الطبقة المتوسطة تدفع موجة استهلاك عالمية غير مسبوقة
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
خوان كاباييرو - آنا سامبايو
قبل عقد من الزمن كان المرور عبر الجمارك في مطار إل دورادو بالعاصمة الكولومبية بوغوتا أمرًا في غاية السهولة، فقد كان بالإمكان الوصول قبل ساعة فقط من موعد رحلتك، إذ لم يكن هناك ازدحام يُذكر، أما اليوم فقد تغيّر المشهد تمامًا: طوابير طويلة، وتدفّق للسياح، وعائلات تشتري تذاكر سفرها الأولى في أجواء تعكس صخب المطارات الدولية المعتاد.
السبب وراء هذا الارتفاع بسيط لكنه بطيء، وبالتالي يسهل على وسائل الإعلام التغافل عنه، ففي الفترة نفسها توسعت الطبقة الاستهلاكية في كولومبيا بهدوء بمقدار 13 مليون شخص، وذلك وفقًا لنتائج أحدث تقرير لـ«توقعات المستهلك العالمي» الصادر عن مختبر بيانات العالم، الذي يفصّل أحدث التوقعات الخاصة بإنفاق المستهلكين للفترة الممتدة من عام 2025 وحتى عام 2030.
ومع خروج الأفراد من دائرة الفقر وانضمامهم إلى الطبقة الاستهلاكية، تتغير أنماط إنفاقهم؛ فلم يعد تركيزهم يقتصر على الأساسيات، بل بات بإمكانهم التفكير في الكماليات مثل السفر جوًّا، أو شراء أجهزة التلفاز، أو حتى اقتناء السيارة الأولى. وما يحدث بهدوء وبطء في أماكن مثل كولومبيا، يجري كذلك على نطاق عالمي.
ويتوقع «مختبر بيانات العالم» أن ينضم 106 ملايين شخص إلى «الطبقة الاستهلاكية» في عام 2025، وقد عرّف المختبر هذه الطبقة بأنها تضم الأفراد الذين ينفقون أكثر من 13 دولارًا يوميًّا (بحسب تعادل القوة الشرائية لعام 2021)، وتشمل الطبقة المتوسطة والأثرياء.
إلا أن التضخم والحروب والتوترات التجارية أثرت على هذه التوقعات، مما أدى إلى انخفاض عدد المنضمين الجدد إلى الطبقة الاستهلاكية بمقدار 10 ملايين شخص، وعلى الرغم من هذه التحديات العالمية، فإن الاتجاه طويل المدى يشير إلى استمرار التقدم، فقد بلغ عدد أفراد الطبقة المتوسطة والأثرياء حاليًّا 4.4 مليار نسمة، متجاوزين بذلك عدد الفقراء البالغ 3.6 مليار نسمة، ويصل حجم إنفاقهم مجتمعين إلى أكثر من 60 تريليون دولار سنويًّا.
وفي عام 2025، ورغم أن وتيرة النمو ستكون الأبطأ منذ جائحة كورونا، فإن الطبقة المتوسطة العالمية ستتجاوز للمرة الأولى حاجز 4 مليارات نسمة، لتصبح الأغلبية، ويتوقع «مختبر بيانات العالم» أن يستمر هذا التفوق، مع انضمام مليار شخص آخرين إلى الطبقة المتوسطة خلال العقد المقبل، ليصل عدد أفراد الطبقة الاستهلاكية إلى 5.7 مليار نسمة من أصل 8.7 مليار نسمة هم إجمالي سكان العالم؛ فالنمو العالمي قد يكون بطيئًا، لكنه لم يتوقف، وقد أظهر «مختبر بيانات العالم» هذا العام أن إنفاق الأسر سيكون أقل بمقدار تريليون دولار مما كان متوقعًا، إلا أنها ستضيف مع ذلك نحو تريليوني دولار بالقيمة الاسمية، وبعد احتساب التضخم، يمثل هذا زيادة حقيقية في الإنفاق تبلغ 1.4 تريليون دولار، أي ما يعادل متوسط 175 دولارًا للفرد سنويًّا.
ومع ذلك، فإن الاضطرابات الاقتصادية العالمية تؤثر على إنفاق المستهلكين، حيث يتوقع البنك الدولي أن يشهد العالم أضعف معدلات نمو منذ 17 عامًا، ويستعرض تحليلنا سيناريوهات مختلفة بناء على أنماط الإنفاق الجغرافية، كاشفًا عما يشبه «معضلة السجين العالمية»، حيث تتصرف الدول وفقًا لمصالحها الذاتية، مما يؤدي في النهاية إلى نتائج أقل من المستوى الأمثل للجميع.
معضلة السجين العالمية
إذا تعاونت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين عبر تخفيف الرسوم الجمركية والسياسات التجارية، فقد ينضم 35 مليون شخص إضافي إلى الطبقة المتوسطة بحلول عام 2027، أما إذا اتخذت هذه الأطراف مسارًا معاكسًا بزيادة الحواجز وتشديد السياسات، فسيتضرر النمو العالمي، وسيُحرم 25 مليون شخص كانوا مرشحين لدخول الطبقة المتوسطة من هذه الفرصة، خاصة في الولايات الصناعية الأمريكية والصين المعتمدة على التصدير؛ فالتعاون يعود بالنفع على الجميع، بينما الانعزال يلحق الضرر بالجميع، وهنا تتبلور ثلاثة سيناريوهات محتملة:
• السيناريو (أ) - الانتكاسات: ترتفع تكاليف الاقتراض والمخاطر عالميًّا، وتمدد الولايات المتحدة التخفيضات الضريبية، ولا تُنفذ إصلاحات كبرى في بقية العالم، وأن يؤدي تصاعد حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين إلى رفع كبير في الرسوم.
• السيناريو (ب) - الأساس: تخفض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أسعار الفائدة، وتشدد اليابان سياساتها تجاه الإنفاق، وتتحمّل الولايات المتحدة والأسواق الناشئة المزيد من الديون، ويرتفع معدل الدين في الاتحاد الأوروبي قليلًا، وتبقى حالة عدم اليقين في السياسات التجارية مرتفعة.
• السيناريو (ج) - الإصلاحات: يعزز تحسن الثقة الأوضاع المالية، وتخفض الولايات المتحدة ديونها عبر الإصلاحات، ويزيد الاتحاد الأوروبي من الاستثمار العام، وتفتح الصين أسواقها وتعيد هيكلة الشركات المملوكة للدولة لتقليل الحواجز أمام الدخول.
في السيناريو السلبي، يتكبد المستهلكون في الولايات المتحدة الخسائر الأكبر؛ فارتفاع أسعار الفائدة وتصاعد الحروب التجارية يقتطعان من قدرتهم الشرائية، ولا سيما الطبقة المتوسطة؛ وحتى في السيناريو الإيجابي، فإن الطبقة المتوسطة الأمريكية لا تحصد مكاسب كبيرة، إذ يظل النمو مقيدًا بفعل التشديد المالي وارتفاع الضرائب، خصوصًا على الفئات التي لا تنتمي إلى أعلى الهرم.
أما في الصين، فتؤدي السيناريوهات المختلفة إلى نتائج متباينة للغاية. ففي السيناريو السلبي، يتراجع وضع المستهلكين الصينيين، وخاصة الطبقة المتوسطة، التي تتأثر بانكماش الصادرات وضعف العملة المحلية. بينما في السيناريو الإيجابي، تتوسع الطبقة المتوسطة الصينية بفضل قوة العملة وزيادة الاستثمارات وانخفاض أسعار الفائدة، وهو ما يعزز نمو الشركات الصغيرة.
وتسلك أوروبا مسارًا مشابهًا. ففي السيناريو السلبي، تتضرر أوروبا بسبب انكشافها الكبير على التجارة العالمية، ولا سيما مع الولايات المتحدة. بينما في السيناريو الإيجابي، تقود الاستثمارات العامة ومشاريع البنية التحتية إلى تعزيز ثقة المستهلكين وانتعاش الاقتصاد.
إن تباطؤ النمو لا يعني نهاية الفرص الاستهلاكية عالميًّا، فالطبقة المتوسطة العالمية ستضيف أكثر من 100 مليون شخص جديد إلى صفوفها خلال عام 2025؛ لكنه يعني أن قواعد اللعبة الاقتصادية تتغير؛ فأنماط الإنفاق ستتأثر بدرجة أقل بازدهار الأسواق الجديدة، وبدرجة أكبر بالتحديات المتمثلة في التضخم، وتقلبات العملات، والسياسات التجارية، والاستقرار المالي للمستهلكين الأكبر سنًّا والأكثر ثراء.
وتبقى الولايات المتحدة مركز الثقل للاستهلاك العالمي، لكنها أيضًا الأكثر عرضة للمخاطر السلبية. وفي المقابل، تمتلك أوروبا فرصة لتعزيز موقعها إذا تبنّت سياسات حكيمة، أما في الصين، فكل شيء يعتمد على ما إذا كانت الإصلاحات واستراتيجيات الاستقرار ستنجح في الوقت المناسب.
خوان كاباييرو رئيس قسم الرؤى والتحليلات، مختبر بيانات العالم
آنا سامبايو باحثة بيانات مساعدة، مختبر بيانات العالم
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الطبقة المتوسطة فی السیناریو ملیار نسمة إلى الطبقة ملیون شخص عام 2025 فی عام
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة تفرض حزمة عقوبات جديدة تستهدف قطاع النفط الإيراني
تُعد هذه الإجراءات جزءًا من استراتيجية واشنطن المعروفة بـ "الضغط الأقصى" ضد إيران، والتي تهدف إلى "خفض صادراتها النفطية وقطع مصادر تمويلها. اعلان
ضمن سياستها الهادفة إلى خنق الاقتصاد الإيراني، أعلنت الحكومة الأميركية، يوم الخميس 9 أكتوبر/تشرين الأول 2025، عن فرض حزمة عقوبات واسعة طالت نحو خمسين شخصية وشركة وسفينة، تتهمها واشنطن بالمشاركة في بيع ونقل النفط والغاز الإيرانيين.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيان رسمي إن الشبكة المستهدفة "سهّلت نقل مئات ملايين الدولارات من صادرات الطاقة الإيرانية"، مؤكدة أن هذه الأموال "تُسهم في تمويل أنشطة النظام الإيراني ودعم جماعات مسلّحة تهدّد استقرار المنطقة ومصالح الولايات المتحدة".
الكيانات المشمولة بالعقوباتشملت العقوبات، وفق البيان، شركات مقرها الإمارات تُتَّهَم بتسهيل تجارة النفط الإيراني، إلى جانب مصافٍ مستقلة في الصين تُعرف باسم "إبريق الشاي"، كانت تستقبل شحنات من الخام الإيراني عبر ما يُعرف بـ"الأسطول الشبح" وهي شبكة من السفن التي تُبحر بأسماء وأعلام مزوّرة لتفادي الرقابة الدولية.
كما طالت الإجراءات نحو عشرين سفينة تابعة لهذه الشبكة، إلى جانب محطة نفطية في الصين وشركات وساطة في هونغ كونغ وسنغافورة، اتُّهمت بالمشاركة في عمليات الدفع والتحويل المالي بين الشركات الإيرانية والمشترين الآسيويين.
Related إيران تحت العقوبات مجددًا.. وطهران ترفض محادثات نووية قد تجلب "مشاكل جديدة" إيران تشدد على الحل التفاوضي لملفها النووي.. وتحذف أربعة أصفار من عملتها تحت وطأة العقوباتبروكسل تعلن إعادة فرض العقوبات الاقتصادية والمالية على إيرانأما وزارة الخارجية الأميركية فأعلنت في بيان موازٍ فرض عقوبات إضافية على نحو 40 كيانًا آخر، بينهم "بعض أكبر المشترين للمنتجات البتروكيماوية الإيرانية من حيث الحجم والقيمة"، إلى جانب شخصيات على رأس شركات تعمل في هذا المجال.
خنق آلة تصدير الطاقة الإيرانيةأوضح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت أن الهدف من هذه الخطوة هو "تقويض تدفّق العائدات المالية للنظام الإيراني عبر تفكيك مكوّنات آلة تصدير الطاقة لديه"، مضيفًا أن بلاده "ستواصل الضغط لتقليص قدرة طهران على تمويل الجماعات الإرهابية والأنشطة المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط".
وبحسب بيان الوزارة، تشمل العقوبات تجميد الأصول داخل الولايات المتحدة، وحظر أي تعامل تجاري مع الكيانات المشمولة بها، بما في ذلك الشركات الأجنبية التي تستخدم الدولار في تعاملاتها مع هذه الجهات.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة