حكم إقراض المال مع الكراهية.. مفتي الجمهورية يجيب
تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT
تناول الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، حكم إقراض المال للآخرين عندما يكون ذلك على مضضٍ أو من باب المجاملة دون رغبةٍ حقيقية.
وجاء ذلك ردًا على سؤالٍ ورد إليه نصّه: ما حكم إقراض الناس جبراً لخاطرهم مع كراهية ذلك؟ حيث أوضح السائل أنه يُقرض البعض رغم شعوره بالضيق من الطلب، لكنه يفعل ذلك حتى لا يحرجهم بالرفض، متسائلًا عن مدى تأثير هذا الشعور على صحة عقد القرض.
وأجاب المفتي عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية موضحًا أن إقراض المال للناس يُعد من أعظم القربات إلى الله تعالى، لأنه يُحقق التكافل ويُعين المحتاجين ويُزيل الكُرُبات.
وأشار إلى أن الأصل في القرض أن يتم برضا الطرفين، لأنه من عقود التبرعات التي لا تهدف إلى الربح أو المصلحة الشخصية، مؤكدًا أن شعور المقرض ببعض الكراهية أو الضيق لا يُؤثر في صحة العقد ما دام قد تم بالإيجاب والقبول، لأن صحة القرض تُبنى على إرادة الإعطاء وليس على المشاعر الباطنة.
وأضاف الدكتور عياد أن هذا النوع من الإقراض الذي يُقدَّم رغم الكراهة لا ينقص من أجر صاحبه شيئًا، بل قد يزيد أجره عند الله إذا كانت نيته الإحسان ومراعاة مشاعر الآخرين، مؤكدًا أن الإقراض في ذاته عملٌ مندوبٌ إليه شرعًا لما فيه من تفريجٍ للكربات وإعانةٍ للمحتاجين، وأن الشريعة الإسلامية تحثّ على ذلك لما يحمله من رحمةٍ وتكافلٍ اجتماعي.
وأشار المفتي إلى أن القرض يُعتبر من أعظم صور التعاون والإحسان، لأنه يُقدَّم دون مقابلٍ مادي، وإنما رغبةً في وجه الله تعالى، مستشهدًا بقول الحق سبحانه:
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: 245]،
وقوله عز وجل في موضعٍ آخر:
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: 11]،
مؤكدًا أن الله تعالى شبّه من يُقرض عباده المحتاجين بمن يُقرض ربّه قرضًا حسنًا، جزاؤه مضاعفة الأجر والثواب أضعافًا كثيرة.
وتابع المفتي قائلاً إن السنة النبوية الشريفة جاءت مؤكدةً لهذه المعاني، مبينًا فضل الإقراض وقضاء حوائج الناس، مستشهدًا بما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
«مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».
وأوضح فضيلته أن هذه الأحاديث الشريفة ترسّخ مبدأ التكافل الإنساني الذي دعا إليه الإسلام، وتبيّن أن قضاء حاجات الناس واللين معهم من أسباب رضا الله عن عباده، وأن كل من يُعين محتاجًا أو يُقرضه دون انتظارٍ لمصلحة دنيوية يكون قد نال مرتبة عظيمة من الأجر.
وختم الدكتور نظير عياد فتواه بالتأكيد على أن المقرض مأجورٌ في كل الأحوال ما دام قصده الخير، وأن الكراهية العابرة التي قد تصاحبه لا تُنقص من أجره، بل ربما تزيده رفعةً لما فيها من مجاهدةٍ للنفس وإيثارٍ للآخرين على النفس، وهو خلقٌ رفيعٌ دعا إليه الإسلام في كل صوره ومعانيه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية إقراض المال القرض الحسن دار الإفتاء
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: العفو فضيلة عظيمة تدخل في أبواب الفقه وما أحوجنا إليه بزمننا هذا
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان العفو فضيلة باتفاق المسلمين، وتتأكد أفضيلته في مواضع يثقل على النفس فيها العفو، كالقصاص مثلا، غير أن العفو المتفق على أنها فضيلة هو العفو الخاص بحقوق العباد لأن لا يملك الإنسان أن يعفو عن حق غيره، لا سيما أن يكون هذا الغير هو الله سبحانه وتعالى ولذلك إن كان حقا لله سبحانه وتعالى كالحدود مثلا , فإنه لا يجوز العفو عنه بعد رفع الأمر إلى الحاكم . وإن كان الحق لله تعالى في غير الحدود فإنه يقبل العفو في الجملة للأسباب التي يعتبرها الشارع مؤدية إلى ذلك تفضلا منه ورحمة ورفعا للحرج.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انه لقد تدخل العفو في أبواب كثيرة من أبواب الفقه، فهناك عفو من الله فكثير من النجاسات التي يشق على المسلم التحرز منها، وهو ما يطلق عليه الفقهاء معفو عنه، وكذلك هناك عفو في الحقوق في المعاملات والنكاح والطلاق، فمثلا نص الفقهاء أن للزوجة أن تعفو عن الصداق كله أو بعضه , كما أن للزوج أن يعفو عن الصداق , وعفوه يكون بإكمال الصداق عند الطلاق قبل الدخول , ولأولياء النكاح العفو كذلك. وكذلك العفو في الديون فللدائن أن يعفو عن المدين وتبرأ بذلك ذمته من الدين.
ومن خلال ما سبق يتبين للمسلمين كيف تعامل الشرع الحنيف مع هذا الخلق الرفيع، وكيف اهتم به الفقهاء مع أنه من الأخلاق، ولكنه له نصيب كبير في الفقه، وهذا إن دل على شيء يدل على عظيم شأنه، وما عظم شأنه إلا لعظيم أثره على الفرد والمجتمع.
فللعفو الأثر البالغ في وحدة المجتمع وتوادهم، وفي هذا الهدف ترقى الأمة وتزدهر حياتهم، ويرضى عنهم خالقهم فيجمعون خير الدنيا والآخرة.
وما أحوجنا في هذه الأيام للتخلق بهذا الخلق، لا سيما أن الله أمر به المسلمين في حال الاستضعاف في مقابلة ما يلاقوه من أذى غير المسلمين، واكتماله في هذا الموقف يكون بالصبر حتى يفصل الله بيننا ويفتح لنا وهو الفتاح العليم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.