خلافا لما قد تكون سمعته عن تجدّد الاهتمام بالدين في الولايات المتحدة؛ فإننا لا نعيش نهضة دينية حقيقية على الأقل ليس بعد. ما نعيشه أقرب إلى ثورة دينية، والفرق بين الثورة والنهضة بالغ الأهمية لصحة بلدنا، ولصحة الكنيسة المسيحية في أمريكا.

عند هذه النقطة يكاد لا يكون ثمة جدل في أن أمرًا مهمًا يتحرّك في الديانة الأمريكية.

البيانات كثيرة ـ والطرائف والشواهد كذلك ـ إلى حد لا يسمح بتجاهلها. تراجع المسيحية المضطرد في أمريكا يبدو أنه تباطأ، وربما توقّف مؤقتًا. هناك دلائل على أن رجال الجيل (Z) يعودون إلى الكنيسة على وجه الخصوص، وأن الأجيال الأمريكية الأصغر سنا باتت ترتاد الكنيسة بانتظام يفوق قليلا الأجيال الأكبر.

لقد شاهد الأمريكيون لتوّهم ملعبا هائلا غاصًّا بالناس ينعون تشارلي كيرك في مراسم تأبين كانت في جزء منها شعيرة عبادة، وفي جزء آخر مهرجانا سياسيا. وقد تكرّر ذلك ـ على نطاق أصغر ـ في وقفات شمعية في أنحاء أمريكا. وأفادت «فوكس نيوز» أن متوسط 5.2 مليون مشاهد تابعوا تغطيتها لمراسم تأبين كيرك مع ارتفاع في عدد المشاهدين إلى 6.6 مليون خلال كلمة إريكا كيرك.

وأنا أستشعر هذا التغيّر بنفسي حين أتحدث في الجامعات أجد الطلاب أكثر فضولًا تجاه الإيمان مما كانوا عليه قبل خمس سنوات فقط. وحين أكتب عن الإيمان أتلقى تفاعلا أكبر ـ وأكثر شخصية ـ من أي موضوع آخر أكتب عنه. يمتلئ بريدي برسائل شهادات شخصية مؤثرة لا سيما قصص عن كيف وجد الناس الله، وكيف فقدوه.

وبوصفي مسيحيا طالما تأسّف لتراجع الحضور الكنسي في الولايات المتحدة؛ يفترض أن أكون سعيدا جدا بكل هذه التطورات. فلو شعر الناس بفراغ في حياتهم ألا نفرح حين يجدون -بعبارة الكتاب المقدّس- «سلامَ اللهِ الذي يفوق كلَّ عقل»؟ إيضاحا للأمر: ثمة قصص باهرة عن تجدّد ديني وتعبّد في الولايات المتحدة. في فبراير 2024 ألقيت كلمة في قدّاس بجامعة أزبري في ويلمور بولاية كنتاكي -الموقع الذي شهد عام 2023 نهضة مطوّلة واستثنائية- جاءت على الأقل بخمسين ألف شخص إلى تلك البلدة الصغيرة ليعيشوا ما وصفته زميلتي في غرفة الأخبار روث غراهام بأنه «أول نهضة روحية كبرى في البلاد منذ عقود».

لقد ملأت تلك النهضة طلاب الجامعة حماسةً، لكنها حماسة تجلّت تواضعًا وتعاطفًا. كان ذلك مُلهِمًا جعلني أنقّب في قلبي لأرى بوضوح أكبر عيوبي وإخفاقاتي.

لكن هذه ليست على الإطلاق التجربة العامة التي يعيشها الناس مع موجة التدين الأمريكية؛ فهناك ظلمة بمحاذاة النور. لقد اقتحم مسيحيون مبنى الكابيتول في 6 يناير2021، ومسيحيون صدّقوا وصفّقوا لنبوءات قاتمة تُشبِّه دونالد ترامب بِـ«يَاهو» -الملك العبراني في العهد القديم الذي أمر بقتل الملكة السابقة إيزابيل، وطُرِحت أمامه رؤوس أبناء الملك السابق مقطوعة في سلال-.

وبشكل لا يُصدَّق يهاجم مسيحيون ما يسمّونه «خطيئة التعاطف» محذّرين مؤمنين آخرين من المبالغة في التماهي ـ مثلا ـ مع المهاجرين غير النظاميين، أو المثليين، أو النساء اللاتي يطلبن الإجهاض؛ فالتعاطف وفق هذا التصوّر قد يحجب الوضوح الأخلاقي واللاهوتي. الخطأ خطأ، وكثرة التعاطف ستعكّر صفاء روحك.

كانت هناك جولة «إعادة إيقاظ أمريكا» (ReAwaken America) التي جابت البلاد خلال رئاسة جو بايدن، والتي دعا فيها مسيحيون غاضبون إلى الانتقام في قاعات نفدت تذاكرها من الساحل إلى الساحل. وكما كتبت الشهر الماضي؛ فقد مزج تأبين كيرك نفسه بين الدعوة إلى المحبة (خاصةً قرار إريكا كيرك مسامحة قاتل زوجها) وبين كراهية صريحة عبّرت عنها إدارة ترامب.

قال ترامب ـ وسط ضحك الحشد وهتافه ـ: إنه يكره خصومه. وصرّح ستيفن ميلر كبير مستشاري الرئيس للسياسات الداخلية بأن من يَعدّهم أعداءه السياسيين «لا شيء».

قال: «أنتم لا شيء. أنتم شرّ. أنتم غيرة. أنتم حسد. أنتم كراهية». أهكذا تبدو النهضة؟ وإذا كانت أمتنا لم تختبر بعد نهضة وطنية حقيقية ـ على شاكلة «الصحوة الكبرى الثانية» التي اجتاحت الولايات المتحدة في أوائل القرن التاسع عشر؛ فما الذي يجري فعلًا؟ بوصفي إنجيليًا مدى الحياة؛ تعلّمت أن آمل وأصلّي وأعمل من أجل النهضة. بل لقد خبرت نهضاتٍ محدودة النطاق في زمالةٍ مسيحية بمدرسة القانون، وفي كنيسة صغيرة في جورجتاون بولاية كنتاكي حيث خدمتُ مع زوجتي لفترة قصيرة كراعِيَيْ شباب متطوعَيْن.

أُحب الوصف المكثّف للنهضات الذي قدّمه صديقي رَسل مور المحرّر العام وكاتب العمود في مجلة «المسيحية اليوم». كتب في «ذا أتلانتيك» أن «النهضة مفهوم ذو تاريخ طويل في الإنجيلية الأمريكية متجذّرٌ في الكتاب المقدّس يقول: إن قوما بردت قلوبهم وخبت حياتهم يمكن أن يُجدَّد إيمانهم. إنها ضربٌ من القيامة من بين الأموات».

في عام 2023 قبيل وفاته بوقت قصير كتب تيم كيلر ـ الراعي المؤسِّس لكنيسة «ريديمنر» المشيخية في نيويورك وأحد أبرز الرعاة واللاهوتيين الإنجيليين في البلاد ـ أن للنهضة الحقيقية ثلاث سمات: إنها تُوقِظ المسيحيين «النعاسين»، وتحوِّل المسيحيين الاسميين إلى إيمانٍ أعمق وأصدق، وتأتي بغير المسيحيين إلى المسيح.

نوّه كيلر إلى أن النهضة تبدأ بالتوبة. كتب يقول: «المسيحيون العاديون ليسوا عادة حزانى بما يكفي، ولا فرحين بما يكفي. لسنا متيقَّنين بما يكفي من خطايانا. نحن لا نختبر توبة عميقة؛ ولذا لا نختبر يقينا عاليا»، ويعني كيلر بذلك اليقينَ العالي بمحبة الله.

هذا تحديدًا هو النمط الكتابي. مرارا وتكرارا في النصوص المقدّسة تبدأ النهضة والتجديد بالتوبة. ففي «سفر الأعمال» حين خاطب بطرس جموعا في أورشليم عن صلب يسوع وقيامته «انغرس الكلام في قلوبهم»، وصرخوا إلى بطرس والرسل: «أيها الإخوة ماذا نصنع»؟ وفي العهد القديم؛ لما سمع ملك يهوذا القديم يوشِيّا كتابَ الشريعة لأول مرة «مزّق ثيابه» حزنًا. وحين دعا يونسُ أهلَ نينوى القديمة إلى التوبة يذكر الكتاب أن أهل المدينة نادوا بصوم، ولبسوا المسوح علامةَ حدادٍ على خطيئتهم.

بعبارة أخرى؛ تبدأ النهضة حين يعلن الناس قولا وفعلا: «لقد أخطأتُ».

أما المسيحية على طريقة «ماغا» فلها رسالةٌ أخرى. إنها تتطلع إلى الثقافة الأمريكية وتُعلِن: «أنتم الذين أخطأتم».

ولا تتوقف عند هذا الحد، بل تقول أيضًا: «سنَهزمكم». وفي أقصى صورها تقول كذلك: «سنحكمكم». هذه ليست نهضة؛ إنها ثورة ـ ثورة دينية تسعى إلى الإطاحة بنظام سياسيّ، وإحلال آخر مكانه ـ له أصداء ممالك دينية من عصور غابرة.

ولا تدَعْهم يخدعوك حين يصف هؤلاء الثوّار أنفسهم بـ«المحافظين»؛ فكثير جدا من المسيحيين «المحافظين» هم في الواقع راديكاليون على نحو معلَن. إنهم يريدون هدم النظام القائم لا سيما التزام أمريكا بالتعدّدية والحرية الفردية، ووضع نسختهم من المسيحية في مركز الحياة السياسية الأمريكية. إمكانُ الثورة أن تبدو كأنها نهضة على الأقل زمنا ما. الثورة قادرة على ملء الملاعب، بل يمكنها اجتذاب «مهتدين» مهتدين إلى القضية الثورية لا إلى الإيمان المسيحي بالضرورة. الثورة تُشعرك بأنك حيٌّ له غاية، وحين تحمل عناصر دينية تُغرِقك يقينا حارقا بأنك تفعل مشيئة الله.

لكن أمعِن النظر، وسترى أن الثورة الدينية تناقض النهضة الدينية في الغالب. نعم، هناك من يدخلون الكنيسة بدافع سياسي ثم يهتدون إلى المسيحية الحقّة، لكن الثورة عقبة أمام النموّ المسيحي الأصيل.

الثوّار يخفون الخطيئة، فلا يستطيعون السماح بتسرّب يُصدِّع واجهتهم البارّة. أيّ ضعف يقوّض ادّعاءهم بأحقية العرش الوطني: «الطرف الآخر شرير. أمّا نحن فلا»؟ يمكن لنقاء أيديولوجي شرس أن يتقنّع بلبوس التعبّد، لكن ما لم تُروِّضه الرحمة فإن الروح الثورية روحٌ أصولية، ولتُعِن السماءُ من يقف في طريقها.

يكتب مور في مقالته عن النهضات: «الطوائف التي تتحرّك ببطءٍ جليدي للاعتراف بالتستّر الموثَّق على الاعتداءات الجنسية تبرق سرعة حين تطرد جماعات تراها مُفرِطة في تأييد قيادة النساء».

والسبب واضح: كشف الاعتداء الجنسي قد يفضي إلى غضب عام واحتقار؛ فإذا كانت مؤسسة ما عاجزة عن حماية الضعفاء من الأذى فبأيّ حقّ تطلب أن تحكم؟

أمّا في النهضة فكشفُ الخطيئة ضرورة؛ فالشفافية والصدق يطلقان التوبة، والتوبة تُيسِّر العدالة وتفضي إلى الغفران. في النهضات التي خبرتُها كانت السياسة آخر ما يخطر ببالنا. كان تركيزنا أن نصير أشبه بالمسيح، وهذا يعني أن أرجع عن خطيئتي أنا، لا أن أُثبّت بصري على عيوب الآخرين.

على كثرة الحديث عن نهضة دينية في الإنجيلية الأمريكية ثمة فجوة غريبة. قد يزداد الإنجيليون قوة سياسية، لكن الدلائل على ازديادهم تعبّدًا ضئيلة.

فعلى سبيل المثال؛ حلّل رايان بيرج -الأستاذ في مركز جون سي دانفورث للدين والسياسة بجامعة واشنطن في سانت لويس- بيانات «الدراسة الانتخابية التعاونية»، فوجد أن نسبة الأمريكيين الذين يعرّفون أنفسهم بوصفهم إنجيليين، لكنهم «نادراً» ما يرتادون الكنيسة أو «لا يرتادونها مطلقًا» آخذةٌ في الارتفاع منذ 2008. وفي عام 2024 كان نصف الإنجيليين جميعا يرتادون الكنيسة مرة في الشهر أو أقل. السياسة الإنجيلية قد تبدو خالية من التقوى. خلال السنوات العشر الماضية أثّر دونالد ترامب في ثقافة الكنيسة أكثر بكثير مما أثّرت فيه الكنيسة. حين يعلن واعظٌ في إحدى محطات جولة «إيقاظ أمريكا» (ReAwaken America) أنه «جاء مستعدا لإعلان الحرب على الشيطان وعلى كلّ ديمقراطي يؤجّج النعرات العِرقية ويحاول تدمير أسلوب حياتنا هنا في الولايات المتحدة»؛ فإنه يقلّد ترامب لا المسيح.

وحين يعتلي مقدِّم إذاعي يميني المنصّة في الجولة نفسها ويسخر من فاني ويليس مدّعية مقاطعة فولتن في ولاية جورجيا التي وجّهت اتهامات جنائية إلى ترامب صارخًا: «فاني الضخمة. فاني السمينة جدا. فاني السوداء السمينة جدًا فاني ويليس»؛ فإنه يقلّد ترامب لا المسيح.

في «رسالة غلاطية» يقابل بولس ثمارَ الروح بما يسمّيه «أعمال الجسد»، أي الخطايا التي تُهلك النفس. وهذه الخطايا تضمّ بالذات السمات التي تطبع ثورة الدين الأمريكية: «البغضة، والخصام، والغيرة، والسخط، والتحزّب، والشقاق، والشيَع».

أما ثمر الروح «المحبّة، والفرح، والسلام، وطول الأناة، واللطف، والصلاح، والإيمان، والوداعة، والتعفّف» ففي المقابل يظهر حيث يكون المسيح حاضرًا. هذا هو ثمر النهضة الحقيقية.

كيف سنعرف أن النهضة اجتاحت أمريكا؟ ليس بالضرورة عندما تمتلئ الملاعب أو حتى عندما تضيق الكنائس بروّادها. إرادةُ القوّة الدينية قادرةٌ على حشد الجموع، ولو إلى حين.

سنَعلم بقدوم النهضة عندما نرى المؤمنين يتواضعون، ويتوبون عن خطاياهم، ثم ينهضون ممتلئين فضيلة أصيلة ليُحبّوا جيرانهم، ليُعينوهم لا ليؤذوهم، وبذلك يَشفون وطننا.

ديفيد فرينش كاتبُ رأيٍ يكتب في القانون والثقافة والدين والصراع المسلّح. ومحامٍ سابق في قضايا الدستور. كتابه الأحدث «ننفصل فنقع: تهديد الانقسام في أمريكا وكيف نُرمّم وطننا؟».

«خدمة نيويورك تايمز»

*** تمت الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الولایات المتحدة د ترامب

إقرأ أيضاً:

WSJ: أمريكا محبطة من عدوانية إسرائيل ضد النظام الجديد في سوريا

حللت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير أعده دوف ليبر، ملامح التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن النظام السوري الحالي الذي تتعامل معه واشنطن كحليف جديد لها، وتريد من إسرائيل المضي معها في موقفها. وأشارت الصحيفة إلى أن الموقف الإسرائيلي العدواني تجاه الحكومة السورية الجديدة يتناقض مع موقف واشنطن.

ويريد الرئيس دونالد ترامب حلا سريعًا للتوترات المستمرة منذ عدة عقود بين سوريا وإسرائيل. وبعد انهيار نظام بشار الأسد وسعت إسرائيل من وجودها داخل الأراضي السورية على مدى 155 ميلا مربعًا ولا تزال تسيطر عليها، وقامت منذ ذلك الحين باعتقالات ومصادرة أسلحة وشنت غارات جوية على جنوب البلاد.


تعثر المحادثات
وفي الصيف شنت الطائرات الإسرائيلية غارات على العاصمة دمشق في محاولة قالت إنها للدفاع عن الأقلية الدرزية، ذات العلاقة القوية مع إسرائيل، وقام الرئيس ترامب بناءا على مطالب من السعودية وتركيا برفع العقوبات عن الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، حيث أثنى على الجهادي السابق ووصفه بـ"الرجل الشاب والجذاب" و "يقوم بمهمة جيدة".

وتضيف الصحيفة أن الانقسام بين سوريا وإسرائيل ظل مصدر إحباط لواشنطن، التي دعمت إسرائيل في حروبها مع حماس وحزب الله وإيران، وتقول، إن الولايات المتحدة تتوسط في محادثات بشأن اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، من شأنه أن يمهد الطريق لسلام طويل الأمد، إلا أن هذه المحادثات تبدو متعثرة.

الشرع يرفض..."نزع السلاح سيخلق فراغًا أمنيا"
وفي ظل وقف إطلاق النار في غزة وجهود جديدة لإنهاء القتال في أوكرانيا، يدعو ترامب إسرائيل إلى إبرام هذا الاتفاق. ويؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن مثل هذا الاتفاق لا يمكن تحقيقه إلا إذا قبلت سوريا بنزع سلاح الأراضي الممتدة من جنوب دمشق إلى الحدود الإسرائيلية، وهو مطلب يرفضه الشرع، الذي يرى أنه سيخلق فراغًا أمنيا في جنوب سوريا.

وتضيف الصحيفة إن هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر ،علمت إسرائيل ألا تقايض مصالحها الأمنية لإرضاء جيرانها أو الولايات المتحدة. وهي تتعلم اليوم من أخطاء انسحاب قواتها من غزة في عام 2005 ومن جنوب لبنان في عام 2000. ونقلت الصحيفة عن عن يعقوب أميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق قوله: "من السهل المخاطرة في واشنطن، لكن الأمر أكثر خطورة في مرتفعات الجولان، فالوضع قريب جدا".

ترامب يحذر من عوائق تعرقل مسيرة سوريا
ولم ينتقد ترامب إسرائيل علنا بسبب سياستها تجاه سوريا، لكنه أوضح ما يريده. وكتب في منشور على موقع "تروث سوشيال" مطلع هذا الشهر: "من المهم جدًا أن تحافظ إسرائيل على حوار قوي وحقيقي مع سوريا" و"يجب ألا يحدث أي شيء يعيق مسيرة سوريا نحو الازدهار"، وتظهر المواقف الإسرائيلية من سوريا، طريقة تعامل "تل أبيب" مع المخاطر الأمنية منذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وتلقي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية باللوم على القيادة السياسية لعدم قدرتها على التنبؤ بالهجمات التي قادتها حماس، وذلك لفشلها في التصدي للتهديدات على طول حدودها، ومنذ التوصل إلى وقف إطلاق النار مع حزب الله في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أبقت إسرائيل على وجود عسكري داخل لبنان قرب حدودها، ونفذت غارات جوية شبه يومية تقول إنها تهدف إلى إحباط محاولات المليشيا اللبنانية لإعادة التسلح.

"إسرائيل" قوة تسعى للحرب الدائمة
لكن حتى في إسرائيل، يخشى بعض الجنرالات السابقين وخبراء الأمن من أن نتنياهو يبالغ في رد فعله تجاه سوريا المجاورة، ما يهدد علاقة إسرائيل مع حليفها الأهم، الولايات المتحدة، ويُرسخ صورة إسرائيل كقوة إقليمية تسعى للحرب الدائمة.

ونقلت الصحيفة عن أفنير غولوف، المدير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قوله إن "المخاطر في سوريا أقل من أي مكان آخر، وإذا كنتم تريدون من ترامب أن يكون إلى جانبكم في العديد من القضايا الأكثر أهمية وخطورة، فهذه هي الورقة التي يجب أن تدفعوا بها".

ويدعو غولوف إلى حل وسط سريع بشأن اتفاقية أمنية مع سوريا تسمح للقوات السورية بتسيير دوريات في المناطق القريبة من حدودها، مع حظر وجود الأسلحة الثقيلة أو القوات التركية. وأضاف أن إسرائيل بحاجة إلى الانتقال من "استعراض القوة العسكرية إلى بناء قوة دبلوماسية".

ويأمل ترامب في ضم سوريا إلى اتفاقيات "أبراهام"، وقال مسؤولون إسرائيليون وسوريون وأمريكيون بأن الوقت ما زال مبكرًا لذلك، وأن على الطرفين أولا الاتفاق على الأمن. ومن المرجح أن يكون هذا الاتفاق مشابهًا لاتفاقية عدم الاعتداء السابقة لعام 1974 التي أنشأت منطقة عازلة منزوعة السلاح.

"سوريا تستجيب و"إسرائيل" لا تبادر بالمثل"
توم باراك، مبعوث ترامب إلى سوريا وسفيره لدى تركيا، قال إن: "الحكومة السورية تستجيب لمطالب واشنطن المتعلقة بإسرائيل، لكن الإسرائيليين لا يبادلونها بالمثل"، وفي مقابلة مع صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية نشرت يوم الجمعة، قال باراك عن سوريا: "إنهم يفعلون كل ما نطلبه منهم، وندفعهم نحو إسرائيل". وأضاف: "إسرائيل لا تثق بهم بعد، لذا فالأمر أبطأ قليلًا".

وقد ظلت الحدود بين إسرائيل وسوريا من أهدأ الجبهات خلال فترة حكم الأسد، الذي كان حليفًا مقربًا من إيران. وسمح الأسد لطهران ببناء قوة وكيلة على حدود إسرائيل وتهريب الأسلحة عبر سوريا إلى حزب الله، الذي بدوره ساعد نظام الأسد على قمع خصومه الداخليين.

محاولات إبقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة
ويعارض الرئيس السوري الجديد وأتباعه طهران. لكن إسرائيل لا تزال تشك في الإدارة، التي كان العديد من أعضائها جزءًا من تنظيم القاعدة. كما تشك إسرائيل في قدرة الشرع على توحيد سوريا، بتنوعها العرقي والطائفي والديني، نظرا للانقسامات العميقة التي تحولت إلى عنف خلال العام الماضي بين الأغلبية السنية والأقليات، بما في ذلك العلويين والأكراد والدروز،  وينظر في سوريا والولايات المتحدة والشرق الأوسط عامة إلى محاولات إسرائيل لإبقاء سوريا ضعيفة ومنقسمة على أسس عرقية، مما يقوض جهودهم لمساعدة الشرع على توحيد البلاد.

وبينما تطيل إسرائيل أمد المفاوضات الدبلوماسية مع سوريا، اندلعت جولات من القتال. وفي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، دخلت القوات الإسرائيلية بلدة بيت جن، التي تبعد أقل من 16 كيلومترا عن الحدود مع إسرائيل، لاعتقال اثنين من المشتبه بهم في الانتماء إلى جماعات مسلحة. وأسفرت الاشتباكات التي تلت ذلك عن مقتل 13 سوريا على الأقل، وإصابة ستة جنود إسرائيليين، وفقا للجيش الإسرائيلي والتلفزيون السوري الرسمي.

وفي تلك الليلة، تجمع سوريون في دمشق للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لسقوط الأسد، حيث أحرق بعض الأشخاص أعلامًا إسرائيلية. وفي هذا الأسبوع، أعربت إسرائيل عن قلقها للولايات المتحدة بشأن مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر، على ما يبدو، جنودا سوريين يسيرون في شوارع دمشق، ضمن احتفالات الذكرى السنوية، وهم يهتفون تأييدًا لغزة، ويهددون إسرائيل بشكل واضح.

وقال مسؤول إسرائيلي إن إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة الطلب من سوريا إدانة تلك الهتافات. وقالت كارميت فالنسي، رئيسة برنامج سوريا في معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث مقره تل أبيب:"من الواضح أن هناك تصعيدا في الموقف ونبرة أكثر تشددا تجاه إسرائيل في الأسابيع الأخيرة.


"إسرائيل تخوض حربا ضد أشباح"
وفي مشاركة بقطر نهاية الأسبوع الماضي، ندد الشرع بتوسيع إسرائيل لمنطقتها العازلة، واصفا إياه بالخطير واتهمها بمحاولة التهرب من مسؤوليتها عما وصفه بـ"المجازر المروعة" في غزة، وإثارة شبح هجوم آخر على غرار هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر عبر حدودها دون مبرر. وقال الشرع: "أصبحت إسرائيل دولة تخوض حربا ضد أشباح".

وقال ويليام ويكسلر، المدير الأول لبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلنطي بواشنطن، إنه التقى قبل فترة بمسؤولين حكوميين بارزين في دمشق، والذين أبدوا انفتاحًا للعمل مع إسرائيل للتركيز على مشاكل أخرى تواجهها، بما في ذلك العنف الطائفي. وأضاف ويكسلر أن فرصة هذه الشراكة تتضاءل، وأن الموقف الإسرائيلي العدائي يدفع سوريا نحو أحضان تركيا، الداعمة للشرع والعدوة لإسرائيل.

مقالات مشابهة

  • هل ستصادر أمريكا المزيد من أصول النفط الفنزويلية؟.. ترامب يرد
  • ترامب: غزو أوكرانيا يشبه فوز أمريكا في مباراة الهوكي معجزة على الجليد
  • عاجل| ترامب: الضربات البرية التي تستهدف تهريب المخدرات ستبدأ قريبا
  • أمريكا تصادر ناقلة نفط فنزويلية.. وكاراكاس تتهمها بالسرقة
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • WSJ: أمريكا محبطة من عدوانية إسرائيل ضد النظام الجديد في سوريا
  • ترامب يكشف عن الدول التي يفضل استقبال المهاجرين منها
  • أكسيوس: ترامب سيعين جنرالا أمريكا لقيادة قوة الاستقرار في غزة
  • أمريكا ترامب: سلامٌ بالقُوّة (القوّة الذّكيّة)
  • أمريكا ترامب: سلامٌ بالقُوّة (القوّة الذّكيّة[1])