الذكاء الاصطناعى كأداة سياسية
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
الأسبوع الماضى طرحنا السؤال الذى يشكل معضلة مستقبلية كبرى: هل يزيح الذكاء الاصطناعى البشر جانبا بتفوقه عليهم؟ وكانت معظم الإجابات تذهب نحو نعم، إن لم يتم تدارك هذه المعضلة الكبرى.
اليوم نتحدث عن الذكاء الاصطناعى فى عالم السياسة، بما إن الصراعات السياسية تلقى بظلالها على العالم، وليس من المعقول فى ظل هذا التسارع التكنولوجى أن يكون الذكاء الاصطناعى بمعزل عن هذه الصراعات، ففى غمار الأتمتة وفقدان الوظائف، وإدارة بعض الصراعات السياسية «الذكية» من غرف مكيفة من دون إطلاق رصاصة واحدة، وإدارة الاقتصاد العالمى عبر نظم معقدة لا تخلو من المؤامرات، وتنفيذ الحملات الدعائية المبتكرة وتنامى التضليل السياسي، والخلق من العدم فى مجالى الصوت والصورة، ليس بإمكاننا تغييب الذكاء الاصطناعى عن كل ما سبق.
فى العلوم السياسية يتم تعريف الاستقرار السياسى بأنه قدرة الدول على الحفاظ على نظامها الداخلى، وتجنب الصراعات العنيفة، وضمان استمرارية مؤسساتها، وعلى صعيد التنظير السياسى بات الاستقرار السياسى محورا مهما وأساسيًا فى تحليل النظم السياسية، ودراسة الديناميات الدولية، الآن أصبح الذكاء الاصطناعى أداة من أدوات تحقيق الاستقرار السياسى حيث يستخدم بشكل متزايد فى تحليل البيانات السياسية ويتيح التعامل مع كميات هائلة من البيانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تُجمَع من مصادر مثل وسائل التواصل الاجتماعى، والأخبار، والتقارير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، ثم يقوم بتحليلها، لاستخلاص النتائج، فضلًا عن ذلك، يلعب تحليل الشبكات الاجتماعية دورًا مهمًا فى دراسة الروابط بين الفاعلين السياسيين لفهم الديناميات السياسية الداخلية والخارجية، ما يمكّن الباحثين وصنّاع القرار من التنبؤ بالمخاطر السياسية، مثل الاضطرابات الاجتماعية والانقلابات، بدقة أكبر من الطرق التقليدية، فمع تعاظم تأثير العولمة، والتغيرات المتسارعة فى المشهد السياسى العالمى، ازدادت الحاجة إلى أدوات دقيقة تساعد على فهم المؤشرات، التى تُنذر بتغيرات سياسية جذرية تقوض استقرار الدول، وهنا يبرز دور التكنولوجيا، وفى القلب منها الذكاء الاصطناعى، كأداة حديثة بدأت تحدث تحولًا جذريًا فى تحليل البيانات المعقدة، والتنبؤ بالأحداث المستقبلية.
تتسارع قدرات الذكاء الاصطناعى بوتيرة غير مسبوقة، متجاوزة قوانين التطور التكنولوجى التقليدية، ما يجعل العالم يقترب من لحظة حاسمة ستعيد تشكيل الاقتصاد والسياسة والجغرافيا السياسية على حد سواء، ولا محالة من صدامات اجتماعية وسياسية سيكون البطل الخفى فيها الذكاء الاصطناعي، فالواقع يقول إن الاستغناء عن البشر فى حد ذاته قرار سياسى لطالما قاومته - قدر المستطاع - معظم الدول، لكن حين تضرب الأزمة الاقتصادية المقبلة، سيجد قادة المؤسسات أنفسهم أمام سلسلة من الخيارات الصعبة أثناء رسمهم لمسار المستقبل، حيث أثبت الذكاء الاصطناعى، الذى يشمل مجالات، مثل التعلم الآلى ومعالجة اللغة الطبيعية، فاعليته فى مجالات متعددة، مثل الاقتصاد والرعاية الصحية.
الصراع على الهيمنة والاستحواذ على الموارد و«امتلاك العالم»، كل هذا يندرج تحت الأهداف السياسية وإن كان المتصارع عليه اقتصادا، فمن مختبرات العلوم المتقدمة إلى مكاتب الشركات، ومن الموانئ الأمريكية إلى مناجم المعادن النادرة فى الصين، تدور معركة شرسة على الموارد والتقنيات ستحدد من يمتلك مفاتيح القوة فى القرن الـ21، الذكاء الاصطناعى لن يكون بمعزل عن هذه المعركة، كما بدأ ينخرط فى الصراع الجيوسياسى فى بعض مناطق العالم، وصراع الجغرافيا أغلبه على الموارد، ولم يعد خافيا أيضا أن الصراع على الأسواق بات فى صلب الأهداف السياسية، فالسباق بين واشنطن وبكين على أشباه الموصلات والمعادن النادرة والطاقة ينظر له الآن على أنه سيحدد ميزان القوى العالمى والذكاء الاصطناعى هنا هو كلمة السر.
على صعيد الحروب بمفهومها التقليدى الدقيق تخبرنا العمليات العسكرية التى تجرى على أكثر من جبهة فى العالم من أوكرانيا حتى غزة، أن عصرا جديدا من الحروب باستخدام الذكاء الاصطناعى قد أصبح واقعا لا يمكن التنكر له أو الاستهانة به، فسرعة الاختراق الذى يحققها الذكاء الاصطناعى فى القطاع العسكرى لا تواكبها المنظومات السياسية والعسكرية القائمة.
الشاهد أن طفرات غير مسبوقة حدثت بالفعل عندما تم إدماج الذكاء الاصطناعى فى المنظومات القتالية وهو ما يشير إلى أننا على أعتاب تسلح «ذكى» ربما يكون له تبعات خطيرة على النظام الدولى ومراكز القوى فيه على المدى المنظور.
الذكاء الاصطناعى سيعيد رسم السياسة الداخلية والخارجية عالميا، وبحسب آخر الأبحاث حول التطور السريع فى هذا المجال من المنتظر أنه فى غضون من سنة إلى ثلاث سنوات، سيتمكن الذكاء الاصطناعى من تقديم تنبؤات دقيقة تسهم فى تعزيز الاستقرار السياسي، عبر تصميم أنظمة قادرة على محاكاة الذكاء البشرى فى معالجة المشكلات، واتخاذ القرارات، كذلك، تشمل التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعى فى العلوم السياسية تحليل النصوص باستخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لتحليل الخطابات السياسية، والمنشورات الإعلامية، والتصريحات العامة، أيضًا تُستخدم النمذجة التنبوئية القائمة على التعلم الآلى لإنشاء نماذج قادرة على التنبؤ بالاضطرابات السياسية، استنادًا إلى بيانات تاريخية.
الخلاصة، إن الذكاء الاصطناعى يقود ثورة ستعيد رسم خرائط النفوذ الدولى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: يا خبر الأسبوع الماضي السياسية تلقى الذکاء الاصطناعى الاصطناعى فى
إقرأ أيضاً:
لاريجاني من بيروت: لا ننظر لأصدقائنا كأداة.. وعون يرى أن لغة الإيرانيين لا تساعد
وصل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، الأربعاء، إلى العاصمة اللبنانية بيروت حيث نظم مناصرو حزب الله استقبالا شعبيا له أمام المطار، ليلتقي بعدها رئيسا الجمهورية ومجلس النواب قبل اجتماعه مع رئيس الوزراء نواف سلام. اعلان
في أول تصريح له لدى وصوله إلى بيروت في زيارةٍ رسمية، قال لاريجاني إن "إيران ستقف دائمًا إلى جانب الشعب اللبناني، مضيفاً: "لقد عززت الروابط الثقافية بين إيران و لبنان والترابط العاطفي بين شعبي البلدين، إذا كان الشعب اللبناني يعاني، فإن الشعب الإيراني يشعر بهذا الألم أيضًا".
كذلك، لفت لاريجاني إلى سعي بلاده الدائم "لتحقيق مصالح لبنان العليا" وفق تعبيره، مشيراً إلى أنه "لا يسعني كذلك إلا أن اتقدم بجزيل الشكر بسبب حضور كافة ممثلي البرلمان اللبناني وكذلك الأعضاء في فصائل المقاومة وإن شاء الله سألتقي بكم مجدداً وأتحدث اليكم عن مجريات الأمور".
وعن الاستقبال الشعبي الذي أقيم له أمام المطار، نشر لاريجاني مقطع فيديو على حسابه على "إكس" (تويتر سابقاً) كتب فيه: "لبيك يا نصرالله"، في إشارة إلى الهتافات المؤيدة للأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله والتي أطلقها المحتشدون في استقباله عند المطار.
عون ينتقد المسؤولين الإيرانيينأبلغ الرئيس اللبناني جوزيف عون لاريجاني أن لبنان يرفض أي تدخل في شؤونه الداخلية من أي طرف.
وأضاف، بحسب بيان الرئاسة اللبنانية: "نرفض أي تدخل في شؤوننا الداخلية من أي جهة ونريد أن تبقى الساحة اللبنانية آمنة ومستقرة لما فيه مصلحة جميع اللبنانيين من دون تمييز".
وأوضح عون أنه "من غير المسموح لأي جهة كانت ومن دون أي استثناء حمل السلاح والاستقواء بالخارج"، معتبرا أنّ "الدولة اللبنانية وقواها المسلحة مسؤولة عن أمن جميع اللبنانيين من دون أي استثناء"، وأن "أي تحديات تأتي من العدو الإسرائيلي او من غيره، هي تحديات لجميع اللبنانيين وليس لفريق منهم فقط، وأهم سلاح لمواجهتها هو وحدة اللبنانيين".
وأضاف عون: "لبنان راغب في التعاون مع ايران ضمن حدود السيادة والصداقة القائمين على الاحترام المتبادل"، مشيراً إلى أن "اللغة التي سمعها لبنان في الفترة الأخيرة من بعض المسؤولين الإيرانيين، غير مساعدة".
كما أكد أن "الصداقة التي نريد ان تجمع بين لبنان وايران لا يجب ان تكون من خلال طائفة واحدة او مكوّن لبناني واحد بل مع جميع اللبنانيين".
من جانبه، لفت لاريجاني إلى أن "إيران ترغب في تعزيز علاقاتها مع الدولة اللبنانية والشعب اللبناني على كافة الأصعدة"، مضيفاً: "إيران لا تتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، و ما أدليت به لدى وصولي الى بيروت يعكس وجهة النظر الرسمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية".
وتابع: "إيران لا ترغب بحصول أي ذرة خلل في الصداقة أو في العلاقات مع الدولة اللبنانية والشعب اللبناني، وهي راغبة في مساعدة لبنان إذا ما رغبت الحكومة اللبنانية بذلك".
لقاء مع حليف حزب اللهوالتقى لاريجاني في قصر عين التينة في بيروت، رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، وهو رئيس حركة أمل وحليف حزب الله.
وفي تصريح له بعد لقائه بري، قال لاريجاني: "اليوم لدينا أحسن العلاقات مع لبنان"، مضيفاً: "الرجال اللبنانيون هم أبطال في ساحة مقاومة العدو الاسرائيلي" وفق تعبيره.
ولفت إلى أن "سياسة إيران مبنية على أن تكون الدول المستقلة في المنطقة قوية ومتمكنة"، مؤكداً أنه "من خلال الحوار الودي والشامل والجاد في لبنان يمكن لهذا البلد الخروج بقرارات صائبة".
وتابع: "نحن لا ننظر لاصدقائنا كأداة"، مضيفاً: "عليكم أن تعلموا أن المقاومة هي رأسمال لكم".
وقال مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي: "نحن لم نأت ومعنا خطة إنما الأميركان هم من أتوا بورقتهم إليكم"، متابعاً: "يريدون من خلال الاعلام الكاذب ان يغيروا بين العدو والصديق فعدوكم هو “اسرائيل” التي اعتدت على لبنان".
Related بوتين ولاريجاني يبحثان النووي الإيراني والتطورات في الشرق الأوسطلاريجاني يوقع اتفاقية أمنية مشتركة مع العراق قبل التوجه إلى بيروتلاريجاني في بيروت: ماذا تحمل زيارته من رسائل إلى لبنان؟وكان بري قد قال في وقت سابق من صباح الأربعاء في تصريح لصحيفة "النهار" اللبنانية: "إيران دولة صديقة للبنان وستبقى وحزب الله لم ينتهِ"، مؤكداً أنه لم يوافق على قرار الحكومة اللبنانية نزع سلاح حزب الله.
وأعرب بري عن عدم استغرابه ل"هذا الهجوم" على لاريجاني، مشيراً إلى أن رفض زيارته "يأتي بناء على أمر عمليات من الخارج يحركه لوبي ينشط في الداخل. وإذا كان في إمكان المعترضين منع وصوله فليفعلوا. وإذا كان من اعتراض على تصريحات إيرانية انطلاقا من أنها تمس بالسيادة اللبنانية فندعو إلى التدقيق جيدا في تصريحات المسؤولين الأمريكيين وغيرهم".
علاقات حساسةشهدت العلاقات الثنائية بين البلدين توترا خلال الأشهر الماضية التي تلت الحرب بين حزب الله وإسرائيل، فقد أوقف لبنان الطيران المباشر بين بيروت وطهران، واستنكرت وزارة الخارجية اللبنانية عدة مرات تصريحات مسؤولين إيرانيين.
ورغم عدم ورود بيانات علنية من الأحزاب من خصوم حزب الله، إلا أن تصريحات إعلامية لعدد من نواب حزب القوات اللبنانية ومسؤوليها انتقدت الزيارة.
ولم يكن من ضمن برنامج زيارة لاريجاني أي لقاء يجمعه بوزير الخارجية اللبناني يوسف رجي المحسوب على حزب القوات اللبنانية.
وكان رجي قد استنكر في بيان رسمي للخارجية اللبنانية قبل أيام تصريحات مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي ووصفها بـ "التدخل الإيراني السافر وغير المقبول". وكان ولايتي قد عارض نزع سلاح حزب الله وقال إن مصير ذلك "سيكون الفشل".
والأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة اللبنانية موافقتها على أهداف الورقة الأمريكية لتثبيت وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، والتي تتضمن جدولا زمنيا لنزع سلاح حزب الله، بينما انسحب الوزراء الشيعة من الاجتماع.
وفي وقت سابق، رفض حزب الله موقف الحكومة التي قررت في اجتماعها السابق تكليف الجيش اللبناني بوضع خطة لحصر السلاح بيد الدولة قبل آخر السنة، وعرضها على مجلس الوزراء قبل نهاية الشهر الجاري، معتبراً أنه سيتعامل معه على أنه قرار غير موجود.
محطة في العراققبل لبنان، كان للاريجاني وقفة في العاصمة العراقية بغداد حيث التقى كبار المسؤولين وتوج هذا اللقاء بتوقيع "مذكرة تفاهم أمنية" مع مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي.
وجاءت الزيارة، التي تستمر ثلاثة أيام، في ظل جدل كبير داخل العراق بشأن مشروع قانون يهدف لتعزيز نفوذ الحشد الشعبي القريب من طهران.
وذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أن مذكرة التفاهم، التي أشرف على توقيعها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، تركزت على التنسيق الأمني للحدود المشتركة بين البلدين، فيما خلت التصريحات من تفاصيل إضافية.
وتباحث لاريجاني مع مستشار الأمن القومي العراقي حول تنفيذ الاتفاق الأمني بين البلدين، كما استعرض تطورات الأوضاع في قطاع غزة، بحسب بيان صادر عن مكتب الأعرجي.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة