جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-13@10:49:52 GMT

الإصلاح المطلوب

تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT

الإصلاح المطلوب

 

 

مدرين المكتومية

يحلم كل فرد في هذا الوطن العزيز، أن يعيش الحياة التي يتصورها ويرغب فيها، ويعمل من أجلها ليل نهار، حياة يبذل لها الكثير من الوقت والجهد والمال، حياة يرى فيها طموحاته تتحقق على أرض الواقع، وأحلامه تعانق عنان السماء، والكثير ممن اجتهدوا حصدوا نتاج اجتهاداتهم، غير أن هناك فئة معينة ممن لم يحالفهم الحظ، أو ربما لم يجدوا الطريق، أو حتى بالأحرى أصبح الطريق وعرًا أمامهم، وهؤلاء يستلزم من الدولة، مؤسسات ومسؤولين، أن يُمهِّدوا لهم هذا الطريق، وأن يُعينوهم على تحديات المعيشة، فآهات المُتعَبين تُسمع في كل وقت وحين!

في ظل ضغوط اقتصادية لا تخُطئها عين، والتزامات اجتماعية لا مهرب منها، وطموحات مستقبلية يأمل كل فرد أن يُحققها، نرى أن تحركات الحكومة والأجهزة المعنية والمسؤولين ما تزال لا تعكس حجم التحديات الماثلة أمام الجميع، فهل هناك وزير أو مسؤول في الدولة لا يعي انعكاسات التضخم على المواطن؟ وهل هناك من تغيب عنه حقيقة أزمة الباحثين عن عمل وإخوانهم من المُسرَّحين من أعمالهم؟! والأهم من ذلك: هل لا يعلم أحد طبيعة الوضع الاقتصادي والاجتماعي وما يُعانيه المواطن من مشكلات يومية تُكدر معيشته وتُرهقه بضغوط نفسية لم تعد الغالبية العظمى قادرة على تحمُّلها والتحلّي بمزيد من الصبر؟!

هذه كلها أسئلة يتعين على كل مسؤول في الدولة أن يُجيب عليها، وأُجزِم أن الإجابة معروفة لدى الكُل؛ فالجميع يعلم علم اليقين حجم التحديات وطبيعة الضغوط ومستوى الإحباط المجتمعي، لكن ماذا فعل هؤلاء من أجل المواطن؟ كيف يتحركون في نطاق مسؤولياتهم واختصاصاتهم لكي يخففوا عن كاهل المواطن كل هذه الآلام النفسية التي تكسر الحجر؟! لماذا يُصر البعض على التشبث بمقعده الوزاري أو الإداري رغم أنه يُدرك جيدًا فشله في تحقيق أهداف وتطلعات المواطن؟

من المؤسف القول إن الإجابة على هذه الأسئلة، مجهولة، فلا أحد يملك تفسيرًا ولم يصل أي مواطن إلى نتيجة يُدرك من خلالها أسباب تقاعس بعض المسؤولين وإخفاق بعض الوزارات -لا سيما الخدمية منها- في تحقيق الأهداف المنوط بهم بلوغها!

وعلى الرغم من أننا نمضي في مسيرتنا المُتجددة وفق رؤية طموحة وواعدة وخطط استراتيجية وتنموية تُنبئ بالخير الوفير لعُمان وأهلها، إلّا أن المواطن لم يجن حتى الآن ثمار هذه الخطط، ولذا يسري الإحباط في مجتمعنا مسرى الدم في جسم الإنسان، والخوف كل الخوف من فقدان الأمل، والتوجس مما هو قادم.

حتى إن الكثير من المواطنين الذين نلتقي بهم ونقرأ ما يكتبونه في وسائل التواصل الاجتماعي، تخلُّوا عن روح الأمل التي كانوا يتمتعون بها قبل سنوات، وباتوا إما يعيشون في صمت العاجز عن الكلام، أو يأس تامٍ لا مخرج منه!

قد يقول البعض لماذا نرسم صورة سلبية للواقع، رغم أن هناك إنجازات يُمكن أن يُشار إليها بالبنان بكل سهولة ويُسر، وإيجابيات يراها القاصي قبل الداني، وهُنا نقول نعم.. هناك إيجابيات وإنجازات لا نُنكرها، لكنها حتى الآن لم تنعكس على المواطن. لا شك أن الدين العام قد تراجع، والفائض المالي للميزانية آخذ في الزيادة، وأسعار النفط ما تزال أعلى مما هو متوقع في الميزانية، بفضل السعر التحوّطي. لكن في المقابل، لا يجد الكثير من المواطنين فرصة العمل المناسبة التي تساعدهم على بدء مشوار الحياة، وهناك من يتعرض للتسريح من عمله، إما لأن الشركة التي يعمل فيها أغلقت أبوابها، أن تقلَّص عدد المشاريع التي تتولاها بصورة أدّت إلى عدم قدرة هذه الشركات على الوفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها.

المواطن يئن ويستغيث ويناشد، لأنه يؤمن أن وطنه وطن الخير والنماء والعطاء، وأن خيرات وطنه ما تزال وفيرة، لكن ربما لا يوجد من يُحسن استغلالها على النحو الأمثل.

الطموحات كبيرة وعالية ونحن بحاجة إلى إصلاح حقيقي وكبير، يواكب مُستهدفات رؤية "عُمان 2040"، إصلاح يراه العالم من حولنا؛ فعندما أتحدثُ عن التعليم مثلًا، نرى أنه ما يزال تقليديًا للغاية، رغم ثورة التقنيات الحديثة، فما زال معيار النجاح في نظامنا التعليمي هو اختبار نهاية العام، وشرط الالتحاق بهذه الجامعة أو تلك يعتمد على الدرجات التي حصلها الطالب في الامتحان النهائي، دون الأخذ في عين الاعتبار الرغبة في التخصص أو المهارات الذاتية لكل طالب، والتي لا تُختبر أبدًا، إذا ما استثنينا تخصصات مثل الموسيقى أو الرسم!!

لا ريب أن البناء الحضاري للإنسان العُماني يجب أن يكون هو الشغل الشاغل لنظامنا التعليمي، لكي نضمن لهذا الإنسان فرصة عادلة وآمنة في المستقبل، يستطيع من خلالها أن يُنافس بكل قوة في سوق العمل، دون أن يُزاحمه وافد، بحجة نقص المهارات الوطنية!

وبالتوازي مع هذا، يتعين على المسؤولين بذل كل جهد وأقصى جهد، من أجل ضمان تحقيق هذه المُستهدفات، وليس فقط تعبئة استمارة "مؤشرات الأداء" التي لا تعدو -للأسف- في كثير من الجهات سوى "حبر على ورق"، أو ربما مجرد ملف إلكتروني يُبعث عبر النظام الرقمي، ليراه المسؤول الكبير (الوزير) في صورة رسم بياني "إنفو جراف"!!

في حقيقة الأمر، لا يجب أن يشعر المواطن أن الأهداف الكبرى والخطط الاستراتيجية ليست سوى مجرد وعود مؤجلة؛ فالقيادة تعني القدرة على تحفيز الإنسان على الإبداع والإنتاجية، وأمانة المسؤولية تُحتِّم على كل مسؤول الاستماع إلى صوت المواطن والتفاعل معه، وكم نحن بحاجة إلى مسؤولين ميدانيين لا مكتبيين، يضعون مصلحة عُمان نصب أعينهم، لا أن تكون هناك فجوات وتداخل في المهام؛ فكل مؤسسة ترمي إخفاقاتها على مؤسسة أخرى، وكل مسؤول يتنصل من المسؤولية ويُلقيها على عاتق مسؤول آخر، وهكذا دواليك!

وثمّة تناغم مفقود بين المسؤولين؛ سواءً على مستوى الوزراء أو المحافظين أو الولاة، وحتى على مستوى مديري الدوائر والأقسام، الجميع يُغرّد في سرب بفرده، وكأننا نعيش في جُزر مُنعزلة؛ فمثلًا قد تجد المالية لا تُنسق مع الاقتصاد، والعمل لا تتفق مع التنمية الاجتماعية، والتعليم تختلف مع السياحة والعمل، وهكذا.. وهذا التناغُم المفقود يُضعف من أداء الحكومة، ويُظهرها بمظهر غير القادر على حسم الأمور، وبُطء الأداء، وتراجع الإنجاز. لذلك لا بُد من تفعيل التنسيق المشترك بين الوزارات على أعلى مستوى، بعيدًا عن اللجان المُشتركة التي في كُل أعمالها تميل إلى البيروقراطية، ويكون شغلها الشاغل ترتيب الأوراق ومحاضر الاجتماعات دون إنجاز حقيقي سريع وفاعل على الأرض.

الواقع يؤكد أننا نفتقد إلى "مايسترو" يقود الأوركسترا الحكومية، في تناغم وتنسيق كامل، لنعزف أجمل المقطوعات الوطنية، ويشعر المواطن أن حكومته تعمل من أجل إسعاده وتخفيف الأعباء عن كاهله. وهذا يتطلب مزيدا من الصلاحيات الواضحة لكل مسؤول، وأن يقوم كل مسؤول بواجباته دون تأجيل أو تسويف، أو انتظار توجيهات أو تعليمات، فقد وقع عليه الاختيار لكي يتخذ القرار لا أن ينتظر من يتخذه بالنيابة عنه.

أما على مستوى قطاع التوظيف، يجب أن يعلم الجميع أن حل هذه القضية يستلزم خططًا عاجلة وفاعلة تتمثل في تطوير المناهج الدراسية وتغيير معايير النجاح والرسوب، لكي تعتمد بصورة أكبر على المهارات، لا الحشو والتلقين، وأن يكون التوظيف عبر القدرات والمهارات، لا الشهادات والمؤهلات رغم أهميتها بالتأكيد. كما يجب طرح تخصصات تُلبي حاجة سوق العمل، من خلال قرارات سريعة؛ إذ لا يجب أن ننتظر 3 سنوات لكي تُنهي اللجان المعنية عملها!!

أيضًا على مستوى الإعلام، لا يجب نعفي أنفسنا من المسؤولية، لكننا بحاجة إلى إعلام مُستقِل قادر على مساءلة الوزراء والمعنيين، ويوجه لهم الأسئلة الكاشفة لحقيقة الأوضاع، ويمنح المواطن الرؤية الصحيحة للواقع، ومن قصّر في عمله ومن تهاون، وأيضًا من حقق الإنجاز.

نريد لثقافة التحفيز أن تجد مكانها، ليس وفق قواعد وشروط منظومة "إجادة" وما على شاكلتها، وما يعتريها من نقصان أو سلبيات؛ بل من خلال نهج عام يُعلي من شأن المُجتهد بحقٍ، والشغوف بعمله والحريص على أداء واجبه. وهذا التحفيز سيكون السبيل للقضاء على ثقافة الشكوى والإحباط، وادعاء غياب العدالة.

وأخيرًا.. نريد اقتصادًا إنتاجيًا يقوم على التصنيع وريادة الأعمال، بشروط مُيسرة وإجراءات مرنة بعيدة كل البُعد عن البيروقراطية، وفق تمويل سهل يدعم النجاح والتميُّز.

إنَّنا في هذا الوطن العزيز المعطاء، يدٌ واحدة خلف قائدنا المُفدى، نتطلع للتغيير المنشود في حياتنا ومعيشتنا، ولن يتأتى ذلك إلّا من خلال الإصلاح المطلوب، هذا الإصلاح الذي يتحقق بالإجراءات لا عناوين الصحف، بالقرارات لا بالتصريحات، بتطبيقاته على أرض الواقع، وليس فقط "مؤشرات الأداء" الرقمية.

تحيا عُمان مُزدهرة تنعم بالنماء والرخاء.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

برلمانية: هناك اهتمام كبير من جانب الحكومة من أجل الاستثمار خلال الفترة القادمة

قالت ميرفت الكسان ، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب أن هناك اهتماما كبيرا من جانب الحكومة من أجل الإستثمار خلال الفترة القادمة.

وأكدت الكسان فى تصريحات خاصة لـ"صدى البلد" أن مصر تستهدف ضخ استثمارات فى القطاع الخاص، وأن يكون هناك شراكة مع القطاع الخاص فى مجالات الزراعة والتصنيع و المواد الغذائية.

نائب الشيوخ: تراجع التضخم رسالة ثقة ودفعة مهمة لجذب الاستثمارمحافظة قنا: نعد خريطة استثمارية واضحة خالية من المعوقاترئيس الوزراء: إقبال الشركات العالمية على الاستثمار في مصر دليل السير على الطريق الصحيحمحافظ بورسعيد يشيد بقرار إنشاء شركة النادي المصري للاستثمار الرياضي| شاهد

وكان قد أكد رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، أن الرئيس عبدالفتاح السيسي وجه الحكومة بضرورة إطلاق حزمة كاملة من التيسيرات لجميع القطاعات في الدولة ووضع رؤية متكاملة بصورة كبيرة لعدد من القرارات من شأنها تساعد الاقتصاد المصري في النمو بشكل أسرع .. مشيرًا إلى أن الحكومة تبذل مع كافة الجهات المعنية، وبناء على توجيهات رئيس الجمهورية، جهد كبير في الخروج بأفكار كثيرة في هذا الأمر؛ في حين سيتم عرضها على السيد الرئيس، بحيث يتم رؤيتها تتحقق خلال الفترة القادمة.

وأشار مدبولي - خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الأربعاء، عقب اجتماع الحكومة بمقر مجلس الوزراء بالعاصمة الجديدة - إلى التقارير الذي نشرته وكالة "فيتش" الدولية والخاص بالتصنيف الائتماني للاقتصاد المصري، موضحًا أن هذه المؤسسة الدولية المهمة التي تتابع اقتصاديات الدولة، قامت خلال تقريرها الاخير برفع للمرة الثانية توقعاتها لنمو الاقتصاد المصري خلال شهرين من 4.9 إلى 5.2 للعام المالي الحالي بناء علي الأداء الجيد جدا للاقتصاد خلال الربع الاول من العام .

وقال إن الوكالة الدولية أرجعت هذه الزيادة المتوقعة نتيجة زيادة الاستثمارات وزيادة الصادرات وتحسن المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري والقطاع الخارجي وتوافر العملة الأجنبية واستقرار سعر العملات بالإضافة إلى توقعاتها بارتفاع إيرادات قناة السويس بصورة تدريجية خلال الفترة المقبلة وبالتالي أبقت المؤسسة تصنيف مصر عند المستوي B مع نظرة مستقبلية مستقرة .

وأضاف أن مؤسسة "فيتش" الدولية توقعت أن يحافظ الجنيه المصري على أدائه القوي أمام سلة العملات الأجنبية.. مشيرًا إلى أن كل هذه المؤشرات تعد مهمة جدا؛ للوقوف أمامها كونها تؤكد ما تقوله الحكومة بوضوح شديد دومًا من أن النمو الذي يحدث في الاقتصاد المصري قائم على إنتاجيه حقيقية وقطاعات رئيسية تعمل بغض النظر عن الظروف الموسمية او الصفقات أو الأموال الساخنة، هذا إضافة إلى إعلان البنك المركزي عن زيادة جديدة في الاحتياطي من العملة النقدية الأجنبية؛ والتي تبلغ 50 مليارا و216 مليون دولار بالمقارنة بالشهر الماضي بزيادة بلغت 145 مليون دولار خلال شهر .

وأوضح مدبولي أنه يلتقى - بصفة دورية - بمحافظ البنك المركزي على مدار الأسبوع حيث يوجد تنسيق كامل بين الحكومة والبنك المركزي في كل الإجراءات التي يتم التحرك خلالها بهدف تخفيض معدلات التضخم؛ وهو ما يؤدي لانخفاض تدريجي في أسعار الفائدة ويتيح فرصة أكبر للقطاع الخاص والمواطنين من الاستفادة من التسهيلات الائتمانية.. مشيرًا إلى أن الرقم الخاص بالتضخم لشهر نوفمبر أوضح انخفاض التضخم بشكل ملحوظ وأزال التخوفات من استمرار صعود التضخم حتي الشهر الماضي، لافتا إلى أن السبب الرئيسي لانخفاض التضخم هو انخفاض أسعار الخضروات والمواد الغذائية الأساسية على الرغم من ارتفاع أسعار وسائل النقل نتيجة ارتفاع أسعار الوقود؛ مما يثبت أن الإجراءات الحكومية كانت مناسبة وفي توقيت مثالي للوصول إلى النسبة الحالية من التضخم وصولًا إلى نهاية العام الجاري.

وأشار رئيس الوزراء إلى أن التضخم وصل - في المدن المصرية - إلى 12.3 مقارنة للشهر الماضي البالغ 12.5، وأن التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية هو 10 %؛ وهو ما توقعته الحكومة للوصول إلى هذا الرقم بنهاية العام الجاري؛ وهو ما يؤكد أن الإدارة المشتركة لإدارة هذا الملف بين الحكومة والبنك المركزي تسير بشكل جيد . 

طباعة شارك الحكومة استثمارات القطاع الخاص الزراعة التصنيع

مقالات مشابهة

  • الجميّل: العهد لم يخذلنا لكن المطلوب سرعة أكثر في اتّخاذ القرارات والحسم
  • الكرملين: المطلوب في أوكرانيا هو سلام دائم
  • مصطفى بكري: هناك رموز ستختفي والحكومة ستتغير بعد الانتخابات.. فيديو
  • "العمو"… مقتل مهرب البشر الليبي المطلوب دوليا
  • فوائد واسعة لـالبابونج.. هل هناك أضرار في حال تناوله يوميا؟
  • قراءة في كتاب «وكأنني لازلت هناك» للدكتور صبري ربيحات
  • نحو 100 قتيل في هجوم الإنتقالي على حضرموت.. ومعلومات تكشف حجم الإنتهاكات التي ارتكبتها مليشياته هناك
  • برلمانية: هناك اهتمام كبير من جانب الحكومة من أجل الاستثمار خلال الفترة القادمة
  • هل هناك موت ثقافي في القدس؟
  • هل هناك فرق بين العراف والكاهن