إيكونوميست تتحدث عن ملامح مستقبل غزة بعد انتهاء الحرب
تاريخ النشر: 8th, August 2025 GMT
تحدثت مجلة "إيكونوميست" عن مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، في تقرير ادعت فيه أن العالم يعمل على إنهاء الجوع المتفشي، وسط مناشدات أممية من أجل السماح بدخول المزيد من شاحنات المساعدات، زامنا مع عمليات الإسقاط الجوي للطعام.
وأشارت المجلة إلى أن سكان غزة يؤكدون أنه لم يتغير الكثير على أرض الواقع، لأن ما يدخل من الطعام لا كيف، ولا يوجد قانون ونظام يسمح بتوزيعه، ويصعب الوصول إلى عمليات الإنزال الجوي، وتُنهب القوافل بعد عبورها بوقت قصير.
وشددت على أنّ "هذه كارثة بحد ذاتها، وستكون لها عواقب طويلة المدى على العديد من سكان غزة، وخاصة الأطفال. لكنها أيضا لمحة عن مستقبل غزة. حتى بعد انتهاء الحرب، ستبقى تحت رحمة الآخرين لسنوات قادمة".
وتابعت: "بسبب انحصارها بين إسرائيل ومصر، لم تحقق هذه المنطقة الصغيرة اكتفاء ذاتيا قط. فرض جيرانها حصارا بعد أن تولت حماس السلطة في عام 2007. تدهور الاقتصاد. أصبحت نصف القوى العاملة في القطاع عاطلة عن العمل، واعتمد أكثر من 60% من السكان على شكل من أشكال المساعدات الخارجية للبقاء على قيد الحياة. وزعت الأمم المتحدة مساعدات نقدية، وأدارت شبكة من العيادات التي قدمت 3.5 مليون استشارة سنويا، وشغّلت مدارس علمت حوالي 300 ألف طفل".
واستدركت: "مع ذلك، استطاعت غزة تلبية بعض الاحتياجات الأساسية على الأقل بنفسها. كان خُمسا أراضيها عبارة عن أراض زراعية توفر ما يكفي من منتجات الألبان والدواجن والبيض والفواكه والخضروات لتلبية معظم الطلب المحلي. وأنتجت المصانع الصغيرة كل شيء من الأغذية المعلبة إلى الأثاث. كانت حكومة حماس عاجزة، لكنها وفرت القانون والنظام. بعد ما يقرب من عامين من الحرب، لم يبقَ شيء يُذكر من ذلك".
يقول برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إن سكان غزة، البالغ عددهم مليوني نسمة، يحتاجون إلى 62 ألف طن من الغذاء شهريا. هذا حساب بديهي: سيوفر البرنامج ما يكفي من المواد الغذائية الأساسية، لكن دون لحوم أو فواكه أو خضراوات أو غيرها من المواد سريعة التلف. لكن الاحتلال لا يسمح إلا بدخول كميات قليلة جدا، ويفرض حصارا مشددا على القطاع منذ 2 آذار/ مارس الماضي.
ولفتت المجلة إلى أن تل أبيب سمحت مؤخرا باستئناف إيصال مساعدات محدودة إلى شمال غزة، وساهمت في إنشاء مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، وهي منظمة غير رسمية توزع الغذاء على أربع نقاط في جنوب ووسط غزة. خلال أكثر من شهرين من العمل، وزعت المؤسسة أقل من 0.7 وجبة لكل غزاوي يوميا - وهذا يفترض أن كل صندوق مساعدات، مليء بمزيج من الأطعمة المجففة والمعلبة، يوفر بالفعل نفس عدد الوجبات التي تدعيها المؤسسة.
ورغم زيادة حجم المساعدات في الأيام الأخيرة، إلا أنها لا تزال غير كافية. تقول فاليري غوارنييري من برنامج الأغذية العالمي: "نحاول إدخال 80 إلى 100 شاحنة يوميا. ليس هذا سقفا عاليا، بل هو سقف واقعي لما يمكننا تحقيقه". في الرابع من أغسطس، سمحت إسرائيل لـ 41 شاحنة فقط من شاحنات الوكالة بدخول منطقة التجمع على حدود غزة، ولم تسمح للسائقين سوى بأخذ 29 منها.
وأكدت المجلة أن "الدخول إلى غزة ليس سوى التحدي الأول. أما التوزيع فهو كابوس. منذ 19 أيار/ مايو، تسلمت الأمم المتحدة 2604 حمولات شاحنة من المساعدات من حدود غزة. لم يصل منها سوى 300 شاحنة إلى وجهتها المقصودة. أما البقية فقد تم اعتراضها في الطريق، إما من قبل مدنيين يائسين أو من قبل مسلحين. لا يبالي عمال الإغاثة بمداهمة المدنيين لشاحنات المساعدات، وهو ما يسمونه مجازا "التوزيع الذاتي": فهم يعتقدون أن الغذاء لا يزال يصل إلى المحتاجين. تقول غوارنييري: "هناك تصاعد حقيقي في اليأس. الناس لا يثقون في أن الطعام سيأتي في اليوم التالي".
لكن السوق السوداء الهادرة تشير إلى أن الكثير منه مسروق. تنشر غرفة تجارة غزة مسحا دوريا لأسعار المواد الغذائية. بيع كيس دقيق وزن 25 كغم، والذي كان يكلف 35 شيكلا (10 دولارات) قبل الحرب، مقابل 625 شيكلا في 5 آب/ أغسطس. بلغ سعر كيلو البندورة 100 شيكل، أي ما يعادل 50 ضعف سعره قبل الحرب. هذه الأسعار بعيدة كل البعد عن متناول معظم سكان غزة. فغالبا ما يساوم من يملكون القليل من المال على كميات ضئيلة: فقد يحضر المتسوق حبة بطاطس واحدة لعائلته، على سبيل المثال.
ووفق المجلة، "كان الهدف المزعوم لإسرائيل من خنق إمدادات المساعدات هو منع حماس من سرقة أي منها. وبدلا من ذلك، تقع عواقب سياسة إسرائيل على الأطفال أكثر من غيرهم - حتى قبل ولادتهم أحيانا".
تقول ليلى بيكر، من وكالة تنظيم الأسرة التابعة للأمم المتحدة: "واحدة من كل ثلاث حالات حمل أصبحت الآن عالية الخطورة. وواحد من كل خمسة أطفال رُضّع وُلدوا قبل أوانهم أو ناقصي الوزن". قارن ذلك بما كان عليه الحال قبل الحرب، حيث وُلد 8% من أطفال غزة ناقصي الوزن (أقل من 2.5 كغم). سُجّلت 222 حالة ولادة جنين ميت بين كانون الثاني/ يناير وحزيران/ يونيو، بزيادة قدرها عشرة أضعاف عن المستويات التي سُجّلت قبل الحرب.
أفاد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وهو جهة تدعمها الأمم المتحدة وترصد الجوع، الشهر الماضي أن 20 ألف طفل نُقلوا إلى المستشفى بسبب سوء التغذية الحاد بين نيسان/ أبريل ومنتصف تموز/ يوليو. وحتى قبل وصولهم إلى هذه المرحلة، تنهار أجهزتهم المناعية. يُصاب الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية متوسط بالعدوى بسهولة أكبر بكثير من الأطفال الذين يحصلون على تغذية جيدة، ويزداد مرضهم سوءا عند الإصابة، ويفقدون وزنهم بسرعة.
يقول ماركو كيراك، طبيب الأطفال في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي، والذي عالج الأطفال في المناطق المنكوبة بالمجاعة، إن الجسم يتعرض لـ"ضربة قوية" عندما ينخفض تناول الطعام إلى 70-80% فقط من المعدل الطبيعي. معظم الأطفال في غزة يأكلون أقل بكثير من ذلك. في تموز/ يوليو، أبلغت منظمة الصحة العالمية عن تفشي متلازمة غيلان باريه، وهو مرض مناعي ذاتي نادر قد يكون له صلة بالجوع. وتقول وزارة الصحة في غزة إن الحالات تتضاعف، بما في ذلك بين الأطفال.
وليس تناول السعرات الحرارية هو الشاغل الوحيد. فعلى الرغم من أن الدقيق والملح في غزة مدعمان ببعض الفيتامينات والمعادن، مثل اليود، إلا أنهما يُستهلكان بكميات محدودة - خاصة الآن، حيث أغلقت العديد من المخابز منذ أشهر بسبب نقص الدقيق والوقود. في شباط/ فبراير، خلال وقف إطلاق النار، سمحت إسرائيل بدخول 15 ألف طن من الفاكهة والخضراوات و11 ألف طن من اللحوم والأسماك إلى غزة. منذ آذار/ مارس، لم يُسمح إلا بـ 136 طنا من اللحوم. كل هذا يعني وجود نقص واسع النطاق في العناصر الغذائية الأساسية التي تُساعد على نمو أدمغة الأطفال.
بمعنى آخر، سيظل كل طفل في غزة معرضا لخطر تدهور صحته مدى الحياة بسبب سوء التغذية السائد اليوم. وهناك أدلة متسقة على ذلك من دراسات أجريت على مجموعات سكانية عانت من المجاعة: خلال الحرب العالمية الثانية، ومجاعة الستينيات في الصين، ومؤخرا في أماكن مثل إثيوبيا. يعاني الأطفال الذين عانوا من سوء التغذية الحاد من معدلات أعلى من أمراض القلب والسكري وغيرها من الأمراض المزمنة كبالغين. كما أنهم معرضون لخطر تدهور النمو المعرفي.
لا يمكن لتدفق المساعدات أن يُصلح الضرر، ولكنه يمكن أن يمنع تفاقمه. يجب أن يستمر. لقد ترك الدمار الذي أحدثته حرب إسرائيل سكان غزة بلا بديل سوى الاعتماد على المساعدات.
في شباط/ فبراير، قدرت الأمم المتحدة أن الحرب تسببت في أضرار مادية بقيمة 30 مليار دولار واضطرابات اقتصادية بقيمة 19 مليار دولار، بما في ذلك فقدان العمالة والدخل الضائع وزيادة التكاليف. ستتطلب إعادة الإعمار 53 مليار دولار. في هذه المرحلة، هذا مجرد تخمين. من المستحيل حساب التكلفة الحقيقية، لكنها ستكون هائلة.
ستكون المهمة الأولى ببساطة إزالة الأنقاض. وقد قدر تقييم للأمم المتحدة في نيسان/ أبريل، استنادا إلى صور الأقمار الصناعية، وجود 53 مليون طن من الأنقاض متناثرة في جميع أنحاء غزة - أي 30 ضعف كمية الأنقاض التي تمت إزالتها من مانهاتن بعد هجمات 11 سبتمبر. قد يستغرق إزالتها عقودا. أنتجت الحرب التي استمرت سبعة أسابيع بين إسرائيل وحماس في عام 2014، وهي الأطول والأكثر دموية قبل الحرب الحالية، 2.5 مليون طن من الأنقاض.
لن تكون إعادة بناء اقتصاد منتج أقل صعوبة. خذ الزراعة على سبيل المثال. تقول وكالة الزراعة التابعة للأمم المتحدة إن 80% من الأراضي الزراعية في غزة و84% من دفيئاتها قد تضررت في الحرب. تم القضاء على الماشية بالكامل تقريبا.
وجد تقييم بالأقمار الصناعية في الصيف الماضي أن 68% من طرق غزة قد تضررت (لا شك أن هذا الرقم أعلى اليوم). الطريقان الرئيسيان من الشمال إلى الجنوب - أحدهما على طول الساحل والآخر أبعد إلى الداخل - كلاهما غير سالكين في بعض الأماكن. حتى لو تمكن المزارعون من البدء بزراعة المحاصيل بكميات صغيرة بعد الحرب، فسيكون من الصعب تسويق منتجاتهم. والصورة قاتمة بنفس القدر في قطاعات أخرى: فقد تم تحويل المدارس والمستشفيات والمصانع إلى أنقاض.
تنص اتفاقيات جنيف بوضوح على حق المدنيين في الفرار من منطقة حرب. إلا أن ممارسة هذا الحق في غزة محفوفة بالمخاطر: إذ يخشى الفلسطينيون خوفا مبررا من أن إسرائيل لن تسمح لهم بالعودة أبدا. ولا يخفي أعضاء نافذون في حكومة بنيامين نتنياهو رغبتهم في تطهير المنطقة عرقيا وإعادة بناء المستوطنات اليهودية التي فُككت عام 2005.
وختمت المجلة: "قد لا ينفذ نتنياهو حديثه عن إعادة احتلال غزة، الذي ألمح إليه في تسريبات إعلامية في وقت سابق من هذا الشهر. قد لا يحقق حلفاؤه من اليمين المتطرف حلمهم بإعادة بناء المستوطنات اليهودية التي فُككت عام 2005. لكن، بمعنى ما، حقق أصحاب الأيديولوجيات في حكومته هدفهم بالفعل. لقد ترك سلوك إسرائيل في الحرب سكان غزة أمام خيار صعب: إما مغادرة القطاع، أو البقاء في مكان أصبح شبه غير صالح للسكن".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية غزة المساعدات الاحتلال غزة الاحتلال المستقبل المساعدات حرب الابادة صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة للأمم المتحدة الأمم المتحدة قبل الحرب سکان غزة إلى أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تدين احتجاز الرهائن وتنتقد سلوك إسرائيل في غزة
أدان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لأوروبا وآسيا الوسطى والأميركيتين، ميروسلاف ينتشا، استمرار احتجاز الرهائن لدى حركة حماس، مجددا دعوة المنظمة الدولية للإفراج غير المشروط عنهم.
وفي كلمته أمام مجلس الأمن، أشار ينتشا إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، حيث يواجه أكثر من مليوني شخص أوضاعا مأساوية في ظل الحصار الإسرائيلي والعمليات العسكرية المستمرة منذ أشهر.
وأعرب عدد من ممثلي الدول الأعضاء في المجلس عن تضامنهم مع الرهائن الإسرائيليين، إلا أن بعضهم وجّه انتقادات صريحة لسلوك إسرائيل خلال الحرب، التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، بحسب تقارير أممية.
ودعا عدد من الدبلوماسيين إلى ضرورة إنهاء الحرب ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة، مؤكدين أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة.