في ظلّ "شبه التسليم" بعدم قدرة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان العائد في غضون أيام إلى لبنان، عن إحداث "خرق جدّي" على خط الملف الرئاسي، مع إصرار بعض قوى المعارضة على رفض أيّ شكل من أشكال الحوار، تتّجه الأنظار إلى الحوار القائم بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، باعتبار أنه أضحى "خشبة الخلاص" الوحيدة، فإما يتصاعد منه الدخان الأبيض، تمهيدًا لانتخاب رئيس، أو تطول الأزمة إلى ما شاء الله.


 
إلا أنّ هذا الحوار يخضع بدوره على ما يبدو للانقسامات اللبنانية العمودية، بين "متحمّسين له" يعتقدون أنّ "الفرج" لن يأتي إلا من خلاله، أو بالحدّ الأدنى من "بوابته"، باعتبار أنّ أيّ تفاهم ينتج عنه لن يبقى "محدودًا" بطرفيه، وفي المقابل "متشائمين" إما يعتبرونه "لزوم ما لا يلزم"، لكونه "غير ملزم" لأحد، وإما يصوّبون على طرفيه اللذين "يختزلان" المشهد، ويعتبران أنّهما وحدهما قادران على فرض الرئيس على جميع اللبنانيين.
 
وفيما "تتباين" المعطيات حول هذا الحوار ومخرجاته أيضًا، بين من يرى أنه يحقّق تقدّمًا "نوعيًا" يُبنى عليه، ومن يعتبر أنّه "جامد" في مكانه منذ أسابيع، يبدو أنّ "صدقية" هذا الحوار باتت بدورها على المحكّ، فهل تكون "النوايا صافية" فعلاً لدى الفريقين، وبالتالي الرغبة متوافرة لديهما في الوصول إلى نتيجة؟ ولماذا يحلو للبعض الحديث عن "مناورة" عبر هذا الحوار، الذي قد لا يكون الهدف منه سوى "قطع الطريق" على بعض المرشحين؟!
 
أجواء "متباينة"
 
حتى الآن، تبدو المعطيات المتوافرة حول الحوار بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" متباينة إلى حدّ بعيد، ولو أنّ أوساط الطرفين، ولا سيما الحزب، تصرّ على الحديث عن "إيجابية واضحة" على خطّه، عبّر عنها الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، عندما تحدّث عن "نقاش جدّي وعميق"، وهي إيجابية يعكسها "التيار" أيضًا على المستوى الرسمي، ولو أنّه "يناقضها" في بعض الممارسات على الأرض.
 
وفي هذا السياق، ثمّة من يتوقف عند "المرونة" التي تطبع أجواء بعض حلفاء "حزب الله" في مقاربة الأمر، خلافًا لـ"السلبية" التي أحاطت بنظرتهم للحوار في مراحله الأولى، ولو أنّها تبقى "حَذِرة"، كما فُهِم من كلام بعض الحلفاء، الذين يرفضون "البصم" على أيّ اتفاق يتوصّل إليه الطرفان، علمًا أنّ موقف "حركة أمل" قد يبدو معبّرًا في هذا الإطار، بعدما أضحت أكثر "قابلية" له، بعدما كانت أوساطها ترفض النقاش به في السابق.
 
في المقابل، ثمّة بعض الأجواء "السلبية" التي لا تدفع إلى التفاؤل، من بينها انتهاء "الهدنة الإعلامية" بين "التيار" و"الحركة"، وما يمكن اعتباره "قصفًا متبادلاً" بين الطرفين في الأيام الأخيرة، على خلفية التدقيق الجنائي، يُضاف إليها إصرار باسيل وفريق النواب "المحسوبين مباشرة" عليه على الحديث عن "التمسّك" بترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، مع ما ينطوي على ذلك من "استفزاز" لـ"حزب الله"، رغم معرفة القاصي والداني أنّ "التقاطع" انتهى.
 
"مناورة" من باسيل؟
 
من هنا، ثمّة من يرسم بعض الشكوك حول "نوايا" باسيل الحقيقية من خلف الحوار مع "حزب الله"، حيث يعتبر كثيرون أنّ هدف باسيل ليس "التفاهم" فعليًا مع الحزب، طالما أنّ الأخير لا يزال "يراهن" على قدرته على "استقطاب" رئيس "التيار الوطني الحر" لدعم ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وهو ما لا يريده باسيل عمليًا، بعدما "أحرق" ورقة فرنجية في بيئته الحاضنة، وهو يقول لجمهوره إنّه طرح "شروطًا تعجيزية" على الحزب.
 
وفي سياق متّصل، ثمّة من يرى أنّ الأمر لا يعدو كونه "مناورة" من جانب باسيل، الذي يسعى من حواره مع "حزب الله" إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، أولهما "إسقاط ترشيح" فرنجية الذي يبقى هدفه الأول المُعلَن، ولكن أيضًا "إسقاط ترشيح" قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي ترتفع أسهمه يومًا بعد يوم، حتى إنّ العارفين يقولون إنّ باسيل لن يتردّد في دعم فرنجية، إذا ما وُضِع في موقف حرج، عبر "تخييره" بين الرجلين.
 
لهذه الأسباب، ثمة من ينظر بعين "الريبة" إلى "نوايا" باسيل من الحوار مع "حزب الله"، ففيما يوحي الأخير بأنّ الحوار يتقدّم ويحقّق نتائج قد تفضي إلى الخرق الموعود، يصرّ "معسكر باسيل" على نفي هذه التسريبات، والإيحاء بأنّ الحوار "يراوح مكانه" بانتظار "أجوبة الحزب"، ما يدفع البعض إلى التساؤل عن صحة ما يُحكى عن أن باسيل يسعى فعلاً لـ"تضييع الوقت" ريثما تسقط "ورقة" ترشيح قائد الجيش مع انتهاء ولايته.
 
منذ البدء، وُضعت صدقية الحوار بين "حزب الله" و"الوطني الحر" على المحكّ، للكثير من الأسباب والاعتبارات، بينها التخلي "المفاجئ" عن الشروط المسبقة له، فضلاً عن "الالتباس" حول البندين المطروحين على "الأجندة". وإذا كان المشكّكون يرفعون شعار "شو عدا ما بدا" لبلورة "تحفّظاتهم"، ثمّة من يصر على "التفاؤل"، فالحوار القائم، رغم كلّ شيء، يبقى "فسحة الأمل الوحيدة"، فهل تجد من يتلقّفها، بلا مناورات جانبيّة؟! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

ميس رضا تكتب: رؤى استراتيجية لتفعيل الدبلوماسية الثقافية وحوار الحضارات

تُعد الدبلوماسية الثقافية اليوم واحدة من أهم أدوات القوة الناعمة التي تمتلكها الدول، ولم تعد ترفًا فكريًا أو نشاطًا ثانويًا فهي تحمل رسائل حضارية وإنسانية قادرة على كسر الحواجز، وتقريب الشعوب، وخلق مساحات للحوار بعيدًا عن التوترات والصراعات.

وإذا كان هذا هو دور الدبلوماسية الثقافية، فإنها تلتقي بشكل طبيعي مع مفهوم حوار الحضارات، فالحوار بين الثقافات لا يقوم على فرض نموذج بعينه، بل بترك مساحة للإنصات المتبادل، ووسيلة لتجاوز الصور النمطية التي كثيرًا ما كانت وقودًا للتوتر، في عالم يموج بالأزمات السياسية وتصاعد خطاب الكراهية، يصبح هذا المسار أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

لكن ما يضفي على هذا الموضوع زخمًا حقيقيًا هو دور الشباب، فالشباب ليسوا مجرد متلقين للثقافة أو مستهلكين لها، بل هم اليوم ركيزة أساسية وصُنّاعها وحاملوها إلى العالم بفضل إبداعهم وطاقاتهم واستخدامهم للتقنيات الرقمية استطاعوا أن يجعلوا من الموسيقى والفنون واللغة والإعلام جسورًا للتقارب الإنساني، كونهم الأكثر قدرة على أن يقدّموا صورة حقيقية عن أوطانهم والأكثر استعدادًا للانفتاح على ثقافات الآخرين وتبادل الخبرات معهم.

إن تفعيل الدبلوماسية الثقافية وحوار الحضارات لا يحتاج إلى قرارات رسمية فحسب، بل إلى إرادة تمنح الثقافة مكانتها في السياسة الخارجية وإلى رؤية تستثمر في طاقات الشباب وتجعلهم شركاء حقيقيين في صياغة خطاب حضاري جديد فبصوتهم وحماسهم وخبراتهم العابرة للحدود يمكن بناء عالم أكثر عدلًا، وأقرب إلى التفاهم والسلام.

الدبلوماسية الثقافية وحوار الحضارات ليسا رفاهية، بل ضرورة استراتيجية في عالم يزداد اضطرابًا، وحين نضع الشباب في قلب هذا المسار، نكون قد ضمنا أن تظل جسور الحوار مفتوحة، وأن تبقى الثقافة لغة مشتركة تعاند الكراهية وتزرع مكانها الحوار والتفاهم.

طباعة شارك الدبلوماسية الثقافية القوة الناعمة حوار الحضارات

مقالات مشابهة

  • خطاب باسيل: كلّ طرف فهمه على طريقته!
  • التيار الوطني الحر يكرّم شهداءه وموتاه في أستراليا
  • باسيل جال في قرى بترونية
  • قبل الكلاسيكو..مركز ليفاندوفسكي الأساسي في برشلونة على المحك
  • تجمع المولدات الخاصة: للتعاون مع الدولة لتأمين التيار الكهربائي 24 على 24
  • حوار قطر الوطني يستكشف الطريق إلى بيئة بحرية مزدهرة
  • الغارديان: المقاطعة العالمية لـإسرائيل تتحول من الهامش إلى التيار العام
  • باسيل: أخشى تطيير الانتخابات وسنواجه أي مشروع يمسّ لبنان
  • ماغي فرح مرشحة التيار للانتخابات؟
  • ميس رضا تكتب: رؤى استراتيجية لتفعيل الدبلوماسية الثقافية وحوار الحضارات