مسجد قرجي بطرابلس.. تحفة عثمانية تتحدى الزمن

ليبيا – سلّط تقرير لوكالة “الأناضول” التركية الضوء على مسجد “قرجي” التاريخي في قلب المدينة القديمة بطرابلس، مؤكّدًا صموده لأكثر من قرنين قرب الميناء القديم، بما يحفظه من زخارف بلاطية عثمانية فريدة وتفاصيل حرفية دقيقة نادرة في شمال إفريقيا، وذلك وفق ما أكده المؤرخ الثقافي عبد المطلب أبو سليم.

الموقع والتاريخ
أوضح أبو سليم أن بناء المسجد ارتبط بتاجر من أصول جورجية هو مصطفى بك قرجي الذي اختار الاستقرار في طرابلس، لتبدأ ورشة البناء وتستمر خمسة عشر عامًا بين 1820 و1834، فخرج المبنى تحفة معمارية تعكس شغف صاحبها وذائقة معمارية عالية.

الهيئة العامة
ويأتي المسجد بمخطط مربع تبلغ أبعاده 16×16 مترًا، تعلوه طبقة علوية على هيئة حرف (يو)، مع فضاء داخلي يستند إلى 9 أعمدة رخامية، تدعمه خارجيًا 25 عمودًا يُرجَّح أن بعضَها جُلب من مدن أخرى، في تكوين يوفّر تماسكًا إنشائيًا وأناقة بصرية في آن.

الطرز والزخارف
ويجمع التصميم بين التأثيرات العثمانية والأندلسية والإيطالية؛ إذ تتوشح الواجهات الداخلية والخارجية بزخارف بلاطية ثرية، وتحفّ تيجان الأعمدة وأجزاء البلاطات زخارفُ جصّية بالغة الدقة، بينما تتوزع 16 قبة تُثري الإيقاع المعماري وتُضفي على الفضاء إحساسًا بالاتساع والهيبة.

عناصر خاصة وحفظ المنبر
ويقابل المحراب قسمٌ مخصّص للضيوف المهمين يُعرف بـ“السودة”، فيما أُزيل المنبر الخشبي عام 2014 لأغراض الحفظ والصيانة تمهيدًا لعرضه في المتحف الوطني الجديد، بحسب ما أفاد به أبو سليم.

ترجمة المرصد – خاص

 

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

إقرأ أيضاً:

كيف غطى الإعلام البريطاني هجوم كنيس مانشستر؟

هاجم رجل يهودًا داخل كنيس في مدينة مانشستر أثناء يوم الغفران (يوم كيبور) في عمل يفيض إرهابا وكراهية. غير أن ساعات قليلة فقط كانت كافية لتحويل مسار التغطية الإعلامية من تناول الجريمة إلى اتهام الإسلام؛ وبالتالي اتهام مسلمي بريطانيا جميعا.

تصدرت صحيفة الديلي ميل هذا الاتجاه؛ إذ نشرت على صفحتها الأولى عنوانا صارخا يقول: «إنه إرهابي إسلامي»، وهو توصيف متوقع، لكنه بالغ الدلالة. صحف (التابلويد) الأخرى بدورها وصفت الهجوم بالإرهابي، إلا أن أحدا منها لم يستخدم اللهجة الحادة نفسها التي تبنّتها الديلي ميل. وهكذا جرى تصوير فعل فرد واحد على أنه انعكاس لعقيدة يتبعها أكثر من ملياري إنسان حول العالم.

قد يرى البعض أن القاتل الذي قُتل برصاص الشرطة كان كما وصفته الصحيفة، لكن نعت الجاني بأنه «إسلامي» تضليل في ذاته؛ فالإسلام يحرّم القتل خارج نطاق القانون، واستهداف الأبرياء تحريمًا قاطعا. وأي صحفي أو كاتب عناوين يعرف ذلك حق المعرفة. ومع ذلك اتسعت الهوة بين ما هو واضح أو بديهي، وما تبثّه وسائل الإعلام اليمينية في بريطانيا، حتى بات مصطلح «الإرهابي الإسلامي» أشبه برخصة لإطلاق العنان لظاهرة الإسلاموفوبيا، وذريعة لدمج دين كامل في جريمة فردية.

هذه الظاهرة ليست جديدة؛ فبعد الهجمات التي قادتها حركة حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 ألقى رؤساء تحرير صحف يهودية بريطانية اللوم على ما وصفوه بـ«عطش دموي إسلامي تاريخي»، وادّعوا أن «الثقافة الإسلامية» تعيش تحت «سطوة طائفة الموت».

وقبل أن تُعرف هوية مهاجم مانشستر وصف أحد المعلقين الموالين لإسرائيل في قناة (جي بي نيوز) الإسلام بأنه «أيديولوجيا صحراوية من القرن السابع» دون أن يواجه أي اعتراض على الهواء. مثل هذه التصريحات التي تُبث بلا مساءلة تكشف عن هوس مرضي بالمسلمين ترعاه هيئات رقابية متساهلة؛ إذ سمحت هيئة أوفكوم (الهيئة المنظمة لقطاع الاتصالات والإعلام في المملكة المتحدة) لتلك القنوات بإتاحة المنابر لخطاب الكراهية من دون عقاب.

وكثيرًا ما يلجأ المعلقون اليمينيون والمناصرون لإسرائيل إلى أسلوب «المقارنة المضللة»؛ لصرف الانتباه عن الجريمة الفردية، وتوجيه اللوم إلى المسلمين كجماعة. فقد نشرت صحيفة الديلي إكسبريس عنوانًا يقول: «إذا كنت ترغب في تعميم الانتفاضة فقد حصلت على ما تريد في مانشستر».

تُحمّل هذه اللغة مسؤولية الهجوم على المصلين في كنيس بريطاني على السياسة الدولية في إيحاء بوجود مسؤولية جماعية مع إبعاد النظر عن الجاني الحقيقي. وهذا جزء من نمط أوسع يجعل أي عنف يُنسب إلى مسلم سببا لمطالبة بتقييد الحريات المدنية، وفتح باب الاشتباه الجماعي.

ويقف التباين صارخًا حين نقارن ذلك بتغطية الهجوم على مسجد كرايستشيرش في نيوزيلندا عام 2019؛ حيث قتل المتطرف اليميني برينتون تارانت 51 مسلما أثناء الصلاة. فقد وضعت صحيفة الديلي ميرور على صفحتها الأولى صورة لتارانت في طفولته مع عنوان يصفه بأنه «فتى كان يوما ملاكا». وتناولت القصة الداخلية دوافعه على أنها «من أجل رذرهام» في إشارة إلى تبريره الإجرامي المرتبط بفضائح «عصابات الاستغلال». هذا الاختيار التحريري أسهم عمليًا في تلطيف صورته، وتبرير أيديولوجيته بدلا من كشف جذورها العنصرية.

إن ازدواجية المعايير فاضحة؛ فبيان تارانت الأيديولوجي كان مليئًا بنفس اللغة التي يستخدمها اليوم عدد من المعلقين الذين يتقمصون دور الوعّاظ الأخلاقيين، وهم في الحقيقة يشيطنون المجتمعات المسلمة.

تقرير مركز رصد الإعلام بعنوان «كيف تغطي وسائل الإعلام البريطانية الإرهاب» كشف أن أكثر من نصف الإشارات إلى الإرهاب في الإعلام البريطاني بين عامي 2015 و2019 كانت مرتبطة بالإسلام أو المسلمين في حين لم تتجاوز نسبة الإشارات إلى التطرف اليميني ستة في المائة فقط.

هذا التفاوت يفضح الكيل بمكيالين؛ فعنف المسلمين يُدان كمؤشر على خللٍ جماعي بينما يُعزل عنف المتطرفين البيض، ويُعامل كاستثناء.

وتواصل وسائل مثل (جي بي نيوز) حملات «المحاكمة الإعلامية» مطالبةً المسلمين بإثبات «ولائهم». فبعد هجوم مانشستر الأخير قال أحد مقدمي البرامج: إن على المسلمين أن يبرهنوا أنهم يستحقون التمويل العام بينما أشار آخر إلى أن الحكومة خصصت 117 مليون جنيه إسترليني لحماية المدارس والمراكز والمساجد الإسلامية من الهجمات مقابل «70 مليونًا فقط» للمؤسسات اليهودية.

الرسالة الضمنية هي أن المسلمين مدلّلون ومميّزون، وهو خطاب يُستخدم دائمًا لإثارة غضب البريطانيين الساخطين. غير أن الواقع مغاير تمامًا؛ فعدد المسلمين في بريطانيا يزيد بنحو خمسة عشر ضعفًا على عدد اليهود، وتوجد في البلاد نحو 1800 مسجد مقابل 500 كنيس فقط ما يعني أن المسلمين أقل حماية نسبيًا، لا أكثر.

وقد اعتادت قناة (جي بي نيوز) نشر الأكاذيب، وتمكين ضيوفها من بثّها دون رد.

فقد زعم أحد المتحدثين أن «المساجد لم تتعرض لأي هجمات خلال شهر رمضان» متجاهلًا أحداثًا موثقة منها: هجوم مسجد فينسبري بارك عام 2017 حين دهس متطرفٌ مصلّين عمدًا، وهجوم عام 2019 في مسجد ساوثهول حيث تصدى المصلّون لرجل يحمل مطرقة، وهجوم عام 2022 على مركز سريلانكي إسلامي في لندن. وفي رمضان الماضي وُجهت تهمة جريمة كراهية لمراهقٍ بعد أن ألقى الطلاء والحجارة على مسجد.

ومع ذلك لم تحظَ هذه الحوادث بتغطية أو عناوين صارخة كتلك التي تُخصَّص للهجمات التي يكون فيها مسلم متهمًا.

يضاف إلى ذلك تكرار الأكاذيب حول انتشار «الشريعة الإسلامية» في بريطانيا، وهي الادعاءات التي كررها حتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الأمم المتحدة. والواقع أن المجالس الإسلامية في بريطانيا تقتصر على الوساطة والإرشاد، ولا تمتلك أي سلطة قانونية.

لكن هذه الخرافات تواصل الانتشار، وتترك آثارًا حقيقية على حياة المسلمين.

ويمتد هذا التغاضي الانتقائي حتى إلى الصحافة الجيدة، مثل برنامج بانوراما الأخير في «بي بي سي» الذي كشف إساءاتٍ معادية للمسلمين داخل شرطة لندن من غير أن يستخدم مصطلح «الإسلاموفوبيا». ويبدو أن الضحايا حين يكونون مسلمين تُخفَّف اللغة بينما تُستعمل أبشع الأوصاف فورًا إذا كان الجاني مسلمًا.

بعد هجوم مانشستر بات واضحًا للمراقبين أن مصانع الكراهية الإعلامية في بريطانيا تُعرّض اليهود والمسلمين، وغيرهم، للخطر؛ إذ تزرع الشك المتبادل، وتمنح الشرعية للمعلقين المتطرفين، وتغضّ الطرف عن خطاب الإسلاموفوبيا. هذه المنابر توجد بيئةً تسمح بازدهار كل أشكال الحقد، وهي نفسها التي تدافع عن امرأةٍ دعت إلى «حرق المهاجرين في الفنادق»، وتقلل من شأن الغوغاء الذين أرعبوا الأحياء والمصلين في المساجد.

إن إدانة هجوم مانشستر أمر واجب؛ فاليهود البريطانيون يستحقون التعاطف والتضامن في هذا الوقت العصيب. غير أن تضامنًا مشروطًا يصدر من مؤسساتٍ إعلاميةٍ تعيش على بث الانقسام لن يجلب سوى مزيد من الخطر.

فاستغلال المأساة لمحاكمة المسلمين جماعيًا يخذل المسلمين واليهود معًا، ويجعل الجميع أكثر عرضةً للكراهية التي لا تفرّق بين ضحيةٍ وضحية.

مقالات مشابهة

  • يوسف بيت سليم: الخطة لا تقتصر على الجانب الرياضي، بل تشمل البرامج التعليمية والتوعوية
  • اللواء الجافي.. من أقدم أبطال المخابرات وقاهر هبة سليم إلى أيقونة تعمير شرم الشيخ
  • الصفحة الرسمية لوزارة الأوقاف تحيي ذكرى وفاة شيخ الأزهر الأسبق فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم
  • الموز مع الفلفل الأسود.. مزيج غريب بفوائد هائلة
  • الصحفي أحمد سليم العياصره يقيم مأدبة غداء تكريمية تكريمًا لدعمه ومتابعيه”صور “
  • بفستان مكشوف الظهر.. مي سليم تخطف الأنظار بإطلالة جريئة
  • كيف غطى الإعلام البريطاني هجوم كنيس مانشستر؟
  • خادم الحرمين الشريفين يوجّه بفتح مسجد القبلتين على مدار اليوم
  • دعاء الصباح اليوم الاثنين 6 أكتوبر 2025.. اللهم ارزقني قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا