ذبح واغتصاب وخطف.. تحقيق يكشف فظاعات بمخيم للنازحين في دارفور
تاريخ النشر: 7th, August 2025 GMT
كشفت صحيفة غارديان البريطانية في تحقيق استقصائي موسع عن وقوع واحدة من أفظع المجازر بالسودان، حيث يُعتقد أن أكثر من 1500 مدني قُتلوا خلال هجوم شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور خلال أبريل/نيسان الماضي.
وفي التحقيق، روى النازحون في المخيم لمراسل الصحيفة مارك تاونسند جوانب من الفظائع التي ارتكبها مقاتلو قوات الدعم السريع، وقالت إحدى الناجيات من المجازر "ذبحونا مثل الحيوانات".
ويوثق التحقيق -الذي يستند إلى شهادات ناجين ومصادر ميدانية- عمليات إعدام جماعي واغتصاب وخطف واسع النطاق استمر على مدى 72 ساعة.
ورجّحت لجنة محلية للتحقيق أن عدد القتلى الفعلي قد يتجاوز ألفين، في حين لا يزال آلاف السكان في عداد المفقودين.
ويُعد مخيم زمزم -الذي يستضيف نازحين منذ أكثر من عقدين- من بين أكبر مخيمات النزوح في السودان.
وجاء الهجوم في توقيت بالغ الحساسية، وذلك قبيل مؤتمر دولي للسلام نظمته الحكومة البريطانية في لندن بشأن السودان في 16 أبريل/نيسان الماضي، بهدف حشد الدعم للمساعدات الإنسانية ووضع مسار لإنهاء الأعمال العدائية.
وبحسب التحقيق، فإن قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب جرائم إبادة في دارفور في العقد الأول من الألفية الحالية استخدمت مستوى عنف صادما حتى بمقاييس الصراع السوداني المستعر منذ أبريل/نيسان 2023.
وأكد أحد الخبراء العاملين على توثيق المجازر أنه لم يصادف قط هذا الحجم من الفقد الذي يعاني منه كل من تحدّث إليهم من الناجين.
وتضاف هذه المجزرة -طبقا لـ"غارديان"- إلى سلسلة من الفظائع التي ارتُكبت في ولاية غرب دارفور -ولا سيما في عاصمتها الجنينة- حيث قُتل أكثر من 10 آلاف شخص من قبيلة المساليت وغيرهم من السكان غير العرب خلال عام 2023، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
ورغم خطورة الأحداث فإن رئيس رابطة دارفور في بريطانيا عبد الله أبو قردة أشار إلى غياب أي رد فعل دولي يضاهي فداحة الجريمة، مؤكدا أن الآلاف من الدارفوريين في المهجر فقدوا أقارب أو أصدقاء في مجزرة زمزم، توضح الصحيفة البريطانية.
إعلانمن جهتها، حذرت منظمة أطباء بلا حدود من الوضع الكارثي الذي يعانيه الناجون، حيث يتعرضون للنهب والانتهاكات الجنسية وظروف النزوح القاسية.
كما أُبلغ عن اختطاف عشرات النساء ونقلهن إلى مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور أحد أبرز معاقل قوات الدعم السريع.
وفي ضوء هذه التطورات، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية الشهر الماضي أن لديها "أسبابا معقولة" للاعتقاد بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.
وأفادت صحيفة غارديان بأن أدلة قوية تشير إلى أن الهجوم كان يستهدف تفريغ المخيم من سكانه كجزء من خطة تهجير قسري ذات طابع عرقي.
وعلى الرغم من إدانات محدودة لاحقة من الأمم المتحدة وبريطانيا فإنه لم تُتخذ خطوات جادة لمحاسبة المسؤولين أو فرض عقوبات على من يقف وراء المجزرة.
وبحسب "غارديان"، فإن مخيم زمزم مدمر بالكامل حاليا، ومدينة الفاشر المجاورة -التي كانت الأمل الوحيد لإنقاذه- محاصرة وتواجه خطر المجازر ذاتها.
"ذبحونا كالحيوانات"وتقول الصحيفة البريطانية إنه على الرغم من سجل قوات الدعم السريع الدموي فإن البعض كان يعتقد أنها قد تتراجع عن اقتحام مخيم زمزم الذي بدا هدفا هشا جدا حتى لمليشيا متهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية.
ويضم المخيم نصف مليون شخص -أغلبهم من النساء والأطفال- "وهم جوعى وعزّل تماما".
ونقلت الصحيفة عن محقق في جرائم الحرب تابع للأمم المتحدة -طلب عدم ذكر اسمه- القول "داخل زمزم توجد واحدة من أكثر الفئات السكانية هشاشة على وجه الأرض، إن لم تكن الأكثر على الإطلاق".
لكن في تمام الساعة الثامنة صباح ذلك اليوم من أبريل/نيسان الماضي -تتابع "غارديان"- دوّى القصف المدفعي فوق زمزم، وبدأت طائرات مسيّرة تحوم في الأجواء إيذانا ببدء الهجوم، وشرعت قوات الدعم السريع في تطويق المخيم من 3 جهات ثم أطلقت قذائفها، وتوغلت مركباتها في عمق المخيم، وخطف مقاتلوها فتيات مراهقات وقتلوا الطواقم الطبية وداهموا المدارس والمنازل.
وعند المدخل الجنوبي للمخيم كانت نحو 50 فتاة مراهقة يجلسن يتفقدن هواتفهن، وقال شهود عيان إنهم رأوهن يُجبرن على ركوب شاحنات "البيك أب" التابعة للدعم السريع، ليُقتدن إلى جهة مجهولة، ولم يُعثر عليهن منذ ذلك الحين، بحسب الصحيفة البريطانية.
فاطمة بخيت الحامل -التي فقدت زوجها وطفليها في الهجوم- وصفت اللحظة التي حملت فيها بقايا جسد طفلها، فقالت "سقطت أجزاء من جسده في يدي، لم أشعر بشيء، ولا حتى الجوع"، في حين زحف طفلها الآخر البالغ من العمر 3 سنوات نحوها ملطخا بدماء أخيه الميت
روايات ناجينونقل المراسل الصحفي مارك تاونسند في التحقيق الاستقصائي شهادات بعض الناجين من مذبحة أبريل/نيسان الماضي، مكتفيا بإيراد أسمائهم الأولى فقط أو بأسماء مستعارة من أجل حمايتهم.
وفي حي أحمدي -الذي يقع على بعد 200 متر شرقي المخيم- أضرم مقاتلو الدعم السريع النيران في 60 منزلا تابعا لأفراد من قبيلة الزغاوة، وأطلقوا النار على النساء أثناء فرارهن، وبقيت 6 منهن داخل المنازل فاحترقن أحياء.
ووصفت فاطمة بخيت الحامل -التي فقدت زوجها وطفليها في الهجوم- اللحظة التي حملت فيها بقايا جسد طفلها، فقالت "سقطت أجزاء من جسده في يدي، لم أشعر بشيء، ولا حتى الجوع"، في حين زحف طفلها الآخر البالغ من العمر 3 سنوات نحوها ملطخا بدماء أخيه الميت، وأصيبت فاطمة في ساقها اليمنى ويدها.
وبجوار العيادة الصحية توجد مدرسة الشيخ فرح القرآنية المجاورة، وكانت مكتظة بالطلاب والمقيمين الباحثين عن مأوى عندما اقتحمتها قوات الدعم السريع.
إعلانوهناك -تتابع "غارديان"- شاهدت فاطمة ما لا يقل عن 15 طفلا ورجلا يُقتادون إلى الخارج، وقالت "أوقفوهم في صف واحد وأطلقوا النار عليهم جميعا وأردوهم قتلى"، وقالت إحدى الناجيات -التي أطلقت عليها الصحيفة اسم "مريم"- "سحبوا أختي من بيتها وقتلوها أمامنا، ذبحونا كالحيوانات".
وفي تمام الساعة الـ11 صباحا اقتحمت 4 مركبات تويوتا هايلوكس تابعة للدعم السريع عيادة صحية اختبأ طاقمها الطبي داخل خنادق حُفرت تحت الأرض، وصرخ أحد المهاجمين "اخرجوا أيها العبيد".
اغتصاب جماعيومن بين أبرز رموز هذه المجزرة طبيبة تُدعى هنادي داود (22 سنة) واجهت الهجوم بموقف بطولي، فرفضت الفرار، وقاتلت في الخطوط الأمامية بسكين مطبخ، قبل أن تسقط شهيدة تحت وابل من الرصاص، تؤكد الصحيفة البريطانية، مبينة أن زميلها هشام محمد روى أن هنادي خاطبتهم قائلة "موتوا بشرف، سأبقى هنا حتى النهاية".
ويتابع المراسل أن هنادي لم تكن مجرد طبيبة، بل كانت رمزا لجيل نشأ في ظل الإبادة الجماعية السابقة، واختار أن يقاوم بسلاح الرحمة لا القتل، وفي أحد مقاطع الفيديو يظهر أصدقاؤها وهم يجرونها إلى عيادة ميدانية بدائية، في حين كانت أصوات القذائف لا تزال تدوي.
وتوضح "غارديان" أن الهجوم امتد ليشمل جنوب المخيم، حيث داهمت وحدات الدعم السريع المنازل وأعدمت السكان وأضرمت النيران بالمنازل التي تعود إلى قبيلة الزغاوة.
وفي حي آخر أعدمت قوات الدعم السريع رجالا ورضعا في أكواخ القش، وذكرت شاهدة أخرى تدعى حليمة أن ابنها البالغ من العمر 16 عاما أُطلق عليه الرصاص أمامها، قبل أن تُغتصب هي وبناتها المراهقات على يد 4 رجال.
"كنت أسمع صراخ بناتي، خاصة الصغيرة، عمرها 13 سنة فقط"، تتابع حليمة.
ورغم تلقّي الحكومة البريطانية إنذارات متعددة من الأمم المتحدة ومن مركز أبحاث تابع لجامعة ييل ومن خبراء حضروا مؤتمرات رسمية في لندن تفيد بخطر وقوع هجوم وشيك على مخيم زمزم فإن وزارة الخارجية البريطانية التزمت الصمت، على حد تعبير "غارديان".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات ترجمات الصحیفة البریطانیة أبریل نیسان الماضی قوات الدعم السریع مخیم زمزم فی حین
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع يحذر المرتزقة: الإمارات تُوظّف مرتزقة كولومبيين لارتكاب إبادة جماعية في دارفور
متابعات- تاق برس- كشفت مسؤولة أمريكية سابقة عن تورط الإمارات في تجنيد مرتزقة كولومبيين لتنفيذ إبادة جماعية في السودان.
جانيت ماكيليغوت، المسؤولة الأمريكية السابقة في البيت الأبيض، اتهمت الإمارات العربية المتحدة بتجنيد مرتزقة كولومبيين لتنفيذ إبادة جماعية في دارفور بالسودان.
وأشارت إلى أن الإمارات تستخدم شركة “Global Security Group” بالتعاون مع شركة كولومبية لاستقدام مقاتلين سابقين في الجيش الكولومبي برواتب تتراوح بين 2600 و3600 دولار، بدعوى حماية منشآت نفطية، بينما يُزج بهم في أتون المعارك بشمال دارفور.
وقالت إن تجنيد المرتزقة يتم عبر شركة إماراتية، حيث يتم نقلهم إلى السودان عبر ليبيا، ومصادرة جوازات سفرهم وبطاقاتهم الشخصية، وإجبارهم على القتال تحت تهديد السلاح. وقد قتل أكثر من 150 مرتزقًا كولومبيًا،
وأضافت أن هناك تقارير عن تدريب أطفال سودانيين على القتال. والأكثر من ذلك، أن هؤلاء المرتزقة يُجبرون على تنفيذ عمليات قتل ممنهجة في دارفور، حيث أُبلغوا بأن “الطريق الوحيد للعودة إلى الوطن هو بقتل كل من في الفاشر”.
الأمم المتحدة أدانت تجنيد الأطفال لصالح ميليشيا الدعم السريع، والرئيس الكولومبي حاول وقف هذا التدفق الخطير للمرتزقة. البرلمان الصومالي رفض محاولات الإمارات استخدام موانئ البلاد كنقاط عبور لهؤلاء المرتزقة، ووصف ذلك بـ”شحن غير مباشر للإبادة الجماعية”.
ماكيليغوت دعت إلى وقف قصف الفاشر، وتمويل الإبادة الجماعية، واستيراد المرتزقة، ومنع السلطات الليبية من احتجاز المقاتلين في حرب “لم يفهموها بالكامل”. كما طالبت بتحرير سكان دارفور المحاصرين الذين يعانون من الجوع والخوف.
وتعتبر هذه الاتهامات واحدة من أقوى الإدانات العلنية للدور الإماراتي في تغذية الحرب في السودان عبر المرتزقة واللوجستيات السرية لصالح الدعم السريع. يأتي ذلك في سياق تفاقم الأزمة الإنسانية في دارفور، حيث يواجه السكان المحليون ظروفًا إنسانية صعبة جراء الحرب المستمرة.
وتشير ماكيليغوت إلى أن مدينة نيالا في دارفور أصبحت مركزًا رئيسيًا لعمليات تهدف إلى “إبادة سكان دارفور حرفيًا”. وتدعو إلى ضرورة اتخاذ إجراءات دولية فورية لوقف هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.