تونس- منذ دخوله حيز التنفيذ، تحول المرسوم 54 -ولا سيما فصله 24 المتعلق بالحريات- إلى أحد أكثر القوانين إثارة للجدل في تونس، بعد أن تسبب في ملاحقة وسجن عشرات الصحفيين والمواطنين بسبب تدوينات أو تصريحات إعلامية.

واليوم، يجد المرسوم نفسه مجددا تحت مجهر الجدل السياسي والحقوقي، مع تقديم نواب من كتل مختلفة مبادرة لتعديله وإلغاء أكثر فصوله إثارة للانتقاد، في ظل ضغوط متزايدة من الشارع والمنظمات الحقوقية لإيقاف ما يوصف بأنه تضييق على حرية التعبير.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 228 طفلا يستشهدون في غزة يوميا جراء القصف والتجويعlist 2 of 2مليونا لاجئ في خطر مع تراجع التمويل الطارئ في أوغنداend of list

وفق نسخة التعديل التي حصلت عليها الجزيرة نت، يرى أصحاب المبادرة أن المرسوم 54 المتعلق بمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال يحتوي على عوائق قانونية تتعارض مع الفصل 55 من الدستور، الذي يمنع الرقابة المسبقة ويقنن إجراءات التنصت العشوائي.

ويعتبر مقدمو المبادرة أن المرسوم الحالي يمسّ جوهر الحريات، ويتدخل في اختصاصات المرسوم 115 الخاص بحرية الصحافة والنشر، كما يمنح السلطة التنفيذية مجالا واسعا لتتبع الصحفيين وفق قوانين وصفت بـ"التعسفية"، بما يتيح لها الالتفاف على المراسيم المنظمة للقطاع الإعلامي.

أما العوائق العملية، فتمثلت في خطورة استغلال المرسوم لتصفية حسابات سياسية مع المعارضين وأصحاب الرأي المخالف، وفق توصيف عدد من المراقبين. ولهذا السبب، يطالب أصحاب المبادرة بإلغاء الفصل 24 وتعليقه إلى حين اعتماد تنقيح جديد، معتبرين أن الجرائم المنصوص عليها فيه موجودة بالفعل في المراسيم القانونية النافذة مثل مرسوم الصحافة والمجلة الجزائية.

رئيس لجنة الحقوق والحريات يؤكد جدية المبادرة وتمسكه باستعجال النظر فيها (الجزيرة)دوافع المبادرة

ويؤكد محمد علي رئيس لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب وأحد المبادرين، للجزيرة نت، أن المرسوم 54 "أصبح عبئا على المناخ العام السياسي والحقوقي، وليس على المعارضين فقط"، معتبرا أنه السبب المباشر في جميع الإشكاليات المرتبطة بالحريات، بما في ذلك سجن الصحفيين وعدد من المواطنين.

إعلان

وأشار علي إلى أن التزام تونس باتفاقية بودابست الدولية المتعلقة بأنظمة المعلومات شكل دافعا مباشرا لطرح مشروع التعديل مجددا على مجلس النواب، لاحتواء المرسوم على تناقضات قانونية لا تنسجم مع الدستور والمواثيق الدولية.

وشدد رئيس اللجنة على جدية المبادرة وتمسكه باستعجال النظر فيها، لكنه أقر بوجود تردد من السلطة الرسمية التي "لم تصل بعد إلى قناعة حقيقية بضرورة تعديل البنود المثيرة للجدل".

أما المحامي والناشط السياسي عبد الرزاق الخلولي، المعروف بقربه من توجهات الرئيس قيس سعيد، فيرى أن المبادرة مطلوبة من حيث المبدأ لكنها "فضفاضة وتفتقر إلى الجدية"، إذ لم تتجه لتحسين صياغة الفصل 24 أو ضبط تطبيقاته، واختارت الحل الأسهل وهو الحذف.

ويعتبر الخلولي، في حديثه للجزيرة نت، أن "مجرد التلويح بالحذف يعكس صعوبة تنقيح المرسوم عمليا"، متوقعا أن يبقى المشروع معلقا داخل أروقة البرلمان وربما دون مصادقة حتى الانتخابات التشريعية المقبلة.

نقيب الصحفيين زياد دبار: التوافق السياسي والمدني في تونس يصب في اتجاه تعديل هذا المرسوم (الجزيرة)قضايا الرأي تحت الضغط

من جهته، اعتبر نقيب الصحفيين التونسيين زياد دبار أن السلطة التنفيذية الحالية هي "أكبر المستفيدين من مناخ الحرية الذي أتاحه مرسوم 115″، لكنها في المقابل تستخدم المرسوم 54 لمعاقبة الصحفيين. وأكد للجزيرة نت أن المرسوم طبق حصريا تقريبا في "قضايا الرأي"، وأن الفصل 24 "لا يمت للواقع بصلة ويتعارض مع الدستور والمواثيق الدولية".

وأشار دبار إلى أن التوافق السياسي والمدني في تونس يصب في اتجاه تعديل هذا المرسوم لما يمثله من خطر على الساحة السياسية والحريات العامة. كما انتقد ما وصفه بـ"الازدواجية القانونية" من خلال تطبيق قوانين قديمة تعود إلى عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، معتبرا ذلك تناقضا صارخا مع خطاب السلطة الحالي.

وأضاف أن الوضع بلغ مرحلة "السراح الشرطي"، إذ بات تطبيق القانون أحيانا بأثر رجعي، وخلص إلى أن تعطيل هذا النوع من التشريعات مقابل تمرير القروض بشكل آلي يعكس عجز السلطة عن إقناع المواطنين.

صورة من مسودة التعديل التي قدمها النواب (الجزيرة)ضغوط دولية متزايدة

لم تتوقف الانتقادات عند الداخل التونسي، إذ وجهت منظمات حقوقية دولية انتقادات متكررة لتطبيقات المرسوم 54. وأصدرت منظمة العفو الدولية قبل أيام بيانا دعت فيه إلى الإفراج عن السجناء السياسيين ووقف "تدهور أوضاع حقوق الإنسان في تونس"، مؤكدة أن الوضع الحالي يبعث رسائل سلبية إلى المجتمع الدولي حول مسار الحريات في البلاد.

وبين جدية المبادرة وحذر السلطة التنفيذية، يظل مستقبل المرسوم 54 معلقا بين أروقة البرلمان، في حين تستمر الضغوط الحقوقية والسياسية داخليا وخارجيا لإنهاء الجدل حول أكثر فصوله إثارة للجدل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات حريات أن المرسوم المرسوم 54 فی تونس

إقرأ أيضاً:

مبادرة "هاوي" تُمكّن 244 متقدمًا للاستفادة من ممكنات المراكز الأرصادية والتدريبية

شهدت مبادرة هاوي التابعة للمركز الوطني للأرصاد إقبالًا واسعًا من مختلف مناطق المملكة، وبلغ عدد المتقدمين 244 متقدمًا للاستفادة من الممكنات التقنية والتدريبية التي يوفرها المركز ضمن برنامج تمكين الهواة في مجالات الطقس والمناخ.

وجاء إطلاق المبادرة استجابةً للتنامي المتزايد في اهتمام أفراد المجتمع بمتابعة الطقس والظواهر الجوية، إذ عمل المركز منذ بداية الفكرة على تصميم مبادرة نوعية تُنظّم جهود الهواة وتحوّل شغفهم إلى مسار علمي مُعزّز بالمهارات، من خلال إتاحة برامج تدريبية متخصصة، وورش عمل، وفرص للتفاعل مع الأنظمة التقنية الحديثة, بإشراف خبراء المركز؛ بهدف بناء قاعدة معرفية تدعم منظومة الأرصاد، وتوسّع دائرة الوعي المجتمعي.

وفي سياق الإقبال على المبادرة، جاء مجال الرصد والتوقعات الجوية في صدارة اهتمامات المتقدمين بـ(132) مشاركًا، مع تنوع ملحوظ في بقية المسارات، فيما تصدّرت منطقة مكة المكرمة قائمة المناطق الأكثر انضمامًا بـ(79) هاويًا، في مؤشر يعكس تزايد الوعي والمعرفة لدى الهواة، والدور الذي تقدمه المبادرة في تمكينهم وتطوير قدراتهم العلمية والعملية.

ويأتي هذا الإقبال ليؤكد نجاح المركز الوطني للأرصاد في تعزيز الشراكة المجتمعية، وتمكين المهتمين بالطقس من الإسهام في دعم منظومة الرصد والتنبؤ والتوعية، بما ينسجم مع مساعي المركز نحو بناء مجتمع أكثر استعدادًا وفهمًا للظواهر الجوية والتغيرات المناخية.

قد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • مرسوم بقانون اتحادي بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون اتحادي في شأن مجهولي النسب
  • تونس.. السجن 12 عاماً لرئيسة الحزب الحر الدستوري «عبير موسي»
  • انطلاق «مبادرة بالعربي 13» احتفاء باليوم العالمي للغة العربية
  • مرسوم بقانون اتحادي يجيز نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة غير البشرية وفق شروط
  • في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. ما هو وضعها في تونس؟
  • في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. أي وضع حقوقي في تونس؟
  • في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. تونس والجزائر تواجهان تراجعًا خطيرًا في الحريات والحقوق المدنية
  • مبادرة رواد النيل تدعم طلاب التعليم الفني في الشرقية
  • أبوظبي للدفاع المدني تُطلق مبادرة التوعية المستمرة بمجالات السلامة العامة
  • مبادرة "هاوي" تُمكّن 244 متقدمًا للاستفادة من ممكنات المراكز الأرصادية والتدريبية