وسط تعديلات تشريعية منتظرة، تواجه أوروبا فصلا جديدا في تدقيق ومراجعة عمل الشبكات المرتبطة بتنظيم الإخوان، بعدما انطلقت موجة تحقيقات وتحركات سياسية وأمنية من باريس لتشمل عواصم عدة خلال الفترة الماضية.

وكشفت تقارير أمنية غربية عن أساليب منسقة لاستغلال مساحات الحرية القضائية والسياسية في الدول الأوروبية، لتأسيس جمعيات ومراكز فكرية ومؤسسات خيرية ومنصات إعلامية توفر غطاء قانونيا لأنشطة دعوية وسياسية تمتد عبر الحدود، مما دفع البرلمانات والحكومات إلى إعادة قراءة القوانين لمواجهة ما يوصف بـ"التسلل الناعم" لتنظيم الإخوان داخل المجال المدني والمؤسسي الأوروبي.

ويصف سياسيون ومختصون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، هذا التحول بأنه "نقطة انعطاف في مقاربة أوروبا لتنظيم الإخوان، بعدما تحولت مساحات الحرية التي وفرتها القوانين الديمقراطية إلى بيئة خصبة تمددت فيها الجماعة تحت لافتات العمل الخيري والحقوقي، بينما كانت تؤسس في العمق لمنظومة فكرية وتنظيمية ذات طابع سياسي واضح، هددت الأنظمة الأوروبية ذاتها".

عمل تنظيم الإخوان في أوروبا

في العشرات من الدول الأوروبية، عمل تنظيم الإخوان تحت مظلة الجمعيات الخيرية ومراكز الثقافة والدراسات ومنظمات الشباب، ومنحت هذه الصيغة القانونية تلك الكيانات إمكانية التأسيس، وفتح حسابات مصرفية، وتلقي منح محلية وأوروبية، وتنظيم فعاليات عامة تبدو مدنية في ظاهرها.

وقبل أسابيع، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توسيع لائحة العقوبات المفروضة على تنظيم الإخوان في فرنسا، وأقر إجراءات جديدة لتجميد الأموال والتبرعات.

إلا أن الخطوة الأكثر تأثيرا في باريس كانت الإعلان عن إعداد مشروع قانون بحلول نهاية الصيف، على أن يدخل حيز التنفيذ قبل نهاية 2025، بهدف سد الثغرات القانونية التي تستغلها الجماعات "التي تسعى لفرض مشروع سياسي ديني يتعارض مع مبادئ الجمهورية".

ووفق صحفية "لوموند" الفرنسية، فقد "تنامي نفوذ جماعة الإخوان في الأحياء المهمشة، من خلال بناء شبكات دعوية وخيرية تستخدم كأدوات تسلل ناعم داخل المجتمع الفرنسي، وهو ما دفع الإليزيه لوصف الوضع بأنه تهديد فعلي للتماسك الوطني".

واعتبر مركز دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في فيينا، أن "الجماعة استفادت لعقود من منطقة رمادية، فهي ليست محظورة بشكل كامل في أوروبا، ولا معلنة كجماعة إرهابية، لكنها تستغل الحريات المدنية لتعميق نفوذها".

وأوضح المركز أنه في الكثير من الدول الأوروبية، تتيح القوانين تأسيس جمعيات خيرية ومراكز ثقافة ومدارس دينية ومنظمات شبابية بسهولة، طالما أن نشاطها يبدو "مدنيا أو خدميا، والإطار القانوني يحد من قدرة السلطات على المراقبة المباشرة".

"ماكرون" أدرك خطرهم

ويرى المحلل السياسي والباحث بمركز الشؤون الخارجية والسياسية الفرنسي ألكسندر ديل فال، أن "ماكرون هو أول سياسي في فرنسا عبر بوضوح عن موقفه المناهض لجماعة الإخوان، بعدما فهم أنهم يريدون استخدام تنظيمهم كأداة لتقسيم البلاد".

وأوضح ديل فال في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "جماعة الإخوان تمكنت من توظيف القوانين الأوروبية القائمة على قيم التسامح وحقوق الإنسان لخدمة أجندتها الأيديولوجية"، محذرا من أن "القوانين التي وضعت لمكافحة العنصرية أصبحت تستخدم اليوم لتبرير نزعة تتعارض مع مبادئ الديمقراطية نفسها".

وأشار إلى أن "الاضطراب القيمي في أوروبا مكن الإخوان من استغلال منظومة القوانين الليبرالية في فرنسا وبريطانيا وغيرها، حيث تمنح امتيازات قانونية غير مباشرة لأي طرف يصور كضحية للتاريخ أو للتمييز".

وأكد الباحث الفرنسي أن "الإخوان استخدموا شعارات مكافحة العنصرية والتمييز الديني لتكريس نفوذهم المؤسسي داخل المجتمعات الأوروبية، وهذا الأسلوب يجعل الكثير من الإدارات المحلية والقضاة في أوروبا يخشون اتهامهم بالعنصرية، فيصدرون أحكاما لصالح كيانات إخوانية، مستندين إلى قوانين مكافحة التمييز أو الاندماج الاجتماعي، وبالتالي فالجماعة كثيرًا ما تربح دعاوى قضائية ضد البلديات أو الحكومات المحلية بهذه الطريقة".

وشدد على أن "الإخوان يتقنون استغلال منظومة القوانين الحديثة من تشريعات مكافحة العنصرية، إلى قوانين الاندماج الإيجابي، وقوانين حماية الأقليات لتقديم أنفسهم كأقلية مضطهدة، لا كحركة أيديولوجية تسعى إلى الهيمنة"، مضيفا أنهم "يقدمون أنفسهم باعتبارهم ممثلين لكل المسلمين، لتُعامل الجماعة ككيان مضطهد شأنها شأن الأقليات العرقية أو الجنسية، في حين أن هدفهم الحقيقي هو فرض أجندة انفصالية تستغل تسامح الغرب لتقويضه من الداخل".

وتابع ديل فال قائلا: "تحولت قيم التسامح في أوروبا إلى أداة يستخدمها المتطرفون لتمرير مشروعهم اللاتسامحي. نحن حرفيا ندمر أنفسنا بقوانيننا. إنها مفارقة مؤلمة، فالتسامح بات هو السلاح الذي يفتح الطريق أمام التطرف لينتصر من داخل منظومتنا القانونية ذاتها".

تراجع ملحوظ

وأوضح رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات جاسم محمد، أن "تنظيم الإخوان يمتلك خبرة طويلة في العمل داخل أوروبا، تعود إلى أربعينيات القرن الماضي، ما مكنه من استغلال مساحات الحرية والقوانين الأوروبية لصالحه".

وأضاف محمد في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، أن "الجماعة تدرك جيدا كيفية الإفلات من رقابة أجهزة الأمن والاستخبارات، إذ تنشط خلف واجهات تبدو قانونية وشرعية، مستفيدة من مفاهيم حرية الرأي والعمل المدني لترويج أفكارها وأيديولوجيتها، وبناء مجتمعات موازية داخل الدول الأوروبية، وهناك شواهد عديدة تؤكد أن الجماعة تستخدم هذه الواجهات لتقديم الدعم لجماعات متطرفة، كما تسهم في نشر الخطاب المتشدد عبر الإنترنت تحت غطاء حرية التعبير".

من جهة أخرى أكد أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تراجعا ملموسا في أنشطة الجماعة، نتيجة تشديد الرقابة من جانب أجهزة الاستخبارات الأوروبية.

المصدر: سكاي نيوز عربية

كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات تنظيم الإخوان الجمعيات الخيرية إيمانويل ماكرون فرنسا أوروبا الحريات المدنية مراكز ثقافة الإخوان المتطرفون مكافحة الإرهاب أجهزة الأمن والاستخبارات تنظيم الإخوان أوروبا الإخوان خطر الإخوان تنظيم الإخوان الجمعيات الخيرية إيمانويل ماكرون فرنسا أوروبا الحريات المدنية مراكز ثقافة الإخوان المتطرفون مكافحة الإرهاب أجهزة الأمن والاستخبارات شؤون أوروبية الدول الأوروبیة تنظیم الإخوان فی أوروبا

إقرأ أيضاً:

التآمر الناعم

تتخذ الولايات المتحدة خطاباً ناعماً في شأن السودان و لكنه يستبطن فعلاً مدمراً.
قالت الولايات المتحدة أنها إتخذت قرارات لوقف الدعم الخارجي للحرب في السودان و كان القرار هو إعتبار مواطنين و شركات كولمبية تعمل لشراء مرتزقة لإرسالهم لبلادنا و لكن القرار توقف في نقطة مهمة و هي قطع المدد المالي الذي يتم به الشراء و الذي يأتي من جهة و دولة معلومة و النتيجة أن من أوقعت عليهم العقوبات لا يزالون ينشطون و أن المال لا يزال يتدفق عليهم.

ثم أن أمريكا أوقفت الخطوات التشريعية لإعتبار الدعم السريع منظمة إرهابية.
و كانت ثالثة الأثافي أنها قررت برنامجاً إستخيارياً بينها و دول تعمل في إطار الرباعية.
الخلاصة أن كل الخطوات الأمريكية التي كنا ننتظرها و نأمل فيها خيراً جاءت داعمة للتمرد و ممكنة لهم بقوة السلاح و العتاد و المال و التشريع.

تصدر هذه القرارات و لا يزال بعضنا و من القمة يرجون فعلا حاسما من هذه الدولة التي لم تفعل خلال الفترة الماضية غير إحكام الرباط علي السودان.
كل هذا و لم ننتبه لأهمية أن نقابل كل هذا بتحرك خارجي من دول يمكن التعاون معها و بناء مصالح مشتركة لندعم مواقفنا في المنظمات و الهيئات، و التي بدأت تضعف بتضييع مواقع مهمة منها الإتحاد الأفريقي الذي تخاذلت مواقفه تحت ضغط الشراء و المال السياسي.

لا نزال نشهد خطوات داخلية تساعد في هذا الخنق بسبب الخوف من العالم الخارجي و أمريكا، و كانت النتيجة التضييق علي القوة الفاعلة في حسم التمرد بدعمها البشري المتواصل.

أُضعفت القوى الإسلامية و القوي الوطنية جراء نزع سبل الحياة من جهدها الدفاعي عندما أفرغت لجان المقاومة و الإستنفار من القيادات و الأفراد العاملة في الإستنفار و التعبئة و حراسة المدن و المواقع المدنية بالقوة.
بدلاً عن ذلك بدأت مظاهر للخلل بإستخدام السلاح لتحقيق منافع خاصة لمن أؤتمن عليه.
نتيجة هذا الإبعاد ستكون إضعافاً للقوات المسلحة في وقت حرج فقدنا فيه مواقع و مدن مهمة و إنتعش التمرد.
زاد من هذا الإضعاف عدم إدراك مغزى التحرك الخارجي لإضعاف قواتنا المسلحة التي ستواجه زيادة في المدد المالي و العسكري للتمرد.

كل الشعب السوداني علي يقين أن جيشنا قادر علي الإحاطة بكل هذا التآمر الخارجي الناعم و الغليظ منه و سيعيد الكفة للتوازن و يسرع بخطي تحرير كل البلاد من الجنجويد .
النتيجة السيئة من هذا الواقع أنها ستطيل أمد الحرب و توسع من الخسائر البشرية و المادية و قد أصبحت بلادنا منهكة إقتصاديا و إجتماعيا و خارجياً.

خطوات الإصلاح طريقها الواضح يتمثل في إعادة التوازن الداخلي بتجاوز الدفع لإعتبار القوى الوطنية و الإسلامية جماعات إرهابية طامعة في الحكم و كان بمقدورها أن تستجيب لطلب الدعم السريع التضامن معها و الإستيلاء علي الحكم و المشاركة فيه.

كان رفض هذه القوى للمتمردين يقوم علي أن الدعم السريع ما هو غير بندقية للبيع و هاهي الآن تباع للدول و المنظمات و شبكات كافة أنواع المتاجرات الخطيرة من السلاح و المخدرات التي إستخدموها بكثافة في الإعتصام و عندما كانت المواد المخدرة تنتشر و توزع و تلقي في شارع النيل و في الطرقات الكبيرة التي تعج بالشباب السوداني الواعد.

السودان ليس بالدولة الهينة التي تنتصر عليها التحركات الزاخرة بالطمع المالي و الطمع في الحكم سواء من التمرد و داعميه من القوي السياسية المتماهية معها و لا من الدول التي تطمع في ثرواتنا.

آن الأوان لإنهاء الصور المحزنة لجنودنا و ضباطنا الذين يلجأون لدول أخري بسلاحهم و عتادهم بعد أن فقدوا مواقعهم .
بلادنا أكبر من أن تعيش هذه الأوضاع .

راشد عبدالرحيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/11 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة حوار مع صديقي المصري عاشق السودان2025/12/11 نسمع ضجيجاً ولا نرى2025/12/11 إبراهيم شقلاوي يكتب: العودة للخرطوم ورسائل مفضل2025/12/11 إسحق أحمد فضل الله يكتب: (يا أيها القبر… كم أنت حلو)2025/12/11 هذه المقالة حِصراً لغير المتزوجين2025/12/10 قصة السرير !!2025/12/10شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات الجيش والمليشيات: لكن الدعم السريع وحش آخر 2025/12/10

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • المخاوف الأوروبية والهواجس الروسية
  • سياسي: خطة المفوضية الأوروبية تجاه أموال روسيا المجمدة تهدد الاقتصاد الأوروبي
  • التآمر الناعم
  • هند الضاوي: القضاء على الديمقراطيين أحد اهداف ترامب بتصنيف الاخوان جماعة إرهابية
  • هند الضاوي: ترامب يعتبر جماعة الإخوان أحد أدوات الحزب الديمقراطي في الشرق الأوسط
  • انقلاب دولي على "الإخوان".. هند الضاوي: ترامب يعتبر الجماعة أداة للديمقراطيين
  • ميسرة بكور: بعض الدول الأوروبية تتصرف وفق مصالحها الوطنية على حساب المصلحة المشتركة
  • FP: جماعة الإخوان لا تزال غير إرهابية وحظرها سيعزز قمع أنظمة المنطقة
  • ميرتس يؤكد على أهمية تعزيز الركيزة الأوروبية داخل حلف الناتو
  • تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.. نهاية للحرب أم تصعيد للصراع في السودان؟