علي جمعة: أُمِرنا أن نحبَّ الحياة الدنيا ونأخذ حظَّنا من السعادة
تاريخ النشر: 16th, August 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك إن هناك فرقا كبيرا بين حبِّ الحياة وحبِّ الحياة الدنيا؛ فالحياة في مفهومنا تشمل الدنيا والآخرة، وعقيدةُ المسلمين قائمة على الإيمان باليوم الآخر، وما بعده من الخلود والبقاء.
وتابع: وأما هذه الدنيا فليست غاية الأمر، بل هي الفانية، ولذلك قصَرَ الله تعالى الحياةَ على الآخرة في قوله: { وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.
ونوه أن الدنيا جزءٌ قصير في رحلة الحياة، فمن أحبَّها وتعلَّق بها وحدها، فقد نسي وخسر حبَّ الحياة الدائمة. قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، وقال تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}.
وأشار إلى اننا أُمِرنا أن نحبَّ الحياة الدنيا من حيثُ هي مرحلةٌ أو مزرعةٌ للحياة الآخرة الباقية، وأُمِرنا كذلك أن نأخذ حظَّنا من السعادة فيها؛ فالمؤمن هو الأحق والأجدر بأن ينال حظَّه من نعم ربِّه وعطائه وتسخيراتِه في الكون.
وأضاف: لكننا نتمتَّع بزينة الحياة الدنيا وأعينُنا على الدار الآخرة التي هي استمرارٌ للحياة. قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.
حقيقة الحياة
وحقيقةُ الحياة يغفل عنها المفرِّطون والجاحِدون لآيات الله؛ فالأولون يكرهون الدنيا فيضيِّعون حقَّهم وحقَّ الناس فيها، والآخرون يكرهون الآخرة ويعرضون عنها، ويقصرون الزينة والمتاع على الدنيا. وكل هؤلاء أصحابُ مفاهيم ضيِّقة للحياة، على عكس مفهوم الإسلام الذي وسَّع على أتباعه، فجعل الحياةَ تشمل الدنيا والآخرة. أما الدنيا وحدَها فهي دقائق معدودات بحساب الله سبحانه، حيث قال: { تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}.
الفرق بين حب الحياة وحب الدنيا
والتفريق بين حبِّ الحياة وحبِّ الدنيا أمرٌ لازم، لما نشأ من خلطٍ في عقول بعض النابتة، إذ كرهوا الحياةَ لأنهم كرهوا الدنيا، فسَعَوا إلى الموت ظانِّين أن ذلك ترجمةٌ لكراهية الدنيا، والحقيقة أنه ترجمةٌ لكراهية الحياة التي أُمِرنا أن نتمتَّع بما فيها، وألا نحرِم زينتَها، وأن نجعلها مزرعةً للآخرة.
بخلاف من خلط بين الحياة والدنيا، فإن الله تعالى قيَّد الحياة المذمومة بالدنيا المملوءة بالشهوات، فقال: { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: حقيقة الحياة الدنيا الآخرة حب الحياة الدنيا حب الدنيا حب الحياة علي جمعة الحیاة الدنیا أ م رنا
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: أخطر مراحل الكفر حين يُغلق القلب وتحجب البصيرة
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن الله عز وجل يقول الله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}. إذاً، الختم لم يقع على الأبصار، وإنما وقع على القلوب والأسماع، أما الأبصار فعليها الغشاوة. والختم صفة من صفات القلوب والأسماع.
وأضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان الله عز وجل وصف هذه القلوب بصفات متعددة؛ منها الختم، والطبع، والران، والقفل، كما قال تعالى: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}. وهذه الصفات –وعددها نحو عشر صفات- كل واحدة منها تحجب القلب عن معنى معين.
وقد شاهدنا الشخص الذى لا يؤمن بالله، فيعيش فى جحيم، فإذا دعوناه للخروج من ذلك الجحيم بالإيمان بالله ، قال: لا أستطيع. وقال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}. إذن هناك درجة من درجات الكفر لا عودة بعدها، حتى لو أمره عقله بالرجوع، فإنه لا يستطيع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومعنى الختم: أن الرسالة إذا ختمت أُغلقت، فلا تفتح إلا بإذن صاحبها؛ فهو حالة من الإغلاق التام مع قرار بعدم الفتح. نسأل الله السلامة. وهنا، فإن من شدة الكفر، وطول مدته، وإصرار صاحبه، وأذيته للعالمين، قد يختم الله عليه بالسوء -والعياذ بالله- فيكون ذلك تحذيرًا للمؤمنين وغير المؤمنين أن يصلوا إلى هذه الحالة.
ويجب علينا ألا نغلق الباب على أنفسنا؛ فالله -وهو يقول: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}- يحذر الناس أجمعين من أن يُستدرجوا إلى هذه المرتبة المنحطة، التي لو بلغها الإنسان لم يستطع، ولو أراد، أن يعود مرة أخرى.
فأفق أيها الإنسان قبل أن تصل إلى هذا الحال؛ لأنه إذا خُتم على قلبك، خُتم على سمعك؛ فلا تستجيب للنصيحة، ولا لنداء العقل، ولا للفطرة، ولا لمن حولك، بل تمضي فى عنادك وكفرك، فتورد نفسك –قبل غيرك- موارد الهلاك في الدنيا والآخرة.
{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ }، فإذا بلغ المرء هذه الدرجة فلن يرى الحق حقًا، ولا يستطيع أن يقرأ الوقائع قراءة صحيحة أو يحللها تحليلًا سليمًا. لم يُختم على عينه من رحمة الله، ولكن { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ }، وهذه الغشاوة نتيجة العناد واستمرار الكفر .