الأفلاج والمدرجات بالجبل الأخضر .. حكاية إبداع وكفاح عماني مع الطبيعة
تاريخ النشر: 9th, August 2025 GMT
الناظر إلى تضاريس ولاية الجبل الأخضر الصعبة والجبال الشامخة في علوها وصلابتها، وجماليات المدرجات الزراعية، والأفلاج التي شقت على سفوح الجبال لسقي البساتين والمزروعات، تنعكس أمامه مشاهد كفاح الإنسان العماني، وبراعته وصبره في التعاطي مع الطبيعة وتذليل التحديات من أجل العيش والحياة بكرامة وعرق الجبين، وتوفير قوت يومه مما تجود به الأرض.
في الجبل الأخضر، تصنف الأفلاج بـ (العينية)، أي أن منابعها العيون المائية التي تنبع من الجبال، في تنصيف مغاير لمعظم الأفلاج في سلطنة عمان التي تصنف غالبيتها بالأفلاج (الداوودية والغيلية)، حيث شق لها المزارعون منذ الآف السنين، سواقي الأفلاج لتجري من منابعها لسقي المزروعات والأشجار التي زرعت في المدرجات، بطريقة هندسية غاية في الإبداع والتخطيط.
حكاية كفاح
حكاية شق الأفلاج وصنع المدرجات الزراعية على سفوح وقمم الجبل الأخضر، تروي سنين من العمل، توارثها أبناء ولاية الجبل الأخضر على مر السنين، لتضع أمام الأجيال حكاية الإنسان مع الطبيعة، وكيف أن الإنسان العماني كافح من أجل تطويع الطبيعة لظروف العيش، والاستفادة من طقس الجبل الأخضر المعتدل ليكون لوحة من الجمال على سفوح الجبال.
وقال حامد بن أحمد المياحي من سكان قرية العيينة بالجبل الأخضر: كل الأفلاج في الولاية (عينية)، مصدرها العيون المائية المنتشرة في الجبل، ومد الأجداد قبل آلاف السنين القنوات المائية من هذه العيون، لري المزروعات في المدرجات والمسطحات على الجبال، بطريقة هندسية تقف شاهد عيان إلى اليوم على براعة الإنسان العماني.
وأضاف: أتذكر قبل أكثر من 70 سنة عندما كنت أشارك آبائي وأجدادي في صيانة الأفلاج، وتأهيل المدرجات الزراعية، حيث كانت الطرق بدائية ولا نملك المعدات ولا الأدوات التي نحمل فيها المواد من حجارة أو تربة طينية، فقد كنا ننقل التربة الزراعية للمدرجات الخضراء والطين والحجارة على ظهورنا لصيانة الأفلاج وترميم المدرجات.
وأوضح أن العمل كان في السابق جماعيا، يشارك فيه الرجل والمرأة والأطفال، إذ يتكاتف الأهالي في كل شيء، فقد كنا نحمل الأتربة في (القفير) على ظهورنا، حتى الدواب كان لا يمكلها الجميع، ومن يملك دابة كان يستخدمها لجلب المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية من نزوى وبركة الموز إلى قمم الجبل الأخضر، أما أعمال صيانة الأفلاج والمدرجات، فقد كان الإنسان فقط من يقوم بكل تلك الأعمال.
إرث تاريخي
وأكد المياحي أن ما يراه الناس اليوم من مدرجات زراعية خضراء وجميلة وأفلاج جارية تروي المزروعات، لم تصل إلى هذا الجمال لولا كفاح الأهالي وعملهم على إيجاد هذه الأفلاج والمدرجات والحفاظ عليها منذ آلاف السنين حتى اليوم، عبر الصيانة المستمرة والعمل على بقائها كإرث تاريخي وحضاري توارثته الأجيال جيل بعد جيل.
وأشار إلى أن هناك العديد من الأفلاج في الجبل الأخضر بينها أفلاج وادي بني حبيب وسيق والعين وأبوكبير، والشريجة ولعور، وفلج القنتي، حيث تسقي هذه الافلاج قرى الجبل الأخضر إضافة إلى العيون المائية، والشعاب.
نظام السقي
وقال المياحي: في قديم الزمان كان السقي عبر نظام (الصحلة)، وهو عبارة عن نظام يشبه المكيال تقاس به المدد التي يتم فيها سقي المزارع تقسيما بين القرى والبلدات، وفي الوقت الحالي تغير النظام بالوقت.
وأوضح أن الكثير من العيون جفت وبسبب جفافها توقفت الكثير من الأفلاج عن الجريان، وبين أن قلة الأمطار في السنوات الأخيرة أدت لجفاف العيون التي تعتبر المصدر الرئيسي للأفلاج.
وطالب المياحي الجهات المعنية بإنشاء مزيد من السدود للحفاظ على المياه والتغذية الرجعية للعيون المائية، التي بدورها تسهم في الحفاظ على المزروعات.
مزروعات وفواكه
وتطرق حامد بن أحمد المياحي إلى المدرجات الخضراء والاهتمام بالزراعة في الجبل الأخضر، وقال: حرص الأهالي في الجبل الأخضر عبر التاريخ، على زراعة أنوع من الفاكهة مثل الرمان والعنب والخوخ والمشمش والزيتون والتين، والورد ومحاصيل موسمية متنوعة لسداد احتياجاتهم الغذائية، موضحا أنه عبر السنين قام الأهالي بتطوير المزروعات من خلال جلب شتلات ذات جودة وإنتاجية أكبر.
وأوصى المياحي الشباب بالحفاظ على موروث الأجداد، مؤكداً أن الأفلاج والمدرجات الزراعية في الجبل الأخضر، واحدة من أهم الموروثات العمانية، وهي نتاج عمل الأجداد وبراعتهم الهندسية، وعلى الأجيال أن تواصل الحفاظ على هذا الموروث الأصيل، والعمل على بقائه للأجيال القادمة، مؤكداً أن على الشباب أن يعتاد على العمل والزراعة، والكسب من الأرض، وعدم الاعتماد على الوافد في كل شيء.. موضحا: أن هذا التاريخ الأصيل الضارب في القدم، لن يدوم إلا بأهله، والحفاظ على الأرض والزراعة والأنظمة المعقدة في صيانة المدرجات والأفلاج والعيون مسؤولية الأجيال.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الجبل الأخضر
إقرأ أيضاً:
بلا طعام ولا أهل.. حازم البردويل يروي حكاية البقاء في غزة
غزة- من قلب منطقة النصيرات، وسط قطاع غزة وتحديدا في منطقة الحساينة التي أصبحت أثرا بعد عين، يقف حازم البردويل (30 عاما) فوق ركام بيته الذي دفن تحت أنقاضه جميع من أحبهم، فلم يخسر مجرد الجدران، بل فقدَ في لحظة واحدة عائلته بأكملها بما في ذلك حضن أمه، وصوت أبيه، وضحكات إخوته، ودفء زوجته، وبراءة أطفاله.
وقد نجا البردويل وحيدا من بين ركام الموت، وكأن القدر أبقى جسده حيا ليذوق مرارة الفقد ويكمل الحياة بقلب مُنتزع.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الأونروا: لا يمكن استمرار قتل الفلسطينيين أثناء محاولتهم جلب الطعامlist 2 of 2يعاني شللا رباعيا.. المنصات تتضامن مع طفل غزي حلمه بطاطس مقليةend of listوكل صباح، يستيقظ على صمت قاتل، وحزن كبير، فلم يعد هناك صوت يُوقظه، فلا بكاء للأطفال، ولا رائحة للخبز من يد زوجته، ليستيقظ على فراغ لا يسكن معدته فقط، بل يمتد إلى أعماق روحه، حيث لا شيء سوى العتمة والبرد والحنين.
في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، دمرت غارة إسرائيلية منزل البردويل المكوَّن من 3 طوابق، وأودت بحياة جميع من كان فيه، وحده نجا ليُلقى بجسده المثخن في سرير العناية المركزة، غائبا عن الوعي، قبل أن يصحو على واقع أليم.
واليوم يعيش البردويل داخل خيمة قماشية قرب أنقاض بيته، بلا ماء أو طعام أو كهرباء. ويقول للجزيرة نت بصوت يتهدج بالألم "لم يتبق لي سوى الذكريات، كنت محاطا بأطفالي وأهلي، واليوم أبحث في الركام عن صورة، عن رائحة، عن أي شيء يثبت أنهم كانوا هنا يوما ما".
ولم يعد الشاب يطلب الطعام كما يفعل الآخرون، بل جل أحلامه في عودة نكهة العائلة التي كانت تملأ حياته، حتى عندما لا يجد سوى القليل من الطعام، فالجوع لديه لم يعد فقط جوع الخبز، بل جوع الأمان والحنان، وجوع الاشتياق لأبيه وأمه وأخيه وأخته، وجوع الأحاديث اليومية مع زوجته في لحظة صفاء.
ويتحدث البردويل عن ذلك بالتأكيد بالقول "أشتاق لنكهة العائلة، لا أحد يعرف ما أحتاجه، لا يوجد من يطهو لي أو يتفقدني".
ويعتبر هذا المواطن حياته في ظل الحرب صعبة جدا بلا عائلة تعرف احتياجاته وتوفر متطلباته، ويُتابع "أصبحت أنظف خيمتي وأغسل ملابسي بنفسي، ولا أعرف كيف أطهو الطعام أو أُحضّر الخبز، تمرّ عليّ أيام عديدة دون أن أتناول الطعام، أحياناً أحاول شراء الخبز وبعض المعجنات من السوق إن توفّر معي بعض المال، وفي أحيان أخرى أحاول التأقلم مع حياة لم أعتد عليها، لكنها فُرضت عليّ".
إعلانولا يملك البردويل طعاما يكفي، ولا دواء يخفف آلام جسده المصاب، وهو يحتاج إلى أطعمة غنية بالبروتين والكالسيوم والفيتامينات الضرورية، لكن الحصار الإسرائيلي الخانق يمنع دخول الأغذية والمستلزمات الطبية، حتى المسكنات الأساسية لم تعد متوفرة.
ويضيف "أحتاج لأدوية خاصة، لكنها بطبيعة الحال مفقودة، وإن وُجدت الأطعمة فإن أسعارها مرتفعة، وكل شيء أصبح صعبا، حتى أبسط حقوقنا في الحياة أصبح الحصول عليه مستحيلا".
ورغم الفقد والجوع والمرض، يحاول البردويل أن يتمسك بشيء من الحياة، يحتفظ بهاتفه -الناجي الوحيد معه-، ويعمل من خلاله على الإنترنت، حيث يحصل على تحويلات صغيرة من المال من عملاء قدامى، بالكاد تكفي لسد رمقه.
ويعمل البردويل من تحت شادر متهالك في خيمته، ويقول بابتسامة حزينة "أعلم جيدا أن ما أقوم به لن يعيد لي عائلتي، لكن سأبقى مستمرا على ذلك حتى أبقى على قيد الحياة".
ويختم حديثه بصوت يملؤه الحزن والألم "الجوع في حياتي وإن بدا صعبا وقاتلا، إلا أنه هين ويسير أمام مأساة الفقد ولوعة الفراق، فالجوع أستطيع التحايل عليه بالاحتمال والصبر، وإن لم أفلح فسيقتلني مرة واحدة".
ويضيف مستدركا "لكن فراق أحبتي وعائلتي وزوجتي وأطفالي، وغياب أرواحهم، يعذبني ويكوي أضلعي، إنه يقتلني في اليوم ألف مرة، وكأن الله يريد أن يختبر صبري، وأنا أحاول مقاومة الجوع بالحياة رغم صعوبتها وقساوتها".
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، دخل قطاع غزة المرحلة الثالثة من المجاعة، وفق تصنيف شبكة معلومات الأمن الغذائي العالمية (آي بي سي) حيث تتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل خطير، وسط نقص حاد في الدواء وانعدام شبه تام للغذاء.