عبد اللطيف البوني يكتب عن “شلة قاسم.. فاطنة الشمارة”
تاريخ النشر: 25th, August 2025 GMT
شلة قاسم.. . فاطنة الشمارة
مائة يوم في القاهرة (٤)
عبد اللطيف البوني
أجد نفسي من أنصار المدرسة الفنية التي اخطتها الأستاذان الراحلان السر قدور. وعيسى الحلو والتي تقول ان العنصر الأساسي في الغناء هو الأداء… وبعد ذلك ياتي اللحن ثم الكلمات.. فصوت المغني وطريقة أدائه هو الباعث الأول للطرب.. لذلك لا يوجد غناء هابط ولا غناء صاعد.
مناسبة هذه الرمية هي أنني هذة الأيام استمع كثيرا لأغنية بناتية دكاكينية منتشرة انتشارا شديدا في الميديا السودانية تجدها في أرقى القروبات.. لما فيها من أداء رائع وموسيقى خفيفة ولا تخلو كلماتها من مضامين اجتماعية.. تلك الأغنية التي يقول مطلعها (نقل الموية من البيارة /عواسة الطريقة بملاح كرارة) لفت نظري فيها (دكان علوي الجنب الجزار) الي بقالات القاهرة المنتشرة فهي عبارة عن خلية نحل تجد البقالة متكظة بالمستهلكات اليومية (حدها السقف) وممتدة في الرصيف حيث الأشياء قليلة الثمن … يقوم عليها نفرين ثلاثة.. وتعمل أربعة وعشرين ساعة واللة تمنيت أن أرى واحدة من تلك البقالات التي امر عليها يوميا مغلقة… مثل دكان علوي عندنا حيث يعمل بمزاجه وفي الأقاليم أصبحت الدكاكين منتديات لناس شلة قاسم الفارغة وليس لها اي شغل أو مشغلة الا الشمارات و(حلاة البن جبنة من سارا) .. شارع بورسعيد في وسط القاهرة يسمى شارع الشحن إذ تحمل منه الشاحنات لكل ارجاء مصر والي الدول المجاورة بما فيها السودان هذا الشارع يعمل من العصر إلى صباح اليوم التالي… هكذا يتغلبون على سخانة الطقس بالعمل الليلي ويلفت نظرك فيه قوة ونشاط العامل المصري فتجده يجري على السلم وفي ظهرة حمولة تتجاوز المائة كيلو جرام…
لا توجد كوار تجرها الخيول والحمير في وسط الأسواق (سيد الكاره اسرع لي الشمس حاره)… فما نسمية نحن الكوار هنا يجره ابن آدم فتجد الواحدة محملة بما لايقل عن طن… ولكنها مصممة هندسيا بصورة تجعل سحبها أو دفها في شارع الاسفلت سهل جدا ولا يحتاج لقوة بدنية عالية رغم ان الأبدان هنا ما شا الله عليها وكما قال اخونا المهل الطاهر (الناس
دي هنا بتاكل صاح وتشتغل صاح) اما ما جاء في الأغنية المشار إليها (كيلو الباسطة كيلو العجالي) فهنا عادي ذي الزبادي والزبادي هذه على قفا من يشيل… ياربي ماهي القيمة الغذائية لملاح الكرارة؟ لم أعرف القوقو الذي جاء في نهاية الأغنية … قصدت ان اقول هنا أن إنتاجية العامل المصري عالية جدا مقارنة مع إنتاجية العامل السوداني….
حكي لي ابن عمي الطاهر احمد الصديق قصة الصعايدي الذي عمل معه لمدة موسم واحد في حواشته.. بمشروع الجزيرة مكتب كاب الجداد… إذ زرع معه خضروات في مساحة لاتتجاوز الأربعة فدان فكان لا يخرج من الحواشة الا للسوق لبيع الخضروات.. أقسم لي الطاهر أن القروش التي دخلت عليه في موسم الصعائدي هذا لم ير مثلها قبله ولا بعده.. وقدر ما حاوله الاستمرار معه رفض بحجه ان ما جمعه من مال بكفيه لإقامة المشروع الذي يوده في مصر..
احد أولادنا الذين قذفت بهم الحرب الي مصر والذي نزل سوق العمل لكي يكسب قوت يومه قال لي انه يعمل ١٢ ساعة دون أن تنقص دقيقة مع عطلة يوم واحد في الأسبوع.. كان الأمر متعبا له في الأيام الأولى ولكنه اعتاد ذلك.. واختتم كلامه معي بالقول ان سوق العمل واسع جدا في مصر وفي مقدور اي شاب ان يعمل لكن مشكلتنا نحن فترانين.. فقلت له كمان اتكاليين أي نعتمد على غيرنا في كل شي وكما قالت الأغنية المشار إليها حتى (الواي فاي من حسن جارا) في إحدى تقارير منظمة العمل الدولية جاء ان متوسط نسبة الاعالة في السودان واحد الي سبعة عشر.. أما تقرير الامبوزمان فتقول متوسط عمل السوداني اليومي ستة عشرين دقيقة بينما بعض الدول متوسط عمل الفرد اليومي فيها يصل الثلاث ساعات.
في ذات ونسة مع احد الحلاقين قال ان صالونه هذا عمره ١٠٣ سنة أي تجاوز القرن بثلاثة سنوات وانه ورثه عن ابيه الذي ورثة عن جده وهو يعمل ١٦ ساعة في اليوم.. يغلق من ستة صباحا الي الواحدة ظهرا . الصالون مظهره الخارجي متواضع جدا… ولكن في الداخل ادي ربك العجب كل شي فيه آخر صيحة… تذكرت الحكمة التي تقول (الثابتة نابتة).. ومن الواضح جدا أن الرجل يستثمر فوائض دخله في تطوير صالونه.. وهذة السمة واضحة في مصر فكبريات المستشفيات الخاصة يملكها أطباء وكذا الشركات الهندسية يملكها مهندسون والمكاتب الاستشارية العالمية يملكها قانونيون… قصدت القول هنا أن كبار المهنيين يستثمرون في مجالات تخصصهم ومن هنا جاء التقدم المذهل في مجال الخدمات …. افتكر مافي داعي نتكلم عن استثمارات كبار المهنيين عندنا..
خلاصة قولنا هنا أن إنتاجية العامل المصري عالية جدا َبالتالي ارتفعت إنتاجية الفدان الزراعي المصرية والبقرة المصرية والمصنع المصري والمتجر المصري.. فالإنسان هو أساس التقدم والتطور.. اما لماذا ارتفعت إنتاجية العامل المصري دون غيره من شعوب الإقليم… فهذا يرجع لعوامل كثيرة نتركها لمناسبة أخرى.. ليس الغرض من هذا المنشور جلد الذات أو تكسير تلج إنما الغرض هو التنبيه الي اننا في غفلة عن عيوبنا.. فالعوامل التي دفعت بالإنسان المصري لزيادة إنتاجيته توفرت لدينا ومن زمن ولكن بعض موروثاتنا وتقاليدنا والتي نراها حميدة قد حجبت عنا الرؤية… اننا نحتاج لمراجعات كثيرة وعاجلة وان شاء الله يكون المليون ونص الذين جاءوا مصر بسبب الحرب وهم الان راجعون للبلد قد اخدوا كورس من الشارع المصري القاهرةعبد اللطيف البونيفاطنة الشمارة
المصدر: تاق برس
كلمات دلالية: القاهرة عبد اللطيف البوني العامل المصری
إقرأ أيضاً:
“أونروا” :يجب أن نكون جزءًا أساسيًا من أي اتفاق يتم مناقشته بشأن غزة
الثورة نت/..
أكدَّ القائم بأعمال مدير شؤون وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، سام روز، اليوم الثلاثاء، على ضرورة تمكين طواقم أونروا من الوصول إلى السكان بأمان وكرامة، مشيرًا إلى أن ذلك تحقق خلال فترة وقف إطلاق النار السابقة.
وأوضح روز في تدوينه على منصة إكس، أن “أونروا” يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من أي اتفاق يتم مناقشته بشأن غزة، نظرًا لدورها الإنساني المحوري ووجودها الفاعل والفريد في القطاع.