مع إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية السورية، تدخل البلاد مرحلة جديدة يُراد لها أن تكون بداية إعادة تشكيل مؤسسات الدولة على أسس مختلفة من الكفاءة والتوازن.

هذه اللحظة السياسية، بكل ما تحمله من دلالات، تفتح سؤالا مسكوتا عنه منذ عقود: ماذا عن الفلسطينيين الذين عاشوا في سوريا لعقود طويلة، وشاركوا في نسيجها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي؟ من يمثلهم، وأين مرجعيتهم السياسية في ظل هذا التحول؟

فراغ يتسع مع التحولات

منذ النكبة، وجد أكثر من نصف مليون فلسطيني في سوريا وطنا ثانيا.

لكن بعد 2011، عاشوا نكبة ثانية: تهجير واسع، وتدمير مخيمات، وانهيار شبكة الأمان الاجتماعي والسياسي.

الفصائل الفلسطينية التقليدية التي كانت تقدم نفسها مرجعية سياسية فقدت شرعيتها الشعبية، إما بسبب تورطها في الصراع السوري، أو بسبب ارتهانها للمحاور الإقليمية. ومع لحظة إعادة تعريف التمثيل السوري عبر صناديق الاقتراع، يبقى الفلسطينيون في فراغ تمثيلي خطير يهدد وجودهم وكرامتهم.

المشهد القائم: إدارة بلا تمثيل

اليوم يتعامل اللاجئ الفلسطيني في سوريا مع شبكة مرجعيات متداخلة:

- الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب: مؤسسة سورية رسمية تُعنى بالتسجيل والوثائق وتنظيم شؤون الخدمات في المخيمات، لكنها ليست جهة سياسية.

- وكالة الأونروا: وكالة أممية تقدم التعليم والصحة والإغاثة، وتعمل باعتبارها مزود خدمة إنسانية لا مرجعية تمثيلية.

- السفارة الفلسطينية بدمشق: تمثل السلطة الفلسطينية دبلوماسيا أمام الدولة السورية.

- دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير: تتابع ملف اللاجئين وحق العودة دوليا، من دون حضور وأثر مباشر لها في حياة المخيمات.

- الفصائل الفلسطينية التقليدية: تآكل رصيدها الشعبي، وفقدت ثقة الناس.

- المؤسسات الأهلية واللجان المحلية: برزت كقوة ناشئة تعبّر عن نبض المخيمات، لكنها لا تملك تفويضا سياسيا جامعا.

هذه الخارطة تُظهر بوضوح أن الفلسطينيين يملكون أجهزة إدارة وخدمات، لكنهم يفتقرون إلى أداة تمثيل سياسي أو مرجعية تستند إلى اختيار شعبي حقيقي.

الحاجة إلى تمثيل شعبي جديد

الفراغ التمثيلي لا يعني فقط غياب الصوت، بل غياب القدرة على المبادرة وصون الحقوق؛ جيل كامل من الشباب الفلسطيني يعيش بلا أفق سياسي ولا مؤسسة تعبّر عنه. من هنا، تصبح صيغة التمثيل الشعبي ضرورة وجودية، لا مجرد خيار سياسي.

مبادئ أي مبادرة مستقبلية

- استقلالية عن المحاور الإقليمية والتبعية للنظام السابق.

- انتماء صريح للمشروع الوطني الفلسطيني لا لأي مشروع خارجي.

- الاعتراف بشرعية الثورة السورية والالتزام بسيادة الدولة السورية الجديدة.

- الطابع المدني للمخيمات بوصفها جزءا من النسيج الاجتماعي السوري.

- التمثيل عبر الانتخاب والمساءلة؛ لا بالمحاصصة أو الوراثة.

خطوات عملية أولى

كيف يمكن البدء؟ ربما عبر مبادرات صغيرة لكنها تحمل رمزية كبيرة:

- إطلاق نقاش مجتمعي واسع داخل المخيمات وخارجها حول استعادة الصوت الفلسطيني.

- تنظيم انتخابات رمزية في مخيم أو تجمع واحد، لقياس المزاج الشعبي وبناء الثقة.

- تبني مدونة مبادئ تكون بمثابة "دستور مصغّر" يؤكد على الاستقلالية والشفافية.

- ضمان مشاركة النساء والشباب، وعدم حصر التمثيل في النخب التقليدية.

- الدعوة لمؤتمر شعبي لفلسطينيي سوريا في الداخل والشتات.⁠

التحديات الواقعية

بالطبع لن تكون الطريق سهلة: الفصائل التقليدية سترى في أي تمثيل بديل تهديدا لنفوذها، وربما تتردد أيضا مؤسسات الدولة في الاعتراف بأي إطار مستقل. كما أن التدخلات الإقليمية ستبقى حاضرة، ومحاولات إبقاء الفلسطينيين كورقة ضغط لن تتوقف. لكن كل هذه العقبات لا تلغي الحاجة، بل تجعلها أكثر إلحاحا.

بين الهيئة والتمثيل الشعبي

قد يقول البعض إن الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب تكفي، خاصة بعد إعادة تشكيل مجلس إدارتها، لكن الفارق هنا جوهري: الهيئة جهاز إداري مرتبط بالدولة السورية، لا مرجعية سياسية منتخبة، والفلسطينيون يتعاملون معها كجهة معاملات رسمية، لا كإطار وطني جامع. المطلوب إذن ليس بديلا عنها، بل مكمل لها: أداة تمثيل شعبي ديمقراطي تعكس إرادة الناس وتتكامل مع الأطر الخدمية والإدارية، وإذا كانت ستُطرح كمرجعيّة سياسية وجهة تمثيل فإن ذلك يتطلب طريقة مختلفة في التشكيل تُبنى على أساس الاختيار وليس مبدأ التعيين.

خاتمة: فرصة لا تنتظر

كما يسعى السوريون اليوم إلى إعادة تعريف تمثيلهم عبر صناديق الاقتراع، من حق الفلسطينيين في سوريا أن يسعوا بدورهم لبناء مرجعية سياسية بناء على اختيارات شعبية ديمقراطية. العودة إلى الانتظار أو الارتهان للخارج لن تحمي المخيمات، ولن تصون الهوية.

قد تبدأ الخطوة بمبادرة صغيرة، لكنها تفتح الطريق نحو إعادة بناء الصوت الفلسطيني الحرّ على أرض سورية حرّة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الفلسطينيين سوريا التمثيل اللاجئين سوريا فلسطين لاجئين تمثيل قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی سوریا

إقرأ أيضاً:

رئيس التمثيل التجاري المصري يبحث في مدريد جذب استثمارات إسبانية جديدة

في إطار زيارته إلى مملكة إسبانيا لحضور اجتماعات الدورة السابعة لمنتدى التجارة والاستثمار بمنظمة الاتحاد من أجل المتوسط (UfM)، وعقد عدد من الاجتماعات الرسمية مع الجانب الإسباني، قام الوزير المفوض التجاري/ د. عبد العزيز الشريف – وكيل أول الوزارة ورئيس التمثيل التجاري المصري – بعقد سلسلة من اللقاءات الرسمية بالعاصمة مدريد، وذلك في إطار متابعة وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين جمهورية مصر العربية ومملكة إسبانيا، واستثمار الزخم الإيجابي الذي تشهده العلاقات الثنائية عقب الزيارات رفيعة المستوى الأخيرة بين قيادتي البلدين.

وشملت الاجتماعات لقاءً بمقر وزارة الاقتصاد والتجارة والأعمال الإسبانية مع كل من خوان لويس خيمينو، مسئول التجارة الدولية والاقتصاد ومسئول ملف التعاون مع مصر، وخافيير ألفاريز، نائب مساعد وزير أفريقيا والشرق الأوسط، وبمشاركة أعضاء المكتب التجاري المصري، حيث تم بحث مستجدات العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين البلدين، وسبل الارتقاء بها بما يعكس عمق الشراكة الاستراتيجية القائمة.

هذا وقد أكد د. عبد العزيز الشريف خلال اللقاء أن إسبانيا تُعد من أهم الشركاء التجاريين لمصر على مستوى الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن العلاقات الثنائية تشهد زخماً ملحوظاً تُوِّج بعدد من الزيارات الرسمية الهامة، كان آخرها زيارة جلالة ملك إسبانيا إلى مصر خلال شهر سبتمبر الماضي، والتي عُقد على هامشها منتدى أعمال مصري – إسباني مشترك بمشاركة كبرى الشركات من الجانبين، وذلك في إطار متابعة النتائج الاقتصادية والاستثمارية لزيارة فخامة السيد رئيس الجمهورية إلى إسبانيا.

كما تم خلال الاجتماعات التباحث حول أهمية عقد الاجتماع الأول للحوار الاقتصادي المنبثق عن مذكرة التفاهم الموقعة على هامش زيارة فخامة السيد رئيس الجمهورية إلى إسبانيا، إلى جانب عقد الاجتماع الأول لمجلس الأعمال المصري – الإسباني المعاد تشكيله، مع بحث إمكانية تنظيم حدث متكامل يضم الحوار الاقتصادي ومنتدى لرجال الأعمال خلال النصف الأول من عام 2026.

وفي هذا السياق، أشار د. الشريف إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تطوراً ملحوظاً في مؤشرات التبادل التجاري بين البلدين، حيث ارتفعت الصادرات المصرية إلى إسبانيا لتسجل نحو 1.68 مليار يورو خلال عام 2024، مع استمرار النمو في الصادرات غير البترولية لتتجاوز 1.47 مليار يورو، بما يعكس تنوع القاعدة التصديرية المصرية وقدرتها التنافسية في السوق الإسباني. كما أوضح أن الميزان التجاري حقق فائضاً لمصلحة مصر بلغ نحو 225 مليون يورو خلال عام 2024، لافتاً إلى أن أبرز الصادرات المصرية إلى إسبانيا تشمل الحديد والصلب، والوقود والزيوت المعدنية، والأسمدة، واللدائن، إلى جانب الخضر والفاكهة.

وأكد رئيس التمثيل التجاري المصري تطلع الجانب المصري إلى البناء على هذا الأداء الإيجابي من خلال دفع العلاقات الاستثمارية إلى مستويات أكثر تقدماً، مشيراً إلى أن حجم الاستثمارات الإسبانية القائمة في مصر لا يزال دون المستوى المأمول، حيث لا يتجاوز نحو مليار يورو، داعياً الشركات الإسبانية إلى ضخ مزيد من الاستثمارات والمشروعات الجديدة في السوق المصري، في ضوء ما توفره مصر من فرص استثمارية واعدة وحوافز تنافسية.

وفي ختام زيارته، عقد د. الشريف اجتماعاً مع السيدة/ مارتا بلانكو، رئيسة CEOE International باتحاد منظمات الأعمال الإسباني، حيث تم بحث مشاركة الاتحاد في فعاليات الحوار الاقتصادي ومنتدى الأعمال المرتقب، وأعربت عن تطلع الشركات الإسبانية للتوسع في السوق المصري، مؤكدة أن مصر تمثل شريكاً استراتيجياً لإسبانيا على المستويين الاقتصادي والتجاري.

مقالات مشابهة

  • هبطل تمثيل | انفعال أحمد السقا بسبب فيديو محمد صلاح
  • عبد الرحيم حسن: بعد غد الإعلان عن الفائزين في مسابقة التمثيل ببورسعيد
  • رئيس التمثيل التجاري المصري يبحث في مدريد جذب استثمارات إسبانية جديدة
  • مستشار الرئاسة اليمنية: المملكة مرجعية جميع الفرقاء وأكبر ضمان لعدم تكرار أحداث حضرموت
  • قلة النوم ترفع خطر السمنة واضطرابات التمثيل الغذائي.. دراسة تحذر
  • بكري: «الفيتو الرئاسي» أنقذ نزاهة الانتخابات.. ونتائج الإعادة نقطة تحول سياسية
  • تقارير إعلامية: آلاف الأطفال في غزة يواجهون بردا قارسا بعد غرق المخيمات
  • القاهرة الإخبارية: آلاف الأطفال في غزة يواجهون برداً قارساً بعد غرق المخيمات
  • مسيحيو لبنان.. هويات مشرقيّة صغيرة بين محدودية التمثيل وتحديات الوجود
  • الفلفل الأحمر الحار يسرع الحرق ويحسن عملية التمثيل الغذائي