كشفت صحيفة غارديان البريطانية في تحقيق استقصائي موسع عن وقوع واحدة من أفظع المجازر بالسودان، حيث يُعتقد أن أكثر من 1500 مدني قُتلوا خلال هجوم شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور خلال أبريل/نيسان الماضي.

وفي التحقيق، روى النازحون في المخيم لمراسل الصحيفة مارك تاونسند جوانب من الفظائع التي ارتكبها مقاتلو قوات الدعم السريع، وقالت إحدى الناجيات من المجازر "ذبحونا مثل الحيوانات".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تحذيرات من تسارع تفشي الكوليرا غربي السودانlist 2 of 2رئيس كولومبيا يعلق على أنباء مقتل مرتزقة من بلاده في السودانend of list

ويوثق التحقيق -الذي يستند إلى شهادات ناجين ومصادر ميدانية- عمليات إعدام جماعي واغتصاب وخطف واسع النطاق استمر على مدى 72 ساعة.

ورجّحت لجنة محلية للتحقيق أن عدد القتلى الفعلي قد يتجاوز ألفين، في حين لا يزال آلاف السكان في عداد المفقودين.

ويُعد مخيم زمزم -الذي يستضيف نازحين منذ أكثر من عقدين- من بين أكبر مخيمات النزوح في السودان.

وجاء الهجوم في توقيت بالغ الحساسية، وذلك قبيل مؤتمر دولي للسلام نظمته الحكومة البريطانية في لندن بشأن السودان في 16 أبريل/نيسان الماضي، بهدف حشد الدعم للمساعدات الإنسانية ووضع مسار لإنهاء الأعمال العدائية.

وبحسب التحقيق، فإن قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب جرائم إبادة في دارفور في العقد الأول من الألفية الحالية استخدمت مستوى عنف صادما حتى بمقاييس الصراع السوداني المستعر منذ أبريل/نيسان 2023.

فظائع بالجملة

وأكد أحد الخبراء العاملين على توثيق المجازر أنه لم يصادف قط هذا الحجم من الفقد الذي يعاني منه كل من تحدّث إليهم من الناجين.

وتضاف هذه المجزرة -طبقا لـ"غارديان"- إلى سلسلة من الفظائع التي ارتُكبت في ولاية غرب دارفور -ولا سيما في عاصمتها الجنينة- حيث قُتل أكثر من 10 آلاف شخص من قبيلة المساليت وغيرهم من السكان غير العرب خلال عام 2023، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

ورغم خطورة الأحداث فإن رئيس رابطة دارفور في بريطانيا عبد الله أبو قردة أشار إلى غياب أي رد فعل دولي يضاهي فداحة الجريمة، مؤكدا أن الآلاف من الدارفوريين في المهجر فقدوا أقارب أو أصدقاء في مجزرة زمزم، توضح الصحيفة البريطانية.

إعلان

من جهتها، حذرت منظمة أطباء بلا حدود من الوضع الكارثي الذي يعانيه الناجون، حيث يتعرضون للنهب والانتهاكات الجنسية وظروف النزوح القاسية.

كما أُبلغ عن اختطاف عشرات النساء ونقلهن إلى مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور أحد أبرز معاقل قوات الدعم السريع.

وفي ضوء هذه التطورات، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية الشهر الماضي أن لديها "أسبابا معقولة" للاعتقاد بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.

وأفادت صحيفة غارديان بأن أدلة قوية تشير إلى أن الهجوم كان يستهدف تفريغ المخيم من سكانه كجزء من خطة تهجير قسري ذات طابع عرقي.

وعلى الرغم من إدانات محدودة لاحقة من الأمم المتحدة وبريطانيا فإنه لم تُتخذ خطوات جادة لمحاسبة المسؤولين أو فرض عقوبات على من يقف وراء المجزرة.

وبحسب "غارديان"، فإن مخيم زمزم مدمر بالكامل حاليا، ومدينة الفاشر المجاورة -التي كانت الأمل الوحيد لإنقاذه- محاصرة وتواجه خطر المجازر ذاتها.

"ذبحونا كالحيوانات"

وتقول الصحيفة البريطانية إنه على الرغم من سجل قوات الدعم السريع الدموي فإن البعض كان يعتقد أنها قد تتراجع عن اقتحام مخيم زمزم الذي بدا هدفا هشا جدا حتى لمليشيا متهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية.

ويضم المخيم نصف مليون شخص -أغلبهم من النساء والأطفال- "وهم جوعى وعزّل تماما".

ونقلت الصحيفة عن محقق في جرائم الحرب تابع للأمم المتحدة -طلب عدم ذكر اسمه- القول "داخل زمزم توجد واحدة من أكثر الفئات السكانية هشاشة على وجه الأرض، إن لم تكن الأكثر على الإطلاق".

لكن في تمام الساعة الثامنة صباح ذلك اليوم من أبريل/نيسان الماضي -تتابع "غارديان"- دوّى القصف المدفعي فوق زمزم، وبدأت طائرات مسيّرة تحوم في الأجواء إيذانا ببدء الهجوم، وشرعت قوات الدعم السريع في تطويق المخيم من 3 جهات ثم أطلقت قذائفها، وتوغلت مركباتها في عمق المخيم، وخطف مقاتلوها فتيات مراهقات وقتلوا الطواقم الطبية وداهموا المدارس والمنازل.

وعند المدخل الجنوبي للمخيم كانت نحو 50 فتاة مراهقة يجلسن يتفقدن هواتفهن، وقال شهود عيان إنهم رأوهن يُجبرن على ركوب شاحنات "البيك أب" التابعة للدعم السريع، ليُقتدن إلى جهة مجهولة، ولم يُعثر عليهن منذ ذلك الحين، بحسب الصحيفة البريطانية.

فاطمة بخيت الحامل -التي فقدت زوجها وطفليها في الهجوم- وصفت اللحظة التي حملت فيها بقايا جسد طفلها، فقالت "سقطت أجزاء من جسده في يدي، لم أشعر بشيء، ولا حتى الجوع"، في حين زحف طفلها الآخر البالغ من العمر 3 سنوات نحوها ملطخا بدماء أخيه الميت

روايات ناجين

ونقل المراسل الصحفي مارك تاونسند في التحقيق الاستقصائي شهادات بعض الناجين من مذبحة أبريل/نيسان الماضي، مكتفيا بإيراد أسمائهم الأولى فقط أو بأسماء مستعارة من أجل حمايتهم.

وفي حي أحمدي -الذي يقع على بعد 200 متر شرقي المخيم- أضرم مقاتلو الدعم السريع النيران في 60 منزلا تابعا لأفراد من قبيلة الزغاوة، وأطلقوا النار على النساء أثناء فرارهن، وبقيت 6 منهن داخل المنازل فاحترقن أحياء.

ووصفت فاطمة بخيت الحامل -التي فقدت زوجها وطفليها في الهجوم- اللحظة التي حملت فيها بقايا جسد طفلها، فقالت "سقطت أجزاء من جسده في يدي، لم أشعر بشيء، ولا حتى الجوع"، في حين زحف طفلها الآخر البالغ من العمر 3 سنوات نحوها ملطخا بدماء أخيه الميت، وأصيبت فاطمة في ساقها اليمنى ويدها.

وبجوار العيادة الصحية توجد مدرسة الشيخ فرح القرآنية المجاورة، وكانت مكتظة بالطلاب والمقيمين الباحثين عن مأوى عندما اقتحمتها قوات الدعم السريع.

إعلان

وهناك -تتابع "غارديان"- شاهدت فاطمة ما لا يقل عن 15 طفلا ورجلا يُقتادون إلى الخارج، وقالت "أوقفوهم في صف واحد وأطلقوا النار عليهم جميعا وأردوهم قتلى"، وقالت إحدى الناجيات -التي أطلقت عليها الصحيفة اسم "مريم"- "سحبوا أختي من بيتها وقتلوها أمامنا، ذبحونا كالحيوانات".

وفي تمام الساعة الـ11 صباحا اقتحمت 4 مركبات تويوتا هايلوكس تابعة للدعم السريع عيادة صحية اختبأ طاقمها الطبي داخل خنادق حُفرت تحت الأرض، وصرخ أحد المهاجمين "اخرجوا أيها العبيد".

اغتصاب جماعي

ومن بين أبرز رموز هذه المجزرة طبيبة تُدعى هنادي داود (22 سنة) واجهت الهجوم بموقف بطولي، فرفضت الفرار، وقاتلت في الخطوط الأمامية بسكين مطبخ، قبل أن تسقط شهيدة تحت وابل من الرصاص، تؤكد الصحيفة البريطانية، مبينة أن زميلها هشام محمد روى أن هنادي خاطبتهم قائلة "موتوا بشرف، سأبقى هنا حتى النهاية".

ويتابع المراسل أن هنادي لم تكن مجرد طبيبة، بل كانت رمزا لجيل نشأ في ظل الإبادة الجماعية السابقة، واختار أن يقاوم بسلاح الرحمة لا القتل، وفي أحد مقاطع الفيديو يظهر أصدقاؤها وهم يجرونها إلى عيادة ميدانية بدائية، في حين كانت أصوات القذائف لا تزال تدوي.

وتوضح "غارديان" أن الهجوم امتد ليشمل جنوب المخيم، حيث داهمت وحدات الدعم السريع المنازل وأعدمت السكان وأضرمت النيران بالمنازل التي تعود إلى قبيلة الزغاوة.

وفي حي آخر أعدمت قوات الدعم السريع رجالا ورضعا في أكواخ القش، وذكرت شاهدة أخرى تدعى حليمة أن ابنها البالغ من العمر 16 عاما أُطلق عليه الرصاص أمامها، قبل أن تُغتصب هي وبناتها المراهقات على يد 4 رجال.

"كنت أسمع صراخ بناتي، خاصة الصغيرة، عمرها 13 سنة فقط"، تتابع حليمة.

ورغم تلقّي الحكومة البريطانية إنذارات متعددة من الأمم المتحدة ومن مركز أبحاث تابع لجامعة ييل ومن خبراء حضروا مؤتمرات رسمية في لندن تفيد بخطر وقوع هجوم وشيك على مخيم زمزم فإن وزارة الخارجية البريطانية التزمت الصمت، على حد تعبير "غارديان".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات ترجمات الصحیفة البریطانیة أبریل نیسان الماضی قوات الدعم السریع مخیم زمزم فی حین

إقرأ أيضاً:

الأغذية العالمي: اتفاق مبدئي مع الدعم السريع لدخول فرق الإغاثة للفاشر

حذرت الأمم المتحدة من أوضاع إنسانية مروعة في مدينة الفاشر بشمال دارفور، حيث يعتقد أن ما بين (70 إلى 100) ألف شخص ما زالوا محاصرين.
وقال برنامج الأغذية العالمي: "إنه توصل إلى اتفاق مبدئي مع قوات الدعم السريع، يسمح بدخول فرق الإغاثة لإجراء تقييمات أولية للاحتياجات".الأوضاع الإنسانية في الفاشروأكد أن مقومات البقاء في المدينة دمرت بالكامل بعد أكثر من عام من الحصار، في ظل أكبر أزمة نزوح يشهدها العالم.
أخبار متعلقة بشأن الأونروا.. فلسطين ترحب بالإجماع الدولي على فتوى "العدل الدولية"السعودية و7 دول تدعو إلى ضمان التمويل الكافي للأونروا لحماية الفلسطينيين .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } الأغذية العالمي: اتفاق مبدئي مع الدعم السريع لدخول فرق الإغاثة للفاشر - أ ف ب
كانت أعلنت المملكة المتحدة فرض عقوبات على كبار قيادات قوات الدعم السريع المشتبه بأنهم ارتكبوا أعمال عنف بشعة في الفاشر في السودان، بما فيها عمليات قتل جماعي، وعنف جنسي ممنهج، وتعمّد الاعتداء على مدنيين.قوات الدعم السريعمن بين المستهدفين بهذه العقوبات عبد الرحيم حمدان دقلو، أخو ونائب قائد قوات الدعم السريع الفريق أول حميدتي.
إلى جانب ثلاثة آخرين من القيادات الذين يُشتبه بضلوعهم في هذه الجرائم – وجميعهم الآن يواجهون تجميد أرصدتهم ومنع قدومهم إلى المملكة المتحدة.

مقالات مشابهة

  • مسؤولة ألمانية تبحث مع مناوي وقفاً فورياً لإطلاق النار وتدين انتهاكات الفاشر
  • فرض عقوبات على قادة الدعم السريع السوداني
  • انتهاكات وحشية..حاكم دارفور: أولويتنا حماية المواطنين من اعتداءات الدعم السريع
  • قتلى بقصف لقوات الدعم السريع وتحرك جديد للجنائية الدولية بشأن دارفور
  • الأغذية العالمي: اتفاق مبدئي مع الدعم السريع لدخول فرق الإغاثة للفاشر
  • المملكة المتحدة تعلن فرض عقوبات على كبار قيادات قوات الدعم السريع
  • هل قتلت قوات الدعم السريع الصحفي السوداني معمر إبراهيم؟
  • لوموند: في الفاشر شاهدت عائشة شنق شقيقها وقتل زوجها واغتصاب ابنتها
  • WP: الفاشر تعيش كارثة إنسانية وصمت العالم يفتح الباب لأسوأ مأساة في السودان
  • انتهاكات بلا سقف.. حصار وقتل واغتصاب.. «الدعم السريع» يوسع دائرة الدم في كردفان