يوميات من غزة حيث لا فناء لثائر
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
في غزة، حيث الإبادة على مرأى ومسمع من العالم مستمرة لعامين، وصارت البلاد بيوت عزاء مفتوحة، كتب 100 كاتب وفنان يومياتهم في "استعادات مقلقة، يوميات غزة، مئة كاتب وفنان من غزة يكتبون عن الحرب" ليقدّموا رواية جماعية للحياة في ظل الحرب.
ويوثق الكتاب الذي حرره عاطف أبو سيف تجربة إنسانية تكاد لا تتكرر، يصور فيها صمود الناس، ونزوحهم وذكرياتهم، ومحاولاتهم للحفاظ على حيواتهم وسط الدمار، ويقدم زاوية فريدة: شهادات مباشرة، وتأملات أدبية، ولقطات لحياة تحاول الاستمرار رغم المحن.
وهنا لا تُختصر الحكاية في الدمار أو النزوح فحسب، بل في أصوات الأحياء الذين كتبوا ليذكَروا العالم بمأساتهم، ليقولوا: نحن هنا، لنا ذكرياتنا وأحلام، وليل الاحتلال منجلٍ لا محالة. "استعادات مقلقة" إذن، ليس توثيقًا للحرب فحسب، إنه وثيقة إنسانية تثبت أن الكتابة فعل مقاومة.
لا يكتفي الكتاب بنقل الأحداث وليس هذا هدفه، بل يأخذ القارئ معه ليعيش الحكاية القاسية مع الذين كتبوا من قلب القصف والحصار حيث تحمل الكلمات أصداء العذاب والألم، لتشكل نصا يعكس صراع الإنسان مع الموت، ومحاولاته للنجاة، ويصير كل نص منها أشبه بنافذة تطل على أرض غزة بكل تفاصيلها: شوارعها، بيوتها المدمّرة، خيامها، ذكريات أطفال يبحثون عن لحظة أمان.
والكتابة في هذا العمل فعل وجودي بامتياز، فهم لم يكتبوا بعد انتهاء الحرب بل في خضمها، تحت ضغط القصف والدمار، وهذا يجعل النصوص شاهدة على لحظات حقيقية لا يمكن التقاطها إلا من الداخل، بعيدا عن أرقام الإعلام ولقطات الكاميرات التي غالبا ما تبسط المعاناة وتختزلها إلى صور ثابتة قلما تظهر أبعادها الإنسانية.
ويتقاطع في الكتاب 3 مستويات لغوية:
الواقعية التي تنقل تفاصيل الحياة اليومية تحت الحصار والقصف. الشاعرية التي تنسج لحظات تأملية عن الحب والحنين والأمل. الفانتازيا التي تمنح الكتابة مساحة للخيال في مواجهة الواقع الوحشي. إعلانويجعل هذا المزج النصوص أكثر ثراء وصدقا، ويتيح للقارئ أن يعيش الحرب بأبعادها الإنسانية، بعيدا عن كونها حدثا تاريخيا أو سياسيا، فالخطر والموت والذكريات والأحلام كلها تتقاطع في نصوص الكتاب لتشكل فسيفساء الحياة اليومية في غزة.
الكتّاب والفنانون المشاركونشارك في هذا المشروع الأدبي 100 كاتب وفنان فلسطيني من غزة، يمثلون أصواتًا مختلفة ومتنوعة.
وبعضهم استُشهِد لاحقًا، ومنهم أحمد الكحلوت، بلال عقل، رفعت العرعير، نور الدين حجاج، هبة أبو ندى، هبة محمد المدهون. وهؤلاء الذين نالوا الشهادة بعد الكتابة، صارت نصوصهم شاهدة على وجودهم ومقاومتهم الأدبية.
كما تضم الكوكبة كُتابا ما زالوا يكافحون داخل غزة أو خارجها. وكل المشاركين لم يكتبوا للنداء الإعلامي أو الشهرة، إنما لتثبيت الذاكرة الجمعية وحماية الهوية الإنسانية، وإعادة تعريف الحياة الفلسطينية من الداخل، بعيدا عن الصور النمطية أو الأخبار المجردة من التفاصيل الحياتية.
النزوح وفقدان الهويةمن أبرز الموضوعات التي يعالجها الكتاب: النزوح القسري وأثره على الإنسان، وأزمة الانتقال من حي إلى آخر يوصف بأنه "أكثر أمنا" كما تروج رواية المحتل أو من شمال القطاع إلى جنوبه، ففي غزة كل هذا -على ما فيه من مشقة ومهالك- لا يعني النجاة بالضرورة.
والنصوص تضيء على جانب إنساني قد لا يُلتفَت له مع صخب الموت والانتقال: النزوح ليس انتقالا فحسب بل هو هروب بالقليل حيث يفرض النزوح على الإنسان اختيار الأجزاء التي سيأخذها معه، والأجزاء التي سيتركها للموت.
يقول أحد المشاركين في الكتاب:
"أجهِّزُ نفسي لأنزح من هذه الخيمة أيضا، ربما نزحتُ بعدد أصحاب المعلقات العشر، أو ربما بعدد علوم اللغة الاثني عشر، وربما أيضًا بعدد بحور الشعر العربي الستة عشر، جلبتُ معي في هذه الخيمة ما شاء الله لي من علماء اللغة والأدب والقراءات، أسامرهم وأذاكرهم، لا أنسى سؤالاتي لسيبويه ولا لأبي عمرو ولا لابن مالك، كان أبو حيان دائمًا معي حادَّ المزاج متقلِّبَه، كنتُ أطربُ جدًّا لسعة علم السيوطي، جمع من مسائل العلم أدناها وأقصاها، ولم يغادر صغيرة ولا كبيرة فيه إلا أحصاها…".
وتدور التجربة اليومية التي يركز عليها الكتّاب في فلك ما يسببه النزوح من غربة في النفس، فالنزوح في حقيقته صراع للحفاظ على الهوية والذاكرة والأمل، فهنا يختبر الإنسان فقدان الأمان، ويواجه صعوبة في التمييز بين المسارات التي تؤدي إلى النجاة أو الموت، وتعطي هذه التفاصيل والمعاني الدقيقة للكتاب خصوصيته، وتخرجه عن السرد العادي وتجعله تجارب من لحم ودم.
View this post on InstagramA post shared by الجزيرة (@aljazeera)
الحرب ما بين الصورة والأرضيبرز الكتاب بوضوح الفارق بين مشاهدة الحرب على وسائل الإعلام وبين عيشها تجربة حية، الصور والمرئيات على كثرتها لا تنقل فزع النفوس، ولا الفجيعة والتلوع من فقدان الأحبة، ولا لحظات البحث عن الماء أو الطعام وسط الركام.
ويقدم الكتّاب المشاركون للقارئ وجهًا إنسانيًا للحرب: لحظات الانفجار وما يرافقها من أصوات وصراخ وفقدان أمان، واللحظات القصيرة للابتسامة أو المساعدة المتبادلة بين الجيران. فهذه الجوانب الإنسانية العميقة يصعب أن تُلتقط إلا من داخل التجربة، وهو ما يجعل الكتاب وثيقة حقيقية للحياة في غزة.
الذاكرة الجمعية والمقاومة بالكتابةيُظهر المؤلَف أن الكتابة فعل مقاومة. وكل نصّ يمثل محاولة للحفاظ على الوجود الإنساني، وتثبيت الحياة أمام آلة الحرب الصهيونية الوحشية التي تسعى للمحو والإبادة. والكتابة هنا ليست مجرد فن، بل وظيفة اجتماعية وتاريخية: تثبت الحق في الوجود، وتعيد توجيه الانتباه إلى قصص الأفراد الذين غالبًا ما تُهمل حكاياتهم في السرد التاريخي التقليدي.
إعلانوهكذا تصبح "استعادات مقلقة" مشروعًا لإنقاذ الذاكرة الجمعية، إذ يوثّق لحظات لم يُكتب عنها من قبل: الضحك، والخوف، والرحيل، والأمل في مواجهة الخراب. فالمؤلَف يقدم نموذجًا للكتابة المقاومة، حيث يتحول النص الأدبي إلى سلاح يقاوم النسيان.
تأثير الحرب على النسيج الاجتماعيلا يغفل الكتاب أيضًا تأثير الحرب على العلاقات الاجتماعية، فالنصوص فيها وقفات عند ارتفاع الأسعار، وندرة الموارد، وغياب الأمن وما يخلفه كل ذلك من ضغوط جديدة على المجتمع. وإلى جانب هذا تظهر في النصوص ملامح إنسانية من تقريب البلاء بين الناس : الفزعة بين الجيران، والتعاضد بين الأسر، وإصرار الناس على حماية بعضهم البعض. وبهذا يقدم المؤلَف صورة متكاملة للمجتمع الفلسطيني: هشّ ومتعب في الأوقات القاهرة، لكنه مقاوم، حيّ في روحه، ومتمسك بالكرامة الإنسانية والحق في الحرية والأرض.
التجربة الأدبية بوصفها مرآة للمجتمعمن الناحية الأدبية، ينجح الكتاب في الجمع بين اليوميات، والقصة القصيرة، والشعر، والتأملات. ويتيح هذا التنوع للقارئ أن يرى غزة بوصفها فضاءً إنسانيًا متكاملًا: حيث تصرخ المدن، وتختبئ الذكريات، ويتحدى الأمل الموت كل دقيقة.
وفي كل نصّ هناك إحساس بأن الكتابة ليست محض فعل فردي، بل تجربة جماعية تعكس صمود المجتمع، وأحلامه، وكفاحه المستمر. وهذا ما يجعل المؤلَف تجربة ثقافية فريدة، ومصدرًا مهمًا لفهم الحياة اليومية في غزة تحت الحصار.
الكتابة ضد الفناءيغادر القارئ هذا المؤلَف وقد لمس جوهر الكتابة وغايتها، إذ صارت وسيلةَ نجاة ووجود. إن "استعادات مقلقة" ليس توثيقًا للحرب فحسب بل هي دليل على أن الكتابة تحمي الإنسان من الفناء، وتجعل صوته أقوى وأصخب وأبلغ من آلات الموت والقتل والتدمير والتجويع.
وبهذا الشكل، يجمع الكتاب بين الأدب والتاريخ والشهادة الإنسانية والذاكرة الجمعية، ليصبح مرجعًا ثقافيًا وأدبيًا يقدم للقارئ العربي والعالمي غزة كما عاشها أهلها وكما رأوا من أهوال حقا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات أن الکتابة المؤل ف فی غزة
إقرأ أيضاً:
افتتاح منفذ لبيع إصدارات هيئة الكتاب بمكتبة مصر العامة بأسوان- صور
كتب-محمد شاكر:
افتتح اللواء الدكتور إسماعيل كمال محافظ أسوان، والدكتور خالد أبو الليل القائم بأعمال رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، والسفير رضا الطايفي مدير صندوق مكتبات مصر العامة، منفذ بيع جديد لإصدارات هيئة الكتاب بمقر مكتبة مصر العامة في محافظة أسوان.
وذلك بحضور عدد من القيادات الثقافية ومسؤولي العمل الثقافي في جنوب مصر، ومن بينهم المهندس عمرو حلمي لاشين نائب محافظ أسوان، والدكتورة رانيا شرعان مدير مكتبة مصر العامة الرئيسية، والدكتور أحمد أمان المنسق العام علي المكتبات الإقليمية، والدكتورة نهلة الأنصاري مدير مكتبة مصر العامة بأسوان، وايمان حلمي مدير المكتب الفني لمكتبة مصر العامة.
يأتي افتتاح المنفذ الجديد في إطار استراتيجية وزارة الثقافة الهادفة إلى توسيع نطاق انتشار الكتاب المصري، وإتاحة إصدارات الهيئة العامة للكتاب في مختلف محافظات الجمهورية، دعمًا لحق المواطن في المعرفة، وتشجيعًا على القراءة والتنوير الفكري في جميع أرجاء مصر، لاسيما في صعيدها الجنوبي.
وخلال الافتتاح، أكد الدكتور خالد أبو الليل أن افتتاح منفذ هيئة الكتاب في مكتبة مصر العامة بأسوان يُعد خطوة جديدة نحو تحقيق العدالة الثقافية التي تتبناها وزارة الثقافة، مشيرًا إلى أن الهيئة تسعى من خلال هذه المنافذ إلى تقريب الكتاب من القارئ في كل المحافظات، لا سيما في المناطق البعيدة عن المركز، بحيث يجد المواطن إصدارات الهيئة بين يديه بأسعار مناسبة وجودة متميزة.
وأضاف أن الهيئة تعمل على توسيع شبكة منافذها بالتعاون مع المكتبات العامة والجامعات ومراكز الشباب، في إطار خطة متكاملة لنشر الثقافة والوعي عبر الكتاب الورقي والإلكتروني.
ومن جانبه، عبّر السفير رضا الطايفي عن سعادته بالتعاون المستمر بين صندوق مكتبات مصر العامة والهيئة المصرية العامة للكتاب، مؤكدًا أن هذا التعاون يُثري منظومة العمل الثقافي ويحقق أهداف المكتبات العامة في تقديم المعرفة والتنوير لكل الفئات العمرية.
وأشار إلى أن مكتبة مصر العامة بأسوان تُعد واحدة من الصروح الثقافية المهمة في الجنوب، إذ تؤدي دورًا محوريًا في نشر الثقافة والقراءة بين الشباب والأطفال، وتنظيم الفعاليات الأدبية والفنية التي تُسهم في رفع الوعي الثقافي لدى المواطنين.
وأكد الحاضرون أن المنفذ الجديد سيُسهِم في إتاحة أحدث إصدارات هيئة الكتاب من المؤلفات الأدبية والفكرية والعلمية وكتب الأطفال والمجلات الثقافية، مما يُسهم في خلق جسر تواصل مستمر بين الكاتب والقارئ في الجنوب.
كما أثنى المشاركون على حرص وزارة الثقافة وهيئاتها التابعة على الوصول إلى المواطن المصري في كل مكان، مؤكدين أن هذه المبادرات تُعزّز الانتماء الوطني وتدعم التنمية الثقافية المستدامة التي تُعد أحد محاور «رؤية مصر 2030».
ويُعد منفذ مكتبة مصر العامة بأسوان أحد المنافذ الجديدة التي أطلقتها الهيئة العامة للكتاب خلال عام 2025 ضمن خطة طموحة لزيادة عدد نقاط البيع في المحافظات، بعد النجاحات التي حققتها منافذ الهيئة في مكتبات مصر العامة بالقاهرة والجيزة والمنصورة ودمياط، وتستهدف الهيئة من هذه الخطوة إحياء عادة القراءة بين الشباب، وإتاحة المؤلفات القيمة بأسعار رمزية تناسب جميع الفئات، تأكيدًا على أن الثقافة حق لكل مواطن.
وبهذا الافتتاح، تواصل وزارة الثقافة وهيئاتها العمل على مد جسور التواصل المعرفي بين المواطن والكتاب، وجعل القراءة أسلوب حياة، تعزيزًا لرسالتها في بناء الإنسان المصري الواعي والمستنير.
اقرأ أيضاً:
الدكتور هاشم السيد مساعدًا لرئيس الوزراء لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد
مدبولي: قمة شرم الشيخ للسلام أنهت حرب غزة وأثبتت رؤية القيادة المصرية
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
اللواء الدكتور إسماعيل كمال محافظ أسوان الهيئة المصرية العامة للكتاب صندوق مكتبات مصر العامة وزارة الثقافة أخبار ذات صلةفيديو قد يعجبك:
إعلان
أخبار مهرجان الجونة
المزيدأخبار
المزيدإعلان
افتتاح منفذ لبيع إصدارات هيئة الكتاب بمكتبة مصر العامة بأسوان- صور
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
29 19 الرطوبة: 41% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب مهرجان الجونة السينمائي رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك