أن تضع الكلمات المتجمدة تحت المدفأة!
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
في واحدة من أجمل قصائدها تتحدث الشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا عن أغرب ثلاث كلمات يمكن أن نصادفها في حياتنا، تقول: ((عندما أنطق كلمة «المستقبل» سرعان ما يصبح المقطع الأول منها في الماضي/ عندما أنطق كلمة «الصمت» أكون قد دمَّرتُها/ عندما أنطق كلمة «لا شيء» فإني أصنع شيئًا لا يمكن للوجود أن يحمله)).
في مقدمة الكتاب المعنونة «مقدمة الحياة والكلمات» (التي يحار المرء في نهايتها هل يعدها مقدمة فعلًا أم القصة الأولى من قصص المجموعة) يعود بنا الكندي إلى القرون السحيقة عندما «كان العربي يملك لسانا فتّاكًا، لم يترك أمامه في هذه البادية الجافة شيئًا إلا بلّله بكلماته»، كانت الكلمات معادلًا للحياة، بل وسببًا من أسباب البقاء، و«كان القدامى يؤمنون بقوة الكلمة، ويبجلون تأثيرها على الكائن حظًّا أو نحسًا»، ولذلك فحين يمرض طفل كانوا ببساطة يعالجونه بتغيير اسمه، فيُشفى على الفور. لكن الكلمات فقدت مع الزمن هيبتها وسحرها، وصارت اليوم بلا قيمة تذكر، هذه هي الخلاصة التي توصل إليها المؤلف في نهاية مقدمته/ قصته، حين صار «الزمن يحك كلمات الجريدة ويحفر في ورقها دون أن ينتبه أحد»؛ هذه الجريدة التي نسيها عجوز فوق طاولة الشرفة ومضى. وهنا يتوصل الكندي إلى أن «هذا العجوز ابتلعه العدم لأنه لم يترك أي كلمات تحكي قصته».
وإذن؛ فإن بقاء الإنسان مرهون ليس بقدرته على نطق الكلمات فقط، وإنما الكلمات التي تسرد حكاية، هذه الفكرة يؤكدها الكندي في أكثر من قصة، نص «الكلمات العادية في مواجهة القصص» - على سبيل المثال - يخبرنا في بدايته أنه «في أحيان كثيرة يمكن للكلمات العادية أن تدمر النسق الطبيعي للأحداث»، ويضرب لنا مثلًا بحكاية تراثية عن امرأة أراد زوجها الخروج ذات ليلة لقضاء حاجة، فرددت كلمات عادية هي أقرب إلى دعاء: «يا ظلام الليل احمل زوجي برفق» وهي لا تعلم أن شيطانًا مريدًا يدعى «ظلام الليل» كان يقف خلف البيت متربصًا، ولم يكن أمام الرجل الذي اختطفه الشيطان بحجة أنه امتثل لطلب الزوجة سوى أن يسرد له حكايات جيدة عن بطولات السندباد البحري، وكليلة ودمنة، وحي بن يقظان، وغيرها من سير الأبطال والأوغاد، ليشعر الشيطان في النهاية بالصداع من هذه الحكايات فيرخي قبضته عليه ويتركه، وحين عاد الرجل إلى زوجته أخبرها بخلاصة التجربة المريرة: «القصص الجيدة تنفع أكثر من الحظ، وتتفوق على الكلمات العادية»، وهذا ما أكدته القصة الأخرى في المجموعة «حليب الحكايات»؛ فقد كانت الطفلة «بديعة» تتلعثم بالكلمات العادية لأن أمها لا تجيد سرد القصص، وحين زارت الأم أختها وقضت معها عدة أيام كانت الأخت خلالها تسرد حكايات ما قبل النوم لأطفالها ومعهم بديعة، تألقت عينا الطفلة ونما ذهنها، إلى الدرجة التي جعلت الأم تتساءل: كيف تغيرت ابنتي؟!
لقد تغيرت الطفلة لأنها وجدت من يُخرِج لها الحكايات من أعماق روحه، وهو عين ما فعله الرجل للشيطان الذي اختطفه فانهزم. والمفارقة أن هذا الشيطان انتصر في قصة أخرى في المجموعة (هي قصة «الكلمات العتيقة») لأن الكلمات التي حاول بها ابن المتصوف علاج الرجل الممسوس (كما فعل أبوه سابقا بنجاح، وبالكلمات ذاتها) كانت بلا روح. عندما يكبر هذا الابن قليلا ستتكشف له الأشياء التي تكشفت لصموئيل؛ بطل رواية «ميدييا وأبناؤها» للروائية الروسية لودميلا أوليتسكايا (ترجمة تحسين رزاق عزيز)، وهي «أن الأفكار لا تُنقَل بالكلمات كاملةً تمامًا بل بدرجة كبيرة من التقريب، وأنَّ ثمة فجوة معينة بين الفكر والكلمة، وهذه الفجوة أو الثغرة تمتلئ بأعمال الوعي المكثفة الجهيدة، التي تعوِّض الإمكانات المحدودة للغة وتسد ثغراتها».
تظهر هذه الإمكانات المحدودة للغة وعجز الكلمات عن سد ثغراتها في أقصوصة «الكلمات المنسية»، حيث ينسى بطلها هاتفه في أحد المتاجر، وحين يعود إليه يجد العامل في انتظاره ليسلمه هاتفه وهو يضحك دون أن يتفوه بكلمة، ثم يضحك عامل آخر متضامنًا مع البطل قائلًا - بضحكته فقط - إن هذا يحدث له أيضا. اكتفى الثلاثة بالضحك لأنه «لم تكن هناك أية كلمات. بدلًا منها حضرت معانيها».
كان لافتًا أن مفردتَيْ «الكلمات» و«كلمات» تكررتا في عناوين خمسة عشر نصًّا من نصوص «نجار الكلمات» التي زادت عن الخمسين بقليل، ومن هذه النصوص نصّ «الموسيقى والكلمات العادية» التي ترد فيها عبارة تصلح لوصف ما فعله يوسف الكندي في هذا الكتاب ككل: «أحضرنا مقلاة ووضعنا فوقها الكلمات المتجمدة، ثم قربناها من المدفأة». ثمة تنويعات مختلفة على الكلمات ودورها في حياتنا: كلمات صامتة تحتج على حرب لا تأتي (قصة «الحرب التي لا تتكلم»)، كلمات لا يُسمح لها بالخروج إلا في الظلام الدامس حتى تتجانس مع فضائح الليل (قصة «الكلمات والقنوات الرسمية»)، كلمات مضللة تدغدغ مشاعر محطَّمي الآمال (قصة «بائع الكلمات»)، كلمات يمكن أن تكون جميلةً كعبارة امتنان لكنها في الوقت نفسه مخيفة (قصة «الكلمات الخفية»)، كلمات كاذبة يدعي قائلها أنه يرى كل شيء، فتتسبب في إرعاب الضعفاء (قصة «أفعال الهواة»)، وغيرها من الكلمات وحكاياتها التي تؤثث قصص هذا الكتاب.
ختاما؛ إنه لمن المؤسف ألّا أستطيع إطراء «نجار الكلمات» في النهاية إلا بالكلمات. لكن عزائي أنني أمتثل لنصيحة شاعري المفضل وديع سعادة: «على الكلمات التي نحبّها أن تبقى دائمًا في أفواهنا، وأن نعيد كتابتها مرارًا على الورق، علينا أن نردّدها دائمًا لأنّها تمنحنا شعورًا بأنَّ الحياة لا تزال فيها كلماتٌ حبيبة، وبأنّنا لا نزال نستطيع قول شيء نحبُّه».
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
دعاء للميت ليلة الجمعة.. 4 كلمات مستجابة مع غروب الشمس وحتى طلوع الفجر
دعاء للميت ليلة الجمعة، يكثر البحث مع غروب شمس يوم الخميس ودخول ليلة الجمعة عن دعاء للميت ليلة الجمعة ، حيث حثنا الشرع الشريف على الدعاء لأنه جوهر العبادة وبالدعاء يكون العبد قريب من ربه، والحبل الذي يوصل العبد بربه سبحانه وتعالى.
وفي التقرير التالي نرصد دعاء للميت ليلة الجمعة و دعاء يوم الجمعة للمريض والمتوفيورد فيه الكثير لأهمية هذا اليوم المباركاللهم يامن تعيد المريض لصحته وتستجيب دُعاء البائس اشفي كل مريض اللهم اشفي مرضانا ومرضى المسلمين شفاءً لا يغادر سقمًا ومن الأدعية للمتوفى اللهم انزله منازل الصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا تفاصيل وأدعية كثيرة نعرضها في السطور المقبلة.
دعاء للميت ليلة الجمعةومن دعاء للميت ليلة الجمعة ما يلي:
1-اللهم خذ بيده، اللهم احرسه بعينيك التى لا تنام، واكفه بركنك الذى لا يرام واحفظه بعزك الذى لا يضام، وارحمه بقدرتك اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، ولا تجعله حفرة من حفر النار اللهم افسح له في قبره مد بصره، وافرش قبره من فراش الجنة اللهم أعذه من عذاب القبر، وجفاف الأرض عن جنبيها.
2- اللهم أرحم من أشتقت لهُ شوقاً لا يعلمه سواك ومن حن القلب لصوته ورؤيته.
3-اللهم في يوم الجمعة أرحمه وأغفر له وأجعل الجنة داره وقراره ودعاء يوم الجمعة للمريضإلهي أذهب البأس ربّ النّاس، اشف وأنت الشّافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا، أذهب البأس ربّ النّاس، بيدك الشّفاء، لا كاشف له إلّا أنت يا ربّ العالمين وفي يوم الجمعه اللهم أعطنا خير ما تعطي السائلين واجمع لنا صلاح الدنيا والدين واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين اللهم أذهب عنا الحزن وأزل عنا الهم، واطرد من نفوسنا القلق واجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا برحمتك يا أرحم الراحمين.
4- اللهم في يوم الجمعة أرحم من مات منا ومن عجزت عقولنا عن إستيعاب فراقهم، وأجعل قبورهم نورا وضياء إلى يوم يبعثون نسألك يارحمن ياكريم ان ترحم عبدك وتنير قبرة وان ترزقة جنة فردوس لا نهاية لها، وأن ترزقنا رؤياه في الاخرة منعّماً في جنتك ياكريم.
دعاء للميت يوم الجمعة
اللهم يا باسط اليدين بالعطايا، يا قريب يا مجيب دعوة الداعي إذا دعاه، يا حنان يا منان، يا رب يا أرحم الراحمين، يا بديع السماوات والأرض، يا أحد يا صمد أعطي (ويذكر اسم الميت)، من خير ما أعطيت به نبيك محمد صلى الله عليه وسلم عطاء ما له من نفاذ، من مالك خزائن السماوات والأرض، عطاء عظيم من رب عظيم حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: منهم ولد صالح يدعو له”، وبهذا يتضح أن أفضل ما تقدمه للمتوفي هو الدعاء له وخاصةً يوم الجمعة اللهم عامله بما أنت أهله، ولا تعامله بما هو أهله، اللهم أجزه عن الإحسان إحسانًا وعن الإساءة عفوًا وغفرانًا، اللهم إن كان محسنًا فزد من حسناته وإن كان مسيئًا فتجاوز عن سيئاته، اللهم ادخله الجنة من غير مناقشة حساب ولا سابقة عذاب، اللهم آنسه في وحدته وفي وحشته وفي غربته، اللهم أنزله منزلًا مباركًا وأنت خير المنزلين.
دعاء لأبي المتوفياللهم في يوم الجمعة ارحم ابي
اللهم يا جامع الناس الى يوم لا ريب فيه اجمع أبي بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما جمعت بين الروح والجسد اسأل الله العظيم رب العرش العظيم، أن يتقبل منا ومنكم الدعاء، ويغفر لموتانا وموتاكم وموتى المسلمين، وان يحسن خاتمتنا انه قادر على كل شيء اللهم في يوم الجمعة أنر قبرا أبي فيه قطعة من قلبي اللهم ارحم والدينا رحمة واسعة وجميع المسلمين الاحياء منهم والاموات امين يا رب للهم في ليلة الجُمعة ارحم الأنفس الطيبة التي انتقلت إلى جِوارِك واغفر لهم و وسع لهم بِقبورهم واجمعنا بِهم بِجناتك اليوم يالله يوم جمعه، وما فقد الأب إلا بترٌ في الروح رحم الله وجهاً أحنُّ إليه ولم أعد أراه، اللهم أرحم أبي حبيبي وأجمعني به في جنات النعيم.