في ظل تعثر مساعي التهدئة واستمرار النزاع المسلح، يدخل السودان مرحلة جديدة من الانهيار الميداني والإنساني، حيث تتسع رقعة الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، ويتفاقم معها الوضع الإنساني ليبلغ مستويات غير مسبوقة. وبينما يحاول المجتمع الدولي إطلاق مبادرات سلام متعثرة، تزداد معاناة المدنيين في ولايات دارفور وكردفان، وسط نزوح جماعي وانهيار للخدمات الأساسية.


هذا المشهد المعقّد يضع البلاد أمام مفترق طرق خطير، يعكس فشلًا سياسيًا وإقليميًا في احتواء الأزمة، ويهدد بجعل السودان نموذجًا لكارثة ممتدة في قلب القارة.

 

التصعيد الميداني: معارك شرسة وتقدم محدود للجيش

رغم مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، لا تزال المعارك مستمرة، خاصة في ولايات دارفور وكردفان، وسط تدهور أمني متصاعد.
وقد أعلن الجيش السوداني تحقيق تقدم استراتيجي في ولاية شمال كردفان بسيطرته على منطقة كازجيل، التي تمثل نقطة وصل حيوية بين شمال وجنوب البلاد. في المقابل، كثفت قوات الدعم السريع هجماتها على مناطق مدنية في دارفور، حيث تعرض مخيما زمزم وأبو شوك خلال الأشهر الماضية لهجمات دامية، أسفرت عن سقوط مئات القتلى من المدنيين، بينهم نساء وأطفال وعمال إغاثة.

وفي مدينة الفاشر، لا يزال القصف العشوائي يلقي بظلاله على الأحياء السكنية والمنشآت الطبية والتعليمية، رغم إعلان الجيش قبوله بهدنة مؤقتة لمدة أسبوع، بوساطة من الأمم المتحدة، لتأمين وصول المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، يبقى الوضع الأمني هشًا للغاية، ما يهدد بانهيار الهدنة في أي لحظة.

 

كارثة إنسانية غير مسبوقة: أرقام صادمة ونداءات استغاثة

تصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في السودان بأنها "الأسوأ في العالم حاليًا"، مع وجود أكثر من 30 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدات.
وتشير التقارير إلى نزوح أكثر من 12 مليون شخص داخل السودان، بالإضافة إلى 3.5 ملايين لاجئ عبروا الحدود إلى دول الجوار، في أكبر موجة لجوء ونزوح يشهدها العالم في عام 2025.

في دارفور، تتفاقم أزمة الغذاء بشكل خطير، حيث يعاني 40% من الأطفال دون سن الخامسة في مدينة الفاشر من سوء تغذية حاد، وتصل نسبة الحالات الشديدة إلى 11%، وفق تقارير أممية.
كما أكدت منظمات إغاثة دولية مثل "أطباء بلا حدود" و"إنقاذ الطفولة" توقف 70% من المرافق الطبية عن العمل، وسجلت 933 حالة وفاة داخل المستشفيات خلال النصف الأول من هذا العام نتيجة انعدام الرعاية الصحية.

وفي تطور مقلق، حذّر برنامج الغذاء العالمي من توقف وشيك لمساعداته المقدمة للاجئين السودانيين في تشاد ومصر بسبب نقص التمويل، مما ينذر بأزمة إنسانية إقليمية متصاعدة.


 

جمود سياسي ومبادرات وطنية في ظل الغياب الدولي

رغم النداءات الدولية المتكررة لوقف إطلاق النار، لا تزال مساعي الوساطة تصطدم بتباعد المواقف بين طرفي النزاع، وغياب الإرادة السياسية الحقيقية للتوصل إلى تسوية شاملة. وقد وصفت الأمم المتحدة الوضع السياسي في السودان بـ "المنهار"، داعية المجتمع الدولي إلى مضاعفة الجهود لإنهاء الحرب وإنقاذ المدنيين.

في السياق السياسي الداخلي، التقى رئيس الوزراء د. كامل إدريس بوفد من حزب الأمة القومي، داعيًا إلى إطلاق عملية تشاور وطني موسّعة مع القوى السياسية والمدنية، للبحث عن مخرج سياسي شامل يضع حدًا لحالة الانهيار ويؤسس لمرحلة انتقالية مستقرة.

 

عوائق إضافية: العواصف الترابية تعطل الإغاثة والطيران

في خضم هذه الأزمات، ضربت عاصفة ترابية كثيفة مدينة بورتسودان، ما أدى إلى تعطيل عدد من الرحلات الجوية من وإلى مطار بورتسودان الدولي، وهو ما زاد من تعقيد حركة الإغاثة والطيران المدني، في وقت تُعد فيه المدينة نقطة الارتكاز الوحيدة المتبقية للتواصل مع الخارج.

 


المشهد العام: أزمة مركبة واستقرار مؤجل

يقف السودان اليوم على حافة الانهيار التام، إذ تتداخل المعاناة الإنسانية مع الانسداد السياسي، وتغيب حلول السلام الشامل وسط استمرار القتال وتراجع الدعم الدولي. ورغم وجود مبادرات داخلية محدودة للتهدئة، فإن غياب الثقة والإرادة السياسية، واستمرار الأعمال العسكرية، يجعل الوصول إلى تسوية شاملة أمرًا بعيد المنال في الوقت الراهن.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: السودان الحرب في السودان الجيش السوداني قوات الدعم السريع دارفور شمال كردفان مدينة الفاشر أزمة إنسانية اللاجئون السودانيون النازحون برنامج الغذاء العالمي أطباء بلا حدود إنقاذ الطفولة كامل إدريس حزب الأمة القومي الأمم المتحدة المساعدات الانسانية بورتسودان عاصفة ترابية النزاع السوداني مبادرات السلام الوضع السياسي في السودان

إقرأ أيضاً:

محمد أبوزيد كروم يكتب: حل أزمة السودان.. بين دمج الجيوش والانتخابات!

يعاني السودان من وحلٍ سياسي منذ الاستقلال، ولم تكن هناك أي حلول ناجعة تُخرجه إلى بر الأمان. فقد تقلبت الأوضاع بين انقلابات عسكرية وثورات شعبية، ثم حكم ديمقراطي فاشل عبر انتخابات لم تسفر إلا عن مزيدٍ من الفشل والتراجع. ثم اندلعت حركات التمرد المناطقية والجهوية، بدءًا من الجنوب سابقًا، ومرورًا بدارفور وبعض مناطق كردفان والنيل الأزرق، وهكذا استمرت معاناة السودان.

يبدو أن الحل الجذري لهذه الأزمات لا يزال بعيد المنال، وأن جميع المحاولات السابقة لم تتجاوز كونها حلولًا جزئية وغير كافية. وما تجربة أبريل 2019 حتى اليوم إلا دليل على حالة التيه التي تعيشها البلاد. وزاد الأمر سوءًا اندلاع حرب الدعم السريع ضد الدولة والشعب السوداني، وسط سيولة سياسية وهشاشة أمنية تتطلب علاجًا شجاعًا وقرارات حاسمة لإنهاء هذه الأزمات المتكررة.

وقبل أي إصلاح، لا بد من إنهاء مسلسل الابتزاز السياسي وخطاب المظلومية والتهميش، الذي ظلت ترفعه جهات عديدة بغرض الكسب السياسي والسلطوي. ينبغي أن يكون الاحتكام لمعايير واضحة ومتفق عليها، أبرزها: الصندوق الانتخابي، أو التمثيل والتوزيع النسبي القائم على أساس دقيق للعدد والنسبة السكانية. فمسلسل الابتزاز عبر دارفور يجب أن يتوقف، وقد ظهر هذا جليًا في اتفاقية جوبا وما تلاها حتى اليوم، حيث قسمت الاتفاقية السودان إلى مسارات وهمية غير واقعية، عمّقت الأزمة بدلًا من حلها، واستأثر مسار دارفور بالسلطة وحده، حتى في حكومة كامل إدريس التي قيل إنها حكومة كفاءات مستقلة غير حزبية.

لا أحد يرفض مشاركة حركات دارفور في الحكم أو تنفيذ اتفاق جوبا رغم ما فيه من عيوب، تفاديًا لتعقيد الأزمة، لكن الطريقة التي تم بها التعامل مع هذا الأمر كانت مؤسفة. فقد تمسكت هذه الحركات بالمواقع القديمة وكأنها حقوق مكتسبة لا تقبل النقاش، مما خلق مرارات وشعورًا بالغبن لدى الآخرين. وعلى الرغم من أن منصفًا لا يمكنه إنكار إنجازات الدكتور جبريل إبراهيم في وزارة المالية، التي أحدثت حالة من الاستقرار الاقتصادي تستدعي النظر في إعادة تكليفه، إلا أن ذلك يجب ألا يكون على حساب الحق المشروع لباقي المكونات. المؤسف أن بعض التصريحات، كحديث محمد زكريا، الناطق الرسمي لحركة العدل والمساواة لقناة الجزيرة، كانت مؤسفة وتعتمد خطاب المظلومية والتهميش التاريخي، وتُظهر نوايا عدائية تجاه مكونات أخرى، مقصود بها مكونات الشمال والوسط، وهو طرح مرفوض وسقطة سياسية كبيرة وإدعاء غير حقيقي.

إن لم يتم تدارك الوضع في السودان بوضع محددات واضحة لتوزيع السلطة، فستنفلت الأوضاع أكثر. فالسودان كله يعاني، ولا توجد منطقة يمكن اعتبارها “مركزًا” دون معاناة. ثم جاءت ميليشيا الدعم السريع لتزيد الطين بلّة، بحرب حاقدة على الإنسان والدولة، لم ينجُ منها أحد.
الحل، في تقديري، قبل أن يصبح خيار تقسيم السودان جاذبًا لكثيرين نتيجة الإحساس بالظلم ، هو أن يتفق السودانيون على صيغة حكم عادلة، عبر دستور متوافق عليه. وللخروج من الأزمة الحالية وإنهاء مسلسل الفترات الانتقالية التي لا تنتهي، يجب أولاً توحيد كافة القوات التي تحمل السلاح راية القوات المسلحةالسودانية ، عبر آليات الدمج والتسريح المعروفة فالوقت مناسب جداً ، لتكون هناك قيادة موحدة وجيش واحد فقط ودولة محترمة. ثم الاتفاق على إجراء الانتخابات فور انتهاء أجل حكومة كامل إدريس، لإنقاذ السودان من خطر التشظي والتفكك والانقسامات.

محمد أبوزيد كروم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يصد هجوما على الفاشر.. وتفاقم أزمة النازحين غرب البلاد
  • الادّعاء العام بالجنائية الدولية: إقليم دارفور يشهد على الأرجح جرائم ضد الإنسانية
  • السودان يطالب “الجنائية” بضم أطراف خارجية إلى تحقيقات جرائم الحرب في دارفور
  • تطورات مفاجئة.. نار الخلاف تشتعل بين حفتر و”الدعم السريع”
  • خوري تبحث مع السفيرة الكندية تطورات الأوضاع في ليبيا وسبل تهدئة التوترات
  • السودان: تحذير أممي من تفاقم الأزمة الإنسانية في ظل استمرار العنف ونقص تمويل
  • اتفاق بين “الدعم السريع” وعبدالواحد محمد نور
  • محمد أبوزيد كروم يكتب: حل أزمة السودان.. بين دمج الجيوش والانتخابات!
  • أوتشا: الأوضاع الإنسانية في غزة كارثية وتتدهور باستمرار