خوان كاباييرو - آنا سامبايو 

قبل عقد من الزمن كان المرور عبر الجمارك في مطار إل دورادو بالعاصمة الكولومبية بوغوتا أمرًا في غاية السهولة، فقد كان بالإمكان الوصول قبل ساعة فقط من موعد رحلتك، إذ لم يكن هناك ازدحام يُذكر، أما اليوم فقد تغيّر المشهد تمامًا: طوابير طويلة، وتدفّق للسياح، وعائلات تشتري تذاكر سفرها الأولى في أجواء تعكس صخب المطارات الدولية المعتاد.

ولعل الأرقام تفسّر هذا التحوّل، ففي عام 2009، بلغ إجمالي الرحلات الجوية من وإلى كولومبيا 24.5 مليون رحلة، أما في عام 2024 فقد وصل إلى رقم قياسي بلغ 56.5 مليون رحلة.

السبب وراء هذا الارتفاع بسيط لكنه بطيء، وبالتالي يسهل على وسائل الإعلام التغافل عنه، ففي الفترة نفسها توسعت الطبقة الاستهلاكية في كولومبيا بهدوء بمقدار 13 مليون شخص، وذلك وفقًا لنتائج أحدث تقرير لـ«توقعات المستهلك العالمي» الصادر عن مختبر بيانات العالم، الذي يفصّل أحدث التوقعات الخاصة بإنفاق المستهلكين للفترة الممتدة من عام 2025 وحتى عام 2030.

ومع خروج الأفراد من دائرة الفقر وانضمامهم إلى الطبقة الاستهلاكية، تتغير أنماط إنفاقهم؛ فلم يعد تركيزهم يقتصر على الأساسيات، بل بات بإمكانهم التفكير في الكماليات مثل السفر جوًّا، أو شراء أجهزة التلفاز، أو حتى اقتناء السيارة الأولى. وما يحدث بهدوء وبطء في أماكن مثل كولومبيا، يجري كذلك على نطاق عالمي.

ويتوقع «مختبر بيانات العالم» أن ينضم 106 ملايين شخص إلى «الطبقة الاستهلاكية» في عام 2025، وقد عرّف المختبر هذه الطبقة بأنها تضم الأفراد الذين ينفقون أكثر من 13 دولارًا يوميًّا (بحسب تعادل القوة الشرائية لعام 2021)، وتشمل الطبقة المتوسطة والأثرياء.

إلا أن التضخم والحروب والتوترات التجارية أثرت على هذه التوقعات، مما أدى إلى انخفاض عدد المنضمين الجدد إلى الطبقة الاستهلاكية بمقدار 10 ملايين شخص، وعلى الرغم من هذه التحديات العالمية، فإن الاتجاه طويل المدى يشير إلى استمرار التقدم، فقد بلغ عدد أفراد الطبقة المتوسطة والأثرياء حاليًّا 4.4 مليار نسمة، متجاوزين بذلك عدد الفقراء البالغ 3.6 مليار نسمة، ويصل حجم إنفاقهم مجتمعين إلى أكثر من 60 تريليون دولار سنويًّا.

وفي عام 2025، ورغم أن وتيرة النمو ستكون الأبطأ منذ جائحة كورونا، فإن الطبقة المتوسطة العالمية ستتجاوز للمرة الأولى حاجز 4 مليارات نسمة، لتصبح الأغلبية، ويتوقع «مختبر بيانات العالم» أن يستمر هذا التفوق، مع انضمام مليار شخص آخرين إلى الطبقة المتوسطة خلال العقد المقبل، ليصل عدد أفراد الطبقة الاستهلاكية إلى 5.7 مليار نسمة من أصل 8.7 مليار نسمة هم إجمالي سكان العالم؛ فالنمو العالمي قد يكون بطيئًا، لكنه لم يتوقف، وقد أظهر «مختبر بيانات العالم» هذا العام أن إنفاق الأسر سيكون أقل بمقدار تريليون دولار مما كان متوقعًا، إلا أنها ستضيف مع ذلك نحو تريليوني دولار بالقيمة الاسمية، وبعد احتساب التضخم، يمثل هذا زيادة حقيقية في الإنفاق تبلغ 1.4 تريليون دولار، أي ما يعادل متوسط 175 دولارًا للفرد سنويًّا.

ومع ذلك، فإن الاضطرابات الاقتصادية العالمية تؤثر على إنفاق المستهلكين، حيث يتوقع البنك الدولي أن يشهد العالم أضعف معدلات نمو منذ 17 عامًا، ويستعرض تحليلنا سيناريوهات مختلفة بناء على أنماط الإنفاق الجغرافية، كاشفًا عما يشبه «معضلة السجين العالمية»، حيث تتصرف الدول وفقًا لمصالحها الذاتية، مما يؤدي في النهاية إلى نتائج أقل من المستوى الأمثل للجميع.

معضلة السجين العالمية

إذا تعاونت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين عبر تخفيف الرسوم الجمركية والسياسات التجارية، فقد ينضم 35 مليون شخص إضافي إلى الطبقة المتوسطة بحلول عام 2027، أما إذا اتخذت هذه الأطراف مسارًا معاكسًا بزيادة الحواجز وتشديد السياسات، فسيتضرر النمو العالمي، وسيُحرم 25 مليون شخص كانوا مرشحين لدخول الطبقة المتوسطة من هذه الفرصة، خاصة في الولايات الصناعية الأمريكية والصين المعتمدة على التصدير؛ فالتعاون يعود بالنفع على الجميع، بينما الانعزال يلحق الضرر بالجميع، وهنا تتبلور ثلاثة سيناريوهات محتملة:

• السيناريو (أ) - الانتكاسات: ترتفع تكاليف الاقتراض والمخاطر عالميًّا، وتمدد الولايات المتحدة التخفيضات الضريبية، ولا تُنفذ إصلاحات كبرى في بقية العالم، وأن يؤدي تصاعد حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين إلى رفع كبير في الرسوم.

• السيناريو (ب) - الأساس: تخفض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أسعار الفائدة، وتشدد اليابان سياساتها تجاه الإنفاق، وتتحمّل الولايات المتحدة والأسواق الناشئة المزيد من الديون، ويرتفع معدل الدين في الاتحاد الأوروبي قليلًا، وتبقى حالة عدم اليقين في السياسات التجارية مرتفعة.

• السيناريو (ج) - الإصلاحات: يعزز تحسن الثقة الأوضاع المالية، وتخفض الولايات المتحدة ديونها عبر الإصلاحات، ويزيد الاتحاد الأوروبي من الاستثمار العام، وتفتح الصين أسواقها وتعيد هيكلة الشركات المملوكة للدولة لتقليل الحواجز أمام الدخول.

في السيناريو السلبي، يتكبد المستهلكون في الولايات المتحدة الخسائر الأكبر؛ فارتفاع أسعار الفائدة وتصاعد الحروب التجارية يقتطعان من قدرتهم الشرائية، ولا سيما الطبقة المتوسطة؛ وحتى في السيناريو الإيجابي، فإن الطبقة المتوسطة الأمريكية لا تحصد مكاسب كبيرة، إذ يظل النمو مقيدًا بفعل التشديد المالي وارتفاع الضرائب، خصوصًا على الفئات التي لا تنتمي إلى أعلى الهرم.

أما في الصين، فتؤدي السيناريوهات المختلفة إلى نتائج متباينة للغاية. ففي السيناريو السلبي، يتراجع وضع المستهلكين الصينيين، وخاصة الطبقة المتوسطة، التي تتأثر بانكماش الصادرات وضعف العملة المحلية. بينما في السيناريو الإيجابي، تتوسع الطبقة المتوسطة الصينية بفضل قوة العملة وزيادة الاستثمارات وانخفاض أسعار الفائدة، وهو ما يعزز نمو الشركات الصغيرة.

وتسلك أوروبا مسارًا مشابهًا. ففي السيناريو السلبي، تتضرر أوروبا بسبب انكشافها الكبير على التجارة العالمية، ولا سيما مع الولايات المتحدة. بينما في السيناريو الإيجابي، تقود الاستثمارات العامة ومشاريع البنية التحتية إلى تعزيز ثقة المستهلكين وانتعاش الاقتصاد.

إن تباطؤ النمو لا يعني نهاية الفرص الاستهلاكية عالميًّا، فالطبقة المتوسطة العالمية ستضيف أكثر من 100 مليون شخص جديد إلى صفوفها خلال عام 2025؛ لكنه يعني أن قواعد اللعبة الاقتصادية تتغير؛ فأنماط الإنفاق ستتأثر بدرجة أقل بازدهار الأسواق الجديدة، وبدرجة أكبر بالتحديات المتمثلة في التضخم، وتقلبات العملات، والسياسات التجارية، والاستقرار المالي للمستهلكين الأكبر سنًّا والأكثر ثراء.

وتبقى الولايات المتحدة مركز الثقل للاستهلاك العالمي، لكنها أيضًا الأكثر عرضة للمخاطر السلبية. وفي المقابل، تمتلك أوروبا فرصة لتعزيز موقعها إذا تبنّت سياسات حكيمة، أما في الصين، فكل شيء يعتمد على ما إذا كانت الإصلاحات واستراتيجيات الاستقرار ستنجح في الوقت المناسب.

خوان كاباييرو رئيس قسم الرؤى والتحليلات، مختبر بيانات العالم

آنا سامبايو باحثة بيانات مساعدة، مختبر بيانات العالم

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الطبقة المتوسطة فی السیناریو ملیار نسمة إلى الطبقة ملیون شخص عام 2025 فی عام

إقرأ أيضاً:

السلطات القطرية توقف تجار ومهربي أسلحة بحادثة غير مسبوقة

أعلنت وزارة الداخلية القطرية إيقاف مجموعة تضم مواطنين قطريين، بتهمة تهريب الأسلحة والمتاجرة بها بشكل غير مشروع.
 
وأكدت السلطات القطرية، أنه في إطار الجهود المتواصلة التي تبذلها وزارة الداخلية لمكافحة الجرائم التي تهدد أمن المجتمع واستقراره ، تمكنت إدارة البحث الجنائي بالإدارة العامة للمباحث الجنائية من ضبط خمسة متهمين بينهم مواطنان، لضلوعهم في عملية تهريب واتجار غير مشروع بالأسلحة النارية داخل البلاد.

إدارة البحث الجنائي بالإدارة العامة للمباحث الجنائية، تلقي القبض على خمسة متهمين، بينهم مواطنان، لتورطهم في عملية تهريب واتجار غير مشروع بالأسلحة النارية داخل البلاد #الداخلية_قطر pic.twitter.com/KmoH0G2MKN — وزارة الداخلية - قطر (@MOI_Qatar) August 9, 2025
وجاءت هذه العملية الأمنية النوعية بحسب المصادر الرسمية القطرية، عقب ورود معلومات تفيد بممارسة المتهمين نشاط إجرامي يتعلق بالتهريب والاتجار غير المشروع بالأسلحة النارية.

وتم تنفيذ مداهمة أسفرت عن ضبط أفراد الشبكة الإجرامية المتورطة وبحوزتهم الأسلحة النارية المتنوعة بعد أن جمع وتحليل المعلومات، لتحديد هوية المشتبه فيهم والتحري عنهم، وفق متابعة وصفت بالدقيقة.

وأكدت السلطات تحريز المضبوطات وفقًا للإجراءات القانونية المعمول بها، وإحالة المتهمين إلى النيابة العامة لاستكمال الإجراءات القانونية المتبعة في هذا الشأن.


وأثار إعلان إيقاف المجموعة تفاعلاً واسعاً، حيث قال خبراء أمنيون إن الحادثة لن تؤثر على سمعة الدولة الخليجية كونها واحدة من "أكثر الدول أماناً في العالم".

وأكد المجلس الوطني للتخطيط، أن دولة قطر احتلت المرتبة الأولى على مستوى كل من العالم العربي، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في مؤشر السلام العالمي لعام 2025 الصادر عن "معهد الاقتصاد والسلام ".

ولسنوات متواصلة ، احتلت قطر التصنيف السنوي للمعهد، والمرتبة 27 عالمياً من بين 163 دولة شملها التقييم اعتماداً على مؤشرات وتحليل للعديد من المعطيات، وتحديداً الجهود التي تبذلها الدوحة في مجال الوساطة، وإحلال السلام في المنطقة، متقدمة على عدد من الدول المتطورة والعواصم الغربية.

10 most peaceful countries in the world:
Iceland
Ireland
New Zealand
Austria
Switzerland
Singapore
Portugal
Denmark
Slovenia
Finland

????️Explore how each country performs across 23 indicators of Global Peace Index in our interactive map: https://t.co/ieTEZsSJdc pic.twitter.com/Go73Lm3c2g — Global Peace Index (@GlobPeaceIndex) July 25, 2025
كما حافظت قطر على سدة ترتيب الدول الأكثر أمناً وأماناً في المنطقة العربية، والأقل في معدلات الجريمة عالمياً، في معظم تقارير مؤشرات الأمن والسلام العالمي في السنوات الأخيرة, محرزة المركز الأول للعام الـ13 على التوالي والمركز 29 على مستوى العالم، من بين 163 دولة شملها المؤشر العالمي.

مقالات مشابهة

  • اتحاد النقل الجوي الدولي: الولايات المتحدة أكبر سوق للطيران في العالم وآسيا تضم أكثر المسارات ازدحاماً
  • صدور بيانات التضخم في الولايات المتحدة، وآثارها الاقتصادية
  • الأمم المتحدة تحذر من كارثة إنسانية غير مسبوقة في السودان
  • موجة حر «غير مسبوقة» تضرب أمريكا وفرنسا.. تحذيرات عاجلة من حرائق مدمرة
  • تسونامي بارتفاع 100 قدم.. تحذيرات من زلزال مدمر يهدد الولايات المتحدة
  • روسيا تكشف تطوير أنظمة صواريخ متوسطة وقصيرة المدى خلال فترة وقف نشرها
  • نشأت الديهي: مصر تواجه موجة غير مسبوقة من الشائعات تستهدف شخص الرئيس السيسي
  • السلطات القطرية توقف تجار ومهربي أسلحة بحادثة غير مسبوقة
  • تدوينة محمد صلاح عن استشهاد بيليه فلسطين تثير ضجة عالمية