الرفق.. أوضحت دار الإفتاء المصرية أن الرفق خلق جميل حثَّ عليه الإسلام ورغَّبَ فيه أتباعه ودعاهم للتمسك به، وهو خلق ينشر بين الناس المحبة، ويوثق بينهم الأواصر والروابط، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» رواه البخاري.

حكم الرفق:

ومن حكمة الله البالغة أن جعل الرفق قرينًا للتشريعات والعبادات، وهو ما جعل الفقهاء يقررون قاعدة "المشقة تجلب التيسير"، ونضرب مثلًا على ذلك بقوله تعالى في أحكام القصاص في القتل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 178]، فعلى االرغم من بشاعة الجريمة وعِظَمِ وقعها على نفس أهل القتيل، فإنَّ الله تعالى بعد أن قرَّرَ عقوبة القصاص، سمح بالعفو عنه، ووجَّه إلى اتِّباعه.

الرفق:

وعند وقوع المشقَّة في أداء عبادة من العبادات نجد التشريع الإسلامي جاهزًا بالبديل الذي يخفِّفُ من أداء العبادة أو يعفو عن أدائها؛ يقول تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196]، وقال عن صيام شهر رمضان: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].

وقد كان في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوجيهاته للمسلمين مدد فيَّاض بمظاهر الرِّفق واللِّين في المعاملة حتى مع غير المسلمين، فهو الذي قال الله سبحانه وتعالى في حقِّهِ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159].

الرفق في الأحاديث النبوية:

وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله سَلَّمَ: «فَقَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ» رواه البخاري.

وقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» رواه مسلم.

وكان من توجيهه صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه مسلم، يقول الإمام النووي: [وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» عامٌّ في كل قتيل من الذبائح، والقتل قصاصًا، وفي حدٍّ ونحو ذلك. وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام] اهـ.

وكان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ» رواه مسلم.

الرفق
إدراك هذه المعاني المتعلقة بالرفق يجعل منه سمتًا عامًّا في شخصيَّةِ المسلم، ومختلف أحواله وما يتعرض له من مواقف، فالرِّفق مطلوب في كل أمورنا، سواء مع النفس، حتى يقدر المرء على سياستها وترويضها من أجل تأهيلها لطاعة الله وتحمل الصعاب والمشاقِّ والرضا بقضائه وقدره سبحانه وتعالى؛ قال تعالى: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]، أم مع الآخرين؛ قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، وقال جل شأنه: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْـحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]، وذلك كالرفق في التعامل مع الفقراء

الرفق بالمحتاجين والضعفاء
كما أرشدنا الله تعالى بقوله عن صفات الأبرار: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8]، والرفق في التعامل مع الناس كافة كما ورد في الأدلة السابقة، بل إن الله سبحانه وتعالى حين أرسل سيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما السلام إلى فرعون قال لهما: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44].

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الرفق حكم الرفق الرفق واللين صلى الله علیه وآله وسلم ى الله ع

إقرأ أيضاً:

تعرف على عيون وأنهار الجنة المذكورة فى القرآن

ذكر القرآن الكريم في آيات عديدةٍ أنهار الجنَّة. قال تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصْفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾.

في الجنَّة عيونٌ كثيرةٌ، مختلفة الطُّعوم، والمشارب. قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ [الحجر: 45]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ ﴾ [المرسلات: 41]، وقال في وصف الجنَّتين اللَّتين أعدَّهما لمن خاف ربه: ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ﴾ [الرحمن: 50]، ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ ﴾ [الرحمن: 66] .

وفي الجنَّة عينان يشرب المقرَّبون ماءهما صِرْفاً غير مخلوطٍ، ويشرب منهما الأبرار الشَّراب مخلوطاً ممزوجاً بغيره:

العين الأولى: عين الكافور قال تعالى: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا *عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ﴾ [الإنسان: 5 – 6]. فقد أخبر: أنَّ الأبرار يشربون شرابهم ممزوجاً من عين الكافور، بينما عباد الله يشربونها خالصاً.

العين الثانية: عين التَّسنيم. قال تعالى: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعْيمٍ *عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ *تَعْرِفُ فِي وَجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ *يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ *خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ *وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ *عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [المطففين: 22 – 28].

ومن عيون الجنَّة عينٌ تسمَّى السَّلسبيل. قال تعالى: ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً﴾.

وهذه الشَّجرة عظيمةٌ كبيرةٌ، تصنع منها ثياب أهل الجنَّة، فعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «طوبى شجرةٌ في الجنَّة مسيرة مئة عامٍ، ثياب أهل الجنَّة تخرج من أكمامها» [أحمد (3/71) وأبو يعلى (1374) ومجمع الزوائد (10/67)] .

الشَّجرة الَّتي يسير الرَّاكب في ظلِّها مئة عام، هذه الشَّجرة هائلة لا يقدر قدرها إلا الَّذي خلقها، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم  عِظَمَ هذه الشَّجرة، بأنْ أخبر: أنَّ الرَّاكب لفرس من الخيل الَّتي تعدُّ للسِّباق، يحتاج إلى مئة عامٍ حتى يقطعها إذا سار بأقصى ما يمكنه، ففي صحيح البخاريِّ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  قال: «إنَّ في الجنَّـة لشجرةً يسير الرَّاكب في ظلِّها مئة سنةٍ، واقرؤوا إن شئتم ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ﴾.

مقالات مشابهة

  • حكم زيارة مقامات الأنبياء والأولياء والصالحين وآل البيت
  • معنى الصلوات المسنونة وحكمها بالكتاب والسُنة النبوية
  • فضل حفظ اللسان من الوقوع في الأذى والفحش
  • معنى الكرب وطرق التفريج عنه شرعًا
  • فضل الجيش المصري في القرآن الكريم.. الإفتاء توضح
  • حكم الاحتفال بذكرى الانتصارات الوطنية؟.. الإفتاء تجيب
  • تعرف على عيون وأنهار الجنة المذكورة فى القرآن
  • إلقاء الموعظة قبل صلاة الجنازة وعند الدفن.. اعرف رأي الشرع
  • كيفية بر الزوجة بعد وفاتها.. دار الإفتاء تكشف الطريقة ونماذج منها