوّض المنظومة القضائية ويمسّ على نحوٍ صارخ بالاستقلالية النسبية للدولة، ويشكّل سابقة لتسليم قرارها بيد أمريكا.
تتلاقى وتتزامن تصريحات ترامب بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة تبادل، مع تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير الذي يقول: إنّ الصفقة إنْ تمّت فإنها تأتي في توقيت مناسب وإن جيشه بات قريباً من إنجاز مهمّته، وإنه لا يسعى لخوض حرب أبدية، فضلاً عن تصريحات لعديد من وزراء «الليكود».
نتنياهو قلق ومرتبك، ومشغول في كيفية التعامل مع حلفائه، وهو يحاول تأجيل زيارته حيث تم استدعاؤه إلى واشنطن لكي يتزامن وجوده مع الإفراج عن الرهائن كما قال ترامب.
سيحاول نتنياهو الحصول على وعود أمريكية تتجاوز البعد الشخصي الخاص بملفاته القضائية، خصوصاً فيما يتعلق بمستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة، في الاتجاه الذي يخدم السياسة الإسرائيلية الساعية لتصفية القضية الفلسطينية.
ولكن ما الذي يدعو ترامب إلى الاستعجال، لإنهاء الحرب الإبادية بعد كل هذا الوقت عدا أن نتنياهو فشل في تحقيق أي هدف من الأهداف التي تحدث عنها بشأن كل ملف القطاع؟
لا شكّ أن المناخ الإقليمي الذي تولّد بعد حرب الـ 12 يوماً على إيران، يدفع ترامب لتتويج ذلك، بمكاسب سياسية واقتصادية.
الحرب إن توقفت على ما جرى، من دون إنجازات سياسية وحالة استقرار هشّة في المنطقة، فإن ذلك لا يعني أن أمريكا حققت الانتصار في ظلّ صمود إيران، وتمسّكها بمواقفها المتصّلبة.
لا شكّ أن الادعاء بتحقيق الانتصار في الإقليم يتطلّب الانتقال إلى «اليوم التالي»، نحو توسيع «اتفاقات أبراهام» بأبخس الأثمان.
لا يمكن حتى الحديث عن «اليوم التالي» طالما أن الحرب العدوانية على القطاع مستمرة، حيث إن ذلك يتسبّب في حرجٍ كبير للدول العربية والإسلامية المستهدفة بـ»التطبيع».
سيدّعي ترامب أنّ وقف الحرب والانتقال إلى مرحلة «التطبيع» يشكّلان انتصاراً لدولة الاحتلال، التي أرادت فرضه على العرب بالقوة، وانتصاراً لأمريكا التي أثبتت أنها ملتزمة بحماية أمن حلفائها العرب والتخلّص من أيّ تهديد يستهدفهم.
* كاتب فلسطيني
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يرغب في صفقة بأي ثمن وترقب لرد لحماس
قال مسؤولون إسرائيليون اليوم الخميس إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يرغب في التوصل إلى صفقة بشأن غزة "بأي ثمن"، وسط ترقب لرد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على أحدث عرض لوقف إطلاق النار.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مسؤولين في المجلس الأمني المصغر قولهم إن نتنياهو يرى أن ما يمكن تحقيقه اليوم قد لا يكون ممكنا لاحقا، وإن نافذة الفرصة السياسية المتاحة نادرة.
ويعقد المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر مساء اليوم الخميس جلسة على خلفية الاتصالات بشأن صفقة محتملة تشمل وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وهذه الجلسة استكمال لجلسات سابقة عقدت في ضوء إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اتفاق محتمل قد يتم التوصل إليه الأسبوع المقبل.
ومن المقرر أن يلتقي ترامب نتنياهو الاثنين المقبل في واشنطن.
وكان ترامب قال إن إسرائيل وافقت على الشروط اللازمة لوقف إطلاق نار في قطاع غزة مدته شهران، وعبر عن أمله في أن تقدم حركة حماس ردا إيجابيا على المقترح الجديد.
تباين في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بشأن فرص التوصل إلى صفقة شاملة في قطاع #غزة.. التفاصيل مع فاطمة خمايسي مراسلة قناة الجزيرة في #فلسطين#حرب_غزة #الأخبار pic.twitter.com/7K2DN58Qmk
— قناة الجزيرة (@AJArabic) July 3, 2025
اتفاق في الأفقفي الأثناء، قال مسؤول إسرائيلي كبير مقرب من نتنياهو إن الاستعدادات جارية للموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار حتى مع توجه رئيس الوزراء إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي الاثنين المقبل.
كما قال مسؤولون إسرائيليون أن احتمالات التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار واستعادة الأسرى من غزة كبيرة.
وفي السياق، صرح إيلي كوهين وزير الطاقة الإسرائيلي عضو حزب الليكود لصحيفة يديعوت أحرونوت بأن هناك حالة من النضوج للتقدم نحو صفقة تبادل، لكنه قال إن من الصعب تقدير موعد حدوثها.
إعلانوأضاف كوهين أن نافذة بشأن صفقة تبادل الأسرى فُتحت بعد الحرب الإسرائيلية مع إيران.
وفي حين بعثت عائلات الأسرى رسالة إلى نتنياهو قبل زيارته إلى واشنطن تطالبه بإحراز تقدم في الصفقة أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير اليوم أنه لن يسمح بتمرير ما وصفها بصفقة متهورة، قائلا إنه لا يمكن وقف الحرب دون القضاء على حركة حماس.
وأفادت صحيفة جيروزاليم بوست نقلا عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى بأن المؤسسة العسكرية تريد انتهاء الحرب في غزة خلال أسبوعين أو 3 أسابيع.
ويأتي الحديث عن احتمال إبرام صفقة وسط تصعيد كبير للعدوان الإسرائيلي على غزة.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي اليوم إن الجيش سيستكمل عملية مركبات جدعون، مضيفا أن على القيادة السياسية اتخاذ قرار بشأن المرحلة المقبلة.
وأضاف أن الجيش سيعرض على القيادة السياسية خططا لتحقيق أهداف الحرب، وهي إعادة "الرهائن" و"تدمير حماس"، مشيرا إلى أن فرقا عسكرية تعمل حاليا في مناطق مختلفة من قطاع غزة.
تفاصيل المقترح
ووفقا لما رشح من تسريبات، فإن الوثيقة الأميركية المطروحة تتضمن وقفا لإطلاق النار لمدة 60 يوما بضمانات من الرئيس دونالد ترامب تضمن استمراره طوال المدة.
وتقترح الورقة جدولا للإفراج عن 10 أسرى إسرائيليين أحياء و18 جثة وفق الترتيب التالي:
في اليوم الأول يطلق 8 أسرى أحياء. في اليوم السابع تسلّم 5 جثامين. في اليوم الـ30 تسلّم 5 جثامين. في اليوم الـ50 يطلق سراح اثنين من الأسرى الأحياء. وفي اليوم الـ60 تسلّم 8 جثامين.على أن تُجرى عمليات تبادل الأسرى من دون احتفالات أو استعراضات.
وينص الاقتراح على دخول المساعدات الإنسانية فورا إلى غزة وفقا لاتفاق 19 يناير/كانون الثاني الماضي وبكميات كافية وبمشاركة الأمم المتحدة.
ووفقا للمقترح، وبعد الإفراج عن 8 أسرى سينسحب الجيش الإسرائيلي من مناطق في شمال غزة حسب خرائط يتم التوافق عليها، كما ستتم عملية انسحاب من مناطق في الجنوب في اليوم السابع حسب خرائط متفق عليها.
ومع بدء سريان الاتفاق ستبدأ مفاوضات بشأن وقف دائم لإطلاق النار تتناول 4 نقاط رئيسية:
تبادل من تبقوا من الأسرى. الترتيبات الأمنية الطويلة الأمد في غزة. ترتيبات "اليوم التالي". إعلان وقف دائم لإطلاق النار.وفي اليوم العاشر ستقدم حماس كل المعلومات والأدلة عن الأسرى المتبقين وإذا كانوا أحياء أو أموات، مع تقارير طبية.
في المقابل، ستقدم إسرائيل معلومات كاملة عن الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا من غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويتضمن المقترح ضمانات لالتزام ترامب وجديته تجاه الاتفاق، وأنه في حال نجاح المفاوضات خلال فترة التهدئة فسيؤدي ذلك إلى نهاية دائمة للحرب.
وسيقدم الوسطاء (مصر، قطر، الولايات المتحدة) ضمانات بأن مفاوضات جادة ستُجرى خلال فترة التهدئة، وإذا استدعى الأمر يمكن تمديد تلك الفترة، وعند التوصل إلى اتفاق سيطلَق سراح جميع الأسرى المتبقين.
وسيعلن الرئيس ترامب بنفسه التوصل إلى الاتفاق، وكذلك التزام الولايات المتحدة بمواصلة المفاوضات لضمان وقف دائم لإطلاق النار، وسيتولى المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف قيادة المفاوضات لإنهاء الحرب.
إعلانووفقا للتقديرات الإسرائيلية، لا يزال في غزة نحو 50 أسيرا إسرائيليا، 20 منهم أحياء.
رد حماس
في غضون ذلك، نقلت وكالة رويترز عن مصدر مطلع قوله إن إسرائيل تتوقع أن ترد حماس بحلول يوم غد الجمعة، وإنه إذا كان الرد إيجابيا فإن وفدا إسرائيليا سينضم إلى محادثات غير مباشرة لإبرام اتفاق.
من جهتها، قالت مصادر فلسطينية مطلعة لوكالة الأناضول إن حركة حماس تتجه نحو الموافقة على المقترح، لكنها لم تتخذ قرارا نهائيا بعد، وتواصل حاليا التشاور مع الفصائل والقوى الفلسطينية المختلفة قبل تسليم ردها الرسمي للوسطاء.
وأوضحت المصادر للوكالة أن الولايات المتحدة ومصر وقطر قدّمت ضمانات واسعة لتنفيذ الاتفاق، لم توضحها.
ووفقا للمصادر، فإن حماس ستسلّم ردها الرسمي خلال اليومين المقبلين كحد أقصى.
من جهته، قال مصدر مقرب من حماس لرويترز اليوم إن الحركة تتطلع للحصول على ضمانات بأن المقترح الجديد سيؤدي إلى إنهاء الحرب.
وكانت الحركة قالت في وقت سابق إنها تدرس المقترحات الجديدة وإنها تتعامل بمسؤولية عالية، وتجري مشاورات وطنية لمناقشة ما وصل من مقترحات الوسطاء من أجل الوصول إلى اتفاق يضمن إنهاء العدوان، وتحقيق الانسحاب، وتقديم الإغاثة بشكل عاجل في قطاع غزة.