في خطوة جديدة تعكس تصاعد القلق العالمي بشأن سلامة الأطفال في الفضاء الرقمي، كشفت تسريبات حديثة حصلت عليها منصة بيزنس إنسايدر عن تفاصيل إرشادات داخلية يُقال إن شركة ميتا تستخدمها حاليًا لتدريب روبوتات الدردشة الذكية الخاصة بها، في محاولة لضمان تعامل أكثر أمانًا ومسؤولية مع المستخدمين القُصّر ومنع أي استغلال أو محتوى غير مناسب لأعمارهم.

تأتي هذه الخطوة بعد سلسلة من الانتقادات التي واجهتها الشركة خلال الأشهر الماضية، إذ أشارت تقارير إعلامية إلى أن سياسات ميتا السابقة كانت تسمح لروبوتات الدردشة التابعة لها بالمشاركة في محادثات رومانسية أو حسية مع الأطفال، وهي ادعاءات نفتها الشركة بشدة ووصفتها بأنها خاطئة ومتناقضة مع سياساتها، مؤكدة أنها سارعت إلى إزالة أي صياغة قد تُفسَّر بهذا الشكل، وأعلنت في أغسطس الماضي عن تحديث شامل لحواجز الحماية في منتجاتها المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

وبحسب الوثيقة التي استعرضها بيزنس إنسايدر، فقد وضعت ميتا قائمة واضحة تُصنف أنواع المحتوى إلى مقبول وغير مقبول، مع تشديد خاص على منع أي تفاعل أو محتوى يمكن أن يُشجع أو يُمكّن أو يُبرر الاعتداء الجنسي على الأطفال. كما تحظر الشركة صراحةً على روبوتاتها الدخول في أي تمثيل للأدوار الرومانسية إذا كان المستخدم قاصرًا أو إذا طُلب من الذكاء الاصطناعي تمثيل شخصية قاصر. وتشمل الإرشادات أيضًا منع تقديم أي نصائح تتعلق بالاتصال الجسدي أو الحميمي، أو المشاركة في محادثات قد تفتح المجال لمواضيع حساسة تتجاوز الحدود الأخلاقية أو القانونية.

وفي المقابل، تسمح السياسات الجديدة للروبوتات الذكية بمناقشة مواضيع مثل الإساءة أو التنمر أو الحماية الرقمية، شرط أن يتم تناولها بأسلوب توعوي وتعليمي، دون أي انخراط في حوار قد يُفسر على أنه تشجيع أو تبرير لسلوك غير قانوني أو غير أخلاقي.

يأتي هذا التوجه في وقت تتزايد فيه التحقيقات الرسمية بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الموجّه للأطفال والمراهقين. ففي أغسطس الماضي، أعلنت لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية (FTC) عن فتح تحقيق رسمي يشمل عدة شركات تقنية كبرى، من بينها ميتا وألفابت (الشركة الأم لجوجل) وسناب وأوبن إيه آي وإكس إيه آي التابعة لإيلون ماسك، وذلك بعد تصاعد المخاوف حول قدرة روبوتات الدردشة على التأثير في السلوك النفسي والاجتماعي للمستخدمين القُصّر.

ويقول خبراء إن الإرشادات الجديدة التي تتبعها ميتا تمثل محاولة استباقية لتجنب أي مساءلات قانونية مستقبلية، خصوصًا بعد أن أصبحت الحكومات الغربية أكثر تشددًا تجاه ممارسات شركات التكنولوجيا فيما يتعلق بحماية بيانات وسلوك الأطفال على الإنترنت. كما تأتي هذه الجهود في ظل سباق محموم بين الشركات العالمية لتطوير روبوتات دردشة قادرة على التفاعل الإنساني المتقدم، ما يضعها أمام تحدٍ مزدوج: الابتكار من جهة، وضمان الأمان والأخلاق الرقمية من جهة أخرى.

ورغم أن ميتا لم تُعلّق رسميًا على تفاصيل الوثيقة المسربة، إلا أن المتحدثين باسم الشركة أكدوا مرارًا أن حماية الأطفال من أخطار الإنترنت تمثل “أولوية مطلقة”، وأنها تواصل تطوير أدوات رقابية متقدمة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لضمان التفاعل الآمن ضمن منصاتها مثل فيسبوك وإنستغرام وماسنجر.

ويرى محللون أن هذه السياسة الجديدة قد تُعيد رسم حدود استخدام الذكاء الاصطناعي في المحادثات الرقمية خلال السنوات المقبلة، خصوصًا مع ازدياد انتشار روبوتات الدردشة في تطبيقات التواصل الاجتماعي. ومع استمرار الجدل حول مسؤولية الشركات التكنولوجية في حماية الفئات الضعيفة من المستخدمين، يبدو أن ميتا اختارت المضي في نهج أكثر حذرًا هذه المرة، محاولةً الموازنة بين الابتكار والالتزام الأخلاقي في زمن لم يعد فيه الخط الفاصل بين الإنسان والآلة واضحًا كما كان من قبل

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: روبوتات الدردشة

إقرأ أيضاً:

مستقبل مراكز مصادر التعلّم في ظل الذكاء الاصطناعي

 

 

خميس بن سعيد بن سالم الحربي

k.s.s.alharbi@moe.om

 

في إحدى المرات استوقفتني عبارة وردت في كتاب يتحدَّث عن مكتبات المُستقبل "انظر جيدًا قبل عبور الشارع ثم انطلق"، ورغم بساطتها، إلّا أنني أراها تجسد جوهر المرحلة التي نعيشها اليوم في مراكز مصادر التعلّم؛ فقبل أن نعبر نحو المُستقبل، علينا أن نتأمل واقعنا بصدق، ثم نخطط بحكمة، لننطلق بثقة في عالم يتغير بسرعة غير مسبوقة في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي.

لقد شهد العالم تحولات جذرية في مفهوم المكتبات ومراكز مصادر التعلّم؛ فلم تعد هذه المراكز مجرد أماكن لتخزين الكتب، بل أصبحت فضاءات معرفية رقمية، ومنصات للتعلم الذاتي، والتفكير النقدي، والإبداع، وبناء مهارات المستقبل، ومع ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وغيرها، أصبح الوصول إلى المعلومة أسرع من أي وقت مضى؛ مما يفرض على هذه المراكز إعادة ابتكار دورها، بدلًا من التمسك بنموذجها التقليدي، كما يخشى البعض أن تصبح مراكز مصادر التعلّم كيانًا قديمًا مع تراجع استخدام المصادر الورقية وازدياد الاعتماد على المصادر الرقمية، وهذا الخوف وإن كان مشروعًا قد يدفع صناع القرار إلى التقليل من أهمية هذه المراكز، مما قد يؤدي إلى تراجع مستوى الدعم، وضعف توفير الكوادر المتخصصة، وتقليص الاستثمارات في تطويرها ومع ذلك، فإنَّ الخطر الحقيقي لا يكمن في التكنولوجيا ذاتها، بل في الجمود وعدم القدرة على التكيف معها.

من وجهة نظري.. فإنَّ المستقبل لن يُطيح بمراكز مصادر التعلم؛ بل سيُعيد تشكيلها، فلن يبقى أخصائي مصادر التعلم مجرد مسؤول عن الكتب والأجهزة؛ بل سيصبح واضعًا لسياسات استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وحارسًا لأخلاقيات المعلومات، ومحفزًا على الابتكار، وموجهًا للطلبة في مواجهة الانتحال والابتزاز الإلكتروني، وشريكًا في بناء عقلية رقمية ناقدة وواعية.

كما إنَّ الدور القادم لأخصائي مصادر التعلم هو دور قيادي، وتربوي، وثقافي، وليس تقنيًا فحسب؛ فالمعرفة اليوم متاحة للجميع، لكن القدرة على التمييز بين الموثوق والمضلل، وبين الإبداع والنسخ، وبين التفاعل والتشتت، هي المهارة الحقيقية التي ينبغي أن نغرسها في الأجيال.

تُظهر العديد من الدراسات أنَّ وجود برامج مكتبية قوية تدار من قبل أمناء مؤهلين يسهم في رفع معدلات القراءة والكتابة والنجاح الأكاديمي وفي المقابل، تكشف بيانات عامي 2021-2022 في الولايات المتحدة أن 35% من المناطق التعليمية لا يوجد فيها أمين مكتبة مدرسي، وأن 35% أخرى تعتمد على أمين بدوام جزئي فقط، مما يؤثر سلبًا على أكثر من 12 مليون طالب، حيث إن هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي رسالة تحذيرية واضحة حين نتجاهل مراكز مصادر التعلم، فإننا ندفع الثمن تربويًا وثقافيًا.

الحقيقة أننا أمام مفترق طرق: إما أن نعيد تشكيل مراكز مصادر التعلم لتصبح بيئات رقمية مبتكرة تقود التغيير، وإما أن نتركها تتراجع حتى تتحول إلى مساحة مهجورة لا قيمة لها في العملية التعليمية ولا يتفاعل معها أحد، كما إن الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا؛ بل فرصة لبناء جيل باحث، ناقد، مبدع، يمتلك أخلاقيات رقمية، ويستخدم التقنية بوعي ومسؤولية.

** مشرف مصادر التعلم بالتربية والتعليم

 

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يخلق شعورا بالتشويش النفسي
  • بعد وفيات في الهند.. تشديد الرقابة على بيع «الباراسيتامول» للأطفال دون وصفة طبية
  • كاليفورنيا تقرّ أول قانون من نوعه في البلاد لحماية القاصرين من روبوتات الذكاء الاصطناعي
  • مستقبل مراكز مصادر التعلّم في ظل الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي.. من الإبداع إلى الخداع
  • كاليفورنيا تُقرّ قانوناً تاريخياً لحماية الأطفال من روبوتات الدردشة
  • «هاكاثون» لتطوير الذكاء الاصطناعي في طب العيون
  • الذكاء الاصطناعي يحاول إقناع المستخدمين بمواصلة المحادثة
  • ميتـا تثير الجدل.. روبوتات الدردشة تجمع محادثات المستخدمين لتخصيص الإعلانات
  • خبراء صحة: الذكاء الاصطناعي يخلق شعورا بالتشويس النفسي