المرتزقة الكولومبيون وتجنيد الأطفال في السودان: شبكة عابرة للحدود بتمويل إماراتي
ترجمت هذا التحقيق استقصائي لـ سانتياغو رودريغيز ألفاريز – منصة La Silla Vacía
كشف تحقيق “المرتزقة الكولومبيون يدرّبون أطفالًا جنودًا في السودان” الذي نشرته منصة La Silla Vacía عن واحدة من أخطر الجرائم في الحرب السودانية، حيث يشارك مرتزقة كولومبيون في تجنيد وتدريب أطفال سودانيين على القتال لصالح مليشيا الدعم السريع (الجنجويد) ضمن عملية دولية معقدة تديرها شبكة.


حصلت المنصة على صور التقطها المرتزق الكولومبي السابق الملقب بـ”سيزار”، الذي عمل أربعة أشهر في السودان. تظهر الصور طفلين تتراوح أعمارهما بين 10 و12 عامًا في معسكر تدريب جنوب نيالا، محاطين برجال يحملون أسلحة AK-47، فيما يشرف على التدريب مرتزقة كولومبيون يرتدون بزات عسكرية بلون كريمي. قال “سيزار”: “كنا ندرّب الأطفال ليُقتلوا. كان في المعسكرات آلاف السودانيين، وبينهم عدد كبير جدًا من الأطفال.”
https://www.lasillavacia.com/…/mercenarios-colombianos…/
مقتطفات :
????”نحن ندرّب الأطفال ليُقتلوا”، يقول “سيزار”.
????أكّد “سيزار” أن الفتيين السودانيين اللذين ابتسما له في تلك اللحظة كانا بالفعل طفلين قام هو وغيره من الكولومبيين بتدريبهما.
????”أرسلوني كمدرّب في معسكرات التدريب. معسكرات يُجنّد فيها ألف أو ألفان أو حتى ثلاثة آلاف سوداني للتدريب. كان هناك أطفال أعمارهم 10 و11 و12 عامًا. كان هناك أيضًا أشخاص في العشرينات والثلاثينات، لكن الأطفال كانوا كثيرين، كثيرين جدًا”.
????يقع معسكر التدريب الذي شهد فيه “سيزار” هذه الحقيقة – والتي وثّقها بالصور ومقاطع الفيديو التي شاركها مع La Silla – جنوب مدينة نيالا، عاصمة إقليم جنوب دارفور والقلعة العسكرية لمليشيا الدعم السريع في السودان.
????ارتكبت مليشيا الدعم السريع (الجنجويد) أسوأ الجرائم خلال هذه الحرب، بما في ذلك التطهير العرقي في إقليم دارفور والتجنيد القسري للأطفال،
????كما كشفت La Silla، فإن أكثر من 300 جندي كولومبي سابق، بعضهم تم خداعه، وصلوا إلى السودان منذ العام الماضي لدعم هذا الطرف عبر عملية عابرة للحدود يقودها مرتزقة يطلقون على أنفسهم اسم “ذئاب الصحراء”.
تُدار هذه العملية بواسطة العقيد المتقاعد في الجيش الكولومبي ألفارو كيخانو، بالشراكة مع شركة أمنية إماراتية تُدعى Global Security Service Group (GSSG). مالك الشركة هو محمد حمدان الزعابي، وهو إماراتي يتمتع بعلاقات مع دول إفريقية متحالفة مع الإمارات، حيث قدّم أيضًا خدمات “تدريبية”.
????أصبح الكولومبيون متورطين في جريمة حرب: تجنيد الأطفال وتدريبهم على القتال.
????لم يتوقع أن يقوم بتدريب الأطفال، وهو أمر بدا له دائمًا “قبيحًا”، لكنه فعله مقابل الراتب الذي كان يتقاضاه.
????كانت المهمة الرئيسية التي قام بها “سيزار” أثناء وجوده في السودان هي العمل الأمني في مدرج مطار نيالا. يقول المرتزق: “إذا استولوا على ذلك المدرج، فإن الجميع هناك سيكونون في عداد المفقودين”. وبفضل هذا المدرج، يتمكن المرتزقة الكولومبيون من الطيران من وإلى بوصاصو، وهو ميناء في الصومال تسيطر عليه الإمارات ويُعد محورًا أساسيًا لهذه العملية.
????تكمن أهمية هذا المدرج أيضًا في دوره الهجومي في حرب السودان. فمنه تُقلع الطائرات المسيّرة، وهي طائرات ضخمة عالية التقنية، لتنفيذ عمليات استخباراتية وشنّ غارات على مدن سودانية مثل الفاشر والخرطوم وبورتسودان.
وفي فيديو آخر صُوِّر على المدرج بعد غارة جوية شنّها الجيش السوداني، ظهرت طائرة مسيّرة صينية الصنع من طراز CH-95 أو FH-95. كما يُظهر الفيديو جبال نيالا نفسها عندما تتجه الكاميرا نحو الغرب.
????فترة التدريب عادةً ما تتراوح بين أربعة إلى خمسة أسابيع، من الساعة الثامنة صباحًا حتى الرابعة مساءً، من السبت إلى الخميس، حيث يُعتبر يوم الجمعة يوم راحة. ويضيف أن كل معسكر يمكن أن يضم ما بين 1,000 إلى 3,000 سوداني، ويشرف عليهم ما بين 50 إلى 70 جنديًا كولومبيًا سابقًا كمدرّبين.
????”يتم منحهم تدريبًا مشابهًا لما هو معروف في كولومبيا، مثل تدريب حرب العصابات. يتم تعليمهم كيفية التعامل مع الأسلحة، سواء البنادق الهجومية أو الرشاشات. كما يحصلون على بنادق Dragunov للقناصة ويتعلمون كيفية استخدام قاذفات RPG (قذائف الصواريخ). يتم تعليمهم إطلاق النار وفك وتركيب جميع هذه الأنواع من الأسلحة. وبعد ذلك، يتم إرسالهم إلى الجبهة”.
???? أن النظام القضائي الكولومبي العادي يمكنه محاكمة الأفراد المتورطين في تجنيد القُصّر، مستندًا إلى مبدأ عالمية جرائم الحرب.
????زادت مليشيا الدعم السريع (الجنجويد) في الأشهر الأخيرة من عمليات التجنيد القسري للأطفال لأنها تعاني نقصًا في القوات النظامية. لقد هددوا بمهاجمة القرى التي لا ترسل رجالًا وأطفالًا للانضمام إلى المليشيا في جميع أنحاء دارفور”.
????”عندما بدأ عدد القتلى المحليين بالارتفاع، عندها قالوا إنهم يفتقرون للتدريب، وهنا بدأوا ببناء معسكرات التدريب هذه لتقليل الخسائر المحلية”. حتى الآن، لم يتكبّد المرتزقة الكولومبيون نفس حجم الخسائر والإصابات، جزئيًا لأنهم يعملون بشكل أكثر احترافية. ومع ذلك، فقد صدّ الجيش السوداني مؤخرًا هجومًا في الفاشر أسفر عن مقتل كولومبي واحد.
????يقول “سيزار”: “كنا نفكر أيضًا: نحن هنا الآن، يجب أن ندرّبهم. إذا لم ندرّبهم، فسيُقتلون بسهولة. كانوا يقولون إن الأمر قبيح وسيئ بالطبع. حتى أنني أصبحت صديقًا مقرّبًا لبعض هؤلاء الأطفال. بعد 20 يومًا من تدريبهم، بدأوا يحبّونك”.
????يعمل المرتزقة الكولومبيون مقابل أجر تدفعه شركة كولومبية تقوم بتجنيد عسكريين سابقين لصالح شركة إماراتية، بهدف إرسال قوات دعم لمليشيا الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو.
????قول “سيزار” إن شخصية حميدتي كانت حاضرة في كل مكان. كان يتبادل الرسائل مع قادته الميدانيين، والجميع كانوا يتحدثون دائمًا عن “محمد”. ويضيف أن حميدتي كان بمثابة شخصية “مقدسة” بين أتباعه: “كانوا يجبرونهم على وضع صورة ذلك الرجل في حساباتهم على واتساب”، يقول “سيزار” عن دقلو.
????السودانيين ما كانوا ليصلوا إلى هذه المرحلة لولا المال الإماراتي. فقد أظهر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن دقلو كان حليفًا وثيقًا للإمارات، وخاصة للشيخ منصور بن زايد آل نهيان، ثالث أقوى رجل في الدولة ومالك نادي مانشستر سيتي. ووفقًا للصحيفة، قالت الاستخبارات الأمريكية إن الشيخ منصور أرسل طائرات مسيّرة وأسلحة إلى السودان تحت غطاء “المساعدات الإنسانية”.
????ما كان المرتزقة الكولومبيون ليصلوا إلى هناك لولا شركة الأمن الإماراتية Global Security Service Group (GSSG) المملوكة للإماراتي محمد حمدان الزعابي. يظهر الزعابي كمدير تنفيذي للشركة على موقعها الإلكتروني،
????فإن تأثير الإمارات في السودان واضح للغاية. يقول إنه قبل دخولهم البلاد، تم أخذُه مع 40 مرتزقًا كولومبيًا آخرين إلى قاعدة قرب أبوظبي ليتعلموا كيفية قيادة الطائرات المسيّرة مثل تلك الموجودة في نيالا. ويضيف أنهم تلقوا تدريبًا على قيادة طائرات بيرقدار التركية الصنع، رغم أن الفيديو الذي شاركه من نيالا يُظهر بوضوح طائرة مسيّرة من طراز CH-95 أو FH-95.
????ويؤكد هذا المرتزق أنه خلال وجودهم في الإمارات، كان التعامل معهم يتم دائمًا بواسطة إماراتيين. وكان الأمر نفسه في القاعدة العسكرية في بوصاصو، حيث مُنعوا من التقاط الصور أو استخدام هواتفهم المحمولة، والتي كانت تُفحَص دوريًا لمنع أي تسريبات للصور.
????كان هذا أحد الأسباب التي دفعت “سيزار” لمغادرة السودان. إذ يقول إنه في بعض الأحيان لا يتم دفع الرواتب لمدة شهر كامل، أو يتم خصم مبالغ من الـ 2,600 دولار التي وُعدوا بها، وأنه إذا اشتكوا، كان كيخانو يخبرهم بأن عليهم المغادرة لكن مع دفع تكاليف الرحلة بأنفسهم. ويؤكد هذا المرتزق أن هذه هي الطريقة التي يُحتجز بها العديد من المرتزقة الكولومبيين فعليًا، حيث يتواجدون هناك فقط من أجل المال أو بسبب ديون يتعيّن عليهم سدادها في كولومبيا.
????ويذكر “سيزار” أيضًا أن كيخانو، ردًا على ما نشرته هذه الوسيلة الإعلامية، اتخذ إجراءات صارمة لمنع التسريبات. فقد أصبح ممنوعًا على الكولومبيين إدخال هواتف بكاميرات إلى السودان، كما يتم تفتيش محادثات الهواتف ومعرض الصور بشكل دوري في بوصاصو لمنع تسريب أي معلومات. كذلك، لا يحصل المرتزقة على نسخ من العقود التي يوقعونها.
????يقول “سيزار”: “هناك الكثير من الأشخاص الذين يريدون المغادرة، لكنهم لا يملكون المال، وكما تعلم، هذا ليس عملًا نزيهًا جدًا، وبالتأكيد ليس عملًا قانونيًا.” لكنه، وبنفس القدر الذي يرى فيه أشخاصًا يغادرون، يعرف أيضًا أن هناك العديد من المرتزقة الكولومبيين الآخرين يدخلون السودان لتدريب الأطفال على الحرب.
الجزء 1/6
المرتزقة الكولومبيون يدرّبون أطفالًا جنودًا في السودان
بقلم سانتياغو رودريغيز ألفاريز
“نحن ندرّب الأطفال ليُقتلوا”، يقول “سيزار”. في الصورة التي التقطها ونشرتها منصة La Silla Vacía، يظهر فتيان ممدّدان على أرض السافانا السودانية، يبتسمان للكاميرا ويرفعان علامة النصر بأيديهما. ملامحهما توحي بوضوح أنهما لم يبلغا 18 عامًا بعد. حولهما رجال آخرون ممدّدون على الأرض، بعضهم يصوّب بنادق AK47. في خلفية الصورة، يبرز شخصان يرتديان بزّات عسكرية بلون كريمي. مثل مصوّر الصورة، هما مرتزقة كولومبيون في السودان، مهمتهم تدريب هؤلاء السودانيين على خوض واحدة من أبشع حروب العالم.
حصلت La Silla على الصورة من “سيزار”، الاسم المستعار للجندي الكولومبي السابق الذي التقط هذا المشهد خلال أربعة أشهر قضاها كمرتزق في السودان. فضّل البقاء مجهول الهوية خوفًا من الانتقام، وأكّد أن الفتيين السودانيين اللذين ابتسما له في تلك اللحظة كانا بالفعل طفلين قام هو وغيره من الكولومبيين بتدريبهما.
يقول المرتزق: “أرسلوني كمدرّب في معسكرات التدريب. معسكرات يُجنّد فيها ألف أو ألفان أو حتى ثلاثة آلاف سوداني للتدريب. كان هناك أطفال أعمارهم 10 و11 و12 عامًا. كان هناك أيضًا أشخاص في العشرينات والثلاثينات، لكن الأطفال كانوا كثيرين، كثيرين جدًا”.
يقع معسكر التدريب الذي شهد فيه “سيزار” هذه الحقيقة – والتي وثّقها بالصور ومقاطع الفيديو التي شاركها مع La Silla – جنوب مدينة نيالا، عاصمة إقليم جنوب دارفور والقلعة العسكرية لمليشيا الدعم السريع في السودان. هذه الجماعة المسلحة أشعلت حربًا أهلية في البلاد منذ عام 2023، وهي من قامت بتجنيد الطفلين اللذين ظهرا في الصورة.
ارتكبت مليشيا الدعم السريع (الجنجويد) أسوأ الجرائم خلال هذه الحرب، بما في ذلك التطهير العرقي في إقليم دارفور والتجنيد القسري للأطفال، كما وثّقته منظمات دولية ووسائل إعلام. الحرب، التي قُتل فيها ما بين 20 ألفًا و150 ألف شخص، تحوّلت أيضًا إلى أخطر أزمة إنسانية في العالم، حيث يعاني نحو 20 مليون إنسان من الجوع، ونزح حوالي 12 مليون قسريًا.
كما كشفت La Silla، فإن أكثر من 300 جندي كولومبي سابق، بعضهم تم خداعه، وصلوا إلى السودان منذ العام الماضي لدعم هذا الطرف عبر عملية عابرة للحدود يقودها مرتزقة يطلقون على أنفسهم اسم “ذئاب الصحراء”.
تُدار هذه العملية بواسطة العقيد المتقاعد في الجيش الكولومبي ألفارو كيخانو، بالشراكة مع شركة أمنية إماراتية تُدعى Global Security Service Group (GSSG). مالك الشركة هو محمد حمدان الزعابي، وهو إماراتي يتمتع بعلاقات مع دول إفريقية متحالفة مع الإمارات، حيث قدّم أيضًا خدمات “تدريبية”.
وعلى الرغم من التقارير التي تحدّثت عن وجود هؤلاء المرتزقة الكولومبيين في السودان وتصريحات الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو التي نفى فيها ذلك، إلا أن العملية العابرة للحدود ما زالت مستمرة. واليوم، أصبح الكولومبيون متورطين في جريمة حرب: تجنيد الأطفال وتدريبهم على القتال.
الجزء 2/6
نيالا: حصن الدعم السريع حيث يُدرَّب الأطفال
وصل “سيزار” إلى نيالا في وقت سابق من هذا العام وغادر قبل بضعة أسابيع. لم يذهب إلى السودان تحت ذرائع كاذبة، لكنه أيضًا لم يكن يمتلك كل المعلومات. كان يعلم أنه ذاهب إلى حرب في ذلك البلد، وأنه سيكون في صف مليشيا الدعم السريع (الجنجويد). ومع ذلك، لم يتوقع أن يقوم بتدريب الأطفال، وهو أمر بدا له دائمًا “قبيحًا”، لكنه فعله مقابل الراتب الذي كان يتقاضاه.
يقول “سيزار”: “كنا نتحدث أنا ورفاقي هناك دائمًا: ‘ما أتعس هؤلاء الأطفال.’ لأنهم يُقتلون بسرعة على الجبهة”. ومع ذلك، كان ذلك الشعور يمتزج بعقلية أكثر قسوة وبراغماتية: “حان وقت تدريبهم؛ للأسف، هكذا هي الحرب”.
منذ أن ترك المدرسة في كولومبيا، كان “سيزار” جنديًا طوال حياته. خدم بضع سنوات في الجيش الكولومبي، ثم انضم إلى الجيش الأوكراني كمرتزق للقتال في الحرب ضد روسيا، حيث خدم في الخطوط الأمامية عدة مرات. لكنه، بعد أن شاهد العديد من الكولومبيين يسقطون قتلى في المعارك، قرر المغادرة. أيضًا لأن أحد معارفه أخبره بوجود عمل كمرتزق في إفريقيا، وهو بالنسبة له لا يعني قسوة الجبهة الأوكرانية. يقول: “بحثت قليلًا على الإنترنت عن مليشيا الدعم السريع. عرفت ما يحدث، وبالطبع، كنت عائدًا من أوكرانيا وأحتاج إلى العمل أيضًا”. وبحسب قوله، فإن العديد من الجنود الكولومبيين السابقين غادروا الحرب في أوكرانيا وذهبوا إلى السودان بحثًا عن جبهة أقل صعوبة.
كانت المهمة الرئيسية التي قام بها “سيزار” أثناء وجوده في السودان هي العمل الأمني في مدرج مطار نيالا. يقول المرتزق: “إذا استولوا على ذلك المدرج، فإن الجميع هناك سيكونون في عداد المفقودين”. وبفضل هذا المدرج، يتمكن المرتزقة الكولومبيون من الطيران من وإلى بوصاصو، وهو ميناء في الصومال تسيطر عليه الإمارات ويُعد محورًا أساسيًا لهذه العملية. كما تصل الأسلحة والإمدادات وكل شيء آخر عن طريق الطائرات عبر هذا الخط.
في هذا الفيديو الذي سجّله “سيزار”، تظهر طائرة وهي تهبط على مدرج مطار نيالا. وأكد تحليل تحديد الموقع الجغرافي للفيديو، الذي أجرته منصة La Silla، أن المشهد بالفعل من مطار نيالا. فالجبال التي تظهر في خلفية الفيديو تتطابق مع الصور الفضائية للمطار المتاحة على Google Earth.
تكمن أهمية هذا المدرج أيضًا في دوره الهجومي في حرب السودان. فمنه تُقلع الطائرات المسيّرة، وهي طائرات ضخمة عالية التقنية، لتنفيذ عمليات استخباراتية وشنّ غارات على مدن سودانية مثل الفاشر والخرطوم وبورتسودان.
وفي فيديو آخر صُوِّر على المدرج بعد غارة جوية شنّها الجيش السوداني، ظهرت طائرة مسيّرة صينية الصنع من طراز CH-95 أو FH-95. كما يُظهر الفيديو جبال نيالا نفسها عندما تتجه الكاميرا نحو الغرب.
الجزء 3/6
لكن قبل أن يتولى مهمة تأمين مدرج مطار نيالا، تم تكليف “سيزار” بالعمل في أحد معسكرات التدريب الأربعة التي يعمل فيها الكولومبيون كمدرّبين، على بُعد عدة كيلومترات من المدينة. وبحسب الموقع الذي حفظه على خرائط جوجل وشاركه مع La Silla، فإن المعسكر الذي تواجد فيه يقع على بعد أكثر من 30 كيلومترًا جنوب نيالا، بالقرب من قرية تُدعى بلبل تمبسكو.
يقول هذا المرتزق إن فترة التدريب عادةً ما تتراوح بين أربعة إلى خمسة أسابيع، من الساعة الثامنة صباحًا حتى الرابعة مساءً، من السبت إلى الخميس، حيث يُعتبر يوم الجمعة يوم راحة. ويضيف أن كل معسكر يمكن أن يضم ما بين 1,000 إلى 3,000 سوداني، ويشرف عليهم ما بين 50 إلى 70 جنديًا كولومبيًا سابقًا كمدرّبين.
ويشرح “سيزار” طبيعة التدريب قائلًا: “يتم منحهم تدريبًا مشابهًا لما هو معروف في كولومبيا، مثل تدريب حرب العصابات. يتم تعليمهم كيفية التعامل مع الأسلحة، سواء البنادق الهجومية أو الرشاشات. كما يحصلون على بنادق Dragunov للقناصة ويتعلمون كيفية استخدام قاذفات RPG (قذائف الصواريخ). يتم تعليمهم إطلاق النار وفك وتركيب جميع هذه الأنواع من الأسلحة. وبعد ذلك، يتم إرسالهم إلى الجبهة”.
الجزء 4/6
يشير جان-باتيست غالوبان، الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش الذي يتابع الحرب في السودان عن كثب، إلى أن تجنيد واستخدام الأطفال دون سن الخامسة عشرة يُعدّ جريمة حرب يحميها القانون الإنساني الدولي. علاوة على ذلك، فإن كلًا من كولومبيا والسودان قد صادقتا على البروتوكول الاختياري المتعلق بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، والذي يحظر تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة في أي ظرف من الظروف.
وقال غالوبان لـ La Silla حول هذه القضية: “كولومبيا عضو في المحكمة الجنائية الدولية، لذا يجب أن تكون مستعدة لملاحقة أي شخص يتم تحديد هويته ككولومبي في تجنيد الأطفال واستخدامهم، أو في المساعدة والتحريض على هذه الجريمة”. وهذا يعني أن النظام القضائي الكولومبي العادي يمكنه محاكمة الأفراد المتورطين في تجنيد القُصّر، مستندًا إلى مبدأ عالمية جرائم الحرب.
ويقول جاستن لينش، الباحث الأمريكي الذي يتابع الحرب في السودان عن كثب ومدير مجموعة Conflict Insights Group: “ليس مفاجئًا أن يتم تدريب أطفال جنود على يد هؤلاء المرتزقة. فقد زادت مليشيا الدعم السريع (الجنجويد) في الأشهر الأخيرة من عمليات التجنيد القسري للأطفال لأنها تعاني نقصًا في القوات النظامية. لقد هددوا بمهاجمة القرى التي لا ترسل رجالًا وأطفالًا للانضمام إلى المليشيا في جميع أنحاء دارفور”.
يتفق “سيزار” جزئيًا مع هذا الكلام، إذ يقول إن عدد القتلى في المعارك ازداد بشكل كبير في الأشهر الأخيرة لدى الطرفين. ويضيف: “الأمر يتعلق بـ100 أو 200 أو 300 قتيل. هؤلاء الناس هناك لا يعرفون القتال؛ يطلقون دفعات من الرصاص ويقفون في الميدان مكشوفين تمامًا”. يظهر نقص تدريبهم وظروفهم السيئة بوضوح في الصور التي تُظهر السودانيين أثناء التدريب وهم يرتدون الصنادل والبلوزات الرياضية وقمصان فرق كرة القدم القديمة.
ويضيف المرتزق: “عندما بدأ عدد القتلى المحليين بالارتفاع، عندها قالوا إنهم يفتقرون للتدريب، وهنا بدأوا ببناء معسكرات التدريب هذه لتقليل الخسائر المحلية”. حتى الآن، لم يتكبّد المرتزقة الكولومبيون نفس حجم الخسائر والإصابات، جزئيًا لأنهم يعملون بشكل أكثر احترافية. ومع ذلك، فقد صدّ الجيش السوداني مؤخرًا هجومًا في الفاشر أسفر عن مقتل كولومبي واحد.
ويقول “سيزار”: “كنا نفكر أيضًا: نحن هنا الآن، يجب أن ندرّبهم. إذا لم ندرّبهم، فسيُقتلون بسهولة. كانوا يقولون إن الأمر قبيح وسيئ بالطبع. حتى أنني أصبحت صديقًا مقرّبًا لبعض هؤلاء الأطفال. بعد 20 يومًا من تدريبهم، بدأوا يحبّونك”.
الجزء 5/6
وراء العملية: سوداني وإماراتي وكولومبي
على الرغم من تورّط المرتزقة الكولومبيين وعناصر مليشيا الدعم السريع (الجنجويد) في نيالا في تجنيد وتدريب القُصّر، إلا أنهم لا يتحركون بمفردهم. يعمل المرتزقة الكولومبيون مقابل أجر تدفعه شركة كولومبية تقوم بتجنيد عسكريين سابقين لصالح شركة إماراتية، بهدف إرسال قوات دعم لمليشيا الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو.
يُعرف دقلو، أو “حميدتي”، بأنه أحد الجنرالين اللذين نفذا انقلاب 2021 في السودان، ما جعله الرجل الثاني في الحكومة السودانية آنذاك. لكن في عام 2023، قاد انقلابًا آخر مع مليشيا الدعم السريع ضد حليفه السابق، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي أصبح اليوم القائد العام ورئيس السودان العسكري.
وعلى الرغم من أنه لم يلتقِ به قط، يقول “سيزار” إن شخصية حميدتي كانت حاضرة في كل مكان. كان يتبادل الرسائل مع قادته الميدانيين، والجميع كانوا يتحدثون دائمًا عن “محمد”. ويضيف أن حميدتي كان بمثابة شخصية “مقدسة” بين أتباعه: “كانوا يجبرونهم على وضع صورة ذلك الرجل في حساباتهم على واتساب”، يقول “سيزار” عن دقلو.
لكن بالنسبة لهذا المرتزق، فإن السودانيين ما كانوا ليصلوا إلى هذه المرحلة لولا المال الإماراتي. فقد أظهر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن دقلو كان حليفًا وثيقًا للإمارات، وخاصة للشيخ منصور بن زايد آل نهيان، ثالث أقوى رجل في الدولة ومالك نادي مانشستر سيتي. ووفقًا للصحيفة، قالت الاستخبارات الأمريكية إن الشيخ منصور أرسل طائرات مسيّرة وأسلحة إلى السودان تحت غطاء “المساعدات الإنسانية”.
كما أن كولومبيا نفسها تتمتع بعلاقة متنامية مع الإمارات. فعلى مدى ثلاث إدارات متتالية، أصبحت الروابط التجارية والاستراتيجية مع هذه المملكة أقوى فأقوى. لسنوات، جرى توظيف جنود كولومبيين سابقين لتأمين البنية التحتية للطاقة في الإمارات. كما استُخدم صندوق استثماري مملوك للعائلة الحاكمة في الإمارات من قبل عائلة غيلينسكي لتنفيذ عروض استحواذ ضد مجموعة Grupo Empresarial Antioqueño. وفي عهد الرئيس بيترو، على سبيل المثال، أصبحت الإمارات الحليف الرئيسي في بناء مركز للبيانات والذكاء الاصطناعي في سانتا مارتا.
وفي السودان، ما كان المرتزقة الكولومبيون ليصلوا إلى هناك لولا شركة الأمن الإماراتية Global Security Service Group (GSSG) المملوكة للإماراتي محمد حمدان الزعابي. يظهر الزعابي كمدير تنفيذي للشركة على موقعها الإلكتروني، ويظهر اسمه كمالك للشركة في الوثائق القانونية والشهادات الحكومية التي حصلت عليها La Silla.
الزعابي رجل قليل الظهور إعلاميًا، لكنه ترك بصمته في عدد قليل من المنشورات على الإنترنت. فقد ورد اسمه في مقال نشرته نيويورك تايمز عام 2019، ذكر أنه كان مالكًا لشركة تنتج دعاية ضد الاحتجاجات المدنية في السودان آنذاك ولصالح الجيش. وكانت تلك الشركة تعمل من Twofour54، وهي منطقة إنتاج سمعي بصري مملوكة للحكومة الإماراتية في أبوظبي.
ومن العلامات الأخرى على نفوذ الزعابي في إفريقيا، منشور صادر عن قوات الدفاع الشعبية الأوغندية (UPDF)، وهي الجيش الأوغندي. في ذلك المنشور، يُشار إليه بالفعل كمدير تنفيذي لشركة GSSSG، ويظهر في صورة وهو يقف بجانب القائد العام للجيش الأوغندي. ويشكر المنشور الزعابي على عمله، قائلًا: “نقدّر العلاقات الثنائية القوية بين أوغندا والإمارات العربية المتحدة، ونعرب عن امتناننا لشركة GSSSG لدعمها قوات الدفاع الشعبية الأوغندية، خاصة في مجال التدريب”.
الجزء 6/6
بحسب “سيزار”، فإن تأثير الإمارات في السودان واضح للغاية. يقول إنه قبل دخولهم البلاد، تم أخذُه مع 40 مرتزقًا كولومبيًا آخرين إلى قاعدة قرب أبوظبي ليتعلموا كيفية قيادة الطائرات المسيّرة مثل تلك الموجودة في نيالا. ويضيف أنهم تلقوا تدريبًا على قيادة طائرات بيرقدار التركية الصنع، رغم أن الفيديو الذي شاركه من نيالا يُظهر بوضوح طائرة مسيّرة من طراز CH-95 أو FH-95.
ويؤكد هذا المرتزق أنه خلال وجودهم في الإمارات، كان التعامل معهم يتم دائمًا بواسطة إماراتيين. وكان الأمر نفسه في القاعدة العسكرية في بوصاصو، حيث مُنعوا من التقاط الصور أو استخدام هواتفهم المحمولة، والتي كانت تُفحَص دوريًا لمنع أي تسريبات للصور.
تكشف تحقيقات La Silla ووسائل الإعلام والوكالات الدولية أن ارتباط الإمارات بهذه العملية يتجاوز مجرد شركة إماراتية تستأجر مرتزقة. فالدوافع الإماراتية تتراوح بين مصالح اقتصادية بحتة، مثل السيطرة على مناجم الذهب السودانية، وأخرى ذات طابع أيديولوجي.
وأخيرًا، يشير التقرير إلى شخصية محورية أخرى مسؤولة عن تدريب الأطفال على القتال، وهو العقيد المتقاعد في الجيش الكولومبي ألفارو كيخانو، الذي يعيش في الإمارات ويمارس الأعمال مع شركة GSSG منذ سنوات، حيث يقوم بتوظيف جنود كولومبيين سابقين كمرتزقة. كانت الشركة في البداية تتعاقد لنقل الجنود فقط إلى الإمارات، لكنها ركزت منذ العام الماضي على السودان.
زوجة كيخانو، كلوديا فيفيانا أوليفيروس، هي المالكة الرسمية للشركة الكولومبية A4SI. تظهر باسمها في سجلات غرفة تجارة بوغوتا، لكن وفقًا لجميع المصادر التي تحدثت إليها La Silla، فإن الرأس الحقيقي لهذه العملية هو كيخانو نفسه. وهو أيضًا الشخص الذي يحمّله جميع المرتزقة مسؤولية عدم دفع كامل الأموال التي وُعدوا بها.
كان هذا أحد الأسباب التي دفعت “سيزار” لمغادرة السودان. إذ يقول إنه في بعض الأحيان لا يتم دفع الرواتب لمدة شهر كامل، أو يتم خصم مبالغ من الـ 2,600 دولار التي وُعدوا بها، وأنه إذا اشتكوا، كان كيخانو يخبرهم بأن عليهم المغادرة لكن مع دفع تكاليف الرحلة بأنفسهم. ويؤكد هذا المرتزق أن هذه هي الطريقة التي يُحتجز بها العديد من المرتزقة الكولومبيين فعليًا، حيث يتواجدون هناك فقط من أجل المال أو بسبب ديون يتعيّن عليهم سدادها في كولومبيا.
ويذكر “سيزار” أيضًا أن كيخانو، ردًا على ما نشرته هذه الوسيلة الإعلامية، اتخذ إجراءات صارمة لمنع التسريبات. فقد أصبح ممنوعًا على الكولومبيين إدخال هواتف بكاميرات إلى السودان، كما يتم تفتيش محادثات الهواتف ومعرض الصور بشكل دوري في بوصاصو لمنع تسريب أي معلومات. كذلك، لا يحصل المرتزقة على نسخ من العقود التي يوقعونها.
ومن جانب آخر، قامت الشركة أيضًا بتغيير اسمها ليصبح Fénix. وهناك شركة أخرى مرتبطة بهذه العملية تُدعى Global Staffing SA ومسجّلة في بنما. هذه الشركة مرتبطة مباشرة بكيخانو إلى درجة أن وصف الشركة على موقعها الإلكتروني يتطابق مع وصف A4SI، بل إن نفس الصفحة لا تزال تنشر عروض عمل لـ”وظائف أمنية” في إفريقيا.
يقول “سيزار”: “هناك الكثير من الأشخاص الذين يريدون المغادرة، لكنهم لا يملكون المال، وكما تعلم، هذا ليس عملًا نزيهًا جدًا، وبالتأكيد ليس عملًا قانونيًا.” لكنه، وبنفس القدر الذي يرى فيه أشخاصًا يغادرون، يعرف أيضًا أن هناك العديد من المرتزقة الكولومبيين الآخرين يدخلون السودان لتدريب الأطفال على الحرب.

Yousif Kamil Amin

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: لملیشیا الدعم السریع ملیشیا الدعم السریع معسکرات التدریب الجیش السودانی القسری للأطفال تجنید الأطفال تدریب الأطفال عابرة للحدود إلى السودان هذه العملیة فی کولومبیا فی الإمارات ا کولومبی ا التعامل مع على القتال فی السودان إماراتیة ت هذا المدرج حمیدتی کان ب الأطفال لیس عمل ا یقول إنه کان هناک فی تجنید أیض ا أن ومع ذلک أطفال ا یقول إن أشخاص ا تدریب ا ما بین حرب فی دائم ا ما کان جندی ا فی ذلک سابق ا التی ت التی ی

إقرأ أيضاً:

عطل فني يوقف شبكة الاتصالات في دمشق وحلب

عطل فني يوقف شبكة الاتصالات في دمشق وحلب

مقالات مشابهة

  • صحفي سوداني يطرح خطة إعلامية لفضح ممارسات المرتزقة الأجانب في السودان والدول الممولة لها
  • خطة إعلامية ودبلوماسية عاجلة للتعامل مع ملف المرتزقة الأجانب في السودان
  • فكرة عابرة..!
  • تحذيرات من تعرض مئات آلاف الأطفال في السودان للجوع
  • ماليزيا تتوسط لعقد اجتماع حدودي بين كمبوديا وتايلاند
  • كتلة حضرموت تطالب بإنشاء محطة كهربائية بقدرة 500 ميجا وات وتجنيد 40 ألف
  • عقاد بن كوني: نحيي قوات درع السودان التي واصلت التقدم بثبات حتى وصلت إلى إقليم كردفان
  • عطل فني يوقف شبكة الاتصالات في دمشق وحلب
  • القمع العابر للحدود من أكواد الإرهاب إلى النشرات الحمراء