مستشفيات غزة تكتظ بهم.. أمهات جائعات يرقدن بأطفالهن المجوّعين
تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT
غزة- لا تلبث الأم العشرينية نورهان صالحة أن تخرج من المستشفى حتى تعود إليه مجددا في رحلة معاناة مستمرة منذ ولادة رضيعتها "حياة" قبل نحو 6 أشهر.
أطلقت الطفلة حياة صرختها الأولى على وقع حياة بائسة لأسرتها النازحة من بلدة بيت حانون المدمرة كليا في شمال قطاع غزة، وتنقلت عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 من مكان إلى آخر، لتقيم حاليا في بلدة الزوايدة وسط القطاع.
تقول الأم نورهان للجزيرة نت، "قررنا تسميتها حياة، لتكون لنا حياة وسعادة وأملا وسط هذا الظلام واليأس والموت والخراب والمجاعة، لكن الواقع معقد وأكبر من أحلامنا وأمنياتنا البسيطة".
الرضيعة المجوَّعة
تتكون أسرة نورهان من 4 أفراد، لكن حملها وإنجابها لحياة -كما تقول- كان "الأصعب والأقسى من بين تجاربها مع بقية أطفالها"، فقد قضت أشهر الحمل حتى الولادة قلقة وتعاني سوء التغذية وبؤس واقع النزوح والتشرد ومشاهد الموت والدمار، "وربما تسللت هذه المشاعر والتجربة السيئة لحياة داخل الرحم وتأثرت بها قبل رؤيتها النور"، كما تضيف الأم بحزن.
وعند ولادتها، قرر الأطباء وضع حياة في الحضّانة 25 يوما، بسبب معاناتها من ضعف المناعة والتهابات حادة، فقد ولدت الطفلة بوزن يزيد قليلا على 3 كيلوغرامات، لكنه أخذ يتناقص، بدلا من الزيادة، وتتساءل الأم نورهان: كيف لوزنها أن يزيد وأنا نفسي أعاني المجاعة، ولا أستطيع إرضاعها، والحليب المدعم مفقود من الأسواق؟
وإن توفر شحيح هذا الحليب، فإن أسرة حياة لا تقوى على ثمنه الباهظ الذي يفوق سعر العلبة الواحدة منه 60 دولارا، "وهو أكثر بـ5 أضعاف سعره قبل الحرب".
وتقول نورهان إن "رضيعتي بحاجة إلى تغذية، وحليب علاجي مدعم، والعلبة لا تكفيها سوى أيام فقط، وليس لنا مصدر دخل يعيننا على شراء الحليب ومواجهة قسوة الحرب المدمرة والحصار الحاد".
إعلانوطوال حديثنا معها كانت نورهان تحدق بالنظر إلى طفلتها الراقدة على سرير بقسم الأطفال في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط القطاع، المكتظ عن آخره برضّع وأطفال من أعمار مختلفة يعانون من سوء التغذية الحاد.
ويقول المتحدث باسم المستشفى الدكتور خليل الدقران، في تصريحات صحفية، إن نسبة الإشغال بقسم الأطفال تقدر بـ250% جراء الاكتظاظ الشديد لأطفال يواجهون سوء التغذية الحاد وأمراضا أخرى معدية ناجمة عن تداعيات المجاعة المتفشية.
ورغم حضور الأم نورهان بجسدها في المستشفى، يظل تفكيرها مشتتا، ويتنازعها القلق على مصير رضيعتها حياة، وعلى أسرتها وأطفالها الذين تضطر إلى تركهم بالأيام يواجهون متاعب الحياة والمجاعة التي تهوي بيدها الثقيلة على بطون زهاء مليونين و300 ألف نسمة، وتغرس مخالبها في أجسادهم المنهكة.
وعلى مقربة من نورهان، كانت منى أبو عريبان تحاول تهدئة طفلها خالد (4 أعوام) الذي أصابته حالة مرضية، وتقول للجزيرة نت إن الأطباء أخبروها أنها ناجمة عن "صدمة تعرض لها جسمه بعد تناوله حبات من العنب بعد انقطاع دام نحو عامين لم يعتد فيها جسمه الصغير على تناول الفواكه أو مواد غذائية تحتوي على السكر".
لدى الأم منى (30 عاما) أسرة من 5 أفراد، تقيم حاليا في مخيم النصيرات بعدما أجبرت على النزوح قبل بضعة أشهر من منزلها في مخيم المغازي للاجئين وسط القطاع.
وتقول إن "المرض والمجاعة شتّتوا شملنا وفرقوا بين الأم وأطفالها. أنا هنا بالمستشفى مع خالد، وأطفالي هناك بعيدا عني منذ 5 أيام، ولا أعلم متى يتماثل طفلي للشفاء وأعود إليهم ونجتمع معا".
ومع كل غارة تسمع بها على مخيم النصيرات، أحد أكثر مناطق وسط القطاع عرضة للقصف الجوي والمدفعي، تقول منى "أرتجف وأشعر أن قلبي سيخرج من بين ضلوعي قلقا على أسرتي وأطفالي.. هل هذه حياة؟ إننا نعيش الموت في كل لحظة وبكل وسيلة، قصفا ومرضا وجوعا".
ويعاني طفلها خالد تضخما بالقصبة الهوائية، وسخونة شديدة تصل إلى 39 درجة، ويزداد قلق والدته على مصيره مع الواقع المنهار داخل المستشفى وشحّ المحاليل والأدوية.
وتقول "هنا لا علاج، وفي منازلنا وخيامنا لا يتوفر الطحين والطعام (..) هذا ليس سوء تغذية بل انعدام للتغذية، وتجويع متعمّد هدفه قتلنا جميعا".
ووفق آخر التحديثات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة، فقد سجلت مستشفيات القطاع 15 حالة وفاة، بينها 4 أطفال، بسبب المجاعة وسوء التغذية خلال الساعات الـ24 الماضية، لترتفع حصيلة ضحايا سياسة التجويع الإسرائيلية إلى 101 حالة وفاة، بينها 80 طفلا منذ اندلاع الحرب.
وفي سياق مرتبط بهذه السياسة التي تصفها هيئات محلية ودولية بأنها "ممنهجة" وتقوم على "هندسة التجويع"، يواصل الاحتلال ارتكاب جرائم يومية بحق المجوّعين ومنتظري المساعدات والباحثين عن "لقمة العيش".
ويوثق المكتب الإعلامي الحكومي استشهاد ما يزيد على ألف فلسطيني، وجرح أكثر من 6 آلاف آخرين، في حين لا يزال 45 في عداد المفقودين، نتيجة استهدافهم في ما يسميها "مصايد الموت" على أعتاب مراكز توزيع المساعدات التابعة لمؤسسة غزة "الإنسانية" المدعومة أميركيا وإسرائيليا.
إعلان
وترفض الأمم المتحدة الخطة الإسرائيلية، وترى أنها تفرض مزيدا من النزوح، وتعرّض آلاف الأشخاص للأذى، وتَقْصر المساعدات على جزء واحد فقط من غزة ولا تلبي الاحتياجات الماسّة الأخرى، وتجعل المساعدات مقترنة بأهداف سياسية وعسكرية، كما تجعل التجويع ورقة مساومة.
كثيرون من منتظري المساعدات هم آباء وأرباب أسر، خلّفوا وراءهم زوجات وأمهات مكلومات وأطفالا باتوا أيتاما، وتتلاعب بهم خطوب الحياة القاسية.
يقول رجل أربعيني نازح من رفح في خيمة بمواصي خان يونس ويعيل أسرة من 5 أفراد -لم يكشف هويته- للجزيرة نت "في كل مرة أذهب للحصول على المساعدات تودعني زوجتي بالدموع، لأنها تعلم أنها رحلة موت، ولكن لا خيار لدي، إما الموت أو جلب الطعام لأسرتي وأطفالي".
أما محمد العواودة (19 عاما) فقد اعتاد الذهاب إلى مركز توزيع المساعدات في منطقة "محور نتساريم" وسط القطاع، وفي مرات قليلة تمكن من العودة بشيء من طعام لأسرته (8 أفراد)، في حين نجا مرارا من موت محتم.
فقبل نحو أسبوع توجه العواودة برفقة صديقه بحثا عن الحطب شرق مخيم البريج، القريب من السياج الأمني الإسرائيلي، فاستهدفتهما قذيفة دبابة إسرائيلية، ومكثا ينزفان على الأرض أكثر من ساعة قبل نقلهما إلى مستشفى شهداء الأقصى.
كان العواودة يبحث عن الحطب لبيعه وتوفير الطعام لأسرته، ويقول للجزيرة نت "بدلا من العودة بالحطب والطعام ها أنا مبتور الساق لا أستطيع الحركة".
تمضي والدته إيمان (40 عاما) ساعات النهار برفقته في المستشفى، وتحاول تحريره من الحالة النفسية السيئة التي يعاني منها، قبل أن تعود مع مغيب الشمس لأسرتها في منزلها المدمر جزئيا في المخيم.
وبحزن والدموع تحتبس أسفل نقابها، تقول إيمان "كان محمد كتلة من النشاط والحركة، ومنذ طفولته تحمل المسؤولية في مساعدة الأسرة على أعباء الحياة، وعمل قبل اندلاع الحرب في مخبز وفي قطاع البناء، واليوم بات معاقا مبتور الساق، يحتاج إلى من يساعده، وانقلبت حياتنا رأسا على عقب، وحتى الدواء اللازم له لا نمتلك المال لتوفيره".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات سوء التغذیة وسط القطاع للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
المجاعة في غزة: وفاة رضيعة بسوء التغذية تُجسّد تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع
دُفنت في غزة الرضيعة زينب أبو حليب (5 أشهر) بعد وفاتها بسوء التغذية، في مؤشر على تفاقم الأزمة الإنسانية. وثّقت وزارة الصحة وفاة 85 طفلًا و42 بالغًا خلال 3 أسابيع. حيث يعيق الحصار المستمر دخول المساعدات، ولا تزال الشاحنات التي تدخل القطاع يوميا وعددها 69 دون الحد الأدنى المطلوب أي 500 شاحنة اعلان
في مشهد مأساوي يعكس عمق الأزمة الإنسانية في غزة، تُضاف يوميًا أسماء جديدة إلى قائمة الضحايا الذين يفقدون حياتهم جراء نقص حاد في الغذاء والدواء، بينهم عشرات الأطفال والنساء وكبار السن، نتيجة الحصار المشدد المفروض على القطاع منذ أشهر. وسط تقارير طبية تُوثق ارتفاعًا مقلقًا في حالات الوفاة الناتجة عن سوء التغذية والجفاف وانعدام الرعاية الصحية.
ودُفنت، السبت، في قطاع غزة، الرضيعة زينب أبو حليب (5 أشهر) بعد وفاتها جراء سوء التغذية الحاد، وهي آخر حالة تُضاف إلى سلسلة متزايدة من الوفيات الناتجة عن تدهور الوضع الإنساني في القطاع، وسط تحذيرات طبية من تحوّل الأوضاع إلى مجاعة شاملة.
وكانت زينب التي وُلدت قبل خمسة أشهر بوزن 3.2 كيلوغرام، قد وصلت الجمعة إلى قسم طب الأطفال في مجمع ناصر في حالة خطيرة، لكنها فارقت الحياة قبل بدء العلاج. عند وفاتها، لم يتجاوز وزنها كيلوغرامَين، في مؤشر صارخ على تدهور حاد في صحتها بسبب نقص الغذاء والرعاية الطبية.
في مشرحة المستشفى، كشف العاملون عن جسد الرضيعة الهزيل، حيث بدت عظام صدرها بارزة، وكاحلها أضيق من إبهام أحد الموظفين بحسب تعبيره. وقد نُقل جثمانها إلى فناء المستشفى ملفوفًا بكفن أبيض، حيث شارك في جنازتها أفراد من العائلة وسكان المخيم.
وأفادت وزارة الصحة في غزة، يوم السبت بوفاة 85 طفلًا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بسبب أسباب مرتبطة بسوء التغذية، إلى جانب وفاة 42 بالغًا في نفس الفترة.
أوضح الدكتور أحمد الفرح، رئيس قسم طب الأطفال في مجمع ناصر الطبي، أن زينب كانت بحاجة إلى نوع خاص من الحليب الصناعي لعلاج حساسيتها تجاه حليب البقر، لكنه لم يكن متوفرًا.
وأضاف أن الرضيعة لم تكن تعاني من أمراض مزمنة، لكن نقص التغذية تسبب بإسهال مزمن وقيء مستمر، أدى إلى ضعف مناعتها، ثم إصابتها بعدوى بكتيرية وتسمم دموي، ما جعلها غير قادرة على البلع أو الاحتفاظ بالطعام داخل البطن.
وأشار الفرح إلى أن القسم، المخصص لاستيعاب 8 حالات فقط، يعالج حاليًا نحو 60 طفلًا مصابين بسوء التغذية الحاد، مع وضع فرش إضافية على الأرض لاستيعاب المرضى. كما تستقبل العيادة المتخصصة في المستشفى ما متوسطه 40 حالة أسبوعيًا.
Related برنامج الأغذية العالمي: واحد من كل ثلاثة أشخاص في قطاع غزة لم يتناول الطعام منذ أيامسفينة "حنظلة" تتحدى الحصار وتقترب من قطاع غزة وسط ترقب إسرائيليغزة: شحّ الغذاء وتفاقم الأزمة الإنسانية يدفعان رجلاً إلى بيع خاتم زوجته لشراء الطعام لأطفالهوتعيش عائلة زينب في مخيم للنازحين، مثل مثل آلاف العائلات النازحة في غزة. وقالت والدتها، إسراء أبو حليب، التي تعاني هي الأخرى من سوء التغذية، إنها أرضعت ابنتها طوال ستة أسابيع قبل أن تضطر إلى استخدام الحليب الصناعي، لكنها فشلت في توفير النوع المناسب.
وأضافت: "مع وفاة ابنتي، سيتبعها آخرون. أسماؤهم على قائمة لا ينظر إليها أحد. أصبحنا مجرد أرقام. أطفالنا، الذين حملناهم تسعة شهور وربيناهم، أصبحوا الآن مجرد أرقام."
وتشير تقارير طبية وإنسانية إلى تزايد حاد في حالات سوء التغذية بين الأطفال في قطاع غزة، حيث يعيش أكثر من مليوني نسمة تحت ظروف حصار مطول. وقد قطعت إسرائيل دخول الغذاء والدواء والوقود والمساعدات إلى غزة بالكامل لمدة شهرين ونصف بعد انهيار الهدنة في مارس الماضي، بذريعة الضغط على حركة حماس لإطلاق سراح الرهائن.
وفي مايو، خففت إسرائيل الحصار جزئيًا تحت ضغط دولي، وسمحت بدخول نحو 4500 شاحنة مساعدات تابعة للأمم المتحدة ووكالات الإغاثة، تضمنت 2500 طن من أغذية الرضع والأغذية عالية السعرات. لكن متوسط 69 شاحنة التي تدخل القطاع يوميًا لا يزال دون الحد الأدنى المطلوب، الذي يجب أن يكون ما بين 500 و600 شاحنة يوميًا بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وأشارت المنظمة إلى صعوبات كبيرة في توزيع المساعدات، نتيجة اقتحام جماعات من الجياع للشاحنات عند وصولها. كما أفاد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بمقتل أكثر من 1000 فلسطيني منذ مايو أثناء محاولتهم الحصول على الطعام، معظمهم قرب مواقع توزيع المساعدات.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة