في قطاع غزة حيث تحوّل الخبز إلى أمنية، والماء النقي إلى غنيمة، وحياة الأطفال إلى سباق يومي محموم ضد الجوع، تعيش آلاف العائلات على حافة الفناء الإنساني. ليست الحرب وحدها هي ما يسحق سكان غزة، بل استمرار الحصار، وانهيار النظام، وتواطؤ الصمت الدولي.

عائلة صبح ليست استثناء، بل نموذجا لأم تُرضع طفلتها حساء من العدس، ولأب مصاب بالرصاص والإرهاق، ولأطفال يحملون قناني الماء بدل الحقائب المدرسية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إضراب محمود بصل عن الطعام.. حين يحتجّ الجائع بالجوع في غزةlist 2 of 2إسماعيل أبو دان.. هداف فقد حياته أثناء انتظاره المساعدات الإنسانية في غزةend of list

خيارات أحلاها مرّ

ففي تقرير ميداني مؤثر نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية، ينقل الصحفيان وفاء الشرافي وسامي مجدي شهادة حية من قلب المجاعة المتفاقمة في قطاع غزة، من خلال سرد تفاصيل يومية لحياة عائلة صبح، التي تحولت إلى صراع يومي من أجل البقاء. ليس في غزة ما يشبه الحياة، بل هناك فقط إصرار عنيد على ألا تموت.

فحتى بعد أن استؤنف دخول المساعدات في مايو/أيار، إلا أنها لم تفِ بالكميات المطلوبة، وسط استمرار الفوضى وتخزين المساعدات أو بيعها بأسعار خيالية.

تقول الصحيفة إن فادي وعبير وأطفالهما الستة يعيشون في خيمة على ساحل غزة بعد أن نزحوا مرات عديدة. في كل صباح، يستيقظ الزوجان على السؤال الوجودي ذاته: كيف لهما أن يؤمِّنا طعاما لهما ولأطفالهما؟

فما بين مطبخ خيري (تكية) لا يقدّم سوى حساء من العدس ولا يفتح إلا نادرا، والتدافع وسط الجموع الجائعة نحو شاحنات مساعدات لعلّهما يحصلان على حفنة من الدقيق، وتسول لا يكاد يسد الرمق، يصبح الجوع سيد الموقف.

عندما تبوء كل محاولات الزوجين بالفشل، فإن العائلة ببساطة لا تحصل على ما يسد رمقها في ذلك اليوم. وهذا الوضع بات يتكرر بوتيرة متزايدة

وعندما تبوء كل محاولات الزوجين بالفشل، فإن العائلة ببساطة لا تحصل على ما يسد رمقها في ذلك اليوم. وهذا الوضع بات يتكرر بوتيرة متزايدة، في وقت يستنزف فيه الجوع طاقاتهم وأملهم في الحياة.

يوم واحد بـ100 يوم

يستفيق أفراد العائلة في خيمة حرارتها لا تُطاق صيفا، كما يقول فادي صبح، البالغ من العمر 30 عاما ويعمل بائعا متجولا. ومع شحّ المياه العذبة، تضطر عبير (29 عاما) إلى جلب مياه البحر من الشاطئ.

إعلان

وفي مشهد يومي، يقف الأطفال داخل حوض معدني واحدا تلو الآخر بينما تسكب عبير الماء المالح فوق رؤوسهم. الطفلة هالة، التي لم تتجاوز 9 أشهر من العمر، تبكي جراء حرقة عينيها من الملح، بينما يتحمل أشقاؤها الآخرون بصمت.

صورة مركبة تظهر الطفل الفلسطيني فادي الزنط وهو ينظر إلى وجهه قبل معاناته من سوء التغذية في صورة غير مؤرخة (يسار) والزنط مستلقيا على سرير بعد إصابته بسوء التغذية في مستشفى كمال عدوان (رويترز)

وبعد أن تفرغ من ترتيب الفُرش وتنظيف أرضية الخيمة من الرمال، تخرج عبير لتتنقل في الشوارع لتسول الطعام لدى المارة أو الجيران لتُطعم به أطفالها. وقد تكون الحصيلة عدسا وأحيانا تعود إلى الخيمة بلا شيء.

أما فادي فهو مريض بالصرع وأُصيب في ساقه الشهر الماضي برصاص الجيش الإسرائيلي خلال محاولته الحصول على الغذاء من شاحنة مساعدات، بيد أنه لم يعد قادرا على خوض غمار الزحام، فبات يكتفي بالتوجه إلى مطبخ خيري قريب برفقة أطفاله لعله يجد عنده حفنة طعام.

الوالد يقول إن الطعام هناك نادر، فالمطبخ لا يفتح إلا مرة في الأسبوع، ولا يكفي للجميع. وغالبا ما يعود منه صفر اليدين، فينام أطفاله جائعين

ويقول فادي إن الطعام هناك نادر، فالمطبخ لا يفتح إلا مرة في الأسبوع، ولا يكفي للجميع. وغالبا ما يعود منه صفر اليدين، فينام أطفاله جائعين.

وفي الوقت نفسه، تخرج عبير برفقة أبنائها الأكبر سنا -يوسف (10 أعوام)، محمد (9 أعوام)، وملك (7 أعوام)- حاملين قناني بلاستيكية لتعبئتها من شاحنة مياه عذبة آتية من محطة تحلية في وسط القطاع.

يحاول الأطفال حمل القناني (الجراكن) الثقيلة قدر استطاعتهم؛ حيث يحمل يوسف واحدة على ظهره، ومحمد يجرّ أخرى جرّا، في حين ينحني جسده الصغير جانبا كي لا تلامس القنينة الأرض.

الصحيفة: قصة هذه العائلة ليست سردا لرواية بل شهادة دامغة على الكارثة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، حيث الجوع لا يطرق الباب بل يقتحمه، وحيث الحياة أصبحت مسألة صراع يومي لا ينتهي من أجل البقاء على قيد الحياة

 

البحث عن الحطب والتسول

أحيانا، تتجه عبير إلى نقطة توزيع المساعدات في منطقة زيكيم، برفقة يوسف. الحشود هناك معظمها من الرجال، وهم أسرع وأقوى منها ومن أطفالها. تقول: "أحيانا أتمكن من الحصول على الطعام، لكن في كثير من المرات أعود خالية الوفاض".

وحين تفشل، تناشد من حصلوا على شيء: "أنتم نجوتُم بفضل الله، أعطوني أي شيء". وغالبا ما تستجيب بعض القلوب الرحيمة، فتمنحها القليل من الطحين.

حين تفشل الأم في الحصول على أي شيء عند مركز التوزيع، تناشد من حصلوا على ذلك: "أنتم نجوتُم بفضل الله، أعطوني أي شيء". وغالبا ما تستجيب بعض القلوب الرحيمة، فتمنحها القليل من الطحين

في ساعات الظهيرة الحارقة، يظل الأطفال داخل الخيمة أو بجوارها. الوالدان يفضلان أن يناما خلال الحر، كي لا يستهلكا طاقة في الجري أو يشعرا بالجوع والعطش أكثر.

ومع انكسار حرارة الشمس، يخرج الأطفال. أحيانا ترسلهم عبير للتسوّل، وأحيانا أخرى يبحثون بين أنقاض المباني والقمامة عن أي شيء يمكن استخدامه وقودا للطهو.

خلاصة القول ومنتهاه إن هذا التقرير ليس مجرد قصة عائلة واحدة، بل شهادة دامغة على الكارثة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، حيث الجوع لا يطرق الباب بل يقتحمه، وحيث الحياة أصبحت مسألة صراع يومي لا ينتهي من أجل البقاء على قيد الحياة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات تجويع غزة فی قطاع غزة أی شیء

إقرأ أيضاً:

الصحة بغزة تعلن نشر كشوفات أسماء الشهداء الفلسطينيين منذ بدء العدوان

الثورة نت/وكالات أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة اليوم الإثنين عن نشر الكشوفات المحدثة بأسماء الشهداء الذين ارتقوا نتيجة العدوان المستمر على القطاع، وذلك حتى تاريخ 31 يوليو 2025. وقالت الوزارة في تقرير لها ،اليوم الاثنين، : إن الكشوفات تضمنت كشف بأسماء كافة الشهداء وآخر بأسماء الشهداء من الأطفال وثالث بأسماء الشهداء من النساء. وأوضحت أن إجمالي عدد الشهداء بلغ 60,199 شهيدا فيما بلغ عدد الشهداء من الأطفال: 18,430 (بنسبة 30.8%)وعدد الشهداء من النساء: 9,735 (بنسبة 16.1%)و من كبار السن: 4,429 (بنسبة 7.3%) وجددت وزارة الصحة التزامها بتوثيق كافة الشهداء وتحديث الكشوفات بشكل دوري.

مقالات مشابهة

  • الصحة بغزة تعلن نشر كشوفات أسماء الشهداء الفلسطينيين منذ بدء العدوان
  • الصحة: تسجيل 3 وفيات بمتلازمة "غيلان باريه" بغزة
  • وفاة رضيع بغزة نتيجة الجوع وسوء التغذية
  • سيناريو ساعة بساعة.. ماذا يحدث لو داهمتك المجاعة في حجرتك؟
  • مأساة دلجا تتصاعد بإيداع الأم مستشفى العباسية وكشف مبيد في الطعام
  • صحف عالمية: البحث عن طعام قاتل كما الجوع بغزة ومفتاح الحل مع ترامب
  • استشهاد فتى فلسطيني بسبب الجوع وسوء التغذية بغزة
  • شؤون العشائر بغزة تؤكّد رفضها آلية المساعدات الأميركيّة الإسرائيليّة
  • مدير الإعلام الحكومي بغزة: القطاع دخّل المرحلة الثالثة من الجوع