خطة إي ـ 1 الإسرائيلية.. بين الحرب على غزة ومصير حل الدولتين
تاريخ النشر: 28th, August 2025 GMT
ما هي "إي ـ 1"؟
خطة "إي ـ 1" الاستيطانية عادت إلى واجهة الأحداث في أغسطس 2025، بعد سنوات من التجميد والجدل. المنطقة المستهدفة تمتد شرق القدس حتى تخوم مستوطنة معاليه أدوميم، على مساحة تقارب 12 ألف دونم، وتشمل بناء أكثر من 3,500 وحدة استيطانية، بينها 2,182 شقة في "الحي الشرقي" الذي يغطي 1,271 دونم. إضافةً إلى مساكن المستوطنين، تتضمن الخطة مرافق عامة، مدارس، وشبكات طرق.
إن تزامن الإعلان عن "إي ـ 1" مع الحرب على غزة يوضح أن ما يجري ليس مسارين منفصلين، بل استراتيجية واحدة: استخدام القوة العسكرية لتصفية المقاومة في القطاع، والخرائط لتفكيك الضفة. هكذا تتحول القضية الفلسطينية إلى معركة مزدوجة، حيث تُستنزف غزة بالنار ويُبتلع ما تبقى من الضفة عبر الاستيطان.تنفيذ "إي ـ 1" يعني عمليًا شطر الضفة الغربية إلى شمال وجنوب، وفصل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني الطبيعي. الاتحاد الأوروبي أوضح في بيانه أن "إقامة مستوطنات في (إي ـ 1) ستقطع التواصل الجغرافي بين القدس الشرقية وبقية الضفة، مما يجعل حل الدولتين غير قابل للتحقيق". هذا ما حذّر منه أيضًا الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل، الذي أكد أن الخطة "تقوض إمكانية وجود دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة".
توقيت متزامن مع حرب غزة
أعلنت الحكومة الإسرائيلية المضي في الخطة بين 20 و22 أغسطس 2025، بينما كانت توسع عملياتها العسكرية في قطاع غزة وتستعد لهجوم كبير على مدينة غزة. هذا التزامن لم يكن بريئًا؛ فقد صرّح وزير المالية الإسرائيلي وزعيم حزب الصهيونية الدينية تسلئيل سموتريتش أن خطة "إي ـ 1" تهدف إلى "دفن فكرة الدولة الفلسطينية ودفن حل الدولتين تحت دخان القصف في غزة". وبذلك بدا واضحًا أن إسرائيل تستغل انشغال العالم بالحرب الدامية في القطاع لفرض واقع جديد في الضفة الغربية، عبر هندسة جغرافية تجعل أي حديث عن تسوية سياسية أقرب إلى الوهم.
أثارت خطة "إي ـ 1" موجة إدانات غربية متتالية، عبّرت عن قلق عميق من تداعياتها. فقد صرّح جوزيب بوريل، الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي، بأن المشروع يشكّل "انتهاكًا متعمدًا للقانون الدولي ويقضي نهائيًا على إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة". وفي لندن، شدّد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي على أن الاستيطان في هذه المنطقة "سيقطع أي إمكانية لتواصل الأراضي الفلسطينية، وهو ما يعيدنا إلى نقطة انسداد سياسي كامل".
أما الأمم المتحدة، وعلى لسان المتحدث باسم أمينها العام ستيفان دوجاريك، فقد عبّرت عن "قلق بالغ" من الخطة التي عُدت "مقوضة لجهود السلام الأممية ومهددة للاستقرار الإقليمي". من جانبها، حذّر وزير خارجية هولندا ستيفان دي يونغ من أن "إي ـ 1" تمثل بداية ضم فعلي للضفة الغربية بحكم الأمر الواقع. وتضافرت هذه الأصوات مع بيانات مشتركة صادرة عن وزراء خارجية كندا وأستراليا والاتحاد الأوروبي لتؤكد أن إسرائيل، بخطوتها هذه، لا تضعف فقط فرص التسوية، بل تعمّق أيضًا عزلتها الدولية.
جذور الخطة بين التجميد والإحياء
رغم طرح "إي ـ 1" لأول مرة في التسعينيات، إلا أنها واجهت تجميدًا متكررًا بفعل ضغوط دولية، أبرزها عام 2012 حين جُمّدت بعد معارضة قوية من إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما والاتحاد الأوروبي. ثم أعيد طرحها في 2020 خلال حكومة بنيامين نتنياهو، لكنها توقفت مجددًا. غير أن حكومة 2025 بدت أكثر إصرارًا، إذ دفعت بالمشروع بقوة ضمن سياسة واضحة لتوسيع ما يسمى "القدس الكبرى" وقطع الطريق أمام أي تسوية سياسية قائمة على حل الدولتين.
خطة "إي ـ 1" لا يمكن النظر إليها بمعزل عن مشاريع استيطانية أخرى. فإلى جانبها، طرحت إسرائيل خطة "إي ـ 2" جنوب شرق بيت لحم، التي تهدف إلى توسيع مستوطنة "تكواع" وربطها بالقدس، وهو ما يعمّق الطوق الاستيطاني حول المدينة. كما يجري العمل على تعزيز الكتل الاستيطانية الكبرى مثل "غوش عتصيون" جنوب بيت لحم و"أريئيل" في شمال الضفة. هذه المشاريع مجتمعة تخلق ما يسميه خبراء التخطيط "حزام العزل"، أي شبكة من المستوطنات والطرق الالتفافية التي تفكك الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة. وبذلك تُحوّل الدولة الفلسطينية المستقبلية إلى جزر متناثرة دون تواصل جغرافي أو سيادة فعلية.
لا يمكن فهم خطورة خطة "إي ـ 1" بمعزل عن الإطار القانوني الدولي الذي يحكم قضية الاستيطان. فقد أكد مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 2334 (ديسمبر/كانون الأول 2016) أن "المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ليس لها أي شرعية قانونية وتشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي". القرار أُقرّ بأغلبية 14 صوتًا وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، في خطوة غير مسبوقة. وفي تفسيره، أوضح وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري أن الاستيطان "يهدد مباشرة آفاق السلام ويجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة".
خطة "إي ـ 1" ليست مجرد توسع استيطاني، بل إعلان واضح عن دفن حلّ الدولتين تحت دخان القصف في غزة. هذه اللحظة تمثل اختبارًا مصيريًا للحكام العرب والمسلمين: إمّا أن يواجهوا التاريخ بشجاعة، فيحوّلوا بيانات الشجب والإدانة إلى سياسات عملية، عقوبات دبلوماسية، ضغوط اقتصادية، تحركات قانونية أمام المحاكم الدولية، وحشد للرأي العام العالمي، وإمّا أن يتركوا الأجيال القادمة شاهدة على عجز سطّر ضياع القدس والضفة في خرائط القوة.إلى جانب ذلك، تنص اتفاقية جنيف الرابعة (1949) على أن قوة الاحتلال "لا يجوز لها نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها"، وهو نص ينطبق بشكل مباشر على مشاريع استيطانية مثل "إي-1". ووفق خبراء قانونيين، فإن تنفيذ الخطة سيُعدّ شكلًا من أشكال "الضم غير المشروع"، ما قد يعرّض إسرائيل لمزيد من العزلة الدولية وربما لمساءلات أمام محكمة الجنايات الدولية.
قوبلت خطة "إي ـ 1" أيضًا برفض واسع من الدول العربية والإسلامية. فقد حذر الأردن، عبر وزير خارجيتها أيمن الصفدي، من أن المشروع "يقتل آمال السلام" ويهدد الوضع القانوني والتاريخي للقدس. أما جامعة الدول العربية، فقد اعتبرت على لسان أمينها العام أحمد أبو الغيط أن الخطة "تجعل من الحديث عن دولة فلسطينية أمرًا عبثيًا"، مؤكدة أنها "تتحدى قرارات مجلس الأمن مباشرة". في السياق ذاته، وصفت منظمة التعاون الإسلامي الخطة بأنها "تصعيد خطير" ودعت المجتمع الدولي إلى التدخل لوقفها، فيما اعتبرت دول مثل الجزائر وقطر وتركيا أن المضي في المشروع قد يقود إلى "موجة توتر إقليمي لا يمكن السيطرة عليها".
إن تزامن الإعلان عن "إي ـ 1" مع الحرب على غزة يوضح أن ما يجري ليس مسارين منفصلين، بل استراتيجية واحدة: استخدام القوة العسكرية لتصفية المقاومة في القطاع، والخرائط لتفكيك الضفة. هكذا تتحول القضية الفلسطينية إلى معركة مزدوجة، حيث تُستنزف غزة بالنار ويُبتلع ما تبقى من الضفة عبر الاستيطان.
مسؤولية لا مهرب منها
خطة "إي ـ 1" ليست مجرد توسع استيطاني، بل إعلان واضح عن دفن حلّ الدولتين تحت دخان القصف في غزة. هذه اللحظة تمثل اختبارًا مصيريًا للحكام العرب والمسلمين: إمّا أن يواجهوا التاريخ بشجاعة، فيحوّلوا بيانات الشجب والإدانة إلى سياسات عملية، عقوبات دبلوماسية، ضغوط اقتصادية، تحركات قانونية أمام المحاكم الدولية، وحشد للرأي العام العالمي، وإمّا أن يتركوا الأجيال القادمة شاهدة على عجز سطّر ضياع القدس والضفة في خرائط القوة.
المعادلة لم تعد تحتمل الرمادية؛ فالتاريخ لا يسجّل الخطب والبيانات، بل يقيس الأفعال والنتائج. من يختبئ اليوم وراء الصمت أو المراوغة سيُسجَّل غدًا شريكًا في الجريمة، بينما من يختار المواجهة الفعلية سيحفظ مكانه كصانع قرار يحمي الكرامة والحقوق. إنها لحظة الحقيقة: إمّا أن تكون السياسات في مستوى التحدي، أو أن تُكتب شهادة عار جماعية لا يمحوها الزمن.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء خطة الاستيطانية الفلسطيني الاحتلال احتلال فلسطين استيطان رأي خطة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة صحة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة فلسطینیة الضفة الغربیة حل الدولتین
إقرأ أيضاً:
اشتية وجرادات: الأردن درع القضية الفلسطينية والوصاية على المقدسات خط أحمر
صراحة نيوز – نظم المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية يوم الخميس ورشة عمل فكرية بمقره في تونس وعبر الانترنت Google Meeting تحت عنوان “المشهد السياسي الفلسطيني في ظل الإبادة بغزة والحراك الدولي والاعترافات بدولة فلسطين“.
وكان ضيف شرف الورشة دولة رئيس وزراء دولة فلسطين السابق الدكتور محمد اشتية وقد شاركه بمداخلة الدكتور عدنان ليمام أستاذ الجيوبوليتيك من تونس والدكتور رياض الصيداوي مدير معهد جينيف للعلوم السياسية والدكتور منذر جرادات المختص في الإعلام والفكر السياسي من الأردن.
قد شارك في ورشة العمل مجموعة كبيرة من الأساتذة والخبراء من تونس وفلسطين ومصر والأردن والجزائر والعراق والسودان وسوريا…
وجاء في كلمة الدكتور منذر جرادات تحدث عن المسؤولية التاريخية والإنسانية التي تحملها الأردن تجاه القضية الفلسطينية وأن الاستقرار والإعتراف بدولة فلسطين يضمن الاستقرار للمنطقة والعالم وينصف نضالات الشعب الفلسطيني المحتل مشيرا ان الوصاية الهاشمية هي من حافظت على عروبة القدس .
كما أكد أن المملكة الأردنية الهاشمية لم تتخلى يوما عن القضية الفلسطينية والفلسطينيين فالروابط ليست بين دولتين جارتين بل هي روابط أعمق وأكبر، هي روابط دم ومصير واحد.
وقد جاءفي كلمة الدكتور منذر جرادات ما يلي:
دولة الرئيس الدكتور محمد اشتيه أصحاب المعالي والسعادة، الدكتورة بدرة قعلول رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والامنية والعسكرية السيدات والسادة
إن الحديث عن دور الأردن في دعم القضية الفلسطينية هو حديث عن التزام تاريخي وواجب قومي ورسالة إنسانية حملها الهاشميون والاردن ولم يتخلوا عنها في أي ظرف من ظروف المنطقة.
منذ بدايات الدولة الأردنية كانت فلسطين حاضرة في قلب السياسة الأردنية ووجدان الشعب الأردني وسالت دماء الشهداء على أسوار القدس و ثرى فلسطين .
وفتح الأردن قلبه واحضانه قبل حدوده لاستقبال الإخوة الفلسطينيين في شراكة مصير تعكس وحدة التاريخ والجغرافيا.
واليوم يواصل الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين أداء هذا الدور مؤكدًا أن القدس خط أحمر حيث وقف الاردن صلبا شامخا امام صفقة القرن وكان له الدور في تثبيت شقيقه الفلسطينيى والدفاع عن شرعية السلطية الفلسطينية واستمرارية الدولة الفلسطينية وأن لا سلام عادل ولا استقرار حقيقي دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
أيها الحضور الكريم
إن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف ليست مجرد ولاية رمزية بل ممارسة عملية أثبتت قدرتها على حماية الهوية العربية للمدينة المقدسة وصون المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة وسائر المقدسات.
فقد دعم الأردن مشاريع الترميم والإعمار وواجه محاولات التهويد ورفع صوت القدس عاليًا في المحافل الدولية وبفضل هذه الوصاية بقيت القدس اولى القبلتين وثالث الحرمين جزءًا أصيلًا من وعي العالم وصمام أمان يحمي القضية الفلسطينية من التهميش.
لكن دعم الأردن لم يقتصر على السياسة والرمزية بل امتد إلى تعزيز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه فالأردن يدرك أن معركة الفلسطينيين هي أولًا معركة صمود يومي :
صمود في التعليم، في البقاء على الأرض، في حماية الهوية والذاكرة.
ومن هنا جاء الدعم الأردني للقطاع الصحي والتعليمي وتقديم المساعدات الإنسانية وإسناد أهلنا في القدس والضفة وغزة بما يرسخ بقاءهم ويمنع محاولات اقتلاعهم.
إن أثر هذا الدور الأردني يتجلى في ثلاثة مستويات رئيسية:
حماية الحق التاريخي من خلال الوصاية الهاشمية.
إبقاء القضية الفلسطينية حيّة في الضمير الدولي عبر التحرك الدبلوماسي المستمر.
تعزيز قدرة الفلسطينيين على الصمود في وجه الاحتلال عبر دعم واقعي ومستدام.
السيدات والسادة
الأردن لم يتعامل مع فلسطين بوصفها قضية خارجية بل باعتبارها قضيته المركزية وثابت من ثوابت الدولة الاردنية وقضية الأمة جمعاء وقضية كل إنسان يؤمن بالعدالة وهذا الموقف ليس خيارًا عابرًا بل هو التزام متجذر في الوعي الأردني قيادةً وشعبًا.
ختامًا إن دعم الأردن للصمود الفلسطيني هو تأكيد أن هذه القضية لن تسقط بالتقادم ولن يغيبها الاحتلال مهما طال الزمن.
بل ستظل القدس تنبض بالعروبة والإسلام والمسيحية وسيبقى الأردن وفيًا لأمانة الوصاية وملتزمًا بالحق الفلسطيني حتى ينال الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.