منظّرو الهدم الخلّاق لشرح محركات النمو الحديث يفوزون بنوبل.. فما هو؟
تاريخ النشر: 14th, October 2025 GMT
منحت لجنة نوبل في ستوكهولم جائزة الاقتصاد لعام 2025 لـ3 أكاديميين من ضفتي الأطلسي، تقديرا لإسهامهم في تفسير الدور الحاسم للابتكار والتجديد التكنولوجي في توليد النمو الاقتصادي، وفقا لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ.
وحصل كل من جويل موكير من جامعة "نورث وسترن"، وفيليب أغيون من كلية لندن للاقتصاد ومعهد "إنسياد" في باريس، وبيتر هاويت من جامعة "براون" على الجائزة المعروفة رسميا باسم "جائزة بنك السويد في العلوم الاقتصادية في ذكرى ألفريد نوبل"، وذلك عن أبحاثهم التي أرست أسس ما يُعرف اليوم بـ"نظرية النمو الشومبيتري" القائمة على مفهوم "الهدم الخلّاق".
وبحسب ما أوضحت بلومبيرغ، فإن مفهوم الهدم الخلّاق الذي استلهمه الباحثون من أفكار الاقتصادي النمساوي جوزيف شومبيتر، يشير إلى العملية التي تستبدل فيها الابتكارات الجديدة بالأنظمة الاقتصادية القديمة، فتُدمَّر الصناعات المتقادمة لصالح أخرى أكثر كفاءة وإنتاجية.
بمعنى آخر، فإن النمو لا يتحقق فقط عبر التوسع الكمي، بل عبر تحولات هيكلية جذرية تخلق أنماطا جديدة من الإنتاج والتوظيف والتقنية، وتُقصي تدريجيا النماذج التي لم تعد قادرة على المنافسة.
وتضرب النظرية أمثلة واضحة على ذلك من التاريخ، فالمحرّك البخاري أزاح طواحين الهواء، والهواتف الذكية أنهت عصر الكاميرات الرقمية، والذكاء الاصطناعي اليوم يعيد تشكيل قطاعات بأكملها.
وترى اللجنة أن هذا النموذج يشرح الطابع الديناميكي للرأسمالية، حيث تكون "الفوضى الخلّاقة" شرطا لتقدّم المجتمعات، رغم ما تسببه من اضطراب قصير الأجل في الأسواق وفرص العمل.
إعادة تعريف محركات النمووقالت كيرستن إنفلو، عضو لجنة نوبل وأستاذة الاقتصاد النظري بجامعة لوند، في تصريحات نقلتها بلومبيرغ، إن "عمل الفائزين يذكّرنا بأن التقدّم لا يُؤخذ كأمرٍ مسلّم به، وعلى المجتمعات أن تراقب العوامل التي تولّد النمو وتُبقيه مستداما، وهي الابتكار العلمي، والهدم الخلّاق، وانفتاح المجتمع على التغيير".
إعلانأما الاقتصادي الهولندي المولد جويل موكير، فقد نال التقدير عن دراسته العميقة حول كيفية ترسّخ النمو المستدام منذ الثورة الصناعية، مدفوعا بالموجات المتلاحقة من الابتكارات التقنية.
وبيّنت بلومبيرغ أن زميليه أغيون وهاويت وضعا عام 1992 نموذجا رياضيا شهيرا يُظهر كيف يتحوّل الابتكار في جوهره إلى عملية مستمرة من "الهدم الخلّاق" عبر المنافسة، إذ تُجبر الشركات الجديدة نظيراتها القديمة على الخروج من السوق أو إعادة الهيكلة، في دورة دائمة من التجديد الاقتصادي.
أبعاد سياسية واقتصادية معاصرةوفي تصريح نقله التقرير، قال أغيون في أول تعليق له بعد تلقيه الخبر عبر الهاتف: "أنا ما زلت عاجزا عن الكلام"، مؤكدا أن الابتكار هو قلب النمو الحديث.
وسيحصل موكير على نصف قيمة الجائزة البالغة 11 مليون كرونا سويدية (نحو 1.2 مليون دولار أميركي)، في حين يتقاسم أغيون وهاويت نصفها الآخر.
ولفتت بلومبيرغ إلى أن أغيون، المولود في باريس والمقيم في أوروبا، كان في السنوات الأخيرة أحد الأصوات المؤثرة في السياسة الفرنسية، إذ حثّ الرئيس إيمانويل ماكرون على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما في إطار إصلاحاته الاقتصادية.
وعند سؤاله عن تأثير الرسوم الجمركية الأميركية على النمو، أجاب بلهجة نقدية: "أنا لا أرحّب بالموجة الحمائية في أميركا، فهذا ليس جيدا للنمو ولا للابتكار". وأضاف أن "على أوروبا أن تدرك أننا لم نعد نستطيع ترك أميركا والصين تتقدمان تكنولوجيا بينما نحن نتراجع".
الذكاء الاصطناعي.. محفّز جديد للهدم الخلّاقوتناول أغيون أيضا أثر الذكاء الاصطناعي على النمو المستقبلي، واصفا إياه بأنه "أداة واعدة ومحفوفة بالمخاطر في آنٍ واحد"، موضحا: "الأفكار ستصبح أسهل منالا بفضل الذكاء الاصطناعي، مما يعني إمكانات نمو هائلة، لكن المشكلة تكمن في كيفية تسخير هذه الإمكانات، وهنا تبرز أهمية سياسة المنافسة".
ويعني ذلك، وفق بلومبيرغ، أن الذكاء الاصطناعي قد يُحدث موجة جديدة من "الهدم الخلّاق" في قطاعات مثل التعليم والصناعة والإعلام، لكنه في المقابل قد يفاقم الفوارق بين الاقتصادات إذا غابت التشريعات الضابطة.
أما هاويت، الكندي المولد، فاشتهر بتعاونه الطويل مع أغيون في تطوير "نظرية النمو الشومبيتري"، التي دمجت بين الابتكار كقوة محركة والتنافس كساحة تجريبية. وقال لاري كرامر من كلية لندن للاقتصاد في بيان نقلته بلومبيرغ: "العمل الرائد للبروفسور أغيون في مجال النمو المدفوع بالابتكار غيّر جذريا فهمنا لكيفية تطور الاقتصادات وازدهارها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يحل لغزًا فيزيائيًا استعصى على العلماء لأكثر من قرن
يتميز THOR AI بقدرته على العمل بسلاسة مع النماذج الذرية الحديثة القائمة على التعلّم الآلي، ما يجعله أداة قابلة للتوسّع في مجالات متعددة، تشمل علوم المواد، والفيزياء، والكيمياء. اعلان
نجح باحثون من جامعة نيو مكسيكو ومختبر لوس ألاموس الوطني في تطوير إطار حسابي مبتكر يُمكّن من حل مشكلة ظلت تُشكل تحديًا جوهريًّا أمام علماء الفيزياء الإحصائية لعقود من الزمن.
ويُعد هذا الإطار، المسمّى "إطار عمل الذكاء الاصطناعي للموترات لتمثيل الكائنات عالية الأبعاد" (THOR)، قفزة نوعية في فهم سلوك المواد تحت ظروف ديناميكية حرارية وميكانيكية معقّدة.
في قلب هذا الإنجاز يكمن التكامل التكويني — وهو معادلة رياضية تُستخدم لوصف التفاعلات بين الجسيمات في الأنظمة الفيزيائية. ويُعد حساب هذا التكامل بدقة أمرًا بالغ الصعوبة، خصوصًا في التطبيقات التي تتضمّن ضغوطًا شديدة أو تحولات طورية، نظرًا لتعقيداته الحسابية الهائلة.
ويقول بويان ألكساندروف، كبير علماء الذكاء الاصطناعي في مختبر لوس ألاموس الوطني والقائد الرئيسي للمشروع: "التكامل التكويني يلتقط تفاعلات الجسيمات، لكن تقييمه دقيقًا كان دائمًا أمرًا بطيئًا ومعقّدًا. إن التحديد الدقيق للسلوك الديناميكي الحراري لا يعمّق فهمنا العلمي للميكانيكا الإحصائية فحسب، بل يزوّدنا أيضًا برؤى حاسمة في مجالات مثل علم المعادن."
تجاوز "لعنة الأبعاد"لعقود، اعتمد الباحثون على طرق تقريبية مثل الديناميكيات الجزيئية ومحاكاة مونت كارلو لتقدير التكامل التكويني. ومع ذلك، فإن هذه الطرق تعاني من ما يُعرف بـ"لعنة الأبعاد"، حيث يزداد التعقيد الحسابي بشكل أُسي مع كل متغير إضافي، حتى إن أسرع الحواسيب العملاقة كانت تفشل في إنتاج نتائج دقيقة في أوقات معقولة. وغالبًا ما كانت هذه المحاكاة تستغرق أسابيع دون أن تحقق دقة كافية.
من جهته لاحظ ديميتر بيتسيف، أستاذ في قسم الهندسة الكيميائية والبيولوجية بجامعة نيو مكسيكو والشريك البحثي لألكساندروف، أن الاستراتيجيات الحسابية الجديدة التي طوّرها الفريق تتيح حلاً مباشرًا للتكامل التكويني — وهي خطوة كانت تُعتبر مستحيلة في سياق الميكانيكا الإحصائية.
ويوضح بيتسيف: "تقليديًا، كان حل التكامل التكويني بشكل مباشر مستحيلًا لأن التكامل غالبًا ما ينطوي على أبعاد تصل إلى الآلاف. التقنيات الكلاسيكية كانت تتطلب أوقاتًا حسابية تتجاوز عمر الكون، حتى باستخدام أحدث الحواسيب. لكن تقنيات شبكة الموتر وضعت معيارًا جديدًا للدقة والكفاءة، يمكن من خلاله قياس جميع الأساليب الأخرى."
ثورة في السرعة والدقةويعتمد THOR AI على تمثيل مكعب البيانات عالي الأبعاد للمتكامل كسلسلة من المكونات الأصغر عبر تقنية رياضية تُعرف بـ"الاستيفاء المتقاطع لقطار الموتر". ويُطبّق البديل المخصّص لهذه الطريقة تماثلات بلورية جوهرية، ما يسمح بحساب التكامل التكويني في ثوانٍ، بدلًا من آلاف الساعات، دون أي تنازل عن الدقة.
وأظهرت الاختبارات أن THOR AI قادر على إعادة إنتاج نتائج أفضل عمليات محاكاة مختبر لوس ألاموس — لكن بسرعة تفوقها بأكثر من 400 مرة. وقد طُبّق الإطار بنجاح على معادن مثل النحاس، وعلى غازات نبيلة تحت ضغط عالٍ مثل الأرجون في حالته البلورية، وكذلك في حساب انتقال الطور الصلب إلى الصلب للقصدير.
أداة متعددة التخصصاتويتميز THOR AI بقدرته على العمل بسلاسة مع النماذج الذرية الحديثة القائمة على التعلّم الآلي، ما يجعله أداة قابلة للتوسّع في مجالات متعددة، تشمل علوم المواد، والفيزياء، والكيمياء.
ويقول دوك ترونج، عالم في مختبر لوس ألاموس والمؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في مجلة "Physical Review Materials": "هذا الاختراق يستبدل عمليات المحاكاة والتقديرات التقريبية للتكامل التكويني التي يعود تاريخها إلى قرن من الزمان بحسابات قائمة على المبادئ الأولى. ويُفتح THOR AI الباب أمام اكتشافات أسرع وفهم أعمق للمواد."
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة